الصفحة 227

الأدلة من السنة:

1 - عن سهل بن حنيف قال: سمعت أبا أمامة يقول: صلينا مع عمر بن عبد العزيز الظهر ثم خرجنا حتى دخلنا على أنس بن مالك فوجدناه يصلي العصر فقلت: يا عم ما هذه الصلاة التي صليت؟ قال: العصر وهذه صلاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) التي كنا نصلي معه (1).

2 - عن جابر بن زيد عن ابن عباس قال: " إن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) صلى بالمدينة سبعا وثمانية الظهر والعصر، والمغرب والعشاء " (2).

3 - خطب ابن عباس يوما بعد العصر حتى غربت الشمس وبدت النجوم وجعل الناس يقولون الصلاة، الصلاة فجاءه رجل من بني تميم لا يفتر ولا ينثني الصلاة الصلاة، فقال ابن عباس: أتعلمني الصلاة لا أم لك! ثم قال: رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) جمع بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، فقال عبد الله بن شقيق (راوي الحديث) فحاك في صدري من ذلك شئ فأتيت أبا هريرة فسألته فصدق مقالته " (3).

4 - عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: صلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الظهر والعصر جميعا بالمدينة من غير خوف ولا سفر، قال أبو الزبير فسألت سعيدا لم فعل ذلك؟ قال: سألت ابن عباس كما سألتني فقال: أراد أن لا يحرج أحدا من أمته (4).

5 - عن ابن عباس قال: جمع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء بالمدينة من غير خوف ولا مطر، قال الراوي: قلت

____________

(1) - البخاري ج 1 / 288.

(2) - المصدر ج 1 / 186.

(3) - مسلم ج 2 / 152 باب الجمع بين الصلاتين في الحضر.

(4) - مسلم ج 2 / 152 نفس الباب.

الصفحة 228
لابن عباس: لم فعل ذلك. قال: كي لا يحرج أمته (1).

  • الأدلة من طريق أهل البيت (ع):

    هذا هو حال الجمع بين الصلاتين كما هو واضح إطلاقه في كل الأحوال تخفيفا للأمة، وذلك ما جاءت به كتب أهل السنة والجماعة، أما ما جاء عن أهل البيت (ع) فكثير نختار منه:

    1 - عن الإمام الصادق (ع) قال:

    صلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالناس الظهر والعصر حين زالت الشمس في جماعة من غير علة، وإنما فعل ذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ليتسع الوقت على أمته (2). 2 - عن الإمام الباقر (ع) قال: " إذا زالت الشمس دخل الوقتان الظهر والعصر فإذا غابت الشمس دخل الوقتان المغرب والعشاء الآخرة ".

    3 - وبتفصيل أكثر يقول الإمام الصادق (ع) " إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر حتى يمضي مقدار ما يصلي المصلي أربع ركعات، فإذا مضى ذلك فقد دخل وقت الظهر والعصر حتى يبقى من الشمس مقدار ما يصلي المصلي أربع ركعات، فإذا بقي مقدار ذلك فقد خرج وقت الظهر وبقي وقت العصر حتى تغيب الشمس ". وقال: " إذا غابت الشمس فقد دخل وقت المغرب حتى يمضي مقدار ما يصلي المصلي ثلاث ركعات، فإذا مضى ذلك فقد دخل وقت المغرب والعشاء الآخرة حتى يبقى من انتصاف الليل مقدار ما يصلي المصلي أربع ركعات، وإذا بقي مقدار ذلك فقد خرج وقت المغرب وبقي وقت العشاء إلى انتصاف الليل ". وسائل الشيعة.

    وهكذا تكون الصلاة خمس صلوات واجبة مفروضة في اليوم والليلة هي الفجر ووقته معلوم والظهر والعصر لهما وقت مشترك يجوز الجمع فيه على أن يقدم الظهر

    ____________

    (1) - المصدر ج 2 / 152.

    (2) - وسائل الشيعة ج 3 / 101.

    الصفحة 229
    وأيضا للمغرب والعشاء وقت مشترك يجوز الجمع فيه على أن يقدم المغرب على العشاء، وهذا ما يؤمن به الشيعة ويعملون به، وهو الحق.

  • الزواج المنقطع " المتعة ":

    باسم الشرف والكرامة أخذ البعض يطعن في أحكام الله التي شرعها في كتابه وبلغها نبيه محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) والتي التزم بها شيعة أهل البيت (ع) فكان جزاؤهم التشنيع والاتهام والإشاعات والكذب عليهم.

    وبلغ ذلك حده في زواج المتعة الذي جاء به القرآن وقال به النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأصحابه، وعلى مشروعيته أكد أهل البيت (ع).

    ولنا حديث حول هذا الموضوع، ولكن قبل ذلك نستعرض بعض الأدلة التي تحسم الأمر تماما إذا كان أهل السنة والجماعة يؤمنون بكلام الله تعالى وقول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، ثم نعرج لنتعرف على أقوال أولئك الذين ظنوا بأنهم بلغوا شأوا بعيدا من معرفة ما يضر المجتمع وما يصلحه.

    الدليل القرآني:

    قوله تعالى: (فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة) (سورة النساء: آية / 24).

