مقدّمة المركز
لا يخفى أنّنا لازلنا بحاجة إلى تكريس الجهود ومضاعفتها نحو الفهم الصحيح والافهام المناسب لعقائدنا الحقّة ومفاهيمنا الرفيعة، ممّا يستدعي الالتزام الجادّ بالبرامج والمناهج العلمية التي توجد حالة من المفاعلة الدائمة بين الاُمّة وقيمها الحقّة، بشكل يتناسب مع لغة العصر والتطوّر التقني الحديث.
وانطلاقاً من ذلك، فقد بادر مركز الابحاث العقائدية التابع لمكتب سماحة آية الله العظمى السيد السيستاني ـ مدّ ظلّه ـ إلى اتّخاذ منهج ينتظم على عدّة محاور بهدف طرح الفكر الاسلامي الشيعي على أوسع نطاق ممكن.
ومن هذه المحاور: عقد الندوات العقائديّة المختصّة، باستضافة نخبة من أساتذة الحوزة العلمية ومفكّريها المرموقين، التي تقوم نوعاً على الموضوعات الهامّة، حيث يجري تناولها بالعرض والنقد
ولاجل تعميم الفائدة فقد أخذت هذه الندوات طريقها إلى شبكة الانترنت العالمية صوتاً وكتابةً.
كما يجري تكثيرها عبر التسجيل الصوتي والمرئي وتوزيعها على المراكز والمؤسسات العلمية والشخصيات الثقافية في شتى أرجاء العالم.
وأخيراً، فإنّ الخطوة الثالثة تكمن في طبعها ونشرها على شكل كراريس تحت عنوان «سلسلة الندوات العقائدية» بعد إجراء مجموعة من الخطوات التحقيقية والفنيّة اللازمة عليها.
وهذا الكرّاس الماثل بين يدي القارئ الكريم واحدٌ من السلسلة المشار إليها.
سائلينه سبحانه وتعالى أن يناله بأحسن قبوله.
مركز الابحاث العقائدية
فارس الحسّون
تمهيد
الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين من الاولين والاخرين.
موضوع البحث ـ كما طلبتم ـ مظلوميّة الزهراء (عليها السلام)، ولماذا لم تقولوا مناقب الزهراء ؟ أو لم تقولوا حياة الزهراء ؟ وإنما عنونتم مظلوميّة الزهراء.
قد يقال ـ كما قيل ـ قضايا الزهراء سلام الله عليها قضايا تاريخية، ولا ينبغي أن تثار، والقضيّة التاريخية قد تكون صادقة وقد تكون كاذبة.
سنحاول أن نبحث عن هذه القضية بلا أيّ تعصب وتشنج، وإنْ كان الصبر على ما وقع، وقراءة ما وقع، والحديث عمّا وقع،
ولو كانت قضيةً تاريخيةً فحسب، فحروب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)وغزواته كلّها قضايا تاريخية، ومواقف أمير المؤمنين (عليه السلام) في تلك الغزوات والحروب قضايا تاريخية، ومبيت أمير المؤمنين في ليلة الهجرة على فراش رسول الله قضية تاريخية، وزواج علي من فاطمة الزهراء ـ بعد أن ردّ رسول الله غيره ـ قضية تاريخية، وحروبه أيضاً قضايا تاريخية، وقضية كربلاء وشهادة الحسين (عليه السلام)وأصحابه وأولاده قضية تاريخية، فلماذا نبحث عنها ؟
وحتى عند أهل السنة أيضاً: كون أبي بكر مع رسول الله في الغار قضية تاريخية، صلاته التي يزعمونها في مكان رسول الله في مرضه قضية تاريخية، وهكذا بقية الاُمور التي يستدلّون بها في كتبهم بزعمهم على فضائل أئمّتهم ومناقب أُمرائهم وخلفائهم.
الحقيقة أنّ قضية الزهراء سلام الله عليها أساس مذهبنا، وجميع القضايا التي لحقت تلك القضية وتأخّرت عنها كلّها مترتبة على تلك القضية، ومذهب الطائفة الامامية الاثني عشرية بلا قضية الزهراء سلام الله عليها وبلا تلك الاثار المترتبة على تلك القضية ـ
سنبحث عن قضية الزهراء سلام الله عليها في ضمن مطالب، وهذه المطالب مترتبة، أي كل مطلب منها يترتب على المطلب الذي قبله، حتى نصل إلى المطلب الاخير، ونستنتج من جميع هذه المطالب، ثم نذكر أهمّ مسائل القضيّة، وسترون أنها قضية علميّة عقائدية مذهبية، لها كلّ التأثير في مصير هذا المذهب، ولها كلّ التأثير في سلوك أبناء هذا المذهب، وإليكم المطالب بالتفصيل:
المطلب الاول:
أحاديث في مقام الزهراء (عليها السلام) ومنزلتها
عند الله وعند الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)
الاحاديث في هذا الباب كثيرة، حتى أن عدّةً من علماء الفريقين دوّنوها في كتب مفردة، وقد انتخبت من تلك الاحاديث هذه الاحاديث التي سأقرؤها، وسترون أن مصادرها من أقدم المصادر وأهمّها:
الحديث الاول:
«فاطمة سيّدة نساء أهل الجنّة»، أو «سيّدة نساء هذه الاُمّة»، أو «سيّدة نساء المؤمنين»، أو «سيّدة نساء العالمين».
هذا الحديث بألفاظه المختلفة موجود في: صحيح البخاري
ففاطمة سيّدة نساء العالمين من الاوّلين والاخرين.
الحديث الثاني:
في أن فاطمة سلام الله عليها بضعة من النبي:
«فاطمة بضعة منّي من أغضبها أغضبني».
هذا الحديث بهذا اللفظ في: صحيح البخاري، وعدّة من المصادر(2) .
«فاطمة بضعة منّي يريبني ما أرابها ويؤذيني ما آذاها».
بهذا اللفظ في: صحيح البخاري، ومسند أحمد، وصحيح أبي داود، وصحيح مسلم، وغيرها من المصادر(3) .
____________
(1) الخصائص للنسائي: 34، الطبقات 2 / 40، مسند أحمد 6 / 282 حلية الاولياء 2/39، المستدرك 3 / 151.
(2) صحيح البخاري، كتاب بدء الخلق، باب مناقب قرابة الرسول ومنقبة فاطمة (عليها السلام).
(3) مسند أحمد 4 / 328.
بهذا اللفظ في: صحيح مسلم(1) .
«إنّما فاطمة بضعة منّي يؤذيني ما آذاها وينصبني ما أنصبها».
بهذا اللفظ في: مسند أحمد وفي المستدرك وقال: صحيح على شرط الشيخين، وفي صحيح الترمذي(2) .
«فاطمة بضعة منّي يقبضني ما يقبضها ويبسطني ما يبسطها».
بهذا اللفظ في: المسند، وفي المستدرك وقال: صحيح الاسناد، وفي مصادر أُخرى(3) .
الحديث الثالث:
«إن الله يغضب لغضب فاطمة ويرضى لرضاها».
هذا الحديث تجدونه في: المستدرك، وفي الاصابة، ويرويه صاحب كنز العمال عن أبي يعلى والطبراني وأبي نعيم، ورواه غيرهم(4) .
____________
(1) صحيح مسلم، باب مناقب فاطمة (عليها السلام).
(2)مسند أحمد 4 / 5، المستدرك 3 / 159.
(3) المستدرك 3 / 158، مسند أحمد 4 / 323.
(4) المستدرك على الصحيحين 3 / 153، كنز العمال 13 / 674، 12 / 111.
الحديث الرابع:
في أنّ النبي أسرّ إليها أنّها أوّل أهل بيته لحوقاً به.
هذا كان عند وفاته (صلى الله عليه وآله وسلم)، فإنّه دعاها فسارّها فبكت، ثمّ دعاها فسارّها فضحكت [ في بعض الالفاظ: فشقّ ذلك على عائشة أن يكون سارّها دونها ] فلمّا قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حلّفتها عائشة أنْ تخبرها، فقالت: سارّني رسول الله أو سارّني النبي، فأخبرني أنّه يقبض في وجعه هذا فبكيتُ، ثمّ سارّني فأخبرني أنّي أوّل أهل بيته أتْبعه فضحكتُ.
هذا الحديث في: الصحيحين، وعند الترمذي والحاكم، وغيرهما(1) .
الحديث الخامس:
عن عائشة قالت: ما رأيت أحداً كان أصدق لهجة منها غير أبيها.
هذا الحديث تجدونه في: المستدرك وقال: صحيح على
____________
(1) صحيح البخاري كتاب بدء الخلق، صحيح مسلم فضائل فاطمة، صحيح الترمذي، المستدرك 4 / 272.
الحديث السادس:
عن عائشة أيضاً: كانت إذا دخلت عليه ـ على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)ـ قام إليها فقبّلها ورحّب بها وأخذ بيدها فأجلسها في مجلسه.
قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين، وأقرّه الذهبي أيضاً(2) .
الحديث السابع:
أخرج الطبراني أنّه (صلى الله عليه وآله وسلم)قال لعلي: «فاطمة أحبّ إليّ منك وأنت أعزّ عليّ منها».
قال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح(3) .
هذه هي الاحاديث التي انتخبتها، لتكون مقدمةً لبحوثنا
____________
(1) المستدرك على الصحيحين 3 / 160، حلية الاولياء 2 / 41، الاستيعاب 4 / 1896.
(2) المستدرك على الصحيحين 3 / 154.
(3) مجمع الزوائد 9 / 202.
ومن دلالات هذه الاحاديث: إنّ فاطمة سلام الله عليها معصومة، بالاضافة إلى دلالة آية التطهير وغيرها من الادلة.
مضافاً إلى أن غير واحد من حفّاظ القوم وكبار علمائهم قالوا بأفضليّة الزهراء سلام الله عليها من الشيخين، بسبب هذه الاحاديث وحديث «فاطمة بضعة منّي» بالخصوص، بل قال بعضهم بأفضليّتها من الخلفاء الاربعة كلّهم، ولا مستند لهم إلاّ الاحاديث التي ذكرتها.
ولاقرأ لكم عبارة المنّاوي وكلامه المشتمل على بعض الاقوال من كبار علماء القوم، ففي فيض القدير في شرح حديث «فاطمة بضعة منّي» قال: استدل به السهيلي [ وهو حافظ كبير من علمائهم، وهو صاحب شرح سيرة ابن هشام وغيره من الكتب ]على أن من سبّها كفر [ ولماذا ؟ لاحظوا ] لانّه يغضبه [ أي لانّ سبّها يغضب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ! إستدل به السهيلي على أن من سبّها كفر لانّه يغضبه ] وأنّها أفضل من الشيخين.
وإذا كانت هذه اللام لام تعليل «لانّه يغضبه»، والعلة إمّا
قال المنّاوي: قال ابن حجر: وفيه ـ أي في هذا الحديث ـ تحريم أذى من يتأذّى المصطفى بأذيّته، فكلّ من وقع منه في حقّ فاطمة شيء فتأذّت به فالنبي (صلى الله عليه وسلم) يتأذّى به بشهادة هذا الخبر، ولا شيء أعظم من إدخال الاذى عليها في ولدها، ولهذا عرف بالاستقراء معاجلة من تعاطى ذلك بالعقوبة بالدنيا ولعذاب الاخرة أشد.
ففي هذاالحديث تحريم أذى فاطمة، وتحريم أذى فاطمة لانّها بضعة من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، بل هو موجب للكفر كما تقدّم.
وقال المنّاوي: قال السبكي: الذي نختاره وندين الله به أنّ فاطمة أفضل من خديجة ثمّ عائشة.
قال المنّاوي: قال شهاب الدين ابن حجر: ولوضوح ما قاله السبكي تبعه عليه المحققون.
قال المنّاوي: وذكر العَلَم العراقي: إنّ فاطمة وأخاها إبراهيم
إذن، لا يبقى خلاف بيننا وبينهم في أفضلية الزهراء من الشيخين، وأن أذاها موجب للدخول في النار.
ثمّ إنّ هذه الاحاديث ـ كما قرأنا وسمعتم وترون ـ أحاديث مطلقة ليس فيها أي قيد، عندما يقول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «إنّ الله يغضب لغضب فاطمة» لا يقول إنْ كانت القضية كذا، لا يقول بشرط أن يكون كذا، لا يقول إنْ كان غضبها بسبب كذا، ليس في الحديث أيّ تقييد، إن الله يغضب لغضب فاطمة، هذا الغضب بأيّ سبب كان، ومن أيّ أحد كان، وفي أيّ زمان، أو أيّ وقت كان. وعندما يقول: «يؤذيني ما آذاها»، لا يقول رسول الله: يؤذيني ما آذاها إنْ كان كذا، إنْ كان المؤذي فلاناً، إن كان في وقت كذا، ليس فيه أيّ قيد، بل الحديث مطلق «يؤذيني ما آذاها».
ودلّت الاحاديث هذه على وجوب قبول قولها، وحرمة تكذيبها، وقد شهدت عائشة بأنّها سلام الله عليها أصدق الناس لهجةً ما عدا والدها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ورسول الله قال كلّ هذا وفَعَله مع علمه بما سيكون من بعده.
____________
(1) فيض القدير في شرح الجامع الصغير 4 / 421.
المطلب الثاني:
في أنّ من آذى عليّاً (عليه السلام) فقد آذى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)
كان المطلب الاوّل في أنّ من آذى فاطمة فقد آذى رسول الله، وهذا المطلب الثاني في أنّ من آذى عليّاً فقد آذى رسول الله، وذاك قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «من آذى عليّاً فقد آذاني».
هذا الحديث تجدونه في: المسند، وفي صحيح ابن حبّان، وفي المستدرك، وفي الاصابة، وأُسد الغابة، وأورده صاحب كنز العمّال عن ابن أبي شيبة وأحمد والبخاري في تاريخه والطبراني، وله أيضاً مصادر أُخرى(1) .
____________
(1) مسند أحمد 3 / 483، المستدرك 3 / 122، مجمع الزوائد 9 / 129، أُسد الغابة والاصابة بترجمته عن عدّة من الائمة، كنز العمال 11 / 601.
المطلب الثالث:
في أنّ بغض علي (عليه السلام) نفاق
أخرج مسلم في صحيحه عن علي (عليه السلام) قال: «والذي فَلَقَ الحَبَّةَ وبرأ النَسَمة، إنّه لعهد النبي الاُمّي إليّ [ وهل يكون التأكيد بأكثر من هذا ؟ ] أنْ لا يحبّني إلاّ مؤمن ولا يبغضني إلاّ منافق».
تجدون هذا الحديث بهذا اللفظ أو بمعناه عند: النسائي، والترمذي، وابن ماجة، وفي مسند أحمد، وفي المستدرك، وفي كنز العمال عن عدة من كبار الائمّة(1) .
وفي مسند أحمد وصحيح الترمذي عن أُم سلمة: كان رسول الله يقول [ هذه الصيغة تدل على الاستمرار ] كان رسول الله يقول:
____________
(1) مسند أحمد 1 / 84، 128، صحيح مسلم كتاب الايمان، كنز العمال 13 / 120 رقم 36385.
نستفيد من هذه الاحاديث في هذا المطلب: إنّ حبّ علي وحبّ المنافقين لا يجتمعان، لو أنّ أحداً يعتقد حتّى بإمامة علي وولايته بعد رسول الله، إلاّ أنّه لا يبغض المنافقين، هذا الشخص هو أيضاً منافق، وهو مطرود من الطرفين، أي من المؤمنين ومن المنافقين، لانّ المنافقين لا يعتقدون بولاية علي وهذا يعتقد، ولانّ المؤمنين لا يحبّون المنافقين وهذا يحب.
