توجه المظلوم إلى الله تعالى

مسألة: يستحب للمظلوم أن يتوجه إلى الله تعالى بقلبه، وأن يذكره بلسانه مطلقاً، وفي حين تمهيده الأسباب لرفع الظلم والضيم عنه.

ومنه(1) الدعوى والمطالبة بالحق، فإن رفع الظلامة بيد الله سبحانه وتعالى أولاً وبالذات، وقد جعل الله سبحانه وتعالى لرفع الظلامة أسباباً تكوينية أمر بانتهاجها ـ كما أمر بمراجعة الطبيب عند المرض ـ باعتبار أنه تعالى جعل الدنيا دار بلاء وامتحان وأسباب ومسببات، وقد ورد في الحديث الشريف: (اعقلها وتوكل)(2) فهو سبحانه علة العلل.

وبذلك يظهر وجه استحباب التوجه حين مطالبة الحق، حيث ان القلوب بيد الله سبحانه وتعالى، ويمكن أن يكون التوجه لله سبباً لإلقائه سبحانه وتعالى الرأفة في قلب الخصم فيستجيب لدعوة المظلوم ويرفع ظلامته.

فقد ورد: (قلب السلطان بين إصبعي الرحمان).

كما روي:ان رجلاً جاء إلى الإمام الصادق (عليه الصلاة والسلام) وسأله أن يتوسط لدى الوالي لإنجاز حاجته… ولما قضيت حاجته، جاء إلى الإمام (عليه السلام) متسائلاً: يابن رسول الله متى دخلت عليه؟ فقال (عليه السلام) ـ ما معناه ـ: إني سألت الله الذي بيده القلوب، فألان قلب الوالي لقضاء حاجتك.

من عموم نعم

إفاضة الخير على الجميع

مسألة: يستفاد من (تخلقوا بأخلاق الله)(3) كبرى.

وعموم نعم الله جل وعلا ـ على ما في هذا الحديث ومتواتر الروايات والآيات والعقل والوجدان ـ صغرى:

رجحان تعميم النعمة وإفاضة الخير على الجميع، إضافة إلى اطلاقات البر والمعروف وقضاء الحوائج وغيرها.

وقولها (عليها السلام): (من) بيان لـ (ما) في (والثناء بما قدم).

و (ما قدم) يحتمل أن يراد به: ما أوجد، كما يحتمل أن يراد به: معنى الابتداء، فهو جل وعلا بدأ بالإحسان، ونحن نثني بالذكر الجميل.

ابتدأها

الابتداء بالنعمة والإحسان

مسألة: يستحب الابتداء بالنعمة والإحسان قبل أن يطلب ذلك من الإنسان.

ويفهم ذلك مما تقدم في البحث الآنف، بالإضافة إلى أن الخير خير، والابتداء بالخير خير مضاعف، ذلك انه في أصل الخير خير، وابتداؤه ابتداء بالإحسان، وهو خير إضافي.

ولذا ورد في الأدعية: (يا مبتدءاً بالنعم قبل استحقاقها)(4).

ومن أسماء الله سبحانه (البديء و البديع)(5) فهو سبحانه يبدأ بالنعم، وهو سبحانه بديع يبدع الأشياء لا من مثال سبقه فتعلم منه، فكل ما في الكون إبداع، من الذرة إلى المجرة، ومن الجوهر إلى العرض، ومن عالم الاعتباريات إلى عالم الحقائق والواقعيات، المادية منها والمجردة، عند القائل بها.

وهناك روايات عديدة تحض على الابتداء بالإحسان، قال: (اليد العليا خير من اليد السفلى)(6).

وسبوغ آلاء

كمال النعم وتمامها

مسألة: يستحب إسباغ الآلاء، أي إتمامها وإكمالها.

والفرق بين العموم والإسباغ في الجملتين:

ان العموم، بمعنى شمولية النعمة، لزيد ولعمرو ولبكر مثلاً، أو نعم عديدة لزيد، أي شمولية النعم للواحد.

أما السبوغ، فعبارة عن الكمال والتمام، و(نعمة سابغة) أي كاملة وافية.

وربما فسر إسباغ النعمة بتوسعتها(7) وربما يعبر بـ: تكثير النعمة، كيفاً، لكل واحد من المنعم عليهم.

وتسمى النعمة: نعمة، لأن الإنسان ينعم بسببها، وتسمى: آلاءأ جمع إلى(8) لأنها تنتهي إلى الإنسان، فإن مادة (الى) بمعنى الانتهاء وتعنى هنا النعمة، وهو من إضافة الصفة للموصوف فهو بمعنى (آلاء سابغة).

أسداها، وتمام منن والاها

إسداء النعمة

مسألة: يستحب إسداء النعم إلى كل الناس، حسب القدرة، حيث تقدم انه يستحب التخلق بأخلاق الله سبحانه وتعالى، والإسداء هو الإيصال بيسر في مقابل الإيصال بعسر(9).

توالي إفاضة النعم

مسألة: يستحب التوالي في إفاضة النعم وتعاقبها، لما سبق.

كما يستحب أن يتجلى ذكر الإنسان نعم الله سبحانه وتعالى على لسانه وقلبه وجوارحه، فإن مركز ذكر النعمة، اللسان والبدن والقلب، ولذا قال سبحانه:( اعملوا آل داود شكرا)(10).

فإن قسماً من الناس يعرف نعم الله سبحانه، لكنه لايذكرها بلسانه، ولا يظهر أثر النعمة على جوارحه، بصلاة أو صيام أو ركوع أو سجود أو ما أشبه ذلك، ومن الناس من يفعل كل ذلك، ومن الناس من يذكر النعم بلسانه فقط ‎…وهكذا.

فإن المستحب ذكر النعم، كما ذكرتها الصديقة الطاهرة (عليها السلام) باللفظ، بالإضافة إلى ذكرها بقلبها وعملها بجوارحها كما هو دأبهم (صلوات الله عليهم أجمعين).

قولها (عليها السلام): (وتمام منن) حيث ان مننه تعالى تامة لا نقص فيها.

ووالى بين الشيئين بمعنى: تابع، فنعمه سبحانه وتعالى التامة متوالية متلاحقة.

جم عن الإحصاء عددها

إظهار العجز عن إحصاء النعم

مسألة: يستحب إظهار عجز الإنسان عن إحصاء نعم الله سبحانه ومدى قصوره عن الإحاطة بجانب من مخلوقاته تعالى وهو النعم الإلهية.

لوضوح ان الإنسان محدود بحد صغير في نطاق ضيق، والنعم محدودة بحد كبير وفي إطار واسع حتى بالنسبة إلى إنسان واحد، فكيف بكل نعم الله سبحانه على كل الناس من أول الخلقة وإلى ما لاينتهي من الجنة.

بل النعم قد يصدق عليها اللامتناهي اللايقفي على امتداد الزمن، إذ لا انتهاء للآخرة(11) بمشيئته تعالى.

وربما يكون الأمر كذلك من الناحية الكمية(12) بل والكيفية(13) أيضاً.

وقد ورد في الدعاء: (وتقاصر وسع قدر العقول عن الثناء عليك وانقطعت الالفاظ عن مقدار محاسنـك وحكـت الألسـن عن احصـاء نعمـك واذا ولجت  بطريق البحث عن نعتك بهرتها حيرة العجز عن ادراك وصفك)(14).

قولها (عليها السلام): (جم) اي كثر (عن الإحصاء عددها) فإن نعم الله لايمكن إحصاؤها، فمثلاً في جسم الإنسان مليارات من الخلايا الحية مما لايتمكن الإنسان من إحصائها وفي كل خلية قشرة (غطاء خارجي) ولب ومركز قيادة(15).

تذكر لا نهائية النعم

مسألة: يستحب أن يتذكر الإنسان دوماً أن نعمه تعالى لا تعد ولا تحصى، وأن يشكر الله ويحمده على ذلك.

فإن تذكر أصل النعمة والشكر لها مستحب، وتذكر أنها لا تعد ولا تحصى مستحب آخر، لأنه نوع من الذكر ومن الشكر، وقد قال سبحانه: (فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون)(16).

ونأى عن الجزاء أمدها

عدم إمكان الجزاء على النعم

مسألة: يستحب تذكير الناس دوماً بأن نعم الله سبحانه وما أفاضه على الخلق لا يمكن ولا يعقل جزاؤها.

لأنه لو فرض إمكان أصل الجزاء منا له تعالى ـ وهو فرض محال، لأن الجزاء لا يكون إلا بما هو خارج عن ملك المجازي وحيطة قدرته، والحال ان كل موجود داخل في ملك الله سبحانه وحيطته ـ فهو أيضاً بنعمة أخرى، لأن كل ما للإنسان من جسم وروح وعقل وعاطفة وقدرة وإيمان، وكل ما في الكون بأجمعها، نعم الله سبحانه وتعالى، فكل حركة وكل شكر يستدعي شكراً جديداً إلى ما لانهاية.

قال السيد الطباطبائي في قصيدته:

شــكراً وأنا لي بلوغ ما وجب           من شكره والشكر للشكر سبب

وبهذا المعنى ورد عن الإمام زين العابدين (عليه السلام) في مناجات الشاكرين حيث يقول (عليه الصلاة والسلام):

(الهي أذهلني عن إقامة شكرك تتابع طولك، وأعجزني عن إحصاء ثنائك فيض فضلك، وشغلني عن ذكر محامدك ترادف عوائدك، وأعياني عن نشر عوارفك توالي أياديك… فآلاؤك جمة ضعف لساني عن إحصائها، ونعماؤك كثيرة قصر فهمي عن إداراكها، فضلاً عن إستقصائها، فكيف لي بتحصيل الشكر وشكري إياك يفتقر إلى شكر، وكلما قلت لك الحمد، وجب علي لذلك أن أقول لك الحمد..)(17).

قولها (عليها السلام): و(نأى) أي بعد، فحياة الإنسان لاتسع لجزاء نعمه سبحانه، فأمد النعم قد أبعدها عن إمكان الجزاء، حيث ان نعم الله تواترت على الإنسان قبل خلقته في هذا العالم ـ لثماً عالم الذر ـ وحين كان تراباً، ثم نطفة، فإنساناً كاملاً، ثم وهو في عالم الآخرة في الجنة.

وتفاوت عن الإدراك أبدها

العجز عن إدراك النعم(18)

مسألة: يستحب ذكر الله سبحانه بهذا النحو الذي يشير إلى محدودية إدراك الإنسان من جهة، وإلى دوام نعم الله تعالى من جهة أخرى.

ببيان: ان (ابد)(19) نعم الله سبحانه لا تدرك، إذ ان النعم لا متناهية حيث انها موصولة بجنة لامحدودة ـ لا يقفياً ـ من حيث الزمن (الكم المتصل غير القار) ومن حيث العدد(20) (الكم المنفصل) كما سبق، بل وربما حتى من حيث المسافة، إذ يحتمل توسع الجنة باستمرار من هذا الحيث أيضاً، ونظيره ما في الحياة الدنيا قال سبحانه: (والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون)(21).

ومن المعلوم ان الإدراك محدود خصوصاً في الدنيا، ولذا لا يتمكن من إدراك ابد النعم، فقد (تفاوت) أي تباعد تباعداً كبيراً(22) (عن الإدراك أبدها) أي أبـد لنعم ودوامها.

فلا يتمكن الإنسان من إدراكها، فإن القوة المدركة محدودة، وذلك غير محدود بالقياس لتلك، والمحدود لايستوعب غير المحدود استحالة عقلية كما أشرنا إلى ذلك.

وقد يكون السبب في محدودية القوة المدركة في الدنيا: سجنها في حيز الجسم، فلربما توسعت المدارك الإنسانية في الآخرة بحيث تحيط بالنعم وشبهها، وهذا الأمر على مبنى تجرد الروح أظهر، فتأمل.

وندبهم لاستزادتها بالشكر لاتصالها

الاستزادة من النعم

مسألة: يستحب السعي للاستزادة من النعم بالشكر وغيره، حتى يتفضل الله سبحانه باتصال النعم بعضها ببعض، فإنه تعالى هو الذي (ندبهم) أي دعاهم (لاستزادتها بالشكر)، وإجابة دعوة الله تعالى راجحة(23) دون شك.

وقد وعد سبحانه بزيادة النعم وبتواصلها أثر الشكر وبسببه، قال تعالى: (لئن شكرتم لأزيدنكم)(24).

وقال سبحانه: (ومن يشكر فإنما يشكر لنفسه)(25).

وقال عزوجل في آية أخرى: (ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه إن الله لغني عن العالمين)(26).

التحفظ على النعم

مسألة: يستحب التحفظ على النعم، فإن النعم إنما تحفظ بالشكر القولي والعملي، فللشكر فائدتان: فائدة حفظ النعم، وفائدة الاستزادة منها، واستحباب التحفظ على الأصل ـ ما هو الموجود من النعم ـ يفهم من ندبه تعالى للاستزادة منها كما لايخفى.

كما يستحب تشويق الناس بعضهم بعضاً للاستزادة من النعم، والتحفظ على ما عندهم منها، إذ تشمله اطلاقات كثير من الآيات والروايات، إضافة إلى العقل، وبيان ندبه تعالى لذلك من طرق التشويق.

كما يستحب تعليم الآخرين طرق الاستزادة من النعم وحفظها، ويشمله قوله تعالى:( تعاونوا على البر والتقوى)(27).

وهذا من غير فرق بين أن تكون النعمة مادية أو معنوية، ظاهرية أو باطنية، فإن الحمد والشكر يوجبان بقاء النعمة الاستزادة منها.

وجوب أصل الشكر وبعض مصاديقه

مسألة: يمكن القول بوجوب أصل الشكر لله تعالى، فمن أعرض عن شكره مطلقاً(28) كان آثماً، كما قد يجب بعض مصاديقه، لوجوب حفظ أو تحصيل بعض النعم لجهات عديدة.

فإنه من الشكر واجب، ومنه مستحب، فإن كان مقدمة للواجب وجب، وإن كان مقدمة للمستحب استحب(29)، للتلازم بين المقدمة وذي المقدمة، كما قرر في بحث مقدمة الواجب ومقدمة الحرام(30).

وقد أرشد الله سبحانه للشكر حتى يستزيد الإنسان من نعمه تعالى.

قال سبحانه: (لئن شكرتم لأزيدنكم)(31).

وستكون النعم عند الشكر متصلة بعضها ببعض، بفضله تعالى.

والشكر ـ فيما عدا الواجب ـ مستحب مطلقاً.

كما أن الشكر بهذا اللفظ(32) مستحب، سواء كان بهذه الصيغة أم بسائر الصيغ، وسواء كان متعلقه لفظ الجلالة بذاته أم سائر صفاته، فيصح أن يقول: (شكراً لله) أو(شكراً للخالق) أو(الرازق) أو(الحاكم) أو(العالم) أو(القائم) أو(الدائم) أو(الحي) أو(القيوم).

كما يصح أن يقول: (أشكر) أو(إني شاكر) أو ما أشبه ذلك من الألفاظ الكثيرة، من حيث التعلق ومن حيث صيغة الشكر، وكذلك يصح أن يأتي بصيغة الجمع نحو: (إنا شاكرون) وما أشبه ذلك.

هذا كله في الشكر اللفظي.

وأما الشكر العملي: فبإطاعة الله سبحانه، قال تعالى:( اعملوا آل داود شكراً)(33) وقال تعالى: (اشكروا لي ولا تكفرون)(34) والمراد بالشكر هنا: الأعم.

واستحمد إلى الخلائق باجزالها وثنى بالندب إلى أمثالها

حمد الله واجب أم مستحب

مسألة: ينبغي حمد الله تعالى على نعمه وعلى غيرها أيضاً.

ولولا القرينة لدل قولها: (استحمد) على الوجوب، إذ (استحمد) بمعنى: طلب منهم ـ جل شأنه ـ أن يحمدوه، لأنه أجزل عليهم النعم، والأصل في طلب العالي من الداني وجوب التلبية، خاصة إذا كان مشفوعاً بتعليل كتعليلها (عليها السلام)(35) إذ ذلك ملزم للحمد عقلاً.

ويمكن الالتزام بدلالته(36) على وجوب الطبيعة(37) المنطبقة على الواجب من الحمد(38) فيتحقق امتثالها بالإتيان بتلك المصاديق وتكون القرائن صارفة عن إرادة العموم(39) فتأمل.

ونظيره قوله تعالى: (فليعبدوا رب هذا البيت، الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف)(40).

و(الإجزال): عبارة عن الإكمال كما سيأتي، فهذه الجملة بالنسبة إلى الكيف، وإن أمكن غير ذلك، والجملة السابقة(41) بالنسبة إلى الكم، فشكره على حمده(42) يزيدها كما ويعطيها الديمومة زمناً.

وقد يفرق بين الحمد والشكر:

بأن (الحمد) أعم، إذ ليس فيه دلالة على نعمة واصلة إلى الحامد، لأنه ربما يحمد لكون المحمود له صفة حميدة، بينما (الشكر) له هذه الدلالة، وقد سبق ذلك.

ثم لا يخفى ان الشكر والحمد مطلوبان لله تعالى لأجل الإنسان نفسه، لالفائدة تعود إليه سبحانه، إذ هو تبارك وتعالى الغني المطلق، فهما كعبادته جل وعلا تزيد الإنسان تكاملاً وسمواً واقترابا منه سبحانه، فطلبه ذلك مناً للطفه وكرمه وفضله وحكمته.

ويشير إلى ذلك ما ورد من قوله تعالى في الحديث القدسي: (عبدي أطعني تكن مثلي أقول للشيء كن فيكون، وتقول للشيء كن فيكون)(43).

وقوله سبحانه: (وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم)(44).

وقوله تعالى: (أتعبدون من دون الله ما لايملك لكم ضراً ولانفعاً)(45).

ونظائرها كثيرة، مما يدل على أن النفع والضرر يعود للإنسان نفسه.

و( الإجزال) معناه: الإكمال والإتمام والإكثار(46) يقال: (أجزلت له من العطاء) أي: أكثرت، فإن أصل النعمة يوجب الحمد والشكر والإكثار من النعمة يستدعي مزيداً من الحمد والشكر.

فاللازم وجوباً أو استحبابا إيقاف الناس على ذلك، حتى يحمدوه ويشكروه سبحانه وتعالى أكثر وبذلك يستجلبون خيراً أكثر بلطف الله سبحانه وتعالى.

وكما أنه سبحانه ندبهم للاستزادة منها في دار الدنيا، كذلك ندبهم إلى الحصول على أمثال نعم الدنيا في الآخرة عبر الشكر والحمد، قال تعالى: (كلما رزقوا منها من ثمرة رزقاً قالوا هذا الذي رزقنا من قبل وأتوا به متشابهاً)(47).

فالشكر والحمد أولاً يزيد نعم الدنيا، وثانياً يسبب نعم الآخرة، فهو تعالى قد ثنى دعوته وطلبه(48) بـ (الدعوة إلى أمثالها) أي: أمثال تلك النعم والآلاء والمنن(49)، فالراجح ـ وجوباً أو استحبابا ـ ندب العباد ودعوتهـم إلى الاستـزادة

منها.

وهذه هي نوع من التجارة مع الله سبحانه، نظير قوله تعالى:

(إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة)(50).

ومن الواضح: انها تجارة رمزية، إذ لا نسبة بين الثمن والمثمن، إضافة إلى أن الكل ملك له تعالى(51).

 

1 - أي من تمهيد الأسباب.

2 - إرشاد القلوب 121 ب35 في التوكل على الله. مشكاة الأنوار 319 الفصل السابع في الخصال المنهي عنها. ونهج الفصاحة: ص 69 ح 359. وفي بحار الأنوار ج68 ص137 ب63 ح20: (واعقل راحلتك وتوكل). وكذا في البحار ج100 ص5 ب1 ح18.

3 - بحار الأنوار: ج58 ص129 ب42.

4 - البلد الأمين: ص 18 (وفيه يا مبتدياً). وعنه في بحار الأنوار ج83 ص75 ب39 ح10.

5 - الكافي: ج8 ص173 ح 194. وبحار الأنوار ج4 ص262 ب4 ح110.

6 - بحار الأنوار: ج21 ص211 ب29 ح2. والبحار ج75 ص267 ل23 ح108.

7 - قال في مجمع البحرين: (اسباغ النعمة ): توسعتها، ومنه الدعاء: (أسبغ علينا نعمك) أي أفضها علينا سابقة واسعة، والتعدية بعلى لتضمنها معنى الإفاضة، و(إسباغ الوضوء): إتمامه وإكماله، و(الحمد لله سابغ النعم) أي: كاملها وتامها [انتهى].

وقال في لسان العرب: (شيء سابغ) أي: كامل واف، و(سبغت النعمة): إتسعت، و(نعمة سابغة) و(أسبغ الله عليه النعمة): أكملها وأتمها ووسعها.

8 - (ألى) بالقصر والفتح، وقد تكسر الهمزة، مجمع البحرين مادة ( الا).

9 - قد يستفاد ذلك من التأمل في كتب اللغة، فقد جاء في لسان العرب: (السدو) [وهو مصدر الثلاثي المجرد]: السير اللين و(السادي) الذي فيه اتساع خطو مع لين [انتهى]. وفي المجمع: (أسدى) أعطى.

10 - سبأ: 13.

11 - فالنعم مستمرة زماناً إلى ما لانهاية.

12 - فربما يكون إعداد النعم في عالم الآخرة متواترة مترادفة بحيث لاتتناهى كمراتب الأعداد.

13 - فربما تكون مراتب النعم ودرجاتها متزايدة باستمرار لامتناه، كأن تزداد حلاوة العسل باستمرار ويزداد برد الماء ورواؤه آناً بعد آن وهكذا.

14 - بحار الانوار ج92 ص403 ب129 ح34، من دعاء كان يدعو به امير المؤمنين(عليه السلام) والباقر والصادق صلوات الله عليهما.

15 - وقد أحصى بعض علماء العلم الحديث إن في كل مركز قيادة لكل خلية ثلاثون ألف طابق ـ إذا ما شبهنا هذا المركز بعمارة ذات طوابق ـ تمر عبرها وبسببها كافة التفاعلات الكيماوية وغيرها.

16 - البقرة: 152.

17 - بحار الأنوار ج91 ص146 ب32 ح21. وعنه في مفاتيح الجنان المعرب ص 122، المناجاة السادسة، مناجاة الشاكرين.

18 - حول هذا المبحث ونظائره راجع الكتب الكلامية للإمام المؤلف، ومنها:(القول السديد في شرح التجريد) و( شرح المنظومة).

19 - الأبد: الدوام والخلود، وبمعنى الدهر الطويل الذي ليس بمحدود.

20 - أي عدد مصاديق النعم.

21 - الذاريات: 47.

22 - تفاوت الشيئان تفاوتاً: أكثر تباعد ما بينهما [مجمع البحرين للشيخ الطريحي مادة (فوت)].

23 - بالمعنى الأعم.

24 - إبراهيم: 7.

25 - النمل: 40.

26 - العنكبوت: 6.

27 - المائدة: 2.

28 - بالقلب واللسان والجوارح دائماً.

29 - ولو عقلاً.

30 - راجع (الأصول) للإمام المؤلف دام ظله.

31 - إبراهيم: 7.

32 - أي بهذه المادة.

33 - سبأ: 13.

34 - البقرة: 152.

35 - في قولها عليها السلام: (باجزالها).

36 - أي دلالة (استحمد).

37 - وهي الكلي الطبيعي.

38 - المراد: ان هناك مصاديق واجبة شرعاً تتضمن الحمد له تعالى، كالصلاة المتضمنة لسورة الحمد ـ مثلاً ـ فينطبق كلي (الحمد) المطلوب على هذه المصاديق ويتحقق بها.

39 - أي ارادة: ايجاب مطلق الحمد وكل أفراده، فعلى هذا تكون سائر أفراد الحمد المتحققة في غير الواجبات المعهودة مستحبة.

40 - قريش: 3-4.

41 - (وندبهم لاستزادتها بالشكر لاتصالها).

42 - أي معه.

43 - راجع عدة الداعي ص310 وفيه: (يابن آدم انا اقول للشيء كن فيكون اطعني فيما أمرتك اجعلك تقول للشيء كن فيكون). وفي الصراط المستقيم ج1 ص169 عنه صلى الله عليه وآله وسلم: (ان لله عباداً أطاعوا الله فأطاعهم الله يقولون للشيء بأمره كن فيكون).

44 - يس: 61.

45 - المائدة: 76.

46 - تستفاد هذه المعاني مما ذكره اللغويون لتوضيح معنى (جزل) أو موارد استعماله، فمثلا: (جزل) ككرم: صار ذا رأي جيد، و(الجزل): العاقل الأصيل الرأي [القاموس المحيط] ـ (جزل) و(حطباً جزلاً) أي: غليظاً قوياً، و(رجل جزل) أي: جيد الرأي، و(امرأة جزلة) أي: تامة الخلق و(اللفظ الجزل): خلاف الركيك و( الجزيل): العظيم، و(عطاء جزل وجزيل) أي: كثير ـ [راجع لسان العرب مادة جزل].

47 - البقرة: 25. 

48 - أي أضاف لطلبه الأول [وهو طلب الحمد في (استحمد) وطلب الشكر في الجملة السابقة] طلباً ثانياً هو [الدعوة إلى الأمثال].

49 - في قولها عليها السلام: (من عموم نعم ابتداها وسبوغ آلاء أولاها وتمام منن والاها).

50 - التوبة: 111.

51 - أي: إن الثمن والمثمن، والمشتري والمشترى كلها ملك لله تعالى، ولذلك كانت المعاملة رمزية مجازية.