قصة « القصيدة الشعرية »
أيها القارىء العزيز بين يديك مقطوعة تصوغ خطبة الفخر والصدق والعدالة ، في كلمات شعرية ، ليكون للشعر شرف الخلود بخلود الخطبة الفطة لنبت الرسول وقد قصدت بنظمها وجه الله ورضى امّي فاطمة ـ نظمت أبيات الشعر هذه وأنا في ديار الغربة أعيش آلاماً أمضت قلبي وقلب شعبي الذي ابتلى بالطواغيت الفجرة ، والدجّالين المهرة ، وأبناء الدنيا المغرّرين فلم أجد لي سلوة إلاّ أن أغسل قلبي بطهور الحزن المقدّس وأن ألجأ الى « بيت الاحزان » بيت « فاطمة الزهراء بنت محمد » لقد ذرفت الدموع فيها سخيّة ساخنة .. وغسلت قلبي بأحزان فاطمة ودموعها .. لأنّ دموع المظلومين متّصلة بدموعها ، وأحزانهم موصولة بأحزانها .. الّتي لا تنتهي إلا مع ظهور ولدها المنتظر الحجة بن الحسن المهدي ( عج ) الذي يضع حداً لآلام المظلومين والمستضعفين ، آنذاك لم يكن عندي الاّ كتاب ( فاطمة الزهراء من المهد الى اللحد ) فالتهمته كلّه ثمّ توقّفت عند الخطبة المعجزة .
وهنا لابدّ أن أسجل أن شرف السبق الى نظم ( خطبة فاطمة ) ليس لي .. فلقد تقدّمني شعراء كبار وآخرهم شاعرنا المرحوم الشيخ الفرطوسي ، وغيرهم من العرب والعجم .. ولكن أحببت أن اشاركهم الاجر والثواب لعلّ الزهراء تشفع لي عند الله بالجنّة .
( 30 )
وقبل أن أختم المقدّمة أودّ أن أسجل بعضاً من أبيات شريف مكّة التي ايقضت ضميري على ألم الزهراء وأنا طفل صغير .. ثمّ أوحت اليّ بوزن القصيدة ، وكذلك قصيدة الازري التي كان لها نفس الاثر في قلبي .
مالعيني قـد غاب عنـها كراهـا |
وعراها مـن عـبرة مـا عراها |
الـدار نـعمت فيـهـا زمـانـا |
ثـمّ فارقتهـا فـلا أغـشـاهـا |
أم لحيّ بـانــوا بـأقـمار تـمّ |
يتجلّى الـدجى بضـوء سناهـا |
أم لخود غـريرة الطرف تهواهـا |
بصــدق الـوداد أو أهـواهـا |
( 31 )
الـدار نـعمت فــيهـا زمـانا |
ثـمّ فـارقـتهـا فــلا أغشاهـا |
أم لـحـي بـانـوا بـأقمـار تمّ |
يتجلـّى الـدجى بـضوء سناهـا |
أم لخود غـريرة الطـرف تهـوا |
بصـدق الـــوداد أو أهـواهـا |
أم لصافي المدام مـن مزة الطعـ |
ـم عـقار مشمــولـة أسقاهـا |
حـاش الله لست أطـمع نفســي |
آخـر العمـر فـي اتّباع هواهـا |
بل بكائي لذكـر مـن خصّها اللـّ |
ـه تعالـى بلــطفـه واجتباهـا |
خـتم الله رســلـه بـأبيهـــا |
واصطفاه لـوحيـه واصطـفاهـا |
وحباهـا بـالسيّديـن الـزكيـّيـ |
ـن الإمامين منه حـين حـباهـا |
ولفكري في الـصاحبين اللذين اسـ |
ـتحسنا ظلمهـا ومـا راعياهــا |
منعـا بعلهـا مـن العهـد والـعق |
ـد وكـــان الـمنيب والأوّاهـا |
( 32 )
واســتبدّا بـإمـرة دبـراهـا |
قبل دفـن النـبـي وانتهزاهـا |
وأتت فــاطم تطـالب بــالإر |
ث من المصطفى فمـا ورثـاها |
ليت شعري لم خولفت سنن القـر |
آن فيــها والله قــد أبـداهـا |
رضـي النـاس إذ تلوهـا بمالم |
يرض فيها النبـي حـين تـلاها |
نسـخت آيـة المـواريث مـنها |
أم همـا بـعد فرضهـا بـدّلاها |
أم تـرى آيـة المـودّة لــم تأ |
ت بودّ الـزهراء فـي قـرباها |
ثـمّ قالا أبـوك جـاء بهـــذا |
حجـّة مـن عنـادهم نصـباها |
قـال لـلأنبيـاء حـكم بـأن لا |
يـورثوا فـي القديـم وانتهزاها |
أفبنت النبـي لـم تـدر إن كـا |
ن نبـي الهــدى بذلـك فـاها |
بضـعة مـن محـمّد خالفـت ما |
قـال حاشـا مـولاتنا حاشـاها |
( 33 )
سـمـعته يقــول ذاك وجاءت |
تطـلب الإرث ضلـّة وسفـاها |
هـي كـانت الله أتقى وكـانت |
أفضـل الخـلق عفـّة ونـزاها |
أو تقول النبـي قـد خالف القرآ |
ن ويح الأخـبار مـمّن رواهـا |
سل بإبطال قـولهم سورة النمـ |
ـل وسل مـريم الّتي قبل طاها |
فهما ينبئان عــن إرث يحيـى |
وسـليمان مــن أراد انتباهـا |
فدعت واشتكت إلى الله مـن ذا |
ك وفـاضـت بدمعهـا مقلتاها |
ثـمّ قالت فـنحلة لـي مـن وا |
لـدي المـصطفى فلم ينحلاهـا |
فـأقامت بـها شـهوداً فقالـوا |
بعلها شـاهد لـهـا وابنـاهـا |
لم يجيزوا شهادة ابني رسول الـ |
ـله هـادي الأنـام إذ ناصباها |
لم يكـن صـادقاً علـي ولافـا |
طمـة عـندهــم ولا ولـداها |
( 34 )
كــان أتقـى لله مــنهم عـتيق |
قــبح القائل الــمحال وشـاها |
جرعــاها من بعد والـدها الغيـ |
ـظ مــراراً فبئس ما جرعـاها |
أهــل بيت لم يعرفوا سنن الجـو |
ر التباســاً عليـهم واشـتباهـا |
ليت شعري ما كان ضرّهما الحفـ |
ـظ لعهد النبي لـو حفظـاهــا |
كـان إكـرام خـاتم الـرسل الها |
دي البشير النـذير لـو أكـرماها |
إنّ فــعل الجمـيل لــم يـأتياه |
وحـسان الأخـلاق مـا اعتمداها |
ولـو ابتيـع ذاك بالثمــن الغـا |
لتي لمـا ضـاع فـي اتّباع هواها |
ولكــان الـجميل أن يقطـعاها |
فــدكاً لا الـجميل أن يقطـعاها |
أترى المسلمـين كانـوا يلومـو |
نهمـا فـي العطاء لـو أعطياها |
كان تحت الخضـراء بنت نـبي |
صـادق ناطـق أمـين سـواها |
( 35 )
بنت من!امّ مـن!حليلة مـن!ويـ |
ـل لمـن سـنّ ظلمـها وأذاهـا |
ذاك ينبيك عـن حـقود صـدور |
فاعتبرها بالفكـر حيـن تـراهـا |
قل لنا ايّهـا المـجادل فـي القو |
ل عن الغاصـبين إذ غصبـاهـا |
أهمـا مـا تعمـّداها كــما قلـ |
ـت بظلـم كـلاّ ولا اهتضماهـا |
فلمـاذا إذ جهــّزت للقـاء الـ |
ـله عـند الممات لـم يحضراهـا |
شـيّعت نعشها ملائـكة الـرحـ |
ـمـن رفقاً بهـا ومــا شيّعاهـا |
كـان زهداً فـي أجرها أم عناداً |
لأبيـها النبــــي لـم يتبعاهـا |
أم لأنّ البتـول أوصـت بأن لا |
يشـهدا دفنهـا فــما شـهداهـا |
أم أبوهـا أســرّ ذاك إليــها |
فاطـاعت بـنت النبـي أبـاهـا |
كـيف ماشئت قل كفاك فـهذي |
فرية قد بـلغت أقـصى مـداهـا |
( 36 )
أغضباها وأغضبا عـند ذاك الـ |
ـله ربّ السمـاء إذ أغضبـاهـا |
وكـذا أخـبر النـبـي بأن الـ |
ـله يـرضى سبحـانه لرضـاها |
لا نـبـي الهـدى اطـيع ولافا |
طــمة اكـرمت ولاحسنـاهـا |
وحـقوق الوصـي ضيّع مـنها |
مـاتسامى فــي فضـله وتناها |
تـلك كـانت حـزازة ليس تبرا |
حـين ردّا عنهـا وقـد خطبـاها |
وغـداً يـلتقون والله يــجزي |
كـلّ نـفس بغيهـا وهـداهــا |
فـعلى ذلك الأسـاس بنت صـا |
حـبة الهـودج المشـوم بنـاهـا |
وبــذاك اقـتدت أمـيّة لمــّا |
أظـهرت حقدهـا عـلى مـولاها |
لعـنته بـالشام سـبعين عـاماً |
لعـــن الله كـهلهـا وفتـاهـا |
ذكـروا مـصرع المشايخ في بد |
رٍ وقـد ضـمخ الوصـي لحـاها |
( 37 )
وباُحد من بعد بـدر وقـد أتعـ |
ـس فيهـا معـاطساً وجبـاهـا |
فـاستجادت له السيوف بصفّيـ |
ـن وجرت يوم الطفوف قناهـا |
لـو تمكّنت بالطفوف مـدى الد |
هـر لقـبّلت تربهـا وثـراهـا |
أدركت ثــارها أمـيّة بـالنا |
ر غـداً فـي معـادها تـصلاها |
أشكـر الله أنـّنـي أتـولـّى |
عـترة المـصطفى وأشنى عداها |
نـاطقاً بالصواب لاأرهب الأع |
داء فــي حبّهم ولا أخشـاهـا |
نـح بهـا أيّها الجذوعي واعلم |
أنّ إنشـادك الــّذي أنـشاهـا |
لك معنى في النوح ليس يضاهي |
وهـي تـاج للشـعر في معناها |
قلتها للثواب والله يعطـي الـ |
أجر فيها مـن قـالها ورواهـا |
مـظهراً فـضلهم بعزمة نفس |
بـلغت فـي ودادهـم منتهـاها |
( 38 )
فـاستمعها من شـاعر عـلوي |
حسنـي فـي فضلهـا لا يضاهـى |
سادة الخـلق قـومه غـير شكّ |
ثـمّ بطحـاء مـكـّة مـأواهــا |
تـركوا عـهد أحـمد في أخيه |
وأذاقـوا البـتول مــا أشجاهـا |
وهـي العـروة الّتي ليس ينجو |
غـير مـستعصم بـحبل ولاهـا |
لـم يـر الله للرسـالة أجـراً |
غير حفظ الزهراء في قربـاهـا |
يـوم جـاءت ياللمصاب إليهم |
ومـن الوجـد ما أطـل بكـاها |
فدعت واشتكت إلى الله شكوى |
والرواسـي تهتزّ مـن شكواهـا |
فاطمأنّت لها القـلوب وكـادت |
أن تزول الأحقاد ممّن حـواهـا |
( 39 )
تعظ القـوم فـي أتمّ خطـاب |
حكت المـصطفى بـه وحكـاها |
أيّها القـوم راقـبوا الله فـينا |
نحن من روضـة الجليل جنتاها |
نـحن من بارى السماوات سرّ |
لـو كرهنـا وجودهـا مـابراها |
بـل بآثـارنا ولطـف رضانا |
سـطح الأرض والسمـاء بناها |
وبأضوائنا الّتـي ليس تـخبو |
حوت الشهب ما حوت من سناها |
واعلموا أنّنا مشاعـر دين الـ |
ـله فـيكم فأكـرموا مـثواهـا |
ولنـا من خزائن الغيب فيض |
ترِد المـهتدون مـنه هـداهـا |
إن تروموا الجنان فهي من الل |
ـه إلينـا هــديـّة أهـداهـا |