ولا يمكن الجمع بينهما بأيّ حال من الاحوال، وبأيّ شكل من الاشكال.
____________
(1) مسند أحمد 6 / 292.
المطلب الرابع:
في إخبار النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عليّاً (عليه السلام)
بأنّ الاُمّة ستغدر به
قال علي (عليه السلام): «إنّه ممّا عهد إليّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّ الاُمّة ستغدر بي بعده».
قال الحاكم: صحيح الاسناد، وقال الذهبي في تلخيصه: صحيح(1) ، وقد قرّروا أنّ كلّ حديث وافق الذهبي فيه الحاكم النيسابوري في التصحيح فهو بحكم الصحيحين.
ومن رواة هذا الحديث أيضاً: ابن أبي شيبة، والبزّار، والدارقطني والخطيب البغدادي، والبيهقي، وغيرهم.
____________
(1) المستدرك على الصحيحين 3 / 140، 142.
المطلب الخامس:
ضغائن في صدور أقوام
أخرج أبو يعلى والبزّار ـ بسند صحّحه: الحاكم، والذهبي، وابن حبّان، وغيرهم ـ عن علي (عليه السلام) قال: «بينا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) آخذ بيدي ونحن نمشي في بعض سكك المدينة، إذ أتينا على حديقة، فقلت: يا رسول الله ما أحسنها من حديقة ! فقال: إنّ لك في الجنّة أحسن منها، ثمّ مررنا بأُخرى فقلت: يا رسول الله ما أحسنها من حديقة ! قال: لك في الجنّة أحسن منها، حتّى مررنا بسبع حدائق، كلّ ذلك أقول ما أحسنها ويقول: لك في الجنّة أحسن منها، فلمّا خلا لي الطريق اعتنقني ثمّ أجهش باكياً، قلت: يا رسول الله ما يبكيك ؟ قال: ضغائن في صدور أقوام لا يبدونها لك إلاّ من بعدي، قال: قلت يا رسول الله في سلامة من ديني ؟ قال: في سلامة من دينك».
وهناك أحاديث أيضاً صريحة في أنّ «الاقوام» المراد منهم في هذا الحديث «هم قريش»، وفي المطلب السادس أيضاً بعض الاحاديث تدلّ على ذلك، فلاحظوا.
____________
(1) مجمع الزوائد 9 / 118.
(2) المستدرك على الصحيحين 3 / 139.
المطلب السادس:
في أنّ قريشاً هم سبب هلاك الناس بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)
عن أبي هريرة عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: «يهلك أُمّتي هذا الحي من قريش»، قالوا: فما تأمرنا ؟ قال: «لو أنّ الناس اعتزلوهم».
وعن أبي هريرة أيضاً قال: سمعت الصادق المصدوق يقول: «هلاك أُمّتي على يدي غلمة من قريش»، فقالوا: مروان غلمة ؟ قال أبو هريرة: إن شئت أنْ أُسمّيه، بني فلان، بني فلان.
والحديثان في الصحيحين(1) .
____________
(1) وأخرجه أحمد 2 / 324، 288، 299، 520.
المطلب السابع:
لم يروَ من الضغائن والغدر إلاّ القليل
وهذا المطلب مهم جدّاً، فالغدر الذي كان، والضغائن التي بدت ـ التي سبق وأنْ أخبر عنها رسول الله ـ لم يروَ منها في الكتب إلاّ القليل، والسبب واضح، لانّهم منعوا من تدوين الحديث، وعندما دُوّن، فقد دوّن على يد بني أُميّة وفي عهدهم، وهذا حال السنّة، أي السنّة عند أهل السنّة.
ثمّ إنّ من كان عنده شيء من تلك الاُمور التي أشار إليها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يروه، وإذا رواه لم ينقلوه ولم يكتبوه ومنعوا من نشره، ومن نقله إلى الاخرين، حتّى أنّ من كان عنده كتاب فيه شيء من تلك القضايا، أخذوه منه، أو أخفاه ولم يظهره لاحد، أذكر لكم موارد من هذا القبيل:
قال ابن عدي في آخر ترجمة عبد الرزاق بن همّام الصنعاني
وبترجمة عبد الرحمن بن يوسف بن خراش ـ الحافظ الكبير ـ يقول ابن عدي: سمعت عبدان يقول: وحمل ابن خراش إلى بندار جزئين صنّفهما في مثالب الشيخين فأجازه بألفي درهم.
فأين هذا الكتاب الذي هو في جزئين ؟
قال ابن عدي: فأمّا الحديث فأرجو أنّه لا يتعمّد الكذب(2) .
فالرجل ليس بكاذب، ولو راجعتم سير أعلام النبلاء للذهبي أو راجعتم تذكرة الحفّاظ للذهبي، لرأيتم الذهبي ينقل هذا المطلب، ويتهجّم على ابن خراش ويشتمه ويسبّه سبّ الذين
____________
(1) الكامل في الضعفاء 6 / 545.
(2) الكامل في الضعفاء 5 / 519.
ولا يتوهمنّ أحد أنّ هذا الرجل ـ ابن خراش ـ من الشيعة، وذلك، لانّ هذا الرجل من كبار علماء القوم ومن أعلامهم في الجرح والتعديل، ويعتمدون على آرائه في ردّ الراوي أو قبوله، أذكر لكم مورداً واحداً، يقول ابن خراش بترجمة عبدالله بن شقيق، وعند ابن حجر العسقلاني في تهذيب التهذيب يقول: قال ابن خراش: كان ـ عبدالله بن شقيق ـ ثقة وكان عثمانياً يبغض عليّاً(2) .
فابن خراش ليس بشيعي، لانّه يوثق هذا الرجل مع تصريحه بأنّه كان عثمانيّاً يبغض عليّاً.
فلا يتوهّم أنّ هذا الرجل ـ ابن خراش ـ من الشيعة، بل هو من أعلام أهل السنّة ومن كبار حفّاظهم، إلاّ أنّه ألّف جزئين في مثالب الشيخين.
مورد آخر في كتاب العلل لاحمد بن حنبل، قال أحمد: كان أبو عوانة [ الذي هو من كبار محدّثيهم وحفّاظهم، وله كتاب في الصحيح اسمه: صحيح أبي عوانة ] وضع كتاباً فيه معايب أصحاب
____________
(1) سير أعلام النبلاء 13 / 509، تذكرة الحفاظ 2 / 684، ميزان الاعتدال 2 / 600.
(2) تهذيب التهذيب 5 / 223.
ويروي أحمد بن حنبل في نفس الكتاب عن عبدالرحمن بن مهدي(3) قال: فنظرت في كتاب أبي عوانة وأنا أستغفر الله(4) .
فهذا يستغفر الله من أنّه نظر في هذا الكتاب، والشخص الاخر جاء إليه وأخذ الكتاب منه وأحرقه بلا إذن منه ولا رضا.
مورد آخر: ذكروا بترجمة الحسين بن الحسن الاشقر: أنّ أحمد بن حنبل حدّث عنه وقال: لم يكن عندي ممّن يكذب [ فهو حدّث عنه وقال: لم يكن عندي ممّن يكذب ] فقيل له: إنّه يحدّث في أبي بكر وعمر، وإنّه صنّف باباً في معايبهما، فقال: ليس هذا بأهل أنْ يحدَّث عنه(5) !
أوّلاً:
أين ذاك الباب الذي اشتمل على هذه القضايا ؟ ولماذا لم يصل إلينا ؟
وثانياً:
إنّه بمجرَّد أنْ علم أحمد بن حنبل بأنّ الرجل
____________
(1) الامام الثقة القدوة، من رجال الصحيحين. سير أعلام النبلاء 7/428.
