الصلاة على الرسول وآله الأطهار (ع) |
والصلاة على رسوله مسألة: يستحب الصلاة على النبي وآله (عليهم السلام) مطلقاً، وفي افتتاح الكلام خاصة. ويدل على الاستحباب بالإضافة إلى فعلها (عليها الصلاة والسلام) ذي القرينة، قول الله سبحانه وتعالى: ( إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما)(1). وقد ورد في جملة من الروايات كيفية الصلاة على رسول الله (صلـى الله عليـه وآلـه وسلـم) وأن يقـال: (اللهـم صـل علـى محمـد وآل محمـد)(2) أو ما أشبه ذلك. مثل: (صلى الله) ومثل: (رب صل) ونحوهما. واستفادة الاستحباب ـ اضافة الى الأمر في الآية المباركة ـ بلحاظ القرائن الكثيرة. فعاد القوم في بكائهم تجدد البكاء عند تجدد ذكر الفقيد مسألة: المستفاد من إطلاق أو ملاك(3) قولهم (عليهم الصلاة والسلام): (يفرحون لفرحنا ويحزنون لحزننا)(4) وجملة من الروايات الأخر، مثل ما في دعاء الندبة وغيره، بالإضافة إلى ما تقدم من حديث الرحمة والرأفة والحنان، وكلها مستحب بالأدلة العامة: استحباب تجدد البكاء عند تجدد ذكر الفقيد، خاصة إذا كان معصوماً. وتجدد الذكر لايلزم أن يكون بمحضر الناس، كما لايلزم أن يكون باللفظ، بل يشمل حتى التوجه القلبي. وتجدد البكاء قد يكون: 1: أشبه باللاختياري، لتفجر العاطفة كما في هذا المورد (فعاد القوم في بكائهم) نظراً لعظمة المصاب وقرب وقوعه وسماع صوت ابنته (عليها السلام) بما تضمنه من رنة الأسى المرير وبما كان يعكسه من لواعج الحزن الشديد. 2: وقد يكون اختياريا بالتفكر في المصاب والسعي لإثارة العاطفة، وكلاهما مما يثاب عليه الإنسان. فلما أمسكوا عادت في كلامها عدم قطع بكاء المفجوع مسألة: ينبغي أن لايقطع الإنسان بكاء الباكي، بل يمهله حتى يمسك لما سبق، بالإضافة إلى أنه نوع من التأدب. كما ورد مثل ذلك في استحباب الإصغاء إلى المتكلم وعدم قطع كلامه، على عكس ما هو المتداول عند الكثيرين، خاصة أثناء الجدل، حيث يقطع البعض حديث الآخر دون رعاية لحرمته وحتى دون فهم كلامه ومراده. بل يمكن جريان هذا الاستحباب في الفعل أيضاً ـ بالملاك ـ بأن لايقطع الإنسان فعل انسان آخر بشيء من عمل أو قول، فإنه نوع من التأدب واحترام الآخرين، ومن مصاديق ذلك ما ورد من كراهة أن يدخل الإنسان في سوم أخيه المؤمن(5). مراعاة حال المستمع مسألة: ينبغي مراعاة حال المستمع، ومن المراعاة ترك الخطاب فيما إذا لم يكن المستمع في وضع يتمكن فيه، او يسهل عليه الاستماع، لبكاء أو شبهه. وقد سبـق نظير ذلك(6) ولا يبعـد أن يكون سكوتها (صلوات الله عليها) لذلك ولما سبق جميعاً. كما ينبغي مراعاة ما يحف بالكلام من الأمور الخارجية، ومن ذلك ان يسكت الإنسان لقراءة غيره القرآن الكريم مثلا، حيث ورد قوله سبحانه: (فاستمعوا له وأنصتوا)(7). وقد ورد إن ابن الكوا قرأ القرآن وكان علي (عليه الصلاة والسلام) في القراءة في الصلاة، فسكت علي (عليه السلام) حتى إذا سكت فأتم (عليه الصلاة والسلام) قراءته، مع ان قراءته للقرآن كانت في مقام التعريض بالإمام (عليه السلام)، حيث قرأ ـ والإمام في سورة الحمد أثناء امامته للجماعة أبان خلافته الظاهرية ـ:( ولقد أوحى إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك)(8) فسكت الإمام (عليه السلام)، فلما سكت ابن الكوا عاد الإمام (عليه السلام)، فلما عاد ابن الكوا سكت الإمام (عليه السلام)، فلما سكت اكتفى الإمــــام (عليه السلام) في الجـــواب بـ: قــــوله تعالى( فـــاصبر إن وعد الله حق ولايستخفنك الذين لايوقنون)(9) ثم أتم (عليه السلام) قراءته وصلاته ولم يعاقبه أدنى عقوبـة على ذلك(10). فقالت عليها السلام: الحمد لله على ما أنعم العودة الى حمد الله تعالى مسألة: يستحب أن يعود الإنسان بعد قطع كلامه إلى حمد الله تعالى مرة ثانية، لأنه يعد ابتداءًً أيضاً. والمراد بالابتداء ههنا: الابتداء النسبي، فلا تنافي بين هذه وبين ما سبق من (كل أمر ذي بال لايذكر بسم الله فيه فهو أبتر)(11) على تقدير إرادة البسملـة، وإلا ـ بأن أريد ما هو اسم لله تعالى ـ صدق على حمد الله، لتضمنه اسم الله، إذ أحدهما كلي والآخر من مصاديقه. والظاهر انها (عليها السلام) حمدت مرتين، والثانية لوحدة نسق الكلام، ولعله يدل على استحباب التثنية. هذا و(الحمد): هو ذكر الله بالجميل على نعمه مطلقاً، فإنه واجب عقلاً وشرعاً، وإن لم يجب بهذه الصيغة، نعم يجب التقيد بها في الصلاة للدليل الشرعي. و(الحمد) لايختص بمجال النعمة على الشخص، بل هو الذكر والوصـــف بالجـــميل الاخـــتــياري(12) بقصد التعظيم، على نعمه مطلقا(13) وقد يعمم حتى للابتداء بالثناء(14). أما (الشكر) فهو الثناء الجميل وإظهار الامتنان على ما أولاه من معروف وإحسان. وله الشكر على ما ألهم الشكر لله تعالى(15) مسألة: يستحب الشكر لله تعالى في ابتداء الكلام ـ خطابة كان، أم كتابـة، أم حديثاً عادياً ـ بعد ذكر الله وحمده. والشكر في الإبتداء من باب المصداق كما قالت (عليها السلام): (وله الشكر على ما ألهم). والإلهام: هو الإلقاء في الذهن والروح، وهو نوع من التلقين(16). وقد قال سبحانه: (لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم إن عذابي لشديد)(17). والمراد بالكفر: كفران النعمة وعدم الشكر، لا الكفر في العقيدة، فإن الكفر: قد يطلق على الكفر في العقيدة، كما لو جحد الخالق. وقد يطلق على كفر النعمة. وقد يطلق على ترك شيء مما أمر الله سبحانه وتعالى به كما في قوله: ( أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض)(18). سواء كان الأمر على سبيل الاستحباب أو على سبيل الوجوب، مثل قوله سبحانه: (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً ومن كفر فإن الله غني عن العالمين)(19). وقد ورد في حديث الإمام الصادق (عليه السلام): (الكفر في كتاب الله على خمسة أوجه)، منها الثلاثة التي سبقت(20). والثناء بما قدم الثناء على الله تعالى مسألة: يستحب الثناء على الله تعالى في الكلام ـ كما سبق ـ بعد الحمد والشكر، كما قامت هي (عليها السلام) بذلك، فإن كل أفعالها وأقوالها على أتم مقتضيات الحكمة. والثناء ـ كما ذكرنا ـ بمعنى التثينة، لأن الإنسان يثنى على الله سبحانه وتعالى ما ذكره أولاً(21) سواء كان الأول حمداً، أو مدحاً، أوشكراً، أو تمجيداً، أو ما أشبه ذلك. أو: إن أوله ما تفضل به الله سبحانه من النعم على عبده. ذكر متعلق الحمد وما يوجبه مسألة: يستحب ذكر متعلق الحمد والشكر والثناء وما يستوجبه، ولو إجمالاً، تأسياً بها (سلام الله عليها) حيث قالت: (على ما أنعم) و(على ما ألهم) و(بما قدم). فإنه من التفصيل المطلوب في مقام المدح ونحو المدح، كما نرى ان المادح يذكر الأسماء المتعددة والخصوصيات المختلفة للممدوح. وكذلك المحزون يذكر شتى التفاصل الحسنـة، ومختلـف الخصـال المستحسنـة للمحزون عليه، وهكذا في كل مورد يكون المطلوب فيه إطالة الكلام(22). ذكر الله تعالى وحمده عند تواتر المصائب مسألة: يستحب ذكر الله تعالى وحمده وشكره والثناء عليه عند اشتداد البلاء وهجوم المصائب على الإنسان. وذلك من أهم الدروس التي يجب أن نتعلمها من الصديقة الطاهرة (عليها السلام) حيث أنها (صلوات الله عليها) رغم ما نزل بها من عظيم المصاب وجليل الخطوب، حيث فقدت أباها خاتم النبيين (صلى الله عليه وآله وسلم) وحيث هجم عباد السلطة على دارها وضربوها وكسروا ضلعها وأسقطوا جنينها وغصبوا حقها وحق بعلها سيد الأوصياء (عليه السلام)، رغم كل ذلك تبدأ تظلمها بحمد الله وشكره والثناء عليه. وقد ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام): إن رسول الله كان إذا ورد عليه أمر يسره قال: (الحمد لله على هذه النعمة) وإذا ورد عليه أمر يغتم به قال: (الحمد لله على كل حال)(23). وإنما كان الحمد لله عند نزول المكاره ـ كما ورد: (الحمد لله الذي لايحمد على مكروه سواه)(24) ـ فلأن المكروه بالنسبة إلى الصالحين إما ترفيع درجة، وإما محو ذنب، هذا فيمن يقع منهم الذنب كغير المعصومين (عليهم السلام)، أما في المعصومين (عليهم السلام) فالمكاره كلها تسبب ترفيع درجاتهم ومزيد قربهم من الله تعالى.
|
1 - الأحزاب: 56. 2 - راجع موسوعة الفقه ج 95 ص 129 (كتاب الآداب والسنن) وفيه: فصل في كيفية الصلاة على محمد وآله، عن ابن أبي حمزة، عن أبيه، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عزوجل: (إن الله وملائكته يصلون علي النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً) فقال: الصلاة من الله عزوجل رحمة، ومن الملائكة تزكية (بركة) ومن الناس دعاء وأما قوله عزوجل: (وسلموا تسليماً) فانه يعني التسليم له فيما ورد عنه، قال: فقلت له: فكيف نصلي على محمد وآله؟ قال: تقولون: صلوات الله وصلوات ملائكته وأنبيائه ورسله وجميع خلقه على محمد وآل محمد، والسلام عليه وعليهم ورحمة الله وبركاته، قال فقلت: فما ثواب من صلى على النبي صلى الله عليه وآله بهذه الصلوات؟ قال: الخروج من الذنوب والله كهيئة يوم ولدته أمه. [معاني الأخبار ص104]. عن كعب بن عجزة قال قلت: يا رسول الله علمتنا السلام عليك، فكيف الصلاة عليك؟ فقال: قولوا اللهم صل على محمد وآل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم انك حميد مجيد، وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم انك حميد مجيد [المجالس ص232]. عن أبي عبد الله، أو أبي جعفر عليهما السلام قال: أثقل ما يوضع في الميزان يوم القيامة الصلاة على محمد وأهل بيته[قرب الإسناد ص 9]. انتهى. 3 - الإطلاق على تقدير كون المراد بـ ( يحزنون) الأعم من الحزن وإظهاره كما هو المستفاد عرفاً في أمثال المورد، والملاك على تقدير العدم. 4 - بحار الأنوار: ج44 ص 287 ب 34 ح 56. الخصال ص635. تأويل الآيات ص641. غرر الحكم ص117 ح2049 الباب الخامس في الامامة، الفصل الأول في الائمة. كامل الزيارت ص101 باب 32 ثواب من بكى على الحسين بن علي(عليه السلام). جامع الاخبار ص179 فصل141 في النوادر. 5 - راجع وسائل الشيعة: ج12 ص338 ب 49 ح 3، وفيه: (نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن أن يدخل الرجل في سوم أخيه المسلم). 6 - الفرق بين هذا وما سبق [الكلام في أفضل الأحوال] ان هذا لوحظ فيه جانب القابل، وذاك كان الملاحظ فيه جانب الفاعل، وبعبارة أخرى: ذاك كان بلحاظ تأثير الكلام، وهذا بلحاظ الجانب الإنساني من حيث مراعاة وضع المستمع، وفرق هذا عما سبقه مباشرة: إن هذا أعم مطلقاً أو من وجه، فليدقق. 7 - سورة الأعراف: الآية 204. 8 - سورة الزمر: الآية 65. 9 - سورة الروم: الآية 60. 10 - بحار الأنوار: ج89 ص221 ب28 ح2. وفي البحار ايضاً ج33 ص343 ب23 ج587 عن شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد. 11 - وسائل الشيعة: ج4 ص1194 ب 17 ح4، باب استحباب الابتداء بالبسملة، ط اسلامية. 12 - عكس المدح الذي يشمل الجميل غير الإرادي كمدح اللؤلؤ لجماله. 13 - أي سواء تعلقت النعمة بالشخص نفسه أم بغيره. 14 - راجع (أقرب الموارد). 15 - حول هذا المبحث ونظائره راجع: ( الفقه: الآداب والسنن) و(الفقه: الواجبات والمحرمات) و(الفضيلة الإسلامية) للإمام المؤلف دام ظله. 16 - (ألهمه الله خيراً) أي: ألقنه، مجمع البحرين مادة (لهم). 17 - سورة إبراهيم: الآية 7. 18 - سورة البقرة: الآية 85. 19 - سورة آل عمران: الآية 97. 20 - راجع بحار الأنوار ج8 ص308 ب24 ح73. والبحار ج69 ص92 ب98 ح2. والبحار ج69 ص100 ب98 ح30. والبحار ج90 ص60 ب128، وهي كما في الحديث: كفر الجحود بالربوبية وأن لاجنة ولانار… وجحد الجاحد وهو يعلم واستقر عنده… وكفر النعمة… وترك ما أمر الله به.. وكفر البراءة…(مجمع البحرين مادة كفر). 21 - قال في (لسان العرب) مادة (ثني): ثنيت الشيء ثنياً، أي: عطفته، وثنى الشيء ثنياً: رد بعضه على بعض، وثنى الشيء: جعله إثنين، والثناء: ما يصف به الإنسان من مدح أو ذم، وخص بعضهم به المدح. 22 - راجع كتاب (البلاغة) للإمام المؤلف دام ظله. 23 - بحار الأنوار: ج68 ص33 ب 61 ح 14. والبحار ج90 ص214 ب7 ح17. 24 - مثله في شرح النهج ج7 ص252 وفيه: (سبحان من لايحمد على المكروه سواه). |