    ذكر الرازي في تفسيرها (1)، أنه روي أن أبي بن كعب كان يقرأ (فما استمتعتم به منهن) - إلى أجل مسمى - (فآتوهن أجورهن) وهذه أيضا قراءة ابن عباس والأمة ما أنكرت عليهما في هذه القراءة فكان ذلك إجماعا من الأمة على صحة هذه القراءة، ويقل الرازي أثناء بحثه حول آية المتعة عن عمران بن حصين أنه قال:

    نزلت آية المتعة في كتاب الله تعالى ولم تنزل بعدها آية تنسخها وأمرنا بها رسول

    ____________

    (1) - تفسير الرازي ج 10 / 51.

    الصفحة 230
    الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ولم ينهنا عنها ثم قال رجل برأيه ما شاء (1). ومثله يروي الإمام أحمد بن حنبل في مسنده ج 4 / 436، كما قال بنزول هذه الآية في المتعة مجاهد فيما أخرج الطبري.

    وفي الدر المنثور عن الحكم أنه سئل عن هذه الآية (آية المتعة) أمنسوخة قال:

    لا، وقال علي: لولا أن عمر نهى عن المتعة ما زنى إلا شقي " (2).

    وأعتقد أن مفهوم هذه الآية حول المتعة واضح جدا ومن خلال سياق الآيات نستطيع أن نتعرف على أنواع الزواج التي شرعت في الشريعة الإسلامية، وقد أكد على ذلك تواتر الروايات التي جاءت تبين الآية، وتؤيدها مجموعة من الأحاديث التي جاءت في الصحاح.

    إلا أن علماء العامة وكما تعودنا منهم كثرة محاولات التضليل وتشويه صورة الشيعة، أنكروا المتعة وتبرأوا منها وهم يحسبون أنهم بذلك يضربون التشيع، وغفلوا أو ربما عن وعي أنهم بذلك قد ضربوا القرآن الحكيم وطعنوا في الحكمة الإلهية للتشريع، وكأنما أرادوا أن يفرضوا على الله شريعة تلائم عقولهم التي لم تستوعب مضامين الرسالة وروحها، فصعب عليهم التعرف على الحق والتسليم له، وكان بينها وبين الحقيقة حجاب التكبر والغطرسة وادعاء العلم، والله يعلم وهم من جهل مركب في طغيانهم يعمهون.

    أقول ذلك وأتألم لحال الأمة التي أصبح علماؤها أكثر الناس جهلا بأمور دينهم..

    قرأت كتبهم واستمعت إلى علمائهم حول الزواج " المؤقت "، فوجدت أن أفضل من تحدث عنه قال إنه تقنين للزنا، وبقولهم هذا يكون الله تعالى ورسوله قد شرعا الزنا - حاشا الله ورسوله - حتى ولو صدقت دعواهم بنسخه أو تحريمه بعد تشريعه تكون هنالك فترة زمنية مارس فيها المسلمون الزنا مقننا..

    ____________

    (1) - المصدر ج 1 / 49.

    (2) - الدر المنثور للسيوطي ج 2 / 486.

    الصفحة 231
    والآن لنر الأدلة المأخوذة من الصحاح، هل قالت عن المتعة أنها زنا؟!.

  • عن عبد الله بن مسعود قال: " كنا نغزوا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وليس لنا نساء، فقلنا: ألا نستخصي فنهانا عن ذلك ثم رخص لنا أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل معين " (1).

  • عن سلمة بن الأكوع عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: " أيما رجل وامرأة توافقا فعشرة ما بينهما ثلاث ليال فإن أحبا أن يتزايدا أو يتتاركا. تزايدا أو تتاركا " (2).

  • عن جابر بن عبد الله وسلمة بن الأكوع قالا: كنا في جيش فأتانا رسول الله (صلى الله عليه وآله سلم) فقال: " قد أذن لكم أن تستمتعوا فاستمتعوا " (3).

  • عن جابر بن عبد الله قال: " كنا نتمتع على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأبي بكر وعمر حتى نهانا عمر عنها أخيرا يعني متعة النساء " (4).

  • عن جابر بن عبد الله قال: " تمتعنا متعتين على عهد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) الحج والنساء فنهانا عمر عنهما فانتهينا " (5).

  • كما ذكر الرازي أنه روي أن عمر قال على المنبر: " متعتان كانتا مشروعتين في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأنا أنهى عنهما متعة الحج ومتعة النكاح ".

    هذه وغيرها من الأحاديث والروايات تبين أن زواج المتعة زواج شرعي وأن تحريمه لم يكن من الله ورسوله إنما قال فيها الرجل " عمر " بما شاء، ونحن غير ملزمين بقول عمر الذي ارتآه ونقبل بشهادته فيما يخص حليتها، لأن القرآن أمرنا بأخذ ما قاله لنا الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وما شرعه أما ما قاله عمر إذا خالف كتاب الله وسنة رسوله فنضرب به عرض الحائط، وهنالك من هو أعلم منه وكان

    ____________

    (1) - صحيح مسلم ج 2 باب نكاح المتعة وأخرجه البخاري ج 7 / 8.

    (2) - البخاري ج 7 / 25.

    (3) - البخاري ج 7 / 24 باب نكاح المتعة.