(2) كتاب العلل والرجال 1 / 60.
(3) الامام الناقد المجوّد سيد الحفاظ. سير أعلام النبلاء 9 / 192.
(4) كتاب العلل والرجال 3 / 92 الطبعة الحديثة.
(5) تهذيب التهذيب 2 / 291.
مورد آخر: في ميزان الاعتدال بترجمة إبراهيم بن الحكم بن زهير الكوفي: قال أبو حاتم: روى في مثالب معاوية فمزّقنا ما كتبنا عنه(1) .
روى في مثالب معاوية فمزّقنا ما كتبنا عنه، فراحت تلك الروايات.
وهذا بعض ما ذكروا في هذا الباب.
ثمّ إنّهم ذكروا في تراجم رجال كثيرين من أعلام الحديث والرواة الذين هم من رجال الصحاح، ذكروا أنّه كان يشتم أبا بكر وعمر، لاحظوا هذه العبارة بترجمة إسماعيل بن عبدالرحمن السُدّي(2) ، وبترجمة تليد بن سليمان(3) ، وبترجمة جعفر بن سليمان الضبعي(4) ، وغير هؤلاء.
ولماذا كان هؤلاء يشتمون ؟ هل بلغهم شيء أو أشياء، ممّا
____________
(1) ميزان الاعتدال في نقد الرجال 1 / 27.
(2) تهذيب التهذيب 1 / 274.
(3) تهذيب الكمال 4 / 322.
(4) تهذيب التهذيب 2 / 82 ـ 83.
وأمّا ما ذكروه بترجمة الرجال وكبار علمائهم وحفّاظهم من شتم عثمان وشتم معاوية، فكثير جدّاً، وأعتقد أنّه لا يحصى لكثرته.
ولقد فشى وكثر اللعن أو الطعن في الشيخين في النصف الثاني من القرن الثالث، يقول زائدة بن قدامة ـ ووفاته في النصف الثاني من القرن الثالث ـ: متى كان الناس يشتمون أبا بكر وعمر ؟!(1) .
وكثر وكثر حتى القرن السادس من الهجرة، جاء أحدهم ـ وهو الحافظ المحدّث عبد المغيث بن زهير بن حرب الحنبلي البغدادي ـ فألّف كتاباً في فضل يزيد بن معاوية وفي الدفاع عنه والمنع عن لعنه، فلمّا سئل عن ذلك، قال بلفظ العبارة: إنّما قصدت كفّ الالسنة عن لعن الخلفاء(2) .
حتى جاء التفتازاني في أواخر القرن الثامن من الهجرة وقال في شرح المقاصد ما نصّه: فإن قيل: فمن علماء المذهب من لم يجوّز اللعن على يزيد مع علمهم بأنّه يستحقّ ما يربو على ذلك
____________
(1) تهذيب التهذيب 3 / 264.
(2) سير أعلام النبلاء 21 / 161.
حتّى جاء كتّاب عصرنا، فألّفوا في مناقب يزيد، وألّفوا في مناقب الحجّاج، وألّفوا في مناقب هند !!
وإنّي أعتقد أنّهم يعلمون بأنّ هذه المناقب والفضائل، والذي يذكرونه في الدفاع عن هؤلاء وأمثالهم، كلّه كذب، وإنّ هؤلاء يستحقّون اللعن، إلاّ أنّ الغرض هو إشغال الكتّاب والباحثين والمفكّرين وسائر الناس بمثل هذه الاُمور، ولكي لا يبقى هناك مجال لان يرتقى إلى الاعلى فالاعلى.
ومن هنا نفهم: إنّ محاربتهم لقضايا الحسين (عليه السلام)ومحاربتم لمآتم الحسين (عليه السلام) ولقضايا عاشوراء، كلّ ذلك، لئلاّ يلعن يزيد، ولئلاّ ينتهى إلى الاعلى فالاعلى.
____________