قصة « القصيدة الشعرية »


أيها القارىء العزيز بين يديك مقطوعة تصوغ خطبة الفخر والصدق والعدالة ، في كلمات شعرية ، ليكون للشعر شرف الخلود بخلود الخطبة الفطة لنبت الرسول وقد قصدت بنظمها وجه الله ورضى امّي فاطمة ـ نظمت أبيات الشعر هذه وأنا في ديار الغربة أعيش آلاماً أمضت قلبي وقلب شعبي الذي ابتلى بالطواغيت الفجرة ، والدجّالين المهرة ، وأبناء الدنيا المغرّرين فلم أجد لي سلوة إلاّ أن أغسل قلبي بطهور الحزن المقدّس وأن ألجأ الى « بيت الاحزان » بيت « فاطمة الزهراء بنت محمد » لقد ذرفت الدموع فيها سخيّة ساخنة .. وغسلت قلبي بأحزان فاطمة ودموعها .. لأنّ دموع المظلومين متّصلة بدموعها ، وأحزانهم موصولة بأحزانها .. الّتي لا تنتهي إلا مع ظهور ولدها المنتظر الحجة بن الحسن المهدي ( عج ) الذي يضع حداً لآلام المظلومين والمستضعفين ، آنذاك لم يكن عندي الاّ كتاب ( فاطمة الزهراء من المهد الى اللحد ) فالتهمته كلّه ثمّ توقّفت عند الخطبة المعجزة .
وهنا لابدّ أن أسجل أن شرف السبق الى نظم ( خطبة فاطمة ) ليس لي .. فلقد تقدّمني شعراء كبار وآخرهم شاعرنا المرحوم الشيخ الفرطوسي ، وغيرهم من العرب والعجم .. ولكن أحببت أن اشاركهم الاجر والثواب لعلّ الزهراء تشفع لي عند الله بالجنّة .


( 30 )


وقبل أن أختم المقدّمة أودّ أن أسجل بعضاً من أبيات شريف مكّة التي ايقضت ضميري على ألم الزهراء وأنا طفل صغير .. ثمّ أوحت اليّ بوزن القصيدة ، وكذلك قصيدة الازري التي كان لها نفس الاثر في قلبي .

شريف مكة : وقصيدته الهائية

مالعيني قـد غاب عنـها كراهـا وعراها مـن عـبرة مـا عراها
الـدار نـعمت فيـهـا زمـانـا ثـمّ فارقتهـا فـلا أغـشـاهـا
أم لحيّ بـانــوا بـأقـمار تـمّ يتجلّى الـدجى بضـوء سناهـا
أم لخود غـريرة الطرف تهواهـا بصــدق الـوداد أو أهـواهـا


( 31 )

الـدار نـعمت فــيهـا زمـانا ثـمّ فـارقـتهـا فــلا أغشاهـا
أم لـحـي بـانـوا بـأقمـار تمّ يتجلـّى الـدجى بـضوء سناهـا
أم لخود غـريرة الطـرف تهـوا بصـدق الـــوداد أو أهـواهـا
أم لصافي المدام مـن مزة الطعـ ـم عـقار مشمــولـة أسقاهـا
حـاش الله لست أطـمع نفســي آخـر العمـر فـي اتّباع هواهـا
بل بكائي لذكـر مـن خصّها اللـّ ـه تعالـى بلــطفـه واجتباهـا
خـتم الله رســلـه بـأبيهـــا واصطفاه لـوحيـه واصطـفاهـا
وحباهـا بـالسيّديـن الـزكيـّيـ ـن الإمامين منه حـين حـباهـا
ولفكري في الـصاحبين اللذين اسـ ـتحسنا ظلمهـا ومـا راعياهــا
منعـا بعلهـا مـن العهـد والـعق ـد وكـــان الـمنيب والأوّاهـا


( 32 )