    (4) - مسند أحمد بن حنبل ج 3 / 304.

    (4) - مسند أحمد بن حنبل ج 3 / 356.


    الصفحة 232
    يرجع إليه في المعضلات وقد قال بحليتها وهو الإمام علي (ع) الذي ينقل قوله السيوطي في الدر المنثور " لولا أن عمر نهى عن المتعة ما زنى إلا شقي ".

    وهذا ينقلنا لنخوض قليلا في الحديث عن المجتمع، وما سببه تحريم زواج المتعة من مشاكل.

    إن مشكلة الجنس من أكثر المشاكل عمقا وتعقيدا وتأثيرا في المجتمع الإنساني بما تحمله من مضاعفات خطيرة تؤثر في مسار حياة الإنسان ومن أبرز هذه المضاعفات الانحرافات الجنسية وإشباع الغريزة بصورة غير مشروعة مما ينعكس سلبا على المجتمع، بالإضافة إلى الانعكاسات النفسية والاكتئاب والانطواء وسائر التوترات التي تكون نتاجا للممارسة المنحرفة للجنس أو كبت هذه الغريزة والتي تعتبر متأصلة في تكوين الإنسان ولا تنفك عنه، وغير ذلك من المشاكل التي درسها علماء النفس والتربية والاجتماع والسياسة.

    والإنسان كما يحتاج للغذاء يحتاج للقنوات التي من خلالها يشبع غريزته الجنسية، وكما هو واضح في مجتمعاتنا - والسودان أبرز المصاديق - تأخرت سن الزواج نسبة لظروف كثيرة بعضها يرتبط بالناحية المادية وبعضها يرتبط بالاستعداد الذاتي للإنسان لتحمل مسؤولية تكوين العائلة، فأصبح الرجل يتزوج فوق سن الثلاثين، وبين هذه السن وسن البلوغ التي تبدأ معها الحاجة للجنس سنين طويلة فتبرز الحاجة إلى وجود حلول في هذه الفترة والحل ربما يكون بأحد أمرين: أما إسكات نداء الجنس بالوعظ والإرشاد والتخويف والتحذير وهذه الوسيلة ربما يكون لها تأثير في الواقع الخارجي ولكن تبقى المشكلة في داخل كيان الإنسان تحتاج إلى حل، والحل الآخر يكمن في الإباحة الجنسية وهذا ما لا يقبله عاقل يؤمن بالقيم الدينية والمثل والمبادئ الإنسانية كما أنه يترتب عليه مضاعفات خطيرة في حياة الإنسان وسلوكه إضافة إلى كثير من السلبيات على مستوى الفرد والمجتمع.

    " أما الزواج الدائم إذا عالج قسما من المشكلة فهو لا يعالجها في مختلف مجالاتها فالمشاكل ليست كلها مشاكل مالية وطبقية أنما هنالك جوانب من المشكلة تتطلب حلا ".


    الصفحة 233
    يقول العالم النفسي " برتراندرسل ": (إن سن الزواج قد تأخرت بغير اختيار وتدبير فإن الطالب كان يستوفي علومه قبل مائة سنة أو مائتين في نحو الثامنة عشرة أو العشرين فيتأهب للزواج في سن الرجولة الناضجة، ولا يطول به عهد الانتظار إلا إذا آثر الانقطاع للعلم مدى الحياة، وقل يؤثر ذلك بين المئات والألوف من الشباب.

    وأما في العصر الحاضر فالطلاب يتخصصون لعلومهم وصناعاتهم بعد الثامنة عشرة أو العشرين، ويحتاجون بعد التخرج من الجامعات إلى زمن يستعدون فيه لكسب الرزق من طريق التجارة والأعمال الصناعية والاقتصادية، ولا يتسنى لهم الزواج وتأسيس البيوت قبل الثلاثين، فهنالك فترة طويلة يقضيها الشاب بين سن البلوغ وسن الزواج لم يحسب لها حساب في التربية القديمة، وهذه الفترة هي فترة النمو الجنسي والرغبة الجامحة وصعوبة المقاومة للمغريات، فهل من المستطاع أن نسقط حساب هذه الفترة من نظام المجتمع الإنساني كما أسقطها الأقدمون وأبناء القرون الوسطى؟ إننا إذا أسقطناها من الحساب فسيكون نتيجة ذلك شيوع الفساد والعبث بالنسل والصحة بين الشباب والشابات) (1) وفي الواقع إن كلمة المؤمنين علي (ع) لخصت معاناة الأمة من جراء تحريم الزواج المؤقت، قال علي (ع) " ما كانت المتعة إلا رحمة من الله رحم بها أمة محمد ولولا نهي عمر ما زنى إلا شقي ".

    هذه الرحمة الإلهية تعني أن المتعة تحمي الإنسان من كل المضاعفات الخطيرة التي تفرزها مشكلة الجنس، ولا تبقي للزنا أثرا في مجتمعاتنا إلا لدى من تجذرت عنده نزعات الشذوذ الخلقي، ومع المتعة لا يبقى أي داع لتحليل العادة السرية، كما أفتى بذلك بعض علماء الدين المعاصرين.

    ____________

    (1) - الزواج المؤقت ص 11 محمد تقي الحكيم.

