أن يكونا مبطلين كاذبين فيما شهدا به ، وليس يصح الإستظهار على قول من قد أمن من الكذب بقول من لا يؤمن عليه ، ذلك كيما لا يصح الاستظهار على قول المؤمن بقول الكافر ، وعلى قول العدل البر بقول الفاسق الفاجر . ويدل أيضاً على ذلك : إنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم استشهد على قوله فشهد خزيمة بن ثابت في ناقة نازعه فيها منازع ؛ فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم : من أين علمت يا خزيمة ، أنّ هذه الناقة لي ؟ أشهدت شرائي لها ؟ فقال : لا ولكني علمت أنّها لك من حيث إنّك رسول الله ، فأجاز النبي صلى الله عليه وآله وسلم شهادته كشهادة رجلين وحكم بقوله فلو لا أن العصمة دليل الصدق وتعني عن الاستشهاد ، لما حكم النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقول خزيمة من ثابت وحده وصوّبه في الشهادة له على ما لم يره ولم يحضره ، بأستدلاله عليه بدليل نبوته وصدقه على الله سبحانه فيما أراده الى بريته ، وإذا وجب قبول قول فاطمة عليها السلام بدلائل صدقها ، واستغنت عن الشهود لها ثبت ان من قطع حقها وأوجب الشهود على صحة قولها ، قد جار في حكمه وظلم في فعله ، وآذى الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم بأيذائه لفاطمة عليها السلام وقد قال الله عزّوجلّ : ( إنّ الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعدّ لهم عذاباً مهينا ) (1) . اذن لاشك في عصمة فاطمة عليها السلام ، أمّا عندنا فللإجماع القطعي المتواتر والأخبار المتواترة في فضائلها ومناقبها .
وأمّا الحجة على المخالفين :
1 ـ فبآية التطهير الدالة على عصمتها ، وكما بيّنا في إثبات نزول هذه الآية في جماعة كانت داخلة فيهم بل هي قطب الرحى الذي يدور فيه أهل البيت عليهم السلام .
2 ـ وبالأخبار المتواترة الدّالة على أنّ إيذائها إيذاء الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وإنّ الله تعالى يغضب لغضبها ويرضى لرضاها : ووجه الإستدلال بالروايات على عصمتها صلوات الله عليها : أنّه كانت فاطمة عليها السلام ممن تقارق الذنوب وتركتبها ، لجاز إيذاؤها ، بل إقامة الحد عليها ، لو فعلت معصية ، وارتكبت ما يوجب حداً ، لم يكن رضاها رضى الله
____________
(1) الأحزاب : آية 57 .
( 194 )
سبحانه إذا رضيت بالمعصية ، ولا من سرها في معصية ساراً لله سبحانه ، ومن أغضبها بمنعها عن ارتكابها مغضباً له جل شأنه ، فإن قيل : لعل المراد ، من آذاها ظلماً فقد آذاني ، ومن سرّها في طاعة الله فقد سرّني ، وأمثال ذلك ، لشيوع التخصيص في العمومات قلنا :
أولاً : التخصيص خلاف الأصل ، ولايصار إليه إلا بدليل فمن أراد التخصيص فعليه إقامة الدليل .
ثانياً : إن فاطمة صلوات الله عليها تكون حينئذ كسائر المسلمين ، لم تثبت لها خصوصية ومزية في تلك الأخبار ، ولا كان لها فيها تشريف وحدمة ؛ وذلك باطل بوجوه :
1 ـ إنّه لا معنى حينئذ لتفريع كون إيذائها إيذاء الرسول صلى الله عليه وآله وسلم على كونها بضعة منه كما يصرح بذلك صحيح البخاري ومسلم في رواياته .
2 ـ إنّ كثيراً من الأخبار السالفة المتضمنة لأنكاره صلى الله عليه وآله وسلم على بني هاشم ، في أن ينكحوا إبنتهم علي بن ابي طالب عليه السلام ، أو النكاح بنت أبي جهل ، ليس من المشتركات بين المسلمين فإنّ ذلك النكاح كان مما أباحه الله سبحانه ، بل ممّا رغّب فيه وحث عليه لولا كان كونه إيذاء لسيدة النساء ، وقد علل رسول صلى الله عليه وآله وسلم عدم الإذن بكونها بضعة منه يؤذيها ما آذاها ويربيه ما يريبها تظهر بطلان القول بعموم الحكم لكافة المسلمين ، على إنه لو ثبت هذا القول بأن علي صلى الله عليه وآله وسلم ربما أو أراد أن يتزوج من المتقدمي الذكر .
3 ـ إنّ القول بذلك يوجب إلقاء كلامه صلى الله عليه وآله وسلم وخلّوه من الفائدة ، إذ مدلوله حينئذ أنّ بضعته كسائر المسلمين ولا يقول ذلك من أوتي حظاً من الفهم والفطانة ، أو أتصف بشيء من الانصاف والأمانة ، وقد أطبق محدثوهم على إيراد تلك الروايات في باب مناقبها صلوات الله عليها .
فإن قيل : أقصى ما يدل عليه الأخبار ، هو أنّ إيذاؤها إيذاء الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ومن جوّز صدور الذنب عنه صلى الله عليه وآله وسلم ، لا يأبى عن إيذائه إذا فعل ما يستحق به الإيذاء .
قلنا : بعد مامر من الدلائل على عصمة الأنبياء عليهم السلام ، قال الله تعالى ( والذين
( 195 )
يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم ) (1) . وقال سبحانه : ( وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ) (2) . وقال تعالى : ( إنّ الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعدّ لهم عذاباً معيناً ) (3) . فالقول بجواز ايذائه صلى الله عليه وآله وسلم ردّ لصريح القرآن ، ولا يرضى به أحد من أهل الإيمان ، فإن قيل : إنّما دلّت الأخبار على عدم عدم جواز إيذائها ، وهو إنما ينافي صدور الذنب منها يمكن للناس الاطلاع عليه ، حتى يؤذيها نهياً عن المنكر ، ولا ينافي صدور معصية عنها خفيّة فلا يدل على عصمتها مطلقاً .
قلنا : نتمسك في دفع هذا الاحتمال بالإجماع المركب أن ماجرى في قصة فدك وصدر عنها من الانكار على أبي بكر ومجاهرتها بالحكم بكفره وكفر طائفة من الصحابة وفسقهم تصريحاً وتلويحاً ، وتظلمها وغضبها على أبي بكر ، وهجرتها وترك كلامها حتى ماتت ، لو كانت معصية لكانت من المعاصي الظاهرة التي قد أعلنت بها على رؤوس الاشهاد ، وأي ذنب أظهر وأفحش من مثل هذا الردّ والانكار على الخليفة المفترض الطاعة على العالمين ؟ بزعمهم فلا محيص لهم عن القول ببطلان خلافة خليفتهم العظمى تحرزاً عن إسناد هذه المعصية الكبرى إلى سيدة النساء .
3 ـ ونحتج أيضاً في عصمتها عليها السلام بالاخبار الدالة على وجوب التمسك بأهل البيت عليهم السلام وعدم جواز التخلف عنهم ، وما يقرّب هذا المعنى ، ولا ريب في ذلك لا يكون ثابتاً لأحد ، إلاّ إذا كان معصوماً إذ لو كان ممّن يصدر عنه الذنوب لما جاز إتباعه عند إرتكابها ، بل يجب ردعه ومنعه وايذاؤه واقامة الحد عليه وإنكاره بالقلب واللسان وكل ذلك ينافي ماحث عليه الرسول صلى الله عليه و آله وسلم وأوصى به الأمة في شأنهم ، ويكفي في ذلك ماروه المخالفون لنا عن الترمذي عن زيد بن أرقم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلّوا ، أحدهما أعظم من الآخر وهو كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي لن يفترتا حتّى يردا عليّ الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما ، فلا يهولنّك ما يقرع سمعك من الطنين آخذاً
____________
(1) التوبة : آية 61 .
(2) الأحزاب : آية 53 .
(3) الأحزاب : آية 57 .
( 196 )
من الميول والأهواء المردية بأن العصمة الثابتة لمن شاركها في الكساء لأجل تحملهم الحجية من رسالة أو إمامة ، وقد تخلت الزهراء عليها السلام عنها ـ النبوة والإمامة ـ فلا تجب عصمتها ، الجواب إنّا لم نقل بتحقق العصمة فيهم عليهم السلام لاجل تبليغ الاحكام حتى يقال بعدم عصمة الصديقة لعدم توقف التبليغ عليها ، وإنما تمسّكنا بعصمتهم بعد نص الكتاب العزيز بإقتضاء الطبيعة المتكونة من النور الالهي المستحيل فيمن اشتقت منه مقارفة إثم أو تلوث بما لا يلائم ذلك النور الأرفع حتى في ترك الاولى (1) .
وإلى ذلك يشير المرحوم الشيخ الاصفهاني في إجوزته :
تــبتلت عــن دنس الطـبيعة |
* |
فــيالها مــن رتـبة رفـــيعة |
مــرفوعة الهـمة والعــزيمة |
* |
عـــن نشأة الزخـارف الذمـيمة |
في افـق المجد هــي الزهـراء |
* |
للشمس مـن زهــرتها الضــياء |
بــل هي نـور عــالم الأنوار |
* |
ومـطلع الشـــموس والاقــمار |
رضـيعة الوحي مــن الجـليل |
* |
حـــليفة لمــحكم التـــنزيل |
مـفطومة مـن زلل الأهـــواء |
* |
معصومة مــن وصـمة الخـطاء |
إذن في النتيجة النهائية نصل إلى أن حديث الكساء إرتباط إرتباط وثيق بنزول آية التطهير والتي تمثل الأساس المتين لإثبات عصمة أهل البيت عليهم السلام وبما فيهم فاطمة الزهراء عليها السلام ولذلك جاءت الآية المباركة للتطهير لتكون نور من أنوار حديث الكساء حيث كلما ذكرت ذكر حديث الكساء ليكون من الأهمية البارزة في حياتنا العقائدية والروحانية والدعائية ، ونختم الكلام في عصمة فاطمة عليها السلام فيما قاله الأستاذ العلامة حسن زاده آملي حيث يقول : ـ كانت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ـ ذات عصمة بلا دغدغة ووسوسة ، وقد نص كبار العلماء كالمفيد والمرتضى وغيرهما بعصمتها عليها السلام بالآيات والروايات والحق معهم والمكابر محجوج مفلوج ، وكانت عليها السلام جوهره قدسية في تعين إنسيّ ، فهي إنسية حوراء وعصمة الله الكبرى وحقيقة العصمة أنها قوة نورّية ملكوتية تعصم صاحبها عن كل ما يشينه من رجس الذنوب
____________
(1) وفاة الصديقة الزهراء : 54 .
( 197 )
والأدناس والسهو والنسيان ونحوها من الرذائل النفسانية ... فاعلم أن العترة وفاطمة منهم معصومة كما نص به الوصي الإمام علي عليه السلام في النهج : « وكيف تعمهون وبينكم عترة نبيكم وهم أزمة الحق وأعلام الدين والسنة الصدق فأنزلوهم بأحسن منازل القرآن وردوهم ورود الهيم العطشان » .
ونطق ابن أبي الحديد المعتزلي في شرحه بالصواب حيث قال : « فأنزلوهم بأحسن منازل القرآن تحته سرّ عظيم وذلك أنه أمر المكلفين بأن يجرو العترة في إجلالها وإعظامها والإنقياد لها والطاعة لإوامرها مجرى القرآن » .
ثم قال : « فإن قلت : فهذا القول منه يشعر بأن العترة معصومة فما قول أصحابكم ـ يعني القائلين بمذهب الإعتزال ـ في ذلك ؟
قلت : نصّ أبو محمّد بن متويه في كتاب الكفاية على ان علياً عليه السلام معصوم وأدلّة النصوص قد دلّت على عصمته والقطع على باطنه ومغيبه وأن ذلك أمر إختص هو به دون غيره من الصحابة » فتدّبر .
وإذا دريت أن بقية النبوة وعقيلة الرسالة ووديعة المصطفى وزوجة ولي الله وكلمة الله والتامة فاطمة عليها السلام ذات عصمة فلا بأس بأن تشهد في فصول الآذان والإقامة بعصمتها وتقول مثلاً : « أشهد أن فاطمة بنت رسول الله عصمة الله الكبرى أو نحوها (1) .
أما سند حديث الكساء الشريف فهو في غاية المتانة والصحة بل يعتبر من الأحاديث المتواترة وليس المشهورة بل هو المتواتر القطعي ، ويكفي في ذلك إنّ روايات جمة تزيد على سبعين رواية من طرق أهل السنة تروي هذا الحديث المبارك ،
____________
(1) قص حكمة عصمتية في كلمة فاطمية 14 .
( 198 )
هذا فضلاً عن الطرق الخاصة لاهل المذهب الحق الشيعة الامامية ، هذا من جهة ومن جهة أخرى فيكفي في رواية هذا الحديث من ناحية السند جابر بن عبدالله الأنصاري الذي روى الحديث بسند معتبر عن لسان فاطمة الزهراء عليها السلام ، حيث يعتبر هذا الصحابي الجليل ـ جابر الانصاري ـ من الذين حملوا سلام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى حفيده الإمام محمد الباقر عليه السلام ، حيث تروي لنا كتب الرجال أن هذا الصحابي يكفي في وثاقته أنه عاصر الرسول والإمام علي والحسن والحسين وعلي بن الحسين عليهم السلام حتى أدرك الإمام الباقر عليه السلام . فلقد روى لنا التأريخ كيف دخل جابر الانصاري على الإمام الباقر عليه السلام قائلاً له :إن جدك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقرك السلام والتحية والاكرام وقال لي يا جابر ستدرك واحد من أبنائي : إسمه اسمي يبقر العلم بقرا فأبلغه عني السلام .
فتعتبر هذه من الكرامات والمعجزات التي تثبت مدى صدق دعوة النبي وإنه ما ينطق عن الهوي إن هو إلاّ وحي يوحى وأن له شأن مع الله تعالى . اذن حديث الكساء من الاحاديث المؤكده وسنده صحيح معتبر وانه من الأحاديث المستفيضة عند العامة والخاصة .
الوقفة الثالثة مضامين هذا الحديث المختلفة
قبل كل شيء لابد من التأكيد على مسالة مهمة ألا وهي مسألة عرض أي موضوع يطرح في عالم الإمكان على القرآن والسنة النبوية الشريفة الصحيحة فما كان موافقاً للقرآن الكريم فإنّا نأخذ به وما كان مخالف للقرآن الكريم نضرب به عرض الحائط وهذا ما أكدته الكثير من الروايات في هذا المقام ، وعلى ضوء هذا الأساس سيكون استقراءنا لهذا الحديث المبارك واستجلاء حقائقه على ضوء القرآن الكريم والسنة الشريفة وهذا لا يعني أننّا لابد من ذكر كل الأمور القرآنية التي توافق هذا
( 199 )
الحديث فان هذا سوف يكون بحاجة الى كتاب مستقل في هذا الموضوع وأنما يكون الأمر على ضوء التمعن والتأمل على ضوء المرتكزات القرآنية لدى الإنسان المؤمن .
* فالحديث على كل حال قد رواه المسلمون كافة وبصورة مختلفة وهيئات متعددة ولكن جوهر الحديث واحد : هو أنّ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم جمع أهل بيته وألقى عليهم رداء وقال : « اللهم إن هؤلاء أهل بيتي وخاصّتي وحامتي لحمهم لحمي ودمهم دمي يؤلمني مايؤلمهم ... » .
* إنّ حديث الكساء ذو مصداقية كبيرة من خلال توافقه الكبير مع القرآن الكريم وهذا مانجده أثناء تطبيق حقائقه التي يدعو إليها سواء العقائدية أو العلمية أو الروحانية أو المادية مع القرآن الكريم ومضمونه وحقائقه وعليه بعد إثبات ذلك ـ وكما هو مثبوت في محله ـ فإننّا لابدّ من الأخذ به والوقوف معه الوقفة الجلية لنستظهر حقائقه المعصومية .
* هناك مسألة قد أثيرت حول هذا الحديث الشريف وهي هل أنذ هذا الحديث وقضيته والتي كان من مضمونها ان الرسول تغطى بكساء ـ كانت في بيت أم سلمة كما روى ذلك مجموعة من العامة أم في بيت فاطمة عليها السلام ؟
والجواب على ذلك : إن قضية حديث الكساء وماله من الأهمية الكبرى كان في بيت فاطمة عليها السلام وبدلالة الحديث نفسه حيث اننا سلمنا بصحة سند الحديث واستفاضته أيضا فعليه نقول : إنّ هناك قرينة واضحة ومتصلة لا منفصلة في نفس الحديث تؤكد على كون الحديث كان في بيت فاطمة والقرينة هي إنّ الحديث يبدأ بقوله على لسان فاطمة عليها السلام « عن فاطمة الزهراء عليها السلام بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قالت دخل علّي أبي رسول الله في بعض الأيام ... » .
فقولها عليها السلام دخل علّي أبي رسول الله فيه دلالة واضحة على كون دخوله صلى الله عليه وآله وسلم في بيتها لا في بيت ام سلمة أضف الى ذلك دخول الحسن والحسين وأبيهما الأمام علي عليه السلام في بيت أم سلمة لا معنى له ، ثم ماهي الثمرة العملية على هذه المسألة فلربّما يقول قائل سواء كان الحديث في بيت أم سلمة أم في بيت فاطمة عليها السلