القسم السادس |
مجتهداً في أمر الله أصالة الأسوة مسألة: الأصل في كل صفة تذكر للمعصومين (عليهم الصلاة والسلام): (الأسوة)، فقولها (عليها السلام): (فلا ينكفئ حتى يطأ… ويخمد… مكدوداً في ذات الله… مجتهداً في أمر الله.. الخ) يقتضي لزوم الإتباع في الجملة، ورجحانه مطلقا، وما خرج خرج بالدليل، ومن ذلك يستفاد رجحان الاجتهاد في أمر الله عز وجل. ثم إن الإتباع في كل بحسبه وعلى درجة تعقله وتحمله، إذ (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها)(1) و(إلا ما آتها)(2). ومن هنا قال الإمام أميـــر المؤمنين (عليه السلام): «ألا وأنكم لا تقدرون على ذلك ولكن أعــينوني بورع واجتهـــاد وعـــفة وســداد»(3) ولهذا المبحث تفصيل نتركه لمجال آخر. ولعل الفرق بين (الكد) و(الاجتهاد) أن الأول عملي والثاني علمي، حيث قالت (سلام الله عليها): (في أمر الله)، لأن أمر الله يحتاج إلى الاستنباط والاستخراج فتأمل. ثم إن الاجتهاد في كلامها (عليها السلام) لا يراد به الاجتهاد المعروف عند الفقهاء ـ المصطلح عليه بالوضع التعيني لاحقا ـ فإن أمير المؤمنين علياً (عليه الصلاة والسلام) عالم بكل الأحكام لا عن الاجتهاد، بل بإلهام من الله تعالى وعطاء من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعبر النكت في القلب والنقر في الأسماع ورؤية عمود النور، وشبه ذلك مما تجد تفصيله في الأخبار، بل المراد بالاجتهاد بذل غاية الجهد بالنسبة للأحكام الإلهية وأوامره(4). ويمكن أن يقال في الجملتين، غير هذا الذي ذكرناه، إذ من المحتمل أن يراد بـ (مكدودا …) الإشارة إلى ما توجه نحوه (عليه السلام) من ضغوط ومتاعب وأذى، وبـ(مجتهدا.. ) ما حمّل نفسه من جهد وعناء في سبيل الله، وهما كاللازم والملزوم(5). وبعبارة أخرى: فإن (المتنمر في ذات الله) ـ كما وصف عليه السلام به ـ يواجه صعوبتين: الأولى: نابعة من صميم طبيعة الاجتهاد والتنمر كحرمان المرء نفسه من شتى اللذائذ الحسية كالنوم والمأكل والملبس والمركب الفاره وغير ذلك مما يقتضيه الاجتهاد والجهاد. والثانية: نابعــة مــن طبيعة رد فعــل المجتمــع تجاه ذلك المتنمر المجتهد، حيث أنهم يتألبون ضده ويتربصون به الدوائر ويحيكون ضده المؤامرات ويثير فيهم حسدا وكراهية، لكونه يهدد مصالحهم (وما نقموا من أبي الحسن إلا شدة تنمره في ذات الله)(6). وكما قالوا لولده الإمام الحسين (عليه السلام) في يوم عاشوراء: (نقتلك بغضا منا لأبيك). فأشارت (عليها السلام) للجهة الأولى بقولها: (مجتهدا في أمر الله)، وللثانية بـ: (مكدودا في ذات الله). من صفات القائد مسألة: على القائد أن يكون في كد واجتهاد دائمين، ويدل عليه سيرة الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) والإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) وفاطمة الزهراء (عليها السلام) وسائر أهل البيت (عليهم السلام) كما على سائر المؤمنين أيضاً ـ وجوبا أو استحبابا ـ تأسيّا ونظراً لقوله (صلى الله عليه وآله وسلم): (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته)(7). ولقوله سبحانه: (يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك)(8) أي يلزم أن يستمـر الكـدح الذي جهتـه (إلى ربك)، بناء على كونهـا جملة خبرية في مقام الإنشاء حتـى يصـل الإنسـان إلى دار حقه(9) فيموت، ولغير ذلك، إلا أن الأمر في القائد آكد والحكم له ألزم كما لا يخفى. والمراد بالكدح في الآيات: الأعم من الكد والاجتهاد، إذ أنهما إذا ذكر كل واحد منهما منفردا شمل كليهما، وإذا ذكرا معا كان لكل معنى في قبال الآخر، ذلك أنهما كالظرف والجار والمجرور: (إذا اجتمعا افترقا وإذا افترقا اجتمعا)(10). وفي الزيارة: «أشهد أنك أديت عن الله وعن رسوله صادقاً وقلت أميناً ونصحت لله ولرسوله مجتهداً»(11). والاجتهاد كل ما يكون فيه جهد على النفس ومشقة لها. وفي الحديث عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: «من اجتهد من أمتي بترك شهوة من شهوات الدنيا فتركها من مخافة الله آمنه الله من الفزع الأكبر وأدخله الجنة»(12). وقال أمير المؤمنين(عليه السلام): «من اجهد نفسه في إصلاحها سعد»(13). وفي الحديث عنه (عليه السلام) قال: «خلق الله تعالى ملكاً تحت العرش يسبحه بجميع اللغات المختلفة فإذا كان ليلة الجمعة أمره أن ينزل من السماء إلى الدنيا ويطلع إلى أهل الأرض ويقول: … يا أبناء الأربعين جدوا واجتهدوا» الحديث(14). وقال (عليه السلام): «اجتهدوا في العمل فان قصر بكم ضعف فكفوا عن المعاصي»(15). وعنهم (عليهم السلام): «جدوا واجتهدوا وان لم تعملوا فلا تعصوا»(16).
قريبا من رسول الله (صلى الله عليه وآله) القرب من رسول الله (صلى الله عليه وآله) مسألة: يستحب أو يجب ـ حسب اختلاف الموارد ـ أن يسعى الإنسان ليكون قريبا من رسول الله (صلى الله عليه وآله) في كل شؤونه وفي جميع أموره: في الفكر والعمل، والقلب والقالب، في مأكله ومشربه، وملبسه ومنكحه، ويقظته ومنامه وغير ذلك، كما كان أمير المؤمنين علي (عليه الصلاة والسلام) كذلك، حيث وصفته السيدة الزهراء (عليها السلام) ههنا بقولها: (قريبا من رسول الله (صلى الله عليه وآله))، وهي إحدى أهم فضائله (عليه السلام). هذا إذا أريد بـ(قريباً) معنى القرب العملي، أي قريبا (في أعماله) أو (من حيث العمل) منه (صلى الله عليه وآله)، وأما إذا أريد بـ(قريبا): القرب النسبي أي (ذو قرابة) من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فهـو أيضا بيان لإحدى فضائله (عليه الصلاة والسلام) حيث أن القريب يرث ـ بالمعنى الأعم والأخص(17) أيضا ـ قريبه إذا كان مؤهلا(18) للإرث ولم يكن ثمة مانع. وقد ورد في الحديث: (لن تشذ عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لحمته). ويمكن أن يراد بكلمة (قريبا): الجامع بين كلا المعنيين فهما مصداقان لذلك الكلّي. وهل يستحب طلب القرابة النسبية أو السببية؟ يحتمل ذلك، قال (صلى الله عليه وآله): «كل حسب ونسب منقطع يوم القيامة إلا حسبي ونسبي»(19). ويحتمل أن يراد من قولها (عليها السلام): (قريبا من رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه كان أمير المؤمنين علي (عليه الصلاة والسلام) قريبا من رسول الله (صلى الله عليه وآله) في حروبه بل مطلقا. أو تعني (عليها السلام) ـ كما سبق ـ أنه (عليه السلام) من أقرب أقرباء الرسول (صلى الله عليه وآله) لأنه ابن عمه بينما العباس لم يكن كذلك، لأن عليا (عليه السلام) أبوينيّ، والعباس أبي فقط(20) وإذا كان المراد (الجامع) بين المعنيين، كان انحصار القرب فيه (عليه السلام) أجلى وأوضح. قال تعالى: (قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى)(21). وعن أبي حمزة عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله تعالى: (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيرا ونساءً واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا )(22) قال: «قرابة الرسول (صلى الله عليه وآله) وسيدهم أمير المؤمنين، أمروا بمودتهم فخالفوا ما أمروا به»(23). وقد اعترفوا بأن علي بن أبي طالب (عليه السلام) أول الناس في الإسلام سبقاً وأقرب الناس برسول الله (صلى الله عليه وآله)(24). وفي حديث احتجاج أمير المؤمنين (عليه السلام) على أبي بكر بثلاث وأربعين خصلة قال (عليه السلام): «… فانشدك بالله، أنت الذي سبقت له القرابة من رسول الله (صلى الله عليه وآله) أم أنا»(25). وعن الإمام الحسين (عليه السلام) قال: «وان القرابة التي أمر الله بصلتها وعظم من حقها وجعل الخير فيها قرابتنا أهل البيت الذين أوجب الله حقنا على كل مسلم»(26).
سيداً في أولياء الله (27) ذكر الفضائل مسألة: سبق أن ذكر فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام) فضيلة وعبادة، وهي من المستحبات النفسية، وبعض مصاديقه من الواجبات النفسية، فيستحب ـ وقد يجب ـ ذكر فضائله مطلقا، فان ما ذكرته (عليها الصلاة و السلام) إنما هو من باب المصداق لا من باب الحصر أو الخصوصية(28)، كما هو واضح، نعم ما ذكرته كان من المصاديق البارزة جدا في حياته (عليه الصلاة و السلام). ولا يخفى أن الذكر اعم من اللفظ والكتابة والإشارة وما أشبه ذلك. و(ولي الله) هو الذي يطيعه ولا يخالفه ويجتهد في امتثال أوامره. مقتضى السيادة المطلقة مسألة: يستفاد من قولها (عليها السلام) (سيدا في أولياء الله) أو (سيد أولياء الله) وجوب احترامه (عليه السلام) وتعظيمه والذب عنه واطاعة أوامره، فان ذلك هو مقتضى (السيادة على الإطلاق)(29) بل مقتضى مطلق (السيادة) ـ في الجملة ـ. وقد كان (صلوات الله عليه) (سيدا على الإطلاق) واستفادة ذلك على تقدير كون النسخة (سيد أولياء الله) ـ بناء على قراءته بالنصب ـ واضحة، أما على تقدير كونها (سيدا في أولياء الله) فالأمر كذلك بلحاظ السياق والمقام(30)، بل بلحاظ الجملة بذاتها إذ تعني كان (عليه السلام) (في أولياء الله سيدهم) كما هو المستفيد عرفا عند إطلاق هذه الجملة كما فيما لو قلت (رسول الله (صلى الله عليه وآله) سيد في أنبياء الله). وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «علي سيد الأوصياء ووصي سيد الأنبياء»(31). وقال (صلى الله عليه وآله): «علي سيد العرب.. والسيد من افترضت طاعته كما افترضت طاعتي»(32). وقال (صلى الله عليه وآله): «أنا سيد ولد آدم وعلي سيد العرب»(33). وقال (صلى الله عليه وآله): «أنا سيد النبيين وعلي سيد الوصيين وإن أوصيائي بعدي اثنا عشر أولهم علي بن أبي طالب وآخرهم القائم»(34). وقال (صلى الله عليه وآله): «يا علي أنت سيد هذه الأمة بعدي وأنت إمامها وخليفتي عليها، من فارقك فارقني يوم القيامة ومن كان معك كان معي يوم القيامة»(35). وعن سليم عن سلمان قال: «كان الحسين (عليه السلام) على فخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو يقبله ويقول: أنت السيد، ابن السيد، أبو السادة، أنت الإمام، ابن الإمام، أبو الأئمة، أنت الحجة، ابن الحجة، أبو الحجج، تسعة من صلبك وتاسعهم قائمهم»(36). وعن أنس بن مالك قال: «بينما أنا عند رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): الآن يدخل سيد المسلمين وأمير المؤمنين وخير الوصيين وأولى الناس بالنبيين، إذ طلع علي بن أبي طالب»(37). وقال (صلى الله عليه وآله): «يا أم سلمة اسمعي واشهدي، هذا علي بن أبي طالب سيد المسلمين وإمام المتقين وقائد الغر المحجلين»(38). الإخبار في مقام الإنشاء مسألة: ربما يقال: كما أن (يعيد صلاته) إخبار في مقام الإنشاء، كذلك هذه الصفات المذكورة في كلامها (عليها السلام) وصفا للإمام (عليه السلام) تعد إخبارا في مقام الإنشاء، بفارق أن ذلك إنشاء الأمر لمن وقع مخبرا عنه وهذا إنشاء الأمر لغير من وقع مخبرا عنه(39). وربما يقال: باستفادة ذلك عرفا في كل ما هو أمثال المقام(40) حيث إن قوام الإنشاء بالمقصد والمبرز وهما مما يرى العرف تحققهما في أمثال المقام نظرا للقرائن المقامية وإلا فمن الممكن القول بأن ذلك من البطون، فتأمل.
مشمّراً ناصحاً على أهبة الاستعداد مسألة: يستحب أن يكون الإنسان مشمّرا دائما لأجل الله سبحانه، وهذا مما يستفاد من كلامها (عليها السلام) كما سبق، ومن الآيات والروايات بالدلالة المطابقية أو الالتزامية أو غيرها كقوله تعالى: (وسارعوا إلى مغفرة من ربكم)(41). وقوله سبحانه: ( فاستبقوا الخيرات)(42). والتشمير: عبارة عن جمع الثياب من الرجلين واليدين كي لا تكن عائقا عن الحركة، وهو كناية عن الاستعداد الدائم للتحرك والانطلاق في مختلف الأبعاد لاجل نصرة دين الله، دون عائق ومانع. ثم إنه هل يعد من مصاديق التشمير ما جاء في بعض الروايات من ( تخففوا تلحقوا)(43)؟ الظاهر ذلك، فيشمل إذن كل ما يعوق الإنسان عن الحركة ويسبب أن يكون كما قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا مالكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل)(44). ومن ذلك تملك الدور والعقار أكثر من الاحتياج، وكذلك القصور والرفاهية في العيش وشبه ذلك، ولذلك عاتب الإمام أمير المؤمنين علي (عليه السلام) أحد أصحابه بالبصرة وهو العلاء بن زياد الحارثي لما دخل عليه يعوده، فلما رأى سعة داره قال: «ما كنت تصنع بسعة هذه الدار في الدنيا، وأنت إليها في الآخرة كنت أحوج وبلى إن شئت بلغت بها الآخرة: تقري فيها الضيف، وتصل فيها الرحم، وتطلع منها الحقوق مطالعها، فإذا أنت قد بلغت بها الآخرة»(45). وهكذا المخلصون لله والمجاهدون في سبيله (مشمّرون أبداً) و(متخففون دائماً). ويؤمي إليه ما ذكره التاريخ من قصة سلمان وأبي ذر ووقوفهما على الصخرة المحماة. النصيحة لله مسألة: يستحب النصح لله وقد يجب، فان النصح واجب في مقام الوجوب ومستحب في مقام الاستحباب، وهو ـ في أحد معنييه ـ عبارة عن التوجيه إلى الخير بكل جد وإخلاص(46). وحيث حُذِفَ (المتعلق) منه، فإنه يفيد كلا معنيي النصح، إذ النصح قد يكون للإنسان وقد يكون لأمر الله سبحانه وتعالى(47). فيقال (نَصحهُ) في الأول و (نَصَحَ له) في الثاني ـ غالبا ـ، ويمكن استفادة ذلك(48) بضميمة دليل الأسوة. قال سبحانه: (ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حَرَج إذا نصحوا لله ورسوله ما على المحسنين من سبيل والله غفور رحيم)(49). وقال تعالى: (وأنا لكم ناصح أمين)(50). فـ(ناصحا) أي لكم على الاحتمال الأول، أو (ناصحا) أي لله على الاحتمال الثاني. والنصح لله، أي خلوص النية و العمل له وخلوها من كل شرك ورياء وسمعة وما أشبه. والنصح للناس: ارشادهم، وهو مشرب بمعنى الخلوص، أي إرشادهم إرشادا غير مشوب بمصلحة أو غش أو خداع، أي إرشادهم خالصا مخلصا وبقصد الهداية لا غير. قولها (عليها السلام): (مشمرا ناصحا) أي أن أمير المؤمنين عليا (عليه الصلاة والسلام) كان مشمرا ثيابه دائما في سبيل تقديم الإسلام إلى الأمام، والمراد به الجد والاهتمام والمضي والنفوذ، وكان مع ذلك ناصحا وليس ككثير من الناس حيث يجدون ويكدحون لكنهم لا يريدون النصح(51) وإنما يريدون لانفسهم جاهاً ومالاً و عزةً ورفاهاً وما أشبه ذلك، أو انهم يجدّون ويكدحون لكن يمزجون ذلك بالغش والخداع، فالتشمير هو المظهر والنصح هو المخبر، وذاك فعل وهذا(52) صفة، وهذا واضح على المعنى الثاني للنصح(53) ومتضمنٌّ في المعنى الاول(54). قال (عليه السلام): «ثلاثة لا يعذر المرء فيها: مشاورة ناصح ومداراة حاسد والتحبب إلى الناس»(55). وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): «اقبلوا نصيحة ناصح متيقظ وقفوا عندما أفادكم من التعليم»(56). وقال الإمام الباقر (عليه السلام): «اتبع من يبكيك وهو لك ناصح، ولا تتبع من يضحكك وهو لك غاش، وستردون إلى الله جميعاً فتعلمون»(57). وقال (عليه السلام): «فطوبى لمن قبل نصيحة الله وخاف فضيحته»(58). وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): «الموعظة نصيحة شافية»(59). وقال (عليه السلام): «من أعرض عن نصيحة الناصح أحرق بمكيدة الكاشح»(60). وقال (عليه السلام): «اتعظوا بمواعظ الله واقبلوا نصيحة الله»(61). وقال (عليه السلام): « ألا أن الفضائل عشرة: صدق الحديث، وصدق المودة، ونصيحة الناس…» الحديث(62). وقال (عليه السلام): «وحق الناصح أن تلين له جناحك وتصغي إليه بسمعك…»(63). وفي الزيارة: «السلام عليكم يا أنصار أبي محمد الحسن بن علي الولي الناصح»(64). وفي زيارة الإمام الحجة (عليه السلام): «اللهم صل على حجتك في أرضك… المرتقب الخائف والولي الناصح…»(65). وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «مشاورة العاقل الناصح رشد ويمن وتوفيق من الله، فإذا أشار عليك العاقل الناصح فإياك والخلاف فان في ذلك العطب»(66). وقال أمير المؤمنين(عليه السلام): «إن هذا القــرآن هــو الناصـــح الـــذي لا يغـــش والهادي الـــذي لا يضل والمحدث الذي لا يكذب»(67). وقال (عليه السلام): «ليكن أحب الناس إليك المشفق الناصح»(68). وقال (عليه السلام): «لا شفيق كالودود الناصح»(69). وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «عليك بعلي (عليه السلام) فانه الهادي المهدي الناصح لأمتي، المحيي لسنتي وهو إمامكم بعدي»(70).
مجدا كادحا الجد والكدح(71) مسألة: يستحب التأكيد على الجدّ والكدح، وبيانها (عليها السلام) المطلب بعبارات قد يترائى أنها مترادفة للأهمية، ولكن: لا يخفى الفرق بين الجدّ والاجتهاد والكدّ والكدح، كما يعرف ذلك المتأمل في فقه اللغة، وكما هو شأن لغة العرب حيث إن اللفظ يتضمن دلالة لا توجد في اللفظ المشابه له وإن عبّر عنه بالمرادف. وقد ألمعنا في (الأصول) إلى أنه لا يوجد (ترادف) حقيقي في لغة العرب، فالأسد يطلق عليه: الأسد والهزبر والليث والضرغام وغير ذلك، كل واحد منها بلحاظ حالة من حالاته أو جهة من جهاته، وهكذا وهلمّ جرّا. قولها (عليها السلام): (مجدّاً كادحاً) أي أن عليا أمير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام) كان مجدّاً في أمر الله تعالى، في جهاده وحروبه وعبادته وسائر شؤونه كلها. و(كادحاً): الكدح أشدّ التعب(72) قال سبحانه: (يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه)(73). يعني: إن الإنسان في أشد التعب و النصب إلى أن يلاقي ربه. وفي الخطبة الشقشقية: «ويكدح فيها قلب المؤمن حتى يلقى به»(74). وعلي أمير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام) كان هكذا، غير أن الفرق أن الإنسان: تارة: تحيط به المشاكل والهموم ويقع في تعب ونصب بدون اختياره(75). وتارة: يكدُّ ويكدح ويبذل قصارى جهده ويحمّل نفسه قصوى طاقاتها بملأ اختياره، وذلك في سبيل الله عز وجل. وثالثة: يكون ذلك كله، لكن لأجل لذة عابرة أو هوى متبع. والآية الشريفة تشمل الأقسام الثلاثة تفسيرا، و القسم الثاني بلحاظ (إلى ربك)(76) أو أنه أجلى المصاديق وأكملها. وفي أدعية شهر رمضان: «وارزقنا في هذا الشهر الجد والاجتهاد، والقوة والنشاط..»(77). وفي دعاء كميل: «وهب لي الجد في خشيتك»(78). وقال (عليه السلام)«لا يدرك الحق إلا بالصدق والجد»(79). وقال أمير المؤمنين(عليه السلام): «لـقــد أخطـأ العاقـل اللاهـي وأصابـه ذو الاجتهـاد والجد»(80). وقال (عليه السلام): «المؤمن يعاف اللهو ويألف الجد»(81). وقال (عليه السلام): «طاعة الله لا يحوزها إلا من بذل الجد واستفرغ الجهد»(82). وقال (عليه السلام): «ان كنتم للنجاة طالبين فارفضوا الغفلة واللهو وألزموا الاجتهاد والجد»(83). وقال (عليه السلام): «ما أدرك المجد من فاته الجد»(84). وقال (عليه السلام): «اللهو يفسد عزائم الجد»(85).
وأنتم في رفاهية من العيش، وادعون فاكهون آمنون هل الرفاهية مذمومة؟ مسألة: هل يستفاد من كلامها (عليها السلام) أن الرفاهية والدعة والفكاهة والأمن مذمومة بما هي هي؟ الظاهر:لا، إذ من الواضح أن الذم لهذه الصفات بالعرض لا بالذات كما يفيده منحى الكلام ومصبه وسياقه، إذ أن أمير المؤمنين علياً (عليه السلام) كان (مكدوداً.. مجتهداً.. مشمّرا…) والحال كنتم (أنتم في رفاهية من العيش وادعون فاكهون آمنون) فكون الجملة حالية، ولحوقها بـ (تتربصون بنا الدوائر) خير شاهد على ذلك. وبعبارة أخرى، الإشكال على القوم هو: أنكم مع كون الإسلام في خطر رهيب، والرسول (صلى الله عليه وآله) في صراع مرير، وأمير المؤمنين علي (عليه السلام) في مواجهة صعبة، لكنكم كنتم تعيشون وادعين فاكهين آمنين! بل الأدلة العامة والخاصة تدل على مطلوبية الأمن، وعدم كراهة الرفاهية والدعة ـ ولو في الجملة ـ قال تعالى: (فليعبدوا ربّ هذا البيت * الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف)(86). وقال سبحانه: (وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً يعبدونني لا يشركون بي شيئاً)(87). وقال عز وجل: (قل من حرم زينة الله التي اخرج لعباده والطيبات من الرزق)(88). مواساة الشعب للقائد مسألتان: كما يذم العقلاء ويحكم العقل بقبح أن يعيش الأب في راحة ودعة وهناء وأبناؤه في خوف وقلق ومشاكل وهو لا يمد لهم يد العون ولا يشاركهم جشوبة العيش، كذلك العكس، فإنه أيضاً قبيح ومذموم. وكما يكره(89) ـ عقلاً وعرفاً ـ أن يعيش القائد في بحبوحة من العيش وشعبه يتضور جوعا، أو يعيش آمنا وشعبه وجِل خائف، كذلك العكس بأن يلقي الشعب كل العبء على كاهل الدولة أو القائد، لينصرف إلى حياته اليومية وملذاته الجسدية. وربما كان ذلك بين محرّم و مكروه. يقول الإمام أمير المؤمنين علي (عليه السلام): «ولكن أعينوني بورع واجتهاد وعفة وسداد»(90). وكلامها (صلوات الله عليها) إشارة إلى الصورة الثانية كما لا يخفى. وقال أمير المؤمنين (عليه السلام) في حث قومه على المسير إلى الشام لقتال معاوية: «اتقوا الله عباد الله وأطيعوه وأطيعوا إمامكم فان الرعية الصالحة تنجو بالإمام العادل، ألا وان الرعية الفاجرة تهلك بالإمام الفاجر، وقد أصبح معاوية غاصباً لما في يديه من حقي، ناكثاً لبيعتي، طاغياً في دين الله عز وجل وقد علمتم أيها المسلمون ما فعل الناس بالأمس فجئتموني راغبين إلي في أمركم حتى استخرجتموني من منزلي لتبايعوني… فبسطت لكم يدي يا معشر المسلمين وفيكم المهاجرون والأنصار والتابعون بإحسان فأخذت عليكم عهد بيعتي وواجب صفقتي عهد الله وميثاقه وأشد ما أخذ على النبيين من عهد وميثاق لتقرن لي ولتسمعن لأمري ولتطيعوني وتناصحوني وتقاتلون معي كل باغ علي أو مارق إن مرق… فاتقوا الله أيها المسلمون وتحاثوا على جهاد معاوية القاسط الناكث وأصحابه القاسطين الناكثين واسمعوا ما اتلوا عليكم من كتاب الله المنزل على نبيه المرسل لتتعظوا فانه والله ابلغ عظة لكم فانتفعوا بموعظة الله وازدجروا عن معاصي الله فقد وعظكم الله بغيركم فقال لنبيه (صلى الله عليه وآله) (ألم تر إلى الملأ من بني إسرائيل من بعد موسى إذ قالوا لنبي لهم ابعث لنا ملكاً نقاتل في سبيل الله، قال هل عسيتم أن كتب عليكم القتال ألا تقاتلوا، قالوا وما لنا ألا نقاتل في سبيل الله وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا فلما كتب عليهم القتال تولوا إلا قليلا منهم والله عليم بالظالمين)(91) اتقوا الله عباد الله وتحاثوا على الجهاد مع إمامكم، فلو كان لي منكم عصابة بعدد أهل بدر إذا أمرتهم أطاعوني وإذا استنهضتهم نهضوا معي لاستغنيت بهم عن كثير منكم»(92). ومن كلامه (عليه السلام) ما اشتمل على التوبيخ لأصحابه على تثاقلهم عن قتال معاوية: «أيها الناس اني استنفرتكم لجهاد هؤلاء فلم تنفروا، وأسمعتكم فلم تجيبوا، ونصحت لكم فلم تقبلوا شهوداً بالغيب، أتلو عليكم الحكمة فتعرضون عنها وأعظكم بالموعظة البالغة فتنفرون عنها… وأحثكم على جهاد أهل الجور فما آتي على آخر قولي حتى أراكم متفرقين أيادي سبا ترجعون إلى مجالسكم تتربعون حلقا تضربون الأمثال وتنشدون الأشعار وتجسسون الأخبار… ونسيتم الحرب والاستعداد لها، فأصبحت قلوبكم فارغة من ذكرها، شغلتموها بالأعاليل والأضاليل، فالعجب كل العجب، وكيف لا أعجب عن اجتماع قوم على باطلهم وتخاذلكم عن حقكم… إمامكم يطيع الله وأنتم تعصونه، وإمام أهل الشام يعصي الله وهم يطيعونه»(93). وبشكل عام فان عدم مشاطرة الشعب للقائد والدولة همومها وغمومها، قد يكون لنقصٍ في الشعب، وقد يكون لنقص في القائد (كما في الحاكم المستبد الجائر) وقد يكون في الاثنين معاً. ولا ريب إن كلام السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) في خطبتها من الشق الأول كما هو أوضح من أن يخفى(94). ولهذه الأقسام الثلاثة مباحث كثيرة ذكرناها في الفقه (95). قولها (عليها السلام): (وأنتم في رفاهية من العيش)، إذ الغالب انهم كانوا لا يعملون عمل أمير المؤمنين علي (عليه الصلاة والسلام) من الجد والاجتهاد والكدح ونحو ذلك، بل يعيشون عيشة رفاه حقيقي أو نسبي، ولعلّ السيدة الزهراء (عليها السلام) كانت تقصد أولئك الذين سيطروا على الأمور وقد كان همّهم لذّات الحياة ورفاهية العيش. وإلا فلا شك أن كثيرا من المسلمين أيضا كانوا يجتهدون ويجاهدون، وإن كانت النسبة بين جهادهم وجهودهم وجهاد أمير المؤمنين علي (عليه السلام) وجهوده كنسبة الثرى إلى الثريّا بل أكثر، وكأن كلامها تعريض بهم في قبال أمير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام). فهل يصلح للخلافة من كان (في رفاهية من العيش فكهاً آمناً وادعاً) وهو يرى الأخطار تحيط بالرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) عن كل حدب و صوب. وهل يصلح لرعاية الأمة ودرء الأخطاء عنها من كان في حياة الرسول (صلى الله عليه وآله) كذلك؟ أو ليس الأمر متعينا في الإمام أمير المؤمنين علي (عليه السلام) وهو الوحيد الذي انطبقت عليه تلك الصفات وفي أعلى الدرجات. قال تعالى: (فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله وكرهوا أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله وقالوا لا تنفروا في الحر قل نار جهنم أشد حرا لو كانوا يفقهون)(96). وقال سبحانـــه: (وإذا أُنزلـــت سورة أن آمنوا بالله وجاهدوا مع رســولــه استــأذنك أولوا الطـــول منــهم وقالوا ذرنا نكن مع القاعدين)(97). وقال عز وجل: (لو كان عرضا قريبا وسفرا قاصدا لاتبعوك ولكن بعدت عليهم الشقة…)(98). قولها (عليها السلام): (وادعون فاكهون)، أي: هم في دعة وفراغ بال فيتفكهون بالأحاديث وبأنواع الأطعمة وغيرها. (آمنون) من الخطر والخوف، لأن الذي لا يحارب الأعداء يأمن منهم عادة، فإذا غَلَبه المسلمون فهم مع الغالبين، وإذا غُلِبَ المسلمون فالأعداء قد لا يضرونهم لأنهم لم يكونوا من المحاربين(99) وحتى لو اشتركوا في الحروب فإن مشاركتهم هامشية ولم تكن عن جد وواقعية، بل كانت لبعضهم صداقات مع الكفار وعلاقات أو عهود ومواثيق كما هو مذكور في التواريخ.
لا تأخذه في الله لومة لائم أقوى من الملامة مسألة: الواجب على القائد أن لا يصدّه عن العمل بالحق لوم اللائمين، فلا تأخذه في الله لومة لائم، كما ورد بالنسبة إلى أهل البيت (عليهم السلام) وجدهم رسول الله (صلى الله عليه وآله). فإنه إذا كان على العكس من ذلك انحرف عن الطريق، وكل انحراف عن طريق الله سبحانه وتعالى ولو بمقدار شعرة يجرّ إلى مشاكل دنيوية قبل المشاكل الأخروية، فان الله عز وجل جعل قوانينه في التشريع مثل قوانينه في التكوين، فكما أن كل انحراف عن قوانين الله التكوينية يوجب عطبا وخبالا ويجر إلى مآسي وويلات، كل بقدره، كذلك كل انحراف عن القوانين التشريعية يوجب ذلك، حتى وإن لم يظهر أثره فوراً، فإن الأعمال كالبذور والنوى تظهر نتائجها بعد مدّة قريبة أو بعيدة. قال تعالى: (يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم)(100). وعن محمد بن أبي عمير قال: «ما سمعت ولا استفدت من هشام بن الحكم طول صحبتي له شيئاً أحسن من هذا الكلام في عصمة الإمام (عليه السلام)… ـ إلى أن قال: ـ فان الله عز وجل قد فرض عليه (أي على الإمام) إقامة الحدود وأن لا تأخذه في الله لومة لائم»(101). وعن أبي ذر (رضي الله عنه) قال: «أوصــانــي رســول الله (صلى الله عليه وآله) بسبــع… وأوصانـــي أن لاأخاف في الله لومة لائم»(102). وقال (صلى الله عليه وآله): «لا تخف في الله لومة لائم»(103). وقال علي (عليه السلام) في وصيته لابنيه الحسن والحسين (عليهما السلام): «أوصيكما بتقوى الله… ولا تأخذكما في الله لومة لائم»(104). ثم إنه على القائد أن يجعل رضى الله هو المقياس لا كلام الناس وتقييمهم ولومهم وعتابهم، وعليه أن يكون أقوى من (الملامة) لا مستسلما لها. قال تعالى: (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم قل ان هدى الله هو الهدى ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا نصير)(105). وقال سبحانه: (ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله والله رؤوف بالعباد)(106). وقال تعالى: (أفمن اتبع رضوان الله كمن باء بسخط من الله ومأواه جهنم وبئس المصير)(107). وقال سبحانه: (ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط الله وكرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم)(108). وعن الإمام الصادق عن أبيه عن جده (عليهم السلام) قال: «ان رجلاً من أهل الكوفة كتب إلى أبي الحسين بن علي (عليه السلام) يا سيدي أخبرني بخير الدنيا والآخرة، فكتب(عليه السلام): بسم الله الرحمن الرحيم، أما بعد، فان من طلب رضى الله بسخط الناس كفاه الله أمور الناس، ومن طلب رضى الناس بسخط الله وكله الله إلى الناس، والسلام»(109). وقال (صلى الله عليه وآله): «من طلب رضى مخلوق بسخط الخالق، سلط الله عز وجل عليه ذلك المخلوق»(110). وقال أمير المؤمنين(عليه السلام): «ما أعظم وزر من طلب رضى المخلوقين بسخط الخالق»(111). وقال (عليه السلام): «من أرضى الخالق لم يبال بسخط المخلوق»(112). وقال أبو عبد الله الصادق (عليه السلام): «إن من اليقين ألا ترضوا الناس بسخط الله عز وجل»(113). وعن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «من أرضى سلطاناً بسخط الله خرج من دين الله» (114). وإطلاق كلامها (عليها السلام) يشمل الملامة على الالتزام بالواجبات (كالجهاد والعدل وإنصاف الناس من النفس) وترك المحرمات (كموادة من حارب الله، ومداهنتهم، والرشوة و..). ثم إن الملامة قد توجه للإنسان لالتزامه بمكارم الأخلاق، كسعة الصدر، والإغضاء عن السيئة، والعفو عند المقدرة، والإيثار، وانهاك البدن في طاعة الله، وفي قضاء حوائج الناس و.. كما لا يخفى. والقائد ـ بل مطلق المؤمن ـ عليه أن لا يصدّه عن كل ذلك لوم اللائمين وعتابهم، فإن إحراز رضى الخالق جل وعلا أولى من إحراز رضى المخلوق، ولوم العاجلة أهون من لوم الآخرة. ولقد عدّت السيدة الزهراء (عليها السلام) هذه الصفة في طليعة السمات البارزة للإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) لأنه كان الذي لا تأخذه في الله لومة لائم بشكل مطلق، وفي كل الازمنة، وبالنسبة لمختلف الأفراد، وفي مختلف الحالات، وفي مؤازرته للرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) في أشد الظروف، في مكة و المدينة، وفي تعامله مع أخيه عقيل (عليه السلام) ومساواته في العطاء. وفي قوله (عليه السلام): «أنا فقئت عين الفتنة وما كان أحد ليجترئ عليها غيري»(115) و.. و.. أكبر شاهد ودليل. والجدير بالذكر أن الذي يسبب (أن لا تأخذ الإنسان في الله لومة لائم) هو: الإيمان والشجاعة والإخلاص لله، وكلما كانت درجتها أشد كان أقرب إلى المطلق في عدم الاعتناء بالملامة، وقد كانت القمة في الإمام (عليه السلام).
تتربصون بنا الدوائر تربص الدوائر بالمؤمنين مسألة: تربص الدوائر بالمؤمن ـ فكيف بأهل بيت الرسول (صلى الله عليه وآله) ـ محرّم إن اقترن بالفعل الخارجي، وإن اقتصر على الحالة النفسية، فان استلزم سلب الإيمان والاعتقاد، كان حراماً طريقيا بالنسبة إلى غير المعصومين (عليهم السلام)، ومحرم نفسي بالنسبة لهم (عليهم السلام). وقد يقال: بحرمة مطلق تربص دائرة السوء بالنسبة لمطلق المؤمنين، بل سيأتي إن (الرضى) بظلم المؤمن حرام فكيف بتربص ذلك به. من الواضح أن خطابها (عليها السلام) في هذه الجملة وأشباهها موجّه إلى جماعة من الصحابة لا إلى جميعهم لوجود بعضهم المخلصين في أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله) وكأنها ذكرت هذا الجمل تمهيدا لما تريد أن تقوله من انفضاضهم عن أهل البيت (عليهم السلام) بعد ذلك وغصبهم الخلافة والسلطة وفدك وغير ذلك. فعن أبي جعفر (عليه السلام) قال في تفسير قوله تعالى: (فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهــره من قبلـــه العذاب * ينادونهـــم ألم نكن معكم قالوا بلى ولكنكم فتنتم أنفسكم وتربصتم وارتبتم وغــرتكم الأماني حتى جاء أمر الله وغــركم بالله الغـــرور)(116). قال: «أما انها نزلت فينا وفي شيعتنا وفي الكفار، أما انه إذا كان يوم القيامة وحبس الخلائق في طريق المحشر ضرب الله سوراً من ظلمة فيه باب باطنه فيه الرحمة يعني النور، وظاهره من قبله العذاب، يعني الظلمة، فيصيرنا الله وشيعتنا في باطن السور الذي فيه الرحمة والنور ويصير عدونا والكفار في ظاهر السور الذي فيه الظلمة، فيناديكم عدونا وعدوكم من الباب الذي في السور من ظاهره: ألم نكن معكم في الدنيا، نبينا ونبيكم واحد، وصلاتنا وصلاتكم واحدة، وصومنا وصومكم واحد، وحجنا وحجكم واحد، قال: فيناديهم الملك من عند الله: بلى، ولكنكم فتنتم أنفسكم بعد نبيكم ثم توليتم وتركتم اتباع من أمركم به نبيكم وتربصتم به الدوائر وارتبتم فيما قال فيه نبيكم وغرتكم الأماني…»(117). قولها (عليها السلام): (تتربصون بنا الدوائر) التربص: بمعنى الانتظار(118). والدوائر عبارة عن صروف الزمان وحوادث الأيام والشدائد، لأن الزمان له حالة دورانية أخذاً من دوران الفلك(119). والتاريخ أيضا له حالة دورانية ولو في الجملة(120). أي: كنتم تنتظرون نزول البلاء علينا وزوال النعمة عنّا، وأن ينتصر الكفار وينهزم المسلمون، لأن كثيرا منهم كانوا كذلك حقدا على آل الرسول (صلى الله عليه وآله) وحسداً، أو لأن ثقل الجهاد ـ بما يستلزم من تضحيات وهجرة وقلق وخوف وعدم استقرار نفسي واقتصادي و.. ـ يؤذيهم. وهكذا حال كثير من المجاهدين على مرّ العصور حيث إنهم في الظاهر يجاهدون، ولكنهم في الباطن يريدون التخلص من الجهاد وتبعاته، كيما يرجعوا إلى حالتهم العادية ويعيشوا هادئين مطمئنين في بلدهم وفي أحضان أسرتهم.
وتتوكفون الأخبار(121) التجسس والتحسس والتوكف مسائل: هنالك ثلاثة عناوين: التجسس و التحسس وتوكف الأخبار. فالتجسس على الرعية ـ من قبل الدولة ـ حرام. وتجسس المؤمن على المؤمن حرام. نعم يجوز التجسس على الكفار الحربيين لأجل صدّ تعديهم وبغيهم، كما يجوز التجسس على المسؤولين من قبل الدولة كي لا يظلموا الرعية كذلك(122). قال تعالى: (ولا تجسسوا)(123). وقال في كشف الريبة: «ومعنى التجسس أن لا تترك عباد الله تحت ستر الله، فيتوصل إلى الاطلاع وهتك الستر حتى ينكشف لك ما لو كان مستوراً عنك كان اسلم لقلبك ودينك»(124). وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا معشر من آمن بلسانه ولم يصل الإيمان إلى قلبه لا تتبعوا عورات المؤمنين ولا تذموا المسلمين، فانه من تتبع عورات المؤمنين تتبع الله عوراته، ومن تتبع الله عوراته، فضحه في جوف بيته»(125). أما التحسس بشكل مطلق(126)، فقد يكون راجحاً كما هو في قوله تعالى عن لسان يعقوب (عليه السلام): «يا بني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه»(127). وأما توكف الأخبار، والمراد به في أشباه المقام: انتظار وتوقع الأخبار السلبية ضد المؤمنين، فإنه مذموم وقد يكون حراماً كما لا يخفى، وفي غير أشباه المقام جائز بالمعنى الأعم. ولو اقترن التوكف والتوقع والترصد للأخبار السلبية ضد المؤمنين بما يقترن به عادة، من العمل بمجرد سمع الخبر على إشاعته ونشره، مما يسبب ضعف جبهة المؤمنين وإضعاف معنوياتهم والشد من أزر الكافرين والأعداء، فإنه بهذه الجهة محرم. قولها (عليها السلام): (وتتوكفون الأخبار) التوكف عبارة عن التوقع، و المراد: انهم كانوا يجلسون في بيوتهم(128) ويتوقعون وصول أنباء وأخبار المحن والفتن والمصائب على النبي وآل النبي (صلوات الله عليهم أجمعين) والمؤمنين المخلصين، كما تشير إلى ذلك جملة من آيات سورة التوبة(129) والسور الأخرى أيضاً، والتواريخ مليئة بالقصص والشواهد على ذلك. وكلامها (عليها السلام) يكشف عن انهم كانوا بعيدين عن التصدي والانسياق مـع حركة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعن العمل والجهاد والاجتهــاد بـل كانوا بمعزل عن كل ذلك، وهم ـ إلى جوار كل ذلك ـ (يتوكفون الأخبار) وينتظرون ويتوقعون ويتصيدون الأخبار السلبية. والجدير بالذكر أن سورة التوبة هي من تلك السور السياسية التي تبين نوعاً ما، ما عاناه الرسول (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام) والمخلصون من أيدي ضعفاء الإيمان ومن أيدي المنافقين.
وتنكصون عند النـزال الإحجام عن المعركة مسألة: يحرم النكوص عند النزال، وقد كان كثير من ضعفاء الإيمان والمنافقين يتثاقلون عن الجهاد ويتراجعون عن الحرب. قولها (عليها السلام): (وتنكصون عند النزال) أي تحجمون عن الإقدام في الحروب، ونكص بمعنى أحجم. قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «إذا لقيتم عدوكم في الحرب فاقلوا الكلام واكثروا ذكر الله عز وجل ولا تولوهم الأدبار فتسخطوا الله ربكم وتستوجبوا غضبه»(130). وقال (عليه السلام): «أيها الناس إني استنفرتكم لجهاد هؤلاء القوم فلم تنفروا… نسيتم الحرب والاستعداد لها، فأصبحت قلوبكم فارغة من ذكرها، شغلتموها بالأعاليل والأباطيل»(131). وقال (عليه السلام): «معالجة النزال تظهر شجاعة الأبطال»(132). و(النزال) المصطلح من باب المصداق، إذ إن كل نكوص وتراجع وإحجام عن أي (نزال) بين جبهة الحق وجبهة الباطل في أي بعد من الأبعاد السياسية والثقافية وما أشبه ـ كالعسكرية ـ مذموم ومحرم فيما إذا لم يقم به من فيه الكفاية، في غير ما يعلم عدم حرمته ولو من باب العنوان والمحصّل، فليدقق. قال تعالى: (قد كانت آياتي تتلى عليكم فكنتم على أعقابكم تنكصون)(133). من حقوق المعارضة مسألة: استنادا إلى قولها (عليها السلام) وفعلها، وكلاهما حجة، يجوز ـ بالمعنى الأعم ـ للمعارضة فضح الأكثرية أو شبهها فيما إذا جارت في الحكم أو عدلت عن الصواب، كما يجوز فضح المتصدين للحكومة والرئاسة، بذكر دوافعهم الحقيقية للقرار المتّخذ، والتنويه إلى مواقفهم وضلالاتهم الماضية، باعتبار أنها تكشف مخططهم الحالي والمستقبلي. بل بما هي هي، كي لا يتخذوا أسوة و قدوة ـ وهي على هذين من طرق النهي عن المنكرـ. بل لمجرد أن يتحقق تميز الحق من الباطل، والخبيث من الصالح كما قال عز وجل: (ليميز الله الخبيث من الطيب)(134). أو لمجرد التظلم حيث قال تعالى: (لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم)(135). ويجوز ـ بالمعنى الأعم ـ (فضحهم) عبر شتى وسائل الإعلام من الصحف والجرائد والراديو والتلفزيون وعلى رؤوس الأشهاد. ولذلك نجدها (عليها الصلاة والسلام) تستعرض مواقفهم السابقة، وحالاتهم الماضية وأسلوبهم على رؤوس الأشهاد والى يوم القيامة: (وانتم في رفاهية من العيش، وادعون فاكهون آمنون، تتربصون بنا الدوائر وتتوكفون الأخبار وتنكصون عند النزال..). وكما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «إذا رأيتم أهل الريب والبدع من بعدي فاظهروا البراءة منهم واكثروا من سبهم والقول فيهم والوقيعة، وناهبوهم كيلا يطمعوا في الفساد في الإسلام وتحذرهم الناس ولا يتعلموا من بدعهم، يكتب الله لكم بذلك الحسنات وترفع لكم بها الدرجات في الآخرة»(136). وقد قال (عليه السلام): «لا ينتصر المظلوم بلا ناصر»(137).
وتفرون من القتال الفرار من الزحف مسألة: يحرم الفرار من القتال، فإن الفرار من الزحف من أشد الكبائر ومن الموبقات كما ورد في مستفيض الروايات. وذلك غير الفرار لأجل إقامة الحق، أما فيه فقد يكون واجباً ـ على ما سيأتي ـ كما قال سبحانه وتعالى بالنسبة إلى موسى (عليه الصلاة والسلام): (ففررت منكم لمّا خفتكم)(138). وكما في فرار الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) من محاولة اغتياله ليلة المبيت وهجرته إلى المدينة، قال أمير المؤمنين علي (عليه السلام): «ولي بمحمد (صلى الله عليه وآله) أسوة حين فر من قومه ولحق بالغار من خوفهم وأنامني على فراشه…»(139). وقال (عليه السلام): «الفرار في وقته ظفر»(140). وقال (عليه السلام): «فروا كل الفرار من اللئيم الأحمق»(141). وقال (عليه السلام): «فروا كل الفرار من الفاجر الفاسق»(142). وقال (عليه السلام): «الفرار في أوانه يعدل الظفر في زمانه»(143). وكما في قول الشاعر: (خرج الحسين من المدينة خائفا كخــروج موســى خــائفا يترقب) فالفرار قد يكون من الزحف وهو حرام (إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة)(144). وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إن الكبائر سبع فينا نزلت ومنا استحلت فأولها الشرك بالله العظيم وقتل النفس التي حرم الله قتلها وأكل مال اليتيم وعقوق الوالدين وقذف المحصنة والفرار من الزحف وإنكار حقنا…» الحديث (145). وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): «الفرار أحد الذلين»(146). وقال (عليه السلام): «استحيوا من الفرار فانه عار في الأعقاب ونار يوم الحساب»(147). وقال الأشتر في حرب صفين: «فان الفرار من الزحف فيه سلب العز والغلبة على الفيء وذل المحيا والممات وعار الدنيا والآخرة»(148). وقد يكون الفرار في غيره، كما في التآمر على المصلح لقتله غدرا وغيلة فيجب عليه هنا الفرار. والجامــع أن (الفرار) قد يكون خوفا وجبنا، وقد يكون حكمة ومصلحــة، فإن انسحاب أي قائد من المعركة إذا رآها غير متكافئة حفاظا على جيشه كي يعد العدة لمعركة أخرى بشرائط افضل، هو من الحكمة و يشملـــه ملاك (إلا مــتحرفا لقتال أو متحيـــزا إلــــى فئة)(149). مع وضوح أن الآية الكريمة تشير إلى الفارين من المعركة رغم قرار القيادة بالاستمرار فيها، ولا يحق للفرد هنا أن يعلل انسحابه بالمصلحة مع وجود الأمر من القيادة بالمواصلة وإلا لزم الهرج والمرج وغير ذلك من المحاذير وتفصيل البحث في محله(150). وفي تبكيتها (عليها السلام) المسلمين بفرارهم من القتال ـ (وهو أسوأ أنواع الفرار إذ كان فرارا من الزحف جبنا، أو لعدم الاعتقاد بها أولا، وكان على خلاف أمر الرسول(صلى الله عليه وآله) الصريح بالاستمرار ثانيا، وكان يشكل خطرا على حياة الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) بنفسه ثالثا، وعلى الإسلام ككل رابعا، لذلك كان فرارهم من اعظم الكبائر) ـ إشارة لطيفة ودقيقة إلى انه كيف يصلح هكذا أناس للخلافة(151)؟ أو لترشيح شخص للخلافة؟ حتى مع قطع النظر عن وجود نص الهي بتعيين الخليفة فرضا؟، ثم كيف يؤمن عليها من كان دأبه التفريط بها؟ قولها (عليها السلام): (وتفرون عند القتال) والفرق بين هذا وبين سابقه: أن (النكـوص) معنـاه الرجوع من منتصف الطريق، كما حدث في خيبر، وغزوة ذات السلاسل وغيرهما(152)، والنزال وإن كان يطلق على الحرب توسعا لكنه ـ دقة ـ قد يكون مرحلة ما قبل الحرب لان هذا ينزل إلى الميدان وذلك ينزل أيضا(153) فتأمل. الإرشاد للنواقص مسألة: يستحب بيان نواقص الفرد والأمة لهدف الإصلاح..، مع حفظ الموازين الإسلامية، سواء كانت نواقص قصورية أو تقصيرية، وقد يجب ذلك لوجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وارشاد الضال وتنبيه الغافل، كل حسب الموازين الفقهية المذكورة في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وما أشبه. وفي الصحيفة السجادية: «وامنحني حسن الإرشاد»(154). وقال أمير المؤمنين(عليه السلام): «يا عبيد الدنيا والعاملين لها، إذا كنتم في النهار تبيعون وتشترون، وفي الليل على فروشكم تتقلبون وتنامون، وفيما بين ذلك عن الآخرة تغفلون وبالعمل تسوفون، فمتى تفكرون في الإرشاد، ومتى تقدمون الزاد ومتى تهتمون بأمر المعاد»(155). وفي رسالة الحقوق للإمام زين العابدين(عليه السلام): «ثم حق رعيتك بالعلم فان الجاهل رعية العالم»(156). ووجوب بيان النقص القصوري ـ والحيلولة دون تحققه ـ في بعض أقسامه، إما لانطباق عنوان (المنكر) عليه عرفا ولبا(157)، واما لكونه مما علم من الشرع إرادة عدم تحققه في الخارج، فكما أن الطبيب عليه أن يبين للمريض مرضه وعلاجه، وكما على المريض أن يستجيب، كذلك على كل واحد من المصلحين ـ بل على الكل ممن اجتمعت فيه الشرائط ـ أن يبين للناس مرضهم وعلاجهم، وعليهم التقبل والاستجابة لا العناد والمقاطعة. معاتبة القائد والأمة مسألة: يجوز للقائد أن يعاتب الأمة، وللأمة أيضاً معاتبة القائد، وكذلك عتاب الفرد أو الجماعة كالحزب والجمعية والهيئة وما أشبه ذلك. والجواز هنا بالمعنى الأعم، من الوجوب والاستحباب، كل في مورده، وإن استلزم ذلك إيذاء بعضهم أو جلهم أو كلهم ـ مراعياً الموازين الشرعية ـ، فإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبان وإن استلزما ذلك في الجملة(158). هذا إذا كان العتاب من مصاديقهما، وان لم يكن كذلك فانه جائز إن كان مما بنى عليه الطرفان ـ ولو ارتكازا ـ كما في كثير من الحقوق التي يسقطها أصحابها من باب التواضع(159) والتقابل، وإن لم يكن كذلك أيضا فلا دليل على حرمته مطلقا إذ لا دليل على حرمة حتى هذه المرتبة من الإيذاء في هكذا موارد، نعم البالغ منه لا يجوز. ثم (العتاب) قد يكون مستحبا وإن لم يكن من مصاديق الأمر والنهي المستحبين(160) لوقوعه مقدمة وطريقا إلى أشباه ما ذكرته الرواية الشريفة: (العتاب حياة المودة)(161). وقال الإمام الرضا (عليه السلام): «العتاب مفتاح المقال والعتاب خير من الحقد»(162). وقد يكون العتاب أو كثرته مكروها، كما قال أمير المؤمنين (عليه السلام): «لا تكثرن العتاب فانه يورث الضغينة»(163). وقال (عليه السلام): «كثرة العقاب تؤذن بالارتياب»(164). وقال (عليه السلام): «لا تعاتب الجاهل فيمقتك وعاتب العاقل يحبك»(165). فلما اختار الله لنبيه (صلى الله عليه وآله) دار أنبيائه ومأوى أصفيائه وأما الفرار فهو فرارهم عند القتال كما حصل في (أحد) وكما حصل في (حنين) وفي غيرهما(166).
|
1 - سورة البقرة: 286. 2 - سورة الطلاق: 7. 3 - إرشاد القلوب: ص214، وفي نهج البلاغة أيضاً، كتابه (عليه السلام) إلى عثمان ابن حنيف الأنصاري. 4 - ربما يكون المراد من (بالنسبة للأحكام الإلهية): تعليما وتوضيحا ودفعا للشبهات، أو تفكيرا وتدبرا باعتباره (عليه السلام) بعد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أجلى مصداق للعمل بالآيات الداعية للتفكير والتدبر. 5 - أي انهما وجهان لعملة واحدة ـ حسب التعبير المستحدث ـ وتوضيحه: إن لازم (الاجتهاد في أمر الله) هو شدة التعب والنصب فلأنه (عليه السلام) كان مجتهداً في أمر الله أضحى مكدودا متعبا وتوجهت نحوه الضغوط. 6 - بحار الأنوار: ج43 ص158 ب7 ح8. 7 - غوالي اللئالي: ج1ص129. 8 - الانشقاق:6. 9 - إشارة إلى قوله تعالى: (واعبد ربك حتى يأتيك اليقين) سورة الحجر:99. 10 - راجع كتب اللغة والنحو. 11 - المزار: ص109. 12 - إرشاد القلوب: ص189 ب52. 13 - غرر الحكم: ص237 ح4770. 14 - إرشاد القلوب: ص193 ب52. 15 - أعلام الدين: ص153 باب صفة المؤمن. 16 - عدة الداعي: ص313. 17 - الإرث بالمعنى الأخص: إرث الاموال، و بالمعنى الأعم: ارث العلم والمسؤولية، والاعتبار وما أشبه ذلك، كما قال (صلى الله عليه وآله): «علي أخي ووزيري ووارثي ووصيي وخليفتي في أمتي وولي كل مؤمن بعدي» التحصين لابن طاووس: ص633. 18 - أشار الإمام المصنف بقوله (إذا كان مؤهلا) إلى نكتة دقيقة وهي أن قوام الإرث بالمعنى الأخص: النسب، أما قوام الإرث بالمعنى الأعم فهو: الأهلية وكما أن عدم توريث ذي النسب على خلاف القاعدة كذلك عدم توريث المؤهل على خلاف الحكمة، وحيث كانت الأهلية منحصرة في الإمام علي(عليه السلام) كان توريثه هو المحتم لا محالة. 19 - شواهد التنزيل: ج1 ص530 ح564، وكشف اليقين: ص192. 20 - المناقب: ج1 ص261. 21 - سورة الشورى: 23. 22 - سورة النساء: 1. 23 - المناقب: ج4 ص179. 24 - راجع الفصول المختارة: ص265 وفيه: «مر علي بن أبي طالب على أبي بكر ومعه أصحابه فقال أبو بكر: من سره أن ينظر إلى أول الناس في الإسلام سبقاً، وأقرب الناس برسول الله (صلى الله عليه وآله) قرابة فلينظر إلى علي بن أبي طالب». 25 - الخصال: ص552. 26 - تأويل الآيات: ص531. 27 - وفي نسخة: (سيد أولياء الله). 28 - أي (الخصوصية) التي تجعل ذكر هذه الصفات مستحبة أو واجبة، دون غيرها. 29 - أي ( السيادة المطلقة) وهي أرفع أنواع السيادة. 30 - الظاهر أن المراد به: مقام كونها (عليها السلام) في صدد إثبات أحقيته بالخلافة، وهو ما ينسجم مع كونه السيد على الإطلاق، لا كونه مجرد أحد السادة، وهذه النقطة الهامة تجري في (مشمّراً ناصحا..) وسائر الصفات أيضاً. 31 - الأمالي للشيخ الصدوق: ص11 المجلس 3 ح6. 32 - معاني الأخبار: ص103. 33 - الخصال: ص561. 34 - عيون أخبار الرضا (عليه السلام): ج1 ص64. 35 - عيون أخبار الرضا (عليه السلام): ج1 ص303. 36 - المناقب: ج4 ص70 ـ 71. 37 - كشف الغمة: ج1 ص343. 38 - كشف الغمة: ج1 ص400. 39 - إذا المخبر عنه بـ (مشمّراً ناصحا..) وهو الإمام علي(عليه السلام) والإنشاء هو بالنسبة لعامة الناس، أي يجب عليكم أن تعتقدوا بكونه(عليه السلام) سيدا، الخ. 40 - كما في (إياك اعني و اسمعي يا جارة) حيث قد يكون الإخبار في مقام إنشاء التهديد مثلا، كما يخاطب الحاكم جماعة ممن يخاف خروجهم عليه بإخبارهم عن قصص عقوبته لمن خرج عليه سابقا، وكما تخاطب الكسول بذكر برنامج المجدين كأن تقول له: فلان من زملائك يستيقض في الخامسة صباحا ويطالع ويدرس حتى منتصف الليل، أي افعل أنت كذلك.. 41 - سورة آل عمران: 133. 42 - سورة البقرة: 148 والمائدة: 48. 43 - خصائص الأئمة: ص112 وعدة الداعي: ص115. 44 - سورة التوبة: ص38. 45 - نهج البلاغة: الكلام: رقم 209. 46 - قال في لسان العرب: ( النصيحة كلمة واحدة يعبر بها عن جملة هي إرادة الخير للمنصوح له، ونصيحة عامة المسلمين: ارشادهم إلى المصالح، والنصح نقيض الغش، مشتق منه: نصحه و نصح له وهو باللام افصح). 47 - قال في لسان العرب: (واصل النصح: الخلوص) ويقال: (نصحت له: أي أخلصت وصدقت) و (الناصح: الخالص من الغش وغيره). 48 - أي وجوب أو استحباب النصح. 49 - سورة التوبة: 91. 50 - سورة الأعراف: 68. 51 - كما سبق منه دام ظله قوله: (وهو مشرب بمعنى الخلوص). 52 - أي النصح. 53 - أي النصح لله. 54 - أي النصح للناس و الهداية و الإرشاد لهم. 55 - تحف العقول: ص318. 56 - غرر الحكم: ص225 ح4573. 57 - مشكاة الأنوار: ص320 الفصل 7. 58 - تحف العقول: ص17. 59 - غرر الحكم: ص224 ح4519. 60 - غرر الحكم: ص226 ح4588. 61 - إعلام الدين: ص105. 62 - معدن الجواهر: ص70. 63 - الأمالي للشيخ الصدوق: ص374 المجلس 59. 64 - مصباح المتهجد: ص723. 65 - الاحتجاج: ص494. 66 - المحاسن: ص602 باب الاستشارة، ح25. 67 - غرر الحكم: ص111 ح1973. 68 - غرر الحكم: ص416 ح9503. 69 - غرر الحكم: ص416 ح9507. 70 - اليقين: ص452. 71 - الكدح: شدة السعي والحركة. 72 - قال في لسان العرب: (الكدح: الاكتساب بمشقة) و (الكدح في اللغة: السعي والحرص الدؤوب في العمل في باب الدنيا وباب الآخرة) وقال في الميزان قال الراغب (الكدح: السعي والفناء) وقيل: (الكدح جهد النفس في العمل حتى يؤثر فيها)، وقال في تفسير التبيان: (الكدح: السعي الشديد في الأمر، يقال كدح الإنسان في أمره يكدح وفيه كدوح وخدوش: أي آثار من شدة السعي في الأمر). 73 - سورة الانشقاق: 6. 74 - نهج البلاغة: الخطبة الشقشقية. 75 - كمن يقع له حادث اصطدام، أو يسرق لص كل ثرواته، ومن قبل: كمشاكل الولادة وشبهها. 76 - سورة الانشقاق: 6. 77 - المقنعة: ص336. 78 - مصباح الكفعمي: ص560. 79 - دعائم الإسلام: ج1 ص391. 80 - غرر الحكم: ص60 ح677 وص66 ح872. 81 - غرر الحكم: ص89 ح1520. 82 - غرر الحكم: ص184 ح3480. 83 - غرر الحكم: ص266 ح5749. 84 - غرر الحكم: ص443 ح10120. 85 - غرر الحكم: ص461 ح10550. 86 - سورة قريش: 3 ـ 4. 87 - سورة النور: 55. 88 - سورة الأعراف: 32. 89 - الكراهة هنا بمعناها اللغوي. 90 - ارشاد القلوب: ص214، وفي نهج البلاغة أيضاً. 91 - سورة البقرة: 246. 92 - الاحتجاج: ص172 - 173. 93 - الاحتجاج: ص174. 94 - فإن عدم مشاطرة الكثيرين للرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) في تحمل مشاكل الجهاد، يعود الى وساوس الشيطان أو الركون إلى الدنيا أو حب النفس أو الجبن أو الحقد والحسد أو شبه ذلك عند المتخاذلين والمنافقين. 95 - راجع (الفقه: السياسة) و(الفقه: الاجتماع)، و(الفقه: الدولة الإسلامية) وغيرها مما تطرقت لمباحث الدكتاتورية والديمقراطية والتعددية والشورى وما أشبه. 96 - سورة التوبة: 81. 97 - سورة التوبة: 86. 98 - سورة التوبة: 42. 99 - قال تعالى: (إن تصبك حسنة تسؤهم وإن تصبك مصيبة يقولوا قد أخذنا أمرنا من قبل ويتولوا وهم فرحون). سورة التوبة: 50. 100 - سورة المائدة: 54. 101 - الخصال: ص215، وجوه الذنوب أربعة، ح35. 102 - الخصال: 345، أوصى رسول الله أبا ذر بسبع، ح12. 103 - معاني الأخبار: ص335. 104 - كشف الغمة: ج1 ص431. 105 - سورة البقرة: 120. 106 - سورة البقرة: 207. 107 - سورة آل عمران: 162. 108 - سورة محمد: 28. 109 - الاختصاص: ص225. 110 - تحف العقول: ص52. 111 - غرر الحكم: ص482 ح11130. 112 - التوحيد: ص60. 113 - الأمالي للشيخ المفيد: ص284 المجلس 34 ح2. 114 - تنبيه الخواطر: ج2 ص163 وص210. 115 - كتاب سليم بن قيس: ص156 وراجع أيضاً المناقب: ج2 ص144. 116 - سورة الحديد: 13 ـ 14. 117 - تأويل الآيات: ص636 سورة الحديد. 118 - قال في لسان العرب (التربص: الانتظار) و(تربص به أي انتظر به خيراً أو شراً). 119 - الزمان ـ حسب أحد الأقوال ـ هو مقدار حركة الفلك، فالليل والنهار ينجمان عن حركة الأرض حول نفسها، والشهر من حركة القمر حول الارض، والسنة من حركة الأرض حول الشمس. 120 - راجع (الفقه: الاجتماع) و(الفقه: المستقبل) للإمام المؤلف. 121 - وفي بعض النسخ: (تتواكفون الأخيار). 122 - راجع (الفقه: الدولة الإسلامية) و(إذا قام الإسلام في العراق) للإمام المؤلف. 123 - سورة الحجرات: 12. 124 - كشف الريبة: 23. 125 - الأمالي للشيخ المفيد: ص141 المجلس 17 ح8. 126 - أي في غير هذا المقام. 127 - سورة يوسف: 87. 128 - كناية عن مطلق عدم مشاركتهم في المعامع. 129 - كقوله تعالى: (قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين ونحن نتربص بكم ان يصيبكم الله بعذاب من عنده أو بأيدينا فتربصوا انا معكم متربصون). سورة التوبة: 52. 130 - الخصال: ص617. 131 - الإرشاد: ج1 ص278. 132 - غرر الحكم: ص445 ح10176. 133 - سورة المؤمنون: 66. 134 - سورة الأنفال: 37. 135 - سورة النساء: 148. 136 - تنبيه الخواطر: ج2 ص162. 137 - غرر الحكم: ص483 ح11144. 138 - سورة الشعراء: 21. 139 - علل الشرائع: ص149 ح7 ب121. 140 - غوالي اللئالي: ج1 ص290. 141 - غرر الحكم: ص261 ح5598. 142 - غرر الحكم: ص462 ح10601. 143 - غرر الحكم: ص333 ح7679. 144 - سورة الأنفال: 16. 145 - علل الشرائع: ص474 ب223 ح1 باب العلة التي من أجلها أوجب الله على أهل الكبائر النار. 146 - غرر الحكم: ص333 ح7675. 147 - غرر الحكم: ص333 7676. 148 - وقعة صفين: ص255. 149 - سورة الأنفال: 16. 150 - راجع موسوعة الفقه: ج47 ـ 48 كتاب الجهاد، وقد تطرق الإمام الشيرازي إلى مسألة إطاعة القائد ولزوم الهرج والمرج في عدم طاعته في كتاب (الفقه: المرور) فراجع. 151 - انظر الفصول المختارة: ص121. 152 - راجع كتاب (ولأول مرة في تاريخ العالم ج1-2) للإمام المؤلف. 153 - فكان كل طرف ينزل عن ابله أو فرسه ليتقاتلا. 154 - الصحيفة السجادية: ص108 ومن دعائه في مكارم الأخلاق. 155 - غرر الحكم: ص145 ح2630. 156 - الخصال: ص564. 157 - فلو شاهدنا شخصا يحاول قتل نفس محترمة جهلا منه بذلك حيث تصور أنه كافر حربي مثلا، وجب علينا إلفاته إليه أو الحيلولة دون ذلك، وهذا القتل (منكر) عرفاً وحقيقةً وإن لم يلتفت الفاعل على ذلك. 158 - كما أن الجهاد واجب وإن استلزم إيذاء عوائل المحاربين البغاة مثلاً، ممن لم يكنّ على رأي أزواجهن، وذلك لحكومة أدلة الجهاد والأمر والنهي على أدلة النهي عن الايذاء، وللأهم والمهم، ولورودها في موردها. 159 - المراد بـ (التواضع) التباني. 160 - وهما المتعلقان بالمستحب والمكروه، كأن يعاتبه على النوم بين الطلوعين أو على ترك صلاة الليل. 161 - غرر الحكم: ص414 ح9465. 162 - أعلام الدين: ص311. 163 - غرر الحكم: ص479 ح11007. 164 - غرر الحكم: ص479 ح11005. 165 - غرر الحكم: ص74 ح1131. 166 ـ راجع كتاب (ولأول مرة في تاريخ العالم ج1-2) للإمام المؤلف. |