    الصفحة 234
    وقد وقع في يدي صدفة كتاب طبع في السعودية طباعة فاخرة عنوانه الإسلام والجنس يقول فيه الكاتب: " وفي حالات الاضطرار يجوز للمسلم ممارسة العادة السرية لأنه لا حرج في الدين " ولكن لم يبين لنا هذا العلامة حدود الاضطرار وملاكه ونحن نشاهد في بلداننا كل أنواع المحفزات من خلاعة وتبرج فهل نعمل بفتواه والرجل يعيش بعد البلوغ عشرين عاما بلا زواج؟!.

    في حواراتي المختلفة مع بعض الإخوة كثيرا ما يربطون المتعة بالزنا ويدور نقاشهم عن الآثار بعيدا عن أصل مشروعيتها.

    ولقد ثبت أنها شرعت، والحديث عن نسخها يفتقد للدليل القوي، وما جاء من روايات وأحاديث متهافته ومتضاربة لا يقوى على النهوض لمستوى دليل في مقابل ما أوردناه، أما نهي عمر عنها فلا يجدي في مقامنا هذا كما بينا خصوصا وأن هنالك من نادى بحليتها من الصحابة.

    أما كون المتعة زنا، فهذا قول غريب يقودنا إلى إشكالات أشرنا إليها، والزنا هو ممارسة الجنس بصورة غير مشروعة والمتعة غير ذلك فهي لا تختلف عن الزواج إلا في بعض الآثار سنذكرها إن شاء الله..

    وهنالك من يقول بعدم قبول المجتمع لها، أقول إن تشريع الله تعالى لا يخضع لمدى قبول المجتمع له أو رفضه، إنما يجب أن يخضع المجتمع لأحكام الله فتكون حاكمة عليه، وما أكثر رفض المجتمعات قديما وحديثا للأحكام السماوية؟! فاجأت أحدهم بالسؤال: هل تقبل أن يتزوج أبوك زوجة أخرى وأمك موجودة؟ فأجاب بسرعة: لا!

    قلت: ولم وقد شرع الله له في القرآن أن يتزوج أربعة؟!

    وهنالك بعض الشبهات الجانبية تثار حول هذا الموضوع لا تقدح في صحته، أما التعامل مع هذا الحكم كيف يكون فذلك بحث آخر، مثلا ربما يقال أنه بعد انتهاء مدة عقد المتعة من الذي يضمن ألا تتزوج المرأة قبل تمام العدة؟


    الصفحة 235
    أقول إن للشريعة الإسلامية والرسالات السماوية عموما مميزات تفوقت بها على القوانين الوضعية لضبط المجتمع وأهم هذه الميزات والتي تعتبر ضمانة لعدم الاخلال بالقانون هي الإيمان والتقوى، إذ أن أحكام الشريعة الإسلامية نزلت ليطبقها من يؤمن بالله واليوم الآخر والثواب والعقاب، وإلا ما هو الضمان أن يكون الابن الذي يأتي من زوجتك هو من صلبك، وكيف يمكننا أن نثق بأن المرأة المطلقة اعتدت كامل أيامها، وكيف يتسنى لك أن تعلم أنك ابن أبيك إن كثيرا من الأشياء تتحكم فيها القيم والمبادئ والأخلاق والإيمان والتقوى والورع وتبقى المشكلة في ذات الإنسان وليس في التشريع، وإذا فقد الالتزام النابع من الإيمان لم تكن الأحكام المجردة مانعة من انتهاك الحرمات وحدوث الفوضى، وهذا تشريع ملك اليمين فهل نعتبره زنا أيضا وأن المجتمع لا يقبله وبالتالي نلغيه؟ وبعد قرون نكتشف أن زواج الرجل بأربع زوجات لا يلائم المجتمع فنلغيه وهكذا. إن حلال محمد حلال إلى يوم القيامة وحرامه حرام إلى يوم القيامة.

    وإليك بيان تفصيلي عن الزواج المؤقت الذي لا يفترق عن الزواج الدائم إلا في بعض الآثار.

    ما المقصود بالزواج المؤقت (1):

    عقد زواج بين الرجل والمرأة ضمن شروط شرعية محددة من أهمها: -

    1 - الايجاب والقبول.

    2 - تحديد المدة ضمن صيغة العقد.

    3 - تحديد المهر.

    4 - إذن الولي إذا كانت البنت بكرا على رأي الكثير من الفقهاء.

    5 - انتفاء الموانع الشرعية من النكاح، كالنسب أو السبب أو الرضاع أو الاحصان أو العدة أو غير ذلك.

    ____________

    (1) - التشيع السيد عبد الله الغريفي ص 532.

    الصفحة 236
    6 - لا يجوز للمسلمة أن تتمتع بالكافر، كما لا يجوز للمسلم أن يتمتع بالمشركة غير الكتابية.

  • العناصر المشتركة بين الزواج الدائم والزواج المؤقت: -

    1 - العقد الشرعي المشتمل على الايجاب والقبول اللفظيين.

    2 - الآثار الشرعية المترتبة على العقد إلا ما استثنته الأدلة الخاصة.

    3 - أحكام الأولاد واحدة في الزواجين.