واســتبدّا بـإمـرة دبـراهـا قبل دفـن النـبـي وانتهزاهـا
وأتت فــاطم تطـالب بــالإر ث من المصطفى فمـا ورثـاها
ليت شعري لم خولفت سنن القـر آن فيــها والله قــد أبـداهـا
رضـي النـاس إذ تلوهـا بمالم يرض فيها النبـي حـين تـلاها
نسـخت آيـة المـواريث مـنها أم همـا بـعد فرضهـا بـدّلاها
أم تـرى آيـة المـودّة لــم تأ ت بودّ الـزهراء فـي قـرباها
ثـمّ قالا أبـوك جـاء بهـــذا حجـّة مـن عنـادهم نصـباها
قـال لـلأنبيـاء حـكم بـأن لا يـورثوا فـي القديـم وانتهزاها
أفبنت النبـي لـم تـدر إن كـا ن نبـي الهــدى بذلـك فـاها
بضـعة مـن محـمّد خالفـت ما قـال حاشـا مـولاتنا حاشـاها


( 33 )

سـمـعته يقــول ذاك وجاءت تطـلب الإرث ضلـّة وسفـاها
هـي كـانت الله أتقى وكـانت أفضـل الخـلق عفـّة ونـزاها
أو تقول النبـي قـد خالف القرآ ن ويح الأخـبار مـمّن رواهـا
سل بإبطال قـولهم سورة النمـ ـل وسل مـريم الّتي قبل طاها
فهما ينبئان عــن إرث يحيـى وسـليمان مــن أراد انتباهـا
فدعت واشتكت إلى الله مـن ذا ك وفـاضـت بدمعهـا مقلتاها
ثـمّ قالت فـنحلة لـي مـن وا لـدي المـصطفى فلم ينحلاهـا
فـأقامت بـها شـهوداً فقالـوا بعلها شـاهد لـهـا وابنـاهـا
لم يجيزوا شهادة ابني رسول الـ ـله هـادي الأنـام إذ ناصباها
لم يكـن صـادقاً علـي ولافـا طمـة عـندهــم ولا ولـداها


( 34 )

كــان أتقـى لله مــنهم عـتيق قــبح القائل الــمحال وشـاها
جرعــاها من بعد والـدها الغيـ ـظ مــراراً فبئس ما جرعـاها
أهــل بيت لم يعرفوا سنن الجـو ر التباســاً عليـهم واشـتباهـا
ليت شعري ما كان ضرّهما الحفـ ـظ لعهد النبي لـو حفظـاهــا
كـان إكـرام خـاتم الـرسل الها دي البشير النـذير لـو أكـرماها
إنّ فــعل الجمـيل لــم يـأتياه وحـسان الأخـلاق مـا اعتمداها
ولـو ابتيـع ذاك بالثمــن الغـا لتي لمـا ضـاع فـي اتّباع هواها
ولكــان الـجميل أن يقطـعاها فــدكاً لا الـجميل أن يقطـعاها
أترى المسلمـين كانـوا يلومـو نهمـا فـي العطاء لـو أعطياها
كان تحت الخضـراء بنت نـبي صـادق ناطـق أمـين سـواها



( 35 )

بنت من!امّ مـن!حليلة مـن!ويـ ـل لمـن سـنّ ظلمـها وأذاهـا
ذاك ينبيك عـن حـقود صـدور فاعتبرها بالفكـر حيـن تـراهـا
قل لنا ايّهـا المـجادل فـي القو ل عن الغاصـبين إذ غصبـاهـا
أهمـا مـا تعمـّداها كــما قلـ ـت بظلـم كـلاّ ولا اهتضماهـا
فلمـاذا إذ جهــّزت للقـاء الـ ـله عـند الممات لـم يحضراهـا
شـيّعت نعشها ملائـكة الـرحـ ـمـن رفقاً بهـا ومــا شيّعاهـا
كـان زهداً فـي أجرها أم عناداً لأبيـها النبــــي لـم يتبعاهـا
أم لأنّ البتـول أوصـت بأن لا يشـهدا دفنهـا فــما شـهداهـا
أم أبوهـا أســرّ ذاك إليــها فاطـاعت بـنت النبـي أبـاهـا
كـيف ماشئت قل كفاك فـهذي فرية قد بـلغت أقـصى مـداهـا