هـي دار لنـا ونحـن ذووها |
لايـرى غـير حـزبنا مـرآها |
وكذاك الجحيم سجن عـدانـا |
حـسبهم يوم حشـرهم سكناهـا |
( 40 )
أيّهـا النـاس أي بـنت نبي |
عـن مـواريثها أبوهـا زواها |
كـيف يزوي عنّي تراثي زاوٍ |
بأحـاديث مـن لدنـه ادّعـاها |
هـذه الكتب فاسألوها تـروها |
بـالمواريث نـاطقاً فـحواهـا |
وبمعنى « يوصيكم الله » أمـر |
شـامل للعبـاد فـي قربـاهـا |
كـيف لم يوصنـا بذلك مـولا |
نـا وتـيم مـن دوننـا أوصاها |
هـل رآنـا لا نسـتحقّ اهتداء |
واسـتحقّت هـي الهـدى فهداها |
أم تـراه أضلّنـا فـي البـرايا |
بعد عـلم لكـي نصيب خطـاها |
مـالكم قـد منعتمونـا حـقوقاً |
أوجب الله فـي الكتـاب أداهـا |
قـد سلبتم من الخـلافة خـوداً |
كــان منّـا قنـاعها ورداهـا |
وسـبيتم من الهدى ذات خـدر |
عزّ يوماً عـلى النبـي سبـاها |
( 41 )
هـذه البردة الّتي غـضب اللّـ |
ـه على كلّ مـن سوانا ارتداها |
فخذوهـا مـقرونـة بشنــار |
غـير مـحمودة لكـم عقبـاها |
ولأي الأمـور تــدفن سـرّاً |
بضعة المـصطفى ويعفى ثراها |
فمضت وهي أعظم الناس وجدا |
في فم الدهر غصّة من جـواها |
وثوت لا يرى لها الناس مثوى |
أي قـدس يـضمّه مـثواهـا |
* * *
وفي الاخير .. لا يسعني الاّ أن اترك القاريء الكريم مع « القصيدة الشعرية » وقد قدمت لها بعض ابيات تعطي صورة عن ( فدك ) ـ ثم نقلت صورة عن ( الظروف ) التي القت فيها الزهراء خطبتها في مسجد الرسول الاعظم (ص) ثم يأتي نص ( الخطبة ) مع صياغتها الشعريّة وفي النهاية قصيدة عن ( ميلاد الزهراء «ع» ) ثم عن ( شهادة الزهراء «ع» ) وأرجوا من الله القبول وهو المستعان .
قم ـ عباس المدرسي
( 42 )
( 43 )
( 44 )
( 45 )
تاه في رفرف النّدى خضراها |
فتثنّى بخصرهـا عطفـاها |
وترامت غنّاء رائعـة الحسن |
وطـيف مـن الحيا يغشاها |
فـكأنّ الـحسناء أتعبها المشى |
بـصحراء تكتوي حصباها |
في فلاة طغى بها الشمس حتّى |
لا ترى قـطرة تبلّ الشّفاها |
تترائى تحت النخيل مـروجا |
يتبارى مـع النّسيم هـواها |
عين مـاءٍ مبرّدٍ سقت الأرض |
وصابت بالبرد ريح صباها |
قـد تدلّت ثمارهـا وتناجـت |
سعفات النّخيل في أجـواها |
فـدك فـتنة الزّمـان وسـحر |
الأرض والجنّة الّتي تهواها |
( 46 )
سلمت جنبها من الغزو والزّحف |
فـلم توجـف الخيـول ثـراها |
وكـذاك الأنفال لــيس لـغير |
الله والمـصطفّى الأمين جناهـا |
ولـه حكمهـا فـيعطـي قـليلاً |
أو كـثيراً لـمن يشـا مـايشاها |
ولكـم اقـطع النّبـيّ وأعـطى |
النّاس من « نفلها » الّتي أعطاها |
واصطفى من جميع تلك المغاني |
« فـدكاً » كـان عنده مجنـاها |
( آت حـقّ الـقربي ) أتته بآي |
لـم تكـن غـير فـاطم مرماها |
فحبـاها لـبنته وهـــو أدرى |
أنّ مـرضى الإله في مرضـاها |
وتـوفّى عـن فـاطم لـيس إلاّ. |
لـم يكـن عـند أحـمدٍ إلاّهـا |
وغـدت فـي يد البتول تدرّ ال |
خـير مـن كفّهـا الى فـقراها |
وتـوالت بـعد النَّبـىِّ قضـايا |
فـتن عـمّت الـجميع عمـاها |
( 47 )
تلك مرويّة عـن آبن الزّكىّ الـ |
سّبط ، صحّ الأسناد عمّن رواهـا |
ذاك لمّا استوى الخليفة في الحكم |
وصدّ الزّهـراء عـن مرعـاها |
روى عبـد الله بن الحسـن (ع) باسـناده
عن آبائه انّه لمّا أجمع أبوبكـر على منع
فـاطمة فدكا وبلغها ذلك ، لاثت خمـارها
عـلى رأسـها ، واشتمـلت بجلبابهــا ،
وأقبلت فـي لمّة من حفدتها ونساء قومهـا
، تطأذيولها ، ما تخرم مشيها مشية رسول
الله صلى الله عليه وآله ، حتى دخلت على
ابي بكر ، وهو فـي حشد مـن المهاجرين
والانصار وغيرهـم ، فنيطت دونها ملاءة
فجلست ثـم انّت أنّة أجهش القـوم بالبكاء
فـارتج المجلس ، ثــم اذا امهلت هنيئة ،
حـتى اذا سـكن نشـيج القـوم وهـدأت
فـورتهم افتتحت الكلام بحمد الله والثـناء
عليه ، والصلاة على رسوله فعاد القوم في
بكائهم ، فلمّا أمسكوا عـادت فـي كلامها
فقالت ، عليها السلام :
( 48 )
لبست ثـوبها ولاثت خمـاراً |
وبجلبـابها آسـتوت أنحـاها |
تطأ الأرض فـي ذيول ثيابٍ |
سترت جسمها وغطّت عـلاها |
فـاطم مـثل أحـمد ممشاها |
أو كـأنّ الرّسول يخطو خطاها |
خـطوات لـو إنـّه كان حيّا |
وجرى ما جرى لكان خـطاها |
فـتمشت فـي لمّة مـن حفيدٍ |
مـن بنيهـا ولـمّة من نساها |
رحبة المسجد المقدّس غصّت |
بـؤفودٍ تـزاحـمت بفنـاهـا |
وجموع المهاجـرين تـوالت |
وأتتها الأنصـار مـن أنحاها |
وأبو بكـر والخـلافة والحكم |
وأسـياف طـوّقـت أفـناها |
فـأنيطت مـلاءة وتـوارت |
بضعة المصطفّى الأمين وراها |
سكـتت لـحظة وأنّت أنـيناً |
أجهش القـوم مـن أليم أساها |
( 49 )
جـدّدت فـي نشيجها ذكريـاتٍ |
كـان لازال مـاثلاً ذكـراها |
تـلكم الذّكريات عـزّت فـهزّت |
من نفوس الحضور مرّ شجاها |
ثـمّ إذ أمـهلت قـليلاً وقـرّت |
واستراح الأسى بصدر عزاها |
هـدأوافـانبرت لـتلقي عـليهم |
خطبة ! ليس غيرها يـوتاها |
حـمدت ربّهــاوأثـنت عـليه |
ثـمّ صـلّت على المكرّم طه |
وعلى اسم النّبيّ عادت بروق الـ |
ـوجد تستمطرالـعيون نداها |
ثمّ إذ أمسكوا جرت في خـطاب |
وكـأنّ النـّبـيّ يملي يـداها |
طاف فـي مجمع الزّمان وردّت |
ثائرات الـقرون رجع صداها |
وعلى ذلـك الهـدير اسـتقامت |
خـطّةالـدّين باتّجـاه هداها |
وستبقى الزّهـراء في كلّ عـصرٍ |
يقتفى الثّائرون نهـج رؤاها |
( 50 )
( 51 )
( 52 )
( 53 )
الحمد لله على ما أنعم وله الشّكر على ماألهم والثناء بما قدم من عموم نعم ابتدأها وسبوغ آلآءٍ أسداها وتمام مننٍ والاها ، جمّ عن الاًحصاء عددها .
ــــــــــــــــــــــــــ
للأله العـظيم حمدي تناهى |
وله الشّكر دون أن يتناهى |
فلنعمائه الّـتى لا تجـازى |
ولالهـامه النـفوس هداها |
وثنــائي بطيبـات نـعيم |
لـم نطـالبه بذلها فابتداها |
وبـألاء جــوده سـابغات |
سائغاتٍ إلى الورى أسداها |
وبـما جـاد من تمام عطايا |
جمّ أعدادهنّ عن إحصاها |
طال فى مرقـد الزّمان نواها |
وتنائى عـن الجزاء مداها |
( 54 )
ونأى عن الجزاء امدها وتفاوت عن الادراك أبدها وندبهم لاستزادتها بالشكر لإتصالها واستحمد إلى الخلائق بإجزالها ، وثنى بالندب إلى اشباهها وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، كلمة جعل الإخلاص تأويلها ،
ــــــــــــــــــــــــــ
وتناهى عن النّـهى درك نعمى |
أبد الدّهر تسـتمرّ عطـاها |
ودعاها لـتستزيد نـداهـا |
باتّصال ـ بشكر من أولاها |
وبأجزالها لـهم طلب الحمـ |
ـد وثنى بندبهـا الأشبـاها |
اشهد الله إنّه لـيس إلاّ الـ |
ـلّه ربـاً وخــالقاً وإلهـا |
وحـده الله لاشـريك لـديه |
كوّن الكـون والبرايا براها |
كلمة الحقّ والهدى والتعالى |
ولباب الاخلاص في مغزاها |
( 55 )
وضمّن القلوب موصولها وأنار في التفكير معقولها ، الممتنع من الابصار رؤيته ومن الألسن صفته ومن الأوهام كيفيّته .
ابتدع الاشياء لا من شيء كان قبلها وانشأها بلا احتذاء امثلةً امتثلها .
ــــــــــــــــــــــــــ
في مطاوى القلوب وصل لقاها |
ولـدى الفكر وهجها ورواها |
ليس عـينٌ تـرى جلالة ذاتٍ |
عجز الوصف أن يدانى مداها |
كلّت الالسـن البـليغة حتـّى |
لـيس تعلوا لـوصفه أعلاها |
جـلّ حتّـى الأوهام لا تترقىّ |
نحـو أقداس كـيفه أرقـاها |
خـلق الكـائنات خـلق ابتداع |
ليس من شيء قبـله سـوّاها |
وبـراها بـلا أحـتذاء مـثالٍ |
كان من قبل أن يسوي بـناها |
( 56 )
كوّنها بقدرته ، وذرأها بمشيته من غير حاجةٍ منه إلى تكوينها ولا فائدة في تصويرها إلاّ تثبيتاً لحكمته وتنبيهاً على طاعته وإظهاراً لقدرته وتعّبداً لبريته ، وإعزازاً لدعوته .
ثمّ جعل الثّواب على طاعته ، ووضع العقاب على معصيته ، ذيادة لعباده من نقمته .
ــــــــــــــــــــــــــ
خـلق الخـلق بالمشيّة مـنه |
وبـرى بأقـتداره أشـياها |
دونمـا حـاجةٍ لـه وانـتفاع |
منه للصورة الّتـي أبـداها |
بل لتنبيهها على طـاعة اللـّ |
ـه ، وتثبيت حكمة جلاّها |
لـيبين اقــتداره سـوّاهـا |
ويـعبّد عــبيده أنشـاها |
ولإعزاز دعوة الحق والخـير |
وتبقى عـلى المدى دعواها |
ويـذود العبـاد شـرّ جـحيم |
سـجّرت نقمة الإلـه لظاها |
( 57 )
وحياشةً لهم إلى جنّته .
وأشهد أنّ أبي ( محمداً ) عبده ورسوله ، اختاره وانتجبه قبل أن اجتبله واصطفاه قبل أن ابتعثه ، إذ الخلائق بالغيب مكنونةُ ، وبستر الاهاويل مصونة ، وبنهاية العدم مقرونة ،
ــــــــــــــــــــــــــ
والى جـنّة الخـلود يحاشي |
كلّ نفسٍ قـد لازمت تقـواها |
وأبي المـصطفى محمّد عبد |
ورسـول لله لـيس يضاهـي |
تـلكم النـفس ربّها أعلاها |
واجتبـاها من قبل أن يـبراها |
قـبل أن يبعث الأمين نـبيّاً |
قـدّس الله روحه واصطفـاها |
إذ توارث خلائق الله بالغـي |
ب ، وستر الاهوال قد غطّاها |
وبأقصى نهاية العـدم المحـ |
ض ، تلاقى الأعدام في أجواها |
( 58 )
علماً من الله تعالى بمائل الأمور وإحاطة بحوادث الدهور ومعرفة بمواقع المقدور .
ابتعثه الله إتماماً لأمره ، وعزيمةً على امضاء حكمة
ــــــــــــــــــــــــــ
فبعرفـانه مـآل أمـور الـ |
كون من بدئها الى منتهاها |
وبمـا حـاط بالحوادث علماً |
والمجاري الّتي بها أجراها |
وبعرفـانه المـواقـع مـمّا |
حدّدتها الأقدار مـن مبداها |
بعث المصطفى الامين رسولاً |
والرسـالات كـلّها أنّهاها |
ليتمّ الأمر الحكيم ، ويمضـي |
حكمه ، للمقدّرات قضـاها |
ولإنفــاذ مـا تقدّر قـدمـا |
من مقـادير حتمه أمضاها |
( 59 )
وإنفاذاً لمقادير حتمه ، فرأى الامم فرقاً في أديانهما ، عكفاً على نيرانها ، وعابدةً لأوثانها ، منكرةً لله مع عرفانها ، فأنار الله بمحمدٍ صلى الله عليه وآله وسلم ظلمها ، وكشف عن القلوب بهمها وجلى عن الابصار غممها
ــــــــــــــــــــــــــ
فرأى النّاس في الدّروب حيارى |
فرقاً في مسـارها ورواهـا |
بـين مـن يـعبد الحجارة ربّاً |
أو على النّار عاكـفاً يهواها |
وبرغمٍ من عـلمهم ينكرون الـ |
ـلّه جـهلاً وضلّةً وسفـاها |
فأنار الجليل بالمصطفى المخـ |
تار ما اشتدّ من ظلام دجاها |
وقـلوبٌ في الغىّ طال بقـاها |
قد أزاح النبـىّ بهم غـواها |
وعـيون عشت بـغمّة جـهل |
بضياء الهدى المنير جـلاها |
( 60 )
وقام فى النّاس بالهداية ، وانقذهم من الغواية ، وبصرهم من العماية ، وهداهم إلى الدين القويم ودعاهم إلى الصّراط المستقيم ثم قبضه الله إليه قبض رأفةٍ وأختيار ، ورغبةٍ وأيثار فمحمّدً صلى الله عليه وآله وسلّم من تعب هذه الدار فى راحةٍ ،
ــــــــــــــــــــــــــ
قام فـي النّاس منذراً وبشيراً |
والى الـرشد والفـلاح دعاها |
أنقذ القـوم بعد طـول ضلالٍ |
بصّر النّاس من خطير عماها |
مسـتقيم الصّـراط قـد دلاّها |
وإلـى دينه القـويم هـداهـا |
ثمّ عـن رأفـةٍ بـه واخـتيارٍ |
قبـض الله روحـه و اقتناها |
رغـبة فـي لقائـه واشتياقـاً |
آثـر الله روحـه واجتبـاها |
واستراح الحبيب مـذ راح عنّا |
عـاف أتعاب دارنا وعـناها |
( 61 )
قد حفّ بالملائكة الابرار ، ورضوان الربّ الغفّار ، ومجاورة الملك الجبّار ، صلى الله على أبي ، وأمينه على الوحي وصفيّة وخيرته من الخلق ورضيّة والسّلام عليه ورحمة الله وبركاته .
ثم التفتت إلى أهل المجلس وقالت :
ــــــــــــــــــــــــــ
حفّ في موكب الملائكـة الأب |
رار فازدان من ضياه ضياها |
بجـوار العزيز والمـلك الجبـْ |
ـبّار في الرتبة الّتي يـرضاها |
فـعلى خـيرة النـبيين طـه |
صلـوات لا تـنتهى ذكراها |
رحمــة الله وابـلا وعـليه |
بركـات السـّماء لا تتناهـى |
ثمّ الوت خطابها إذ تجارى الن |
اس وازّاحمت إلـى لقيـاهـا |
( 62 )
أنتم ـ عباد الله ـ نصب أمره ونهيه وحملة دينه ووحيه ، وأمناؤ الله على انفسكم وبلغاؤه إلى الامم .
زعيم حق له فيكم وعهد قدّمة اليكم ، وبقية استخلفها عليكم ، كتاب الله الناطق ، والقرآن الصّادق ،
ــــــــــــــــــــــــــ
أيّها النّاس نصب أمرونهي الـ |
ـلّه أنتـم واللـرجال نهاها |
أمناء الاله ـ جلّ ـ عـلى أن |
فسكـم ، وللـورى بلغـاها |
قـد حملتم ثقـل الـرّسالة بدءاً |
وبأكـتافكـم أبـي القـاهـا |
ولـديـه فيكـم مـنارة حـقٍّ |
ولـه ذمّـة عليكـم وفـاها |
وقـد استخلف النبـي عليكـم |
إذ تولّـى بقيّـة أبقـاهــا |
رحمـة الله ، آية الله نور الـ |
ـله ، والحجّة الّتـى جلاها |
( 63 )
والنور الساطع والضياء اللامع بيّنة بصائره ، منكشفة سرائره متجلّية ظواهره مغتبط به أشياعه ، قائد إلى الرضوان إتباعه ، مؤدٍ الى النجاة استماعه
ــــــــــــــــــــــــــ
ساطـع النّور دفّتاه ومنـه |
لمعة الضّوء قـد تلالا ضياها |
بيّنات فيه البصائر كالصب |
ـح ، وأسـراره الّتـي أبداها |
وتجلّت ظواهر العلـم فيه |
ليس تخفى على العقول رواها |
يغبط العارفون شيعة سـفر |
هزّ مـن انفس العبـاد نهـاها |
قائد من مـشى وراه سبيلاً |
كـان رضـوان ربّنا مسراها |
ومودٍّ إلـى النّـجاة نفوساً |
القت السـمع عـنده فـهداها |
( 64 )
، به تنال حجج الله المنورة ، وعزائمه المفسرة ومحارمه المحذّرة ، وبيّناته الجالية وبراهينه الكافية ، وفضائله المندوبة ورخصه الموهوبة ، وشرائعه المكتوبة .
ــــــــــــــــــــــــــ
وبه نالت الورى حجج اللـّ |
ـه ، وأحكامه الّتـي أملاها |
من فروضٍ عـزائم واجباتٍ |
ومـناهٍ محــرّم أيتـاهـا |
بيّنـاتٍ مجـلّياتٍ حشـاها |
وبراهـين كافـياتٍ مـلاها |
ورياضٍ من الفضائل تدعـوا |
كلّ من رام خـيرها وجناها |
والمباحـات فعلها مرخصاتٍ |
وهب النّاس أمـرها وحباها |
كلّ مكتوب شـرعةٍ فيه فافهم |
سـرّ آيـاته الّتـي آتـاها |