    4 - العدة واجبة على المرأة مع الدخول وعدم اليأس في الحالتين وبالنسبة للوفاة تجب العدة حتى وإن كانت المرأة صغيرة أو يائسة أو غير مدخول بها.

  • عناصر الاختلاف بين الزواجين: -

    1 - في الزواج المؤقت تحدد المدة والأجل وفي الدائم لا تحديد للمدة والأجل.

    2 - في المؤقت يشترط ذكر المهر وفي الدائم لا يشترط ذلك.

    3 - في المؤقت لا طلاق بل تبين المرأة بانتهاء المدة أو بهبة المدة لها أو الوفاة، وفي الدائم لا تبين المرأة إلا بالطلاق أو الوفاة إلا في الحالات الاستثنائية كالارتداد والفسخ فتبين المرأة بلا طلاق.

    4 - في المؤقت لا توارث بين الزوجين إلا مع الشرط عن بعض الفقهاء، وفي الدائم يتوارث الزوجان إلا في حالات استثنائية كالقتل أو كون الزوجة غير مسلمة.

    5 - في المؤقت لا نفقة للزوجة إلا مع الشرط ضمن العقد وفي الدائم تجب النفقة إلا في الحالات الاستثنائية كالنشوز.

    6 - في المؤقت لا قسم للزوجة ولا تجب مضاجعتها ولا مقاربتها في كل أربعة أشهر مرة وفي الدائم يجب ذلك.

    7 - في المؤقت تستحق المرأة المهر كاملا وإن لم يدخل بها إذا لم يكن ذلك بسبب مانع من قبلها، وفي الدائم لا تستحق المهر كاملا إلا مع الدخول.


    الصفحة 237
    هذا هو زواج المتعة كما شرعه الدين وهو رحمة الله تعالى للإنسان الذي خلق ضعيفا، وقد قال تعالى في سورة النساء بعد بيان أنواع الزواج المختلفة بما فيها الزواج المؤقت (يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا) (1) ولكن أبت الأمة كعادتها إلا أن تضيق على نفسها كما فعلت أمة بني إسرائيل. ونتوج بحثنا بروايات

    عن أهل البيت (ع): -

  • عن أبي بصير قال: سألت أبا جعفر الباقر (ع) عن المتعة فقال: " نزلت في القرآن (فما استمتعتم به منهن... الآية) ".

  • عن الإمام الصادق (ع): قال " المتعة نزل بها القرآن وجرت بها السنة من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ".

  • عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: سألت أبا عبد الله هل نسخ آية المتعة شئ؟

    قال: لا، ولولا ما نهى عنها عمر ما زنى إلا شقي ".

    ونذكر هنا بعض الملاحظات للذي يدعي بأن آية المتعة منسوخة بقوله تعالى (والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون) (سورة المؤمنون: آية / 5 - 7).

    أولا: إن هذه الآية جاءت في سورة المؤمنون وهي مكية وآية المتعة جاءت في سورة النساء وهي مدنية فكيف يكون المتقدم نزولا ناسخا للمتأخر!.

    أما ما ذكروه بأن الآية حددت نوعين من النكاح فقط: الزواج وملك اليمين..

    فالمتعة أيضا زواج كما بينا والأمر واضح، وبالنسبة للروايات التي تحرم المتعة فهي غير صحيحة لتعارضها مع الأحاديث القائلة بحليتها كما أن أخبار التحريم أخبار آحاد، والنسخ لا يثبت بأخبار الآحاد، ثم إن هنالك تناقضا واضحا في روايات التحريم فبعضها يقول بأن التحريم صدر يوم خيبر وأخرى في يوم الفتح وثالثة في تبوك ورابعة في عمرة القضاء وخامسة في حجة الوداع... الخ.

    ____________

    (1) - سورة النساء: آية / 28.

    الصفحة 238
    وأخيرا إن روايات التحريم معارضة بروايات أهل بيت النبوة (ع) المتواترة والدالة على إباحة المتعة إلى يوم القيامة.

    خاتمة

    في ظل أمواج الفتن ما أحوج الإنسان إلى أن يجد سفينة النجاة لتأخذ به إلى بر الأمان، وما أحوجه إلى التعرف على المعتقد السليم الذي من خلاله يستطيع أن يعيش واقع حياته اليومية باطمئنان حتى يلقى الله وقد وفى بعهده وميثاقه.

    وتبقى مشكلة التعصب الأعمى وعدم التسليم للحق والتمرد عليه تكبرا، مما يجعل بيننا وبينه حجابا إذا أردنا التمسك به والبحث عنه، إذ أنه لا بد من التأكد مما نحن عليه، على ألا يكون التوارث أبا عن جد هو المرتكز لفهم فلسفة الحياة، ولا يمكن أن نحقق العبودية في أنفسنا وهي غاية الخلق (1) إلا عبر الطريق الذي أمرنا الله به ولا يمكن أن تكون الوراثة التي نبذها القرآن هي الضمانة لصحة ما نعتقده والمسلمون انقسموا لفرق ومذاهب كل يدعي وصلا بليلى، والظلمات كثيرة والنور واحد وهذا هو مقصود حديث الفرقة الناجية، فليصبح الإنسان كالمجنون وهو يبحث لكي يختار الصواب.

    إن الأمة الإسلامية تعيش تحديا حضاريا في كل الجوانب لم يترك العدو لها مجالا إلا وحاول من خلاله أن يبث سمومه، وفي واقعنا المعاش نجد الكثير من المذاهب التي تلبست بلباس الدين ودعت إليه بينما كانت تخدم مصالح الأعداء وتحمل في داخلها معاول هدم رسالة السماء، وأبرز مصداق لذلك الوهابية التي انتشرت في طول البلاد الإسلامية وعرضها مستغلة الظروف الاقتصادية في الدول النامية ولم تعتمد على

    ____________

    (1) - الآية (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون).

    الصفحة 239
    المعتقد السليم ولا على الفكر الصحيح أو المنطق في الحوار بل ظهرت عبر مؤسساتها وأموالها، جاعلة الدين كتلة جامدة لا تتفاعل وواقع الحياة، لذلك تتركها دوائر الاستعمار لتسرح بينما تصب على الشيعة كل أنواع التضليل.

    هنالك كثير من الأسباب تقف حائلا بين المرء والحقيقة عليه أن يتجاوزها ولقد حاولت ذلك فكان الانتقال عبر محطات التاريخ للوقوف على المنعطفات الخطيرة التي مرت بها الأمة الإسلامية فتفرقت شيعا وأحزابا، لم يكن همي سوى الحقيقة.. الحقيقة وحدها دون الالتفات إلى ما سيعترضني من مشاكل في سبيل ذلك، ولقد حاول البعض عندما انهزم بالدليل والبرهان أن يتهمني تارة بالشيوعية وهي التي لم يستطع نسفها غير علماء الشيعة بقيادة الشهيد الصدر فكيف يلتقي الشيعي مع الشيوعي اللهم إلا إذا اشتبهت الأحرف على السامع وتارة يقولون عنا جمهوريين، هذه الجماعة التي ولدت فكرتها ميتة لأنها عارضت كل شئ القرآن والسنة والعقل، قامت باجتهاد فرد وانتهت بانتهائه من على مسرح الحياة، أما التشيع فأنا لم أنتجه من محض خيالي، إنما وجدت أنه ولد حينما ولدت الرسالة، وشهد الأعداء قبل الأصدقاء بأهلية أهل البيت (ع) لتحمل أمانة السماء والتاريخ يشهد لهم بذلك فما ذنبي إذا كان الدليل يأخذ بعنقي إلى حيث النور، ومن يملك دليلا خلاف قولنا وإذا كان هنالك حق غير مذهب أهل البيت (ع) فهاتوا برهانكم إن كنتم صادقين.

    وتارة أخرى يتهموننا بأننا نسعى لإثارة الفتن، ولعمري متى كان البحث عن الحق إثارة للفتنة؟ ومتى كان كشف الزيف دلالة على ذلك؟ أن الذين يوزعون هذه التهم إنما يبررون لأنفسهم ويحاولون الانتصار لها بعد هزيمتها داخليا.

    عندما بدأت بحثي لم يقم في نفسي أن أطرحه للآخرين وإنما هو تكليف شرعي وتلهف للكشف عن الحق الذي به قامت السماوات والأرض، وظمأ للارتواء من منابع الرسالة الصافية التي لم تكدرها الجاهلية بأنجاسها، ووجدته بحمد الله عذبا

    الصفحة 240
    ثجاجا في ولاية علي بن أبي طالب (ع) وأتباعه الذين قال فيهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) " والذي بعثني بالحق نبيا لو أن رجلا لقي الله بعمل سبعين نبي ثم لم يلقه بولاية أولي الأمر من أهل البيت ما قبل الله منه عدلا ولا صرفا ".

    كما روى الإمام الصادق (ع) عن أبيه عن جده (ع) قال: مر أمير المؤمنين (ع) في مسجد الكوفة ومعه خادمة قنبر رجلا قائما يصلي فقال: يا أمير المؤمنين ما رأيت رجلا أحسن صلاة من هذا. فقال علي (ع): يا قنبر فوالله لرجل على يقين من ولايتنا أهل البيت خير ممن له عبادة ألف سنة، ولو أن عبدا عبد الله ألف سنة لا يقبل الله منه حتى يعرف ولايتنا أهل البيت، ولو أن عبدا عبد الله ألف سنة وجاء بعمل اثنين وسبعين نبي ما يقبل الله منه حتى يعرف ولايتنا أهل البيت وإلا أكبه الله على منخريه في نار جهنم " وغيرها من الروايات التي تجعل الإنسان يقف متأملا وهو يحاول أن يهتدي إلى الطريق.

    وعلى فرض عدم صحة هذه الروايات، يجب على الإنسان دفعا للضرر المحتمل - كما يقولون - أن يبحث عن الحق أنى كان، ولقد ادعى أهل البيت (ع) حق الولاية وتواتر المنقول عنهم أن أعمال العبد يتوقف قبولها على ولايتهم وبدونها يسقط عمله. بينما لا نجد أن أحدا من الصحابة ادعى مثل هذا الحق وبالخصوص الخلفاء الثلاثة فالإيمان بهم بالتالي ليس من أصول الدين إنما هو أمر فرعي يحتاج إلى نقاش.

    أخيراً

    إن الاهتداء إلى الحق ليس عبقرية ذاتية، إنما نعمة من الله تعالى ينعم بها على من يشاء من عباده، وما على الإنسان إلا التوجه المخلص لله تعالى حتى يريه الحق حقا فيتبعه ويريه الباطل باطلا فيجتنبه، ولقد تكفل البارئ عز وجل بهداية المجاهدين فيه إلى سبله.


    الصفحة 241

    خطبة فاطمة (ع) شعلة الحق

    إنها خطبة يعجز الإنسان عن وصفها، ويؤمن ويصدق بأنها معجزة احتجت بها أمام الخليفة الأول أبي بكر، ودقة معانيها وقوة بيانها تؤكد صحة نسبتها للطاهرة المعصومة فاطمة بنت محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وأذكر جزءا منها في هذا المقام تتمة للفائدة.

    قالت سلام الله عليها:

    " الحمد لله على ما أنعم، وله الشكر على ما ألهم، والثناء بما قدم، من عموم نعم ابتداها، وسبوغ آلاء أسداها وتمام منن أولاها، جم عن الاحصاء عددها، ونأى عن الجزاء أمدها، وتفاوت عن الادراك أبدها، وندبهم لاستزادتها بالشكر لاتصالها واستحمد إلى الخلائق بإجزالها، وثنى بالندب إلى أمثالها.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، كلمة جعل الإخلاص تأويلها، وضمن القلوب موصولها، وأنار في التفكر معقولها، الممتنع من الأبصار رؤيته، ومن الألسن صفته ومن الأوهام كيفيته، ابتدع الأشياء لا من شئ كان قبلها، وأنشأها بلا احتذاء أمثلة امتثلها كونها بقدرته، وذرأها بمشيته، من غير حاجة منه إلى تكوينها، ولا فائدة له في تصويرها، إلا تثبيتا لحكمته، وتنبيها على طاعته، وإظهارا لقدرته، تعبدا لبريته وإعزازا لدعوته، ثم جعل الثواب على طاعته، ووضع العقاب على معصيته ذيادة لعباده من نقمته، وحياشة لهم إلى جنته.

    وأشهد أن أبي محمدا عبده ورسوله اختاره قبل أن أرسله وسماه قبل أن اجتباه، واصطفاه قبل أن ابتعثه، إذ الخلائق بالغيب مكنونة، وبستر الأهاويل

    الصفحة 242
    مصونة، وبنهاية العدم مقرونة علما من الله تعالى بمايل الأمور، وإحاطة بحوادث الدهور ومعرفة بمواقع الأمور.

    ابتعثه الله إتماما لأمره، وعزيمة على إمضاء حكمه، وإنفاذا لمقادير رحمته، فرأى الأمم فرقا في أديانها، عكفا على نيرانها عابدة لأوثانها، منكرة لله مع عرفانها، فأنار الله بأبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ظلمها، وكشف عن القلوب بهمها (1)، وجلى عن الأبصار غممها وقام في الناس بالهداية فأنقذهم من الغواية، وبصرهم من العماية، وهداهم إلى الدين القويم، ودعاهم إلى الصراط المستقيم.

    ثم قبضه الله إليه قبض رأفة واختيار، ورغبة وإيثار فمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) من تعب هذه الدار في راحة قد حف بالملائكة الأبرار ورضوان الرب الغفار، ومجاورة الملك الجبار، صلى الله على أبي نبيه وأمينه، وخيرته من الخلق وصفيه، والسلام عليه ورحمة الله وبركاته.

    ثم التفتت سلام الله عليها غلى أهل المجلس وقالت: أنتم عباد الله نصب أمره ونهيه، وحملة دينه ووحيه، وأمناء الله على أنفسكم، وبلغاؤه إلى الأمم، زعيم حق له فيكم، وعهد قدمه إليكم، وبقية استخلفها عليكم. كتاب الله الناطق والقرآن الصادق، والنور الساطع، والضياء اللامع، بينة بصائره، منكشفة سرائره، متجلية ظواهره مغتبطة به أشياعه، قائد إلى الرضوان أتباعه، مؤد إلى النجاة استماعه به تنال حجج الله المنورة، وعزائمه المفسرة، ومحارمه المحذرة، وبيناته الجالية، وبراهينه الكافية، وفضائله المندوبة، ورخصه الموهوبة، وشرائعه المكتوبة.

    ____________

    (1) - أي مبهماتها وهي المشكلات من الأمور.

    الصفحة 243
    فجعل الله الإيمان تطهيرا لكم من الشرك، والصلاة تنزيها لكم عن الكبر، والزكاة تزكية للنفوس، ونماء للرزق، والصيام تثبيتا للإخلاص، والحج تشييدا للدين، والعدل تنسيقا للقلوب، وطاعتنا نظاما للملة، وإمامتنا أمانا من الفرقة والجهاد عزا للإسلام والصبر معونة على استيجاب الأجر، والأمر والنهي عن المنكر مصلحة للعامة، وبر الوالدين وقاية من السخط، وصلة الأرحام منسأة في العمر ومنماة للعدد، والقصاص حقنا للدماء، والوفاء بالنذر تعريضا للمغفرة، وتوفية المكاييل والموازين، تغييرا للبخس، والنهي عن شرب الخمر، تنزيها عن الرجس واجتناب القذف، حجابا عن اللعنة، وترك السرقة، إيجابا للعفة، وحرم الله الشرك إخلاصا له بالربوبية فاتقوا الله حق تقاته، ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون، وأطيعوا الله فيما أمركم به ونهاكم عنه فأنه إنما يخشى الله من عباده العلماء.

    ثم قالت: أيها الناس اعلموا، أني فاطمة وأبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) أقول عودا وبدءا ولا أقول ما أقول غلطا، ولا أفعل ما أفعل شططا، لقد جاءكم رسول الله من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم.

    فإن تعزوه وتعرفوه تجدوه أبي دون نسائكم، وأخا ابن عمي دون رجالكم، ولنعم المعزى إليه (صلى الله عليه وآله وسلم) فبلغ الرسالة صادعا بالنذارة مائلا عن مدرجة المشركين ضاربا ثبجهم آخذا بأكظامهم داعيا إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة، يكسر الأصنام وينكت الهام، حتى انهزم الجمع وولوا الدبر، فتضرى الليل عن صبحه وأسفر الحق عن محضه، ونطق زعيم الدين، وخرست شقاشق الشياطين، وطاح وشيظ النفاق، وانحلت عقد الكفر والشقاق، وفهتم بكلمة الإخلاص في نفر من البيض الخماص وكنتم على شفا حفرة من النار، مذقة الشارب، ونهزة الطامع وقبسة العجلان، وموطئ الأقدام تشربون

    الصفحة 244
    الطرق وتقتاتون القد والورق، أذلة خاسئين، تخافون أن يتخطفكم الناس من حولكم، فأنقذكم الله تبارك وتعالى بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد اللتيا والتي وبعد أن مني ببهم الرجال وذؤبان العرب، ومردة أهل الكتاب، كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله، أو نجم قرن للشيطان أو فغرت فاغرة من المشركين قذف أخاه في لهواتها فلا ينكفئ حتى يطأ جناحها بأخمصه، ويخمد لهبها بسيفه مكدودا في ذات الله، مجتهدا في أمر الله، قريبا من رسول الله سيدا في أولياء الله، مشمرا ناصحا، مجدا كادحا، لا تأخذه في الله لومة لائم، وأنتم في رفاهية من العيش وادعون فاكهون آمنون تتربصون بنا الدوائر وتتوكفون الأخبار وتنكصون عند النزول وتفرون من القتال.

    ... ثم تنتقل الصديقة (ع) للحديث عن الانقلاب كما وضحنا ثم تحدثت عن منعها الإرث ولقد ذكرنا كلماتها في بداية البحث وبعد ذلك رمت بطرفها نحو الأنصار وقالت:

    يا معشر النقيبة وأعضاد الملة وحضنة الإسلام ما هذه الغميزة في حقي والسنة عن ظلامتي. أما كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أبي يقول:

    " المرء يحفظ في ولده "؟ سرعان ما أحدثتم وعجلان ذا إهالة ولكم طاقة بما أحاول وقوة على ما أطلب وأزاول، أتقولون مات محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)؟

    فخطب جليل: استوسع وهنه واستنهر فتقه، وانفتق رتقه، وأظلمت الأرض لغيبته وكسفت الشمس والقمر، وانتثرت النجوم لمصيبته، وأكدت الآمال وخشعت الجبال، وأضيع الحريم، وأزيلت الحرمة عند مماته فتلك والله النازلة الكبرى، والمصيبة العظمى لا مثلها نازلة ولا بائقة عاجلة، أعلن بها كتاب الله جل ثناؤه في أفنيتكم، وفي ممساكم ومصبحكم، هتافا وصراخا، وتلاوة وألحنا، ولقبله ما حل بأنبياء الله ورسله حكم فصل وقضاء حتم:


    الصفحة 245
    (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين) أيها بني قيلة أأهضم تراث أبي؟ وأنتم بمرأى مني ومسمع ومنتدى ومجمع تلبسكم الدعوة، وتشملكم الخبرة، وأنتم ذوو العدد والعدة والأداة والقوة وعندكم السلاح والجنة توافيكم الدعوة فلا تجيبون، وتأتيكم الصرخة فلا تعينون، وأنتم موصوفون بالكفاح، معروفون بالخير والصلاح، والنخبة التي انتخبت والخيرة التي اختيرت لنا أهل البيت.

    ألا وقد قلت ما قلت على معرفة مني بالخذلة التي خامرتكم والغدرة التي استشعرتها قلوبكم، لكنها فيضة النفس ونفثة الغيظ وبثة الصدر وتقدمة الحجة، فدونكموها فاحتقبوها دبرة الظهر نقبة الخف باقية العار، موسومة بغضب الجبار، وشنار الأبد موصولة بنار الله الموقدة التي تطلع على الأفئدة، فبعين الله ما تفعلون وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون وأنا ابنة نذير لكم بين يدي عذاب شديد فاعملوا إنا عاملون وانتظروا إنا منتظرون " (*).

    ____________

    (*) - مقاطع من خطبة الزهراء من كتاب الإحتجاج للطبرسي.