( 36 )

أغضباها وأغضبا عـند ذاك الـ ـله ربّ السمـاء إذ أغضبـاهـا
وكـذا أخـبر النـبـي بأن الـ ـله يـرضى سبحـانه لرضـاها
لا نـبـي الهـدى اطـيع ولافا طــمة اكـرمت ولاحسنـاهـا
وحـقوق الوصـي ضيّع مـنها مـاتسامى فــي فضـله وتناها
تـلك كـانت حـزازة ليس تبرا حـين ردّا عنهـا وقـد خطبـاها
وغـداً يـلتقون والله يــجزي كـلّ نـفس بغيهـا وهـداهــا
فـعلى ذلك الأسـاس بنت صـا حـبة الهـودج المشـوم بنـاهـا
وبــذاك اقـتدت أمـيّة لمــّا أظـهرت حقدهـا عـلى مـولاها
لعـنته بـالشام سـبعين عـاماً لعـــن الله كـهلهـا وفتـاهـا
ذكـروا مـصرع المشايخ في بد رٍ وقـد ضـمخ الوصـي لحـاها


( 37 )

وباُحد من بعد بـدر وقـد أتعـ ـس فيهـا معـاطساً وجبـاهـا
فـاستجادت له السيوف بصفّيـ ـن وجرت يوم الطفوف قناهـا
لـو تمكّنت بالطفوف مـدى الد هـر لقـبّلت تربهـا وثـراهـا
أدركت ثــارها أمـيّة بـالنا ر غـداً فـي معـادها تـصلاها
أشكـر الله أنـّنـي أتـولـّى عـترة المـصطفى وأشنى عداها
نـاطقاً بالصواب لاأرهب الأع داء فــي حبّهم ولا أخشـاهـا
نـح بهـا أيّها الجذوعي واعلم أنّ إنشـادك الــّذي أنـشاهـا
لك معنى في النوح ليس يضاهي وهـي تـاج للشـعر في معناها
قلتها للثواب والله يعطـي الـ أجر فيها مـن قـالها ورواهـا
مـظهراً فـضلهم بعزمة نفس بـلغت فـي ودادهـم منتهـاها


( 38 )

فـاستمعها من شـاعر عـلوي حسنـي فـي فضلهـا لا يضاهـى
سادة الخـلق قـومه غـير شكّ ثـمّ بطحـاء مـكـّة مـأواهــا

الاُزري (ره) : وشيء من قصيدته الهائيه

تـركوا عـهد أحـمد في أخيه وأذاقـوا البـتول مــا أشجاهـا
وهـي العـروة الّتي ليس ينجو غـير مـستعصم بـحبل ولاهـا
لـم يـر الله للرسـالة أجـراً غير حفظ الزهراء في قربـاهـا
يـوم جـاءت ياللمصاب إليهم ومـن الوجـد ما أطـل بكـاها
فدعت واشتكت إلى الله شكوى والرواسـي تهتزّ مـن شكواهـا
فاطمأنّت لها القـلوب وكـادت أن تزول الأحقاد ممّن حـواهـا


( 39 )

تعظ القـوم فـي أتمّ خطـاب حكت المـصطفى بـه وحكـاها
أيّها القـوم راقـبوا الله فـينا نحن من روضـة الجليل جنتاها
نـحن من بارى السماوات سرّ لـو كرهنـا وجودهـا مـابراها
بـل بآثـارنا ولطـف رضانا سـطح الأرض والسمـاء بناها
وبأضوائنا الّتـي ليس تـخبو حوت الشهب ما حوت من سناها
واعلموا أنّنا مشاعـر دين الـ ـله فـيكم فأكـرموا مـثواهـا
ولنـا من خزائن الغيب فيض ترِد المـهتدون مـنه هـداهـا
إن تروموا الجنان فهي من الل ـه إلينـا هــديـّة أهـداهـا
هـي دار لنـا ونحـن ذووها لايـرى غـير حـزبنا مـرآها
وكذاك الجحيم سجن عـدانـا حـسبهم يوم حشـرهم سكناهـا


