الصفحة 263

ألا مساعير يغضبون لهابسلّة البيض والقنا الذابل(1)

منعوا تراث محمد... ابنته

قال الأصبهاني: وحدثني أبو سليمان الناجي قال: جلس المهدي يوماً يعطي قريشاً صلات لهم وهو ليُّ عهد، فبدأ ببني هاشم ثمّ بسائر قريش. فجاء السيد فرفع إلى الربيع رقعة مختومة وقال: إن فيها نصيحة للأمير فأوصلها، فإذا فيها:


قل لأبي عباس سميِّ محمدلا تعطينّ بني عدي درهما(2)
إحرم بني تيم(3) بن مُرّة إنهمشر البريّة آخراً ومُقدَّما
إن تُعطِهم لا يشكروا لك نعمةو يكافئوك بأن تُذَمَّ وتُشتما
وإن ائتمنتهمُ أو استعملتَهمخانوك واتخذوا خَراجك مَغْنما
ولئن منعتهمُ لقد بَدَءوكمبالمنع إذ ملكوا و كانوا أظلما
منعوا تراث محمد أعمامَهوابنيه وابنَته عديلة مريما
وتأمروا من غير أن يُستخلَفواوكفى بما فعلوا هناك مأثما
لم يشكروا لمحمد إنعامهأفيشكرون لغيره أن أنعما
والله من عليهم بمحمدوهداهمُ وكسا الجنوب وأطعما

____________

1- مقاتل الطالبيين: 427، الأغاني: 13 / 147 ـ 149.

2- هم بنو عدي بن كعب رهط عمر بن الخطاب.

3- هم رهط أبي بكر.


الصفحة 264

ثم انبروْا لوصيِّه و وليّهبالمنكرات فجرعوه العلقما

قال: فرمى بها إلى ابن عُبيد الله، ثمّ قال: اقطع العطاءَ فقطعه، وانصرف الناس، ودخل السيّد إليه، فلما رآه ضحك وقال: قد قبلنا نصيحتك يا إسماعيل، ولم يعطهم شيئاً. أخبرني به عمي عن محمد بن داود بن الجراح عن إسحاق النخعي عن أبي سليمان الرياحي مثله.(1)

* * *

ونختم كتابنا هذا بهاتين القصيدتين الرائعتين:

الأولى: للسيّد قتادة بن إدريس

قال في رثاء فاطمة الزهراء (عليها السلام):


ما لعيني قد غاب عنها كَراهاوعَراها من عَبرة ما عَراها
ألدارِ نَعمتُ فيها زَماناًثمّ فارقتُها فلا أغشاها؟
أم لحي بانوا بأقمار ثَمّيتجلّى الدُجى بضوء سناها؟
أم لِخَوْد(2) غريرةِ الطَّرف تهواني بِصدق الوداد أو أهواها؟
أم لصافي المَدام من مُزّة الطَّعــم عُقار(3) مشمولة أُسقاها
حاشَ لله لستُ أُطمِعُ اللّــهُ تعالى بلُطفِه واجتَباها

____________

1- الأغاني: 7 / 243 ـ 244.

2- الخَودَ: الشابة الناعمة الحسنة الخلق.

3- المُزّة: ما كان طعمه بين الحلو والحامض أو خليطاً منهما، والعُقار: الخمر.


الصفحة 265

ختم اللهُ رُسلَه بأبيهاواصطَفاه لوَحْيهِ واصطَفاها
وحَباها بالسيِّدَين الزكيَّيــن الإمامَين منه حين حَباها
ولفِكري في الصاحِبَين اللَّذين اســتَحْسَنا ظُلمَها وما راعَياها
منَعا بعلَها من العهد والعقــدِ وكان المُنيب والأوّاها
واستَبَدّا بإمرة دبَّراهاقبل دَفْنِ النبيّ وانتَهزاها
وأتت فاطِمُ تطالب بالإرْثِ من المصطفى فَما ورّثاها
ليت شعري لِمْ خُولِفَت سُنَنُ القُرآن فيها واللهُ قد أبداها
رضي الناس إذ تلَوها بما لميرْضَ فيها النبيُّ حين تلاها
نُسِخت آيةُ المَواريث منهاأم هما بعد فَرضِها بَدّلاها؟
أم ترى آية المودّة لم تأتِ بودِّ الزهراء في قُرباها؟
ثمّ قالا: أبوك جاء بهذاحُجّةً مِن عِنادهم نصَباها
قال: للأنبياء حُكمٌ بأن لايُورثوا في القديم وانتَهراها
أفَبِنت النبيّ لم تَدْرِ إن كانَ نبيُّ الهُدى بذلك فاها!
بَضْعَةٌ من محمد خالفت ماقال؟ حاشا مَولاتنا حَاشاها
سمِعَته يقول ذاك وجاءتتطلُب الإرثَ ضِلّةً وسَفاها؟
هي كانت لله أتقى وكانتأفضلَ الخَلقِ عِفّةٌ ونَزاها
أو تقول: النبيُّ قد خالفَ القرآن وَيْحَ الأخبارِ مِمّن رَواها!
سَلْ بإبطالِ قولهم سورة النَّمــل وسَلْ مريمَ الّتي قبل طاها