( 40 )

أيّهـا النـاس أي بـنت نبي عـن مـواريثها أبوهـا زواها
كـيف يزوي عنّي تراثي زاوٍ بأحـاديث مـن لدنـه ادّعـاها
هـذه الكتب فاسألوها تـروها بـالمواريث نـاطقاً فـحواهـا
وبمعنى « يوصيكم الله » أمـر شـامل للعبـاد فـي قربـاهـا
كـيف لم يوصنـا بذلك مـولا نـا وتـيم مـن دوننـا أوصاها
هـل رآنـا لا نسـتحقّ اهتداء واسـتحقّت هـي الهـدى فهداها
أم تـراه أضلّنـا فـي البـرايا بعد عـلم لكـي نصيب خطـاها
مـالكم قـد منعتمونـا حـقوقاً أوجب الله فـي الكتـاب أداهـا
قـد سلبتم من الخـلافة خـوداً كــان منّـا قنـاعها ورداهـا
وسـبيتم من الهدى ذات خـدر عزّ يوماً عـلى النبـي سبـاها


( 41 )

هـذه البردة الّتي غـضب اللّـ ـه على كلّ مـن سوانا ارتداها
فخذوهـا مـقرونـة بشنــار غـير مـحمودة لكـم عقبـاها
ولأي الأمـور تــدفن سـرّاً بضعة المـصطفى ويعفى ثراها
فمضت وهي أعظم الناس وجدا في فم الدهر غصّة من جـواها
وثوت لا يرى لها الناس مثوى أي قـدس يـضمّه مـثواهـا
* * *

وفي الاخير .. لا يسعني الاّ أن اترك القاريء الكريم مع « القصيدة الشعرية » وقد قدمت لها بعض ابيات تعطي صورة عن ( فدك ) ـ ثم نقلت صورة عن ( الظروف ) التي القت فيها الزهراء خطبتها في مسجد الرسول الاعظم (ص) ثم يأتي نص ( الخطبة ) مع صياغتها الشعريّة وفي النهاية قصيدة عن ( ميلاد الزهراء «ع» ) ثم عن ( شهادة الزهراء «ع» ) وأرجوا من الله القبول وهو المستعان .

قم ـ عباس المدرسي



( 42 )


( 43 )

الفصل الثاني
وجاءت فاطمة..



( 44 )


( 45 )

فدك ..

تاه في رفرف النّدى خضراها فتثنّى بخصرهـا عطفـاها
وترامت غنّاء رائعـة الحسن وطـيف مـن الحيا يغشاها
فـكأنّ الـحسناء أتعبها المشى بـصحراء تكتوي حصباها
في فلاة طغى بها الشمس حتّى لا ترى قـطرة تبلّ الشّفاها
تترائى تحت النخيل مـروجا يتبارى مـع النّسيم هـواها
عين مـاءٍ مبرّدٍ سقت الأرض وصابت بالبرد ريح صباها
قـد تدلّت ثمارهـا وتناجـت سعفات النّخيل في أجـواها
فـدك فـتنة الزّمـان وسـحر الأرض والجنّة الّتي تهواها


( 46 )

سلمت جنبها من الغزو والزّحف فـلم توجـف الخيـول ثـراها
وكـذاك الأنفال لــيس لـغير الله والمـصطفّى الأمين جناهـا
ولـه حكمهـا فـيعطـي قـليلاً أو كـثيراً لـمن يشـا مـايشاها
ولكـم اقـطع النّبـيّ وأعـطى النّاس من « نفلها » الّتي أعطاها
واصطفى من جميع تلك المغاني « فـدكاً » كـان عنده مجنـاها
( آت حـقّ الـقربي ) أتته بآي لـم تكـن غـير فـاطم مرماها
فحبـاها لـبنته وهـــو أدرى أنّ مـرضى الإله في مرضـاها
وتـوفّى عـن فـاطم لـيس إلاّ. لـم يكـن عـند أحـمدٍ إلاّهـا
وغـدت فـي يد البتول تدرّ ال خـير مـن كفّهـا الى فـقراها
وتـوالت بـعد النَّبـىِّ قضـايا فـتن عـمّت الـجميع عمـاها


( 47 )

تلك مرويّة عـن آبن الزّكىّ الـ سّبط ، صحّ الأسناد عمّن رواهـا
ذاك لمّا استوى الخليفة في الحكم وصدّ الزّهـراء عـن مرعـاها


روى عبـد الله بن الحسـن (ع) باسـناده عن آبائه انّه لمّا أجمع أبوبكـر على منع  فـاطمة فدكا وبلغها ذلك ، لاثت خمـارها عـلى رأسـها ، واشتمـلت بجلبابهــا ،  وأقبلت فـي لمّة من حفدتها ونساء قومهـا  ، تطأذيولها ، ما تخرم مشيها مشية رسول  الله صلى الله عليه وآله ، حتى دخلت على  ابي بكر ، وهو فـي حشد مـن المهاجرين  والانصار وغيرهـم ، فنيطت دونها ملاءة  فجلست ثـم انّت أنّة أجهش القـوم بالبكاء  فـارتج المجلس ، ثــم اذا امهلت هنيئة ،  حـتى اذا سـكن نشـيج القـوم وهـدأت  فـورتهم افتتحت الكلام بحمد الله والثـناء  عليه ، والصلاة على رسوله فعاد القوم في  بكائهم ، فلمّا أمسكوا عـادت فـي كلامها  فقالت ، عليها السلام :


( 48 )

لبست ثـوبها ولاثت خمـاراً وبجلبـابها آسـتوت أنحـاها
تطأ الأرض فـي ذيول ثيابٍ سترت جسمها وغطّت عـلاها
فـاطم مـثل أحـمد ممشاها أو كـأنّ الرّسول يخطو خطاها
خـطوات لـو إنـّه كان حيّا وجرى ما جرى لكان خـطاها
فـتمشت فـي لمّة مـن حفيدٍ مـن بنيهـا ولـمّة من نساها
رحبة المسجد المقدّس غصّت بـؤفودٍ تـزاحـمت بفنـاهـا
وجموع المهاجـرين تـوالت وأتتها الأنصـار مـن أنحاها
وأبو بكـر والخـلافة والحكم وأسـياف طـوّقـت أفـناها
فـأنيطت مـلاءة وتـوارت بضعة المصطفّى الأمين وراها
سكـتت لـحظة وأنّت أنـيناً أجهش القـوم مـن أليم أساها


( 49 )

جـدّدت فـي نشيجها ذكريـاتٍ كـان لازال مـاثلاً ذكـراها
تـلكم الذّكريات عـزّت فـهزّت من نفوس الحضور مرّ شجاها
ثـمّ إذ أمـهلت قـليلاً وقـرّت واستراح الأسى بصدر عزاها
هـدأوافـانبرت لـتلقي عـليهم خطبة ! ليس غيرها يـوتاها
حـمدت ربّهــاوأثـنت عـليه ثـمّ صـلّت على المكرّم طه
وعلى اسم النّبيّ عادت بروق الـ ـوجد تستمطرالـعيون نداها
ثمّ إذ أمسكوا جرت في خـطاب وكـأنّ النـّبـيّ يملي يـداها
طاف فـي مجمع الزّمان وردّت ثائرات الـقرون رجع صداها
وعلى ذلـك الهـدير اسـتقامت خـطّةالـدّين باتّجـاه هداها
وستبقى الزّهـراء في كلّ عـصرٍ يقتفى الثّائرون نهـج رؤاها


( 50 )


( 51 )

الفصل الثالث
الخطبة ـ المعجزة


( 52 )


( 53 )

الثناء على الله

الحمد لله على ما أنعم وله الشّكر على ماألهم والثناء بما قدم من عموم نعم ابتدأها وسبوغ آلآءٍ أسداها وتمام مننٍ والاها ، جمّ عن الاًحصاء عددها .


ــــــــــــــــــــــــــ
للأله العـظيم حمدي تناهى وله الشّكر دون أن يتناهى
فلنعمائه الّـتى لا تجـازى ولالهـامه النـفوس هداها
وثنــائي بطيبـات نـعيم لـم نطـالبه بذلها فابتداها
وبـألاء جــوده سـابغات سائغاتٍ إلى الورى أسداها
وبـما جـاد من تمام عطايا جمّ أعدادهنّ عن إحصاها
طال فى مرقـد الزّمان نواها وتنائى عـن الجزاء مداها


( 54 )


ونأى عن الجزاء امدها وتفاوت عن الادراك أبدها وندبهم لاستزادتها بالشكر لإتصالها واستحمد إلى الخلائق بإجزالها ، وثنى بالندب إلى اشباهها وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، كلمة جعل الإخلاص تأويلها ،


ــــــــــــــــــــــــــ
وتناهى عن النّـهى درك نعمى أبد الدّهر تسـتمرّ عطـاها
ودعاها لـتستزيد نـداهـا باتّصال ـ بشكر من أولاها
وبأجزالها لـهم طلب الحمـ ـد وثنى بندبهـا الأشبـاها
اشهد الله إنّه لـيس إلاّ الـ ـلّه ربـاً وخــالقاً وإلهـا
وحـده الله لاشـريك لـديه كوّن الكـون والبرايا براها
كلمة الحقّ والهدى والتعالى ولباب الاخلاص في مغزاها


( 55 )


وضمّن القلوب موصولها وأنار في التفكير معقولها ، الممتنع من الابصار رؤيته ومن الألسن صفته ومن الأوهام كيفيّته .
ابتدع الاشياء لا من شيء كان قبلها وانشأها بلا احتذاء امثلةً امتثلها .


ــــــــــــــــــــــــــ
في مطاوى القلوب وصل لقاها ولـدى الفكر وهجها ورواها
ليس عـينٌ تـرى جلالة ذاتٍ عجز الوصف أن يدانى مداها
كلّت الالسـن البـليغة حتـّى لـيس تعلوا لـوصفه أعلاها
جـلّ حتّـى الأوهام لا تترقىّ نحـو أقداس كـيفه أرقـاها
خـلق الكـائنات خـلق ابتداع ليس من شيء قبـله سـوّاها
وبـراها بـلا أحـتذاء مـثالٍ كان من قبل أن يسوي بـناها


( 56 )


كوّنها بقدرته ، وذرأها بمشيته من غير حاجةٍ منه إلى تكوينها ولا فائدة في تصويرها إلاّ تثبيتاً لحكمته وتنبيهاً على طاعته وإظهاراً لقدرته وتعّبداً لبريته ، وإعزازاً لدعوته .
ثمّ جعل الثّواب على طاعته ، ووضع العقاب على معصيته ، ذيادة لعباده من نقمته .