الصفحة 266

فهما يُنبئان عن إرث يحيىوسليمان من أراد انتِباها
فدعت واشتكت إلى الله من ذاك وفاضَت بدمعِها مُقلتاها
ثمّ قالت: فنِحلةٌ ليَ من والدِي المصطفى فلم يَنْحَلاها
فأقامت بها شُهوداً فقالوابعلُها شاهِدٌ لها وابناها
لم يُجيزوا شهادة ابنَي رسول اللّــه هادي الأنام إذ ناصباها
لم يكن صادِقاً عليٌّ ولا فاطمةٌ عندهم ولا ولَداها!
كان أتقى لله منهم عَتيقٌقَبُح القائل المُحال وشَاها(1)
جرّعاها من بعد والدِها الغَيــظ مراراً فبئس ما جرّعاها
أهلُ بيت لم يعرفوا سُنَن الجَور التباساً عليهمُ واشتباها
ليتَ شعري ما كان ضرَّهما الحِفــظُ لعَهدِ النبيّ لو حَفِظاها
كان إكرامُ خاتم الرُسل الهادي البشير النذير لو أكرماها
إنَّ فِعَل الجميلِ لم يأتياهوحِسان الأخلاقَ ما اعتمداها
ولو ابتِيع ذاك بالثمن الغالي لما ضاع في اتباع هواها
ولكان الجميلُ أن يُقطِعاهافَدكاً لا الجميل أن يَقْطَعاها
أترى المسلمين كانوا يلومونهما في العطاء لو أعطياها!
كان تحت الخضراء بنت نبيٍّصادق ناطق أمين سواها!
بنتُ مَن! أُمّ مَن! حليلةُ مَن! ويــلٌ لِمَن سنّ ظُلمَها وأذاها

____________

1- شاه: قُبح.


الصفحة 267

فاستجادت له السيوف بصِفّيــنَ وجرّت يوم الطُفوف قَنَاها
لو تمكّنتُ بالطُّفوف مدى الدهرِ لقبَّلتُ تُرْبَها وثَرَاها
بأدركَت ثارَها اُميّةُ بالنارِغداً في مَعادِها تَصْلاها
أشْكُر الله أنّني أتَوالىعِترةَ المصطفى وأشنا عِداها
ناطقاً بالصواب لا أرهَب الأعــداء في حبِّهم ولا أخشاها
نُح بها أُيها الجُذُوعِىّ واعلمأنّ إنشادك الذي أنشاها
لك معنى في النَوح ليس يُضاهىوهي تاج للشِعر في معناها
قلتَها للثواب والله يعطي الـأجرَ فيها مَن قَالها وَرَواها
مُظهراً فَضْلَهم بعزمة نفسبلَغت في ودادهم مُنتَهاها
فستَمِعها من شاعر علوىّحسنيٍّ في فضْلها لا يُضاهى
سادَةُ الخلقِ قومُه غير شكٍّثمّ بطحاء مكّة مأواها(1)
ذاك يُنبيك عن حُقودِ صدورفاعتَبِرها بالفِكر حين تراها

____________

1- نسبت هذه القصيدة في (المجالس السنية المجلد 2: 137)، لبعض أشراف مكة ونسبت فى (بيت الاحزان: 124 و161) للسيد الجذوعي، وقد نسبناها إلى قتادة بن إدريس بناء على كتاب (فدك: 23 و180) للسيد محمّد حسن الحائري. قال السيد محسن الأمين فى المجالس: وجدت هذه القصيدة بخط الشهيد الأول محمد بن مكي العاملي الجزيني ـ قدس الله روحه ـ وهي فريدة فى بابها، ويظهر من آخرها أنها لبعض أشراف مكة المكرمة، وتوهم بعضهم أنها للجذوعي، ناشىء من البيت الذي فى اسمه، مع أنّه ظاهر في أنّ الجذوعي منشدها، وأن منشئها غيره. عن كتاب فاطمة الزهراء (ع) فى ديوان الشعر العربي: 70.


الصفحة 268

قل لنا أَيُّها المُجادل فى القولِ عن الغاصبى إذ غَصباها
أهُما ما تَعَمَّداها كما قلــتَ بظُلم كلاّ ولا اهتَضماها؟
فلماذا إذ جُهِّزت للقاء الــلّه عند الممات لم يَحْضُراها؟
شَيّعت نَعْشَها ملائكةُ الرحــمنِ رِفْقاً بها وما شيّعاها
كان زُهداً في أجرِها أم عِناداًلأبيها النبيّ لم يَتبعاها؟
أم لأنّ البتولَ أوصَت بأن لايَشْهَدا دفنَها فما شَهِداها؟
أم أبوها أسرّ ذاك إليهافأطاعت بنت النبيّ أباها؟
كيف ما شئت قُل كفاك فهذيفِريةٌ قد بلغت أقصى مَداها
أغضَباها وأغضبا عند ذاك الــلّة ربَّ السماء إذ أغضَباها
وكذا أخبر النبيُّ بأنّ الــلّه يرضى سبحانه لرِضاها
لا نبيُّ الهدى اُطيع ولا فاطمة أُكرِمت ولا حَسَناها
وحقوقُ الوصيّ ضُيّع منهاما تَسامى فى فضله وتناهى
تلك كانت حَزازةً(1)ليس تبْراحين رُدّا عنها وقد خطَباها
وغداً يَلْتَقون والله يَجزيكلَّ نفس بغَيِّها وهُداها
فعلى ذلك الأساس بَنَت صاحبةُ الهَودجِ المشوم بِناها
وبذاك اقْتدَت اُميّةُ لمّاأظهرَت حِقدها على مَولاها
لَعَنَتْهُ بالشام سبعين عاماًلعَن الله كَهْلَها وَفَتَاها

____________

1- الحَزَازة: ألمٌ يَحُزَ في القلب من وجع أو غيظ.


الصفحة 269

ذكَروا مَصْرَع المشايخ في بدر وقد ضَمّخ الوصيُّ لِحاها
وبأُحْد من بعد بَدر وقد أتْــعَسَ فيها مَعَاطِساً وجِباها

الثانية: للشيخ محمد علي اليعقوبي(1)

قال في رثائها (عليها السلام) من قصيدة مطلعها:


ترك الصّبا لك والصَّبابهصَبٌّ كفاه ما أصابه
أنْسَتْهُ أيام المشيــب هوىً به أفنى شبابه
أوَ بَعْدَ ما ذهب الشباب مودّعاً يرجو إيابه؟!
وسَرَى به حادي الليالــي للرَّدى يحدو رِكابه

ومنها:


ولقد يعِزّ على رسولِ الله ما جَنَت الصحابه
قد مات فانقلبوا على الـأعقاب لم يَخْشَو عِقابه
منعوا البتولة أنْ تنوح عليه أو تبكي مُصَابه
نعشُ النبيّ أمامهمووراءهم نَبَذوا كتابه

____________

1- هو الشيخ محمد علي بن يعقوب بن جعفر النجفي، الملقب باليعقوبي نسبة إلى أبيه، خطيب شهير، وأديب معروف، ولد سنة 1313 هـ فى النجف الأشرف، انتخب عميداً للرابطة الأدبية وبقي حتى وفاته فى سنة 1385 هـ، له أثار منها: المقصورة العلوية، عنوان المصائب في مقتل الإمام علي (عليه السلام)، البابليات، الذخائر، ديوان شعر، وقائع الأيام، وغيرها عن كتاب فاطمة الزهراء فى الشعر العربي: 394.


الصفحة 270

لم يَحْفَظُوا للمرتضىرَحِمَ النبوّة والقرابه
لو لم يكن خير الورىبعد النبيّ لما استنابه
قد أطفأوا نُور الهدُىمُذ أضرموا بالنارِ بابه
أسد الإله فكيف قدوَلَجت ذئاب القوم غَابَه
وعَدَوا على بنت الهُدىضرباً بحَضْرته المَهَابه
في أيّ حكم قد أبَاحُوا إرث فاطم واغتصابه
بيت النبوّة بيتهاشادت يد الباري قبابه
أذن الإله برفعهوالقوم قد هتكوا حِجابه!
بأبي وديعة أحمدجُرَعاً سقاها الظُلم صابه
عاشت معصّبة الجبيــن تئنّ من تلك العِصابه
حتّى قضت وعيونهاعبرى ومهجتها مُذَابه
وأمضّ خطب فى حشا الـإسلام قد أورى التهابه
بالليل واراها الوصيّوقبرها عفّى تُرابه(1)

____________

1- الذخائر: 11.