ــــــــــــــــــــــــــ
خـلق الخـلق بالمشيّة مـنه وبـرى بأقـتداره أشـياها
دونمـا حـاجةٍ لـه وانـتفاع منه للصورة الّتـي أبـداها
بل لتنبيهها على طـاعة اللـّ ـه ، وتثبيت حكمة جلاّها
لـيبين اقــتداره سـوّاهـا ويـعبّد عــبيده أنشـاها
ولإعزاز دعوة الحق والخـير وتبقى عـلى المدى دعواها
ويـذود العبـاد شـرّ جـحيم سـجّرت نقمة الإلـه لظاها


( 57 )

النبي الاكرم وفلسفة الرسالة

وحياشةً لهم إلى جنّته .
وأشهد أنّ أبي ( محمداً ) عبده ورسوله ، اختاره وانتجبه قبل أن اجتبله واصطفاه قبل أن ابتعثه ، إذ الخلائق بالغيب مكنونةُ ، وبستر الاهاويل مصونة ، وبنهاية العدم مقرونة ،


ــــــــــــــــــــــــــ
والى جـنّة الخـلود يحاشي كلّ نفسٍ قـد لازمت تقـواها
وأبي المـصطفى محمّد عبد ورسـول لله لـيس يضاهـي
تـلكم النـفس ربّها أعلاها واجتبـاها من قبل أن يـبراها
قـبل أن يبعث الأمين نـبيّاً قـدّس الله روحه واصطفـاها
إذ توارث خلائق الله بالغـي ب ، وستر الاهوال قد غطّاها
وبأقصى نهاية العـدم المحـ ض ، تلاقى الأعدام في أجواها


( 58 )


علماً من الله تعالى بمائل الأمور وإحاطة بحوادث الدهور ومعرفة بمواقع المقدور .
ابتعثه الله إتماماً لأمره ، وعزيمةً على امضاء حكمة


ــــــــــــــــــــــــــ
فبعرفـانه مـآل أمـور الـ كون من بدئها الى منتهاها
وبمـا حـاط بالحوادث علماً والمجاري الّتي بها أجراها
وبعرفـانه المـواقـع مـمّا حدّدتها الأقدار مـن مبداها
بعث المصطفى الامين رسولاً والرسـالات كـلّها أنّهاها
ليتمّ الأمر الحكيم ، ويمضـي حكمه ، للمقدّرات قضـاها
ولإنفــاذ مـا تقدّر قـدمـا من مقـادير حتمه أمضاها


( 59 )


وإنفاذاً لمقادير حتمه ، فرأى الامم فرقاً في أديانهما ، عكفاً على نيرانها ، وعابدةً لأوثانها ، منكرةً لله مع عرفانها ، فأنار الله بمحمدٍ صلى الله عليه وآله وسلم ظلمها ، وكشف عن القلوب بهمها وجلى عن الابصار غممها


ــــــــــــــــــــــــــ
فرأى النّاس في الدّروب حيارى فرقاً في مسـارها ورواهـا
بـين مـن يـعبد الحجارة ربّاً أو على النّار عاكـفاً يهواها
وبرغمٍ من عـلمهم ينكرون الـ ـلّه جـهلاً وضلّةً وسفـاها
فأنار الجليل بالمصطفى المخـ تار ما اشتدّ من ظلام دجاها
وقـلوبٌ في الغىّ طال بقـاها قد أزاح النبـىّ بهم غـواها
وعـيون عشت بـغمّة جـهل بضياء الهدى المنير جـلاها


( 60 )


وقام فى النّاس بالهداية ، وانقذهم من الغواية ، وبصرهم من العماية ، وهداهم إلى الدين القويم ودعاهم إلى الصّراط المستقيم ثم قبضه الله إليه قبض رأفةٍ وأختيار ، ورغبةٍ وأيثار فمحمّدً صلى الله عليه وآله وسلّم من تعب هذه الدار فى راحةٍ ،


ــــــــــــــــــــــــــ
قام فـي النّاس منذراً وبشيراً والى الـرشد والفـلاح دعاها
أنقذ القـوم بعد طـول ضلالٍ بصّر النّاس من خطير عماها
مسـتقيم الصّـراط قـد دلاّها وإلـى دينه القـويم هـداهـا
ثمّ عـن رأفـةٍ بـه واخـتيارٍ قبـض الله روحـه و اقتناها
رغـبة فـي لقائـه واشتياقـاً آثـر الله روحـه واجتبـاها
واستراح الحبيب مـذ راح عنّا عـاف أتعاب دارنا وعـناها


( 61 )


قد حفّ بالملائكة الابرار ، ورضوان الربّ الغفّار ، ومجاورة الملك الجبّار ، صلى الله على أبي ، وأمينه على الوحي وصفيّة وخيرته من الخلق ورضيّة والسّلام عليه ورحمة الله وبركاته .
ثم التفتت إلى أهل المجلس وقالت :


ــــــــــــــــــــــــــ
حفّ في موكب الملائكـة الأب رار فازدان من ضياه ضياها
بجـوار العزيز والمـلك الجبـْ ـبّار في الرتبة الّتي يـرضاها
فـعلى خـيرة النـبيين طـه صلـوات لا تـنتهى ذكراها
رحمــة الله وابـلا وعـليه بركـات السـّماء لا تتناهـى
ثمّ الوت خطابها إذ تجارى الن اس وازّاحمت إلـى لقيـاهـا


( 62 )

مسؤولية الناس تجاه الرسالة الاسلامية


أنتم ـ عباد الله ـ نصب أمره ونهيه وحملة دينه ووحيه ، وأمناؤ الله على انفسكم وبلغاؤه إلى الامم .
زعيم حق له فيكم وعهد قدّمة اليكم ، وبقية استخلفها عليكم ، كتاب الله الناطق ، والقرآن الصّادق ،


ــــــــــــــــــــــــــ
أيّها النّاس نصب أمرونهي الـ ـلّه أنتـم واللـرجال نهاها
أمناء الاله ـ جلّ ـ عـلى أن فسكـم ، وللـورى بلغـاها
قـد حملتم ثقـل الـرّسالة بدءاً وبأكـتافكـم أبـي القـاهـا
ولـديـه فيكـم مـنارة حـقٍّ ولـه ذمّـة عليكـم وفـاها
وقـد استخلف النبـي عليكـم إذ تولّـى بقيّـة أبقـاهــا
رحمـة الله ، آية الله نور الـ ـله ، والحجّة الّتـى جلاها


( 63 )


والنور الساطع والضياء اللامع بيّنة بصائره ، منكشفة سرائره متجلّية ظواهره مغتبط به أشياعه ، قائد إلى الرضوان إتباعه ، مؤدٍ الى النجاة استماعه


ــــــــــــــــــــــــــ
ساطـع النّور دفّتاه ومنـه لمعة الضّوء قـد تلالا ضياها
بيّنات فيه البصائر كالصب ـح ، وأسـراره الّتـي أبداها
وتجلّت ظواهر العلـم فيه ليس تخفى على العقول رواها
يغبط العارفون شيعة سـفر هزّ مـن انفس العبـاد نهـاها
قائد من مـشى وراه سبيلاً كـان رضـوان ربّنا مسراها
ومودٍّ إلـى النّـجاة نفوساً القت السـمع عـنده فـهداها


( 64 )


، به تنال حجج الله المنورة ، وعزائمه المفسرة ومحارمه المحذّرة ، وبيّناته الجالية وبراهينه الكافية ، وفضائله المندوبة ورخصه الموهوبة ، وشرائعه المكتوبة .


ــــــــــــــــــــــــــ
وبه نالت الورى حجج اللـّ ـه ، وأحكامه الّتـي أملاها
من فروضٍ عـزائم واجباتٍ ومـناهٍ محــرّم أيتـاهـا
بيّنـاتٍ مجـلّياتٍ حشـاها وبراهـين كافـياتٍ مـلاها
ورياضٍ من الفضائل تدعـوا كلّ من رام خـيرها وجناها
والمباحـات فعلها مرخصاتٍ وهب النّاس أمـرها وحباها
كلّ مكتوب شـرعةٍ فيه فافهم سـرّ آيـاته الّتـي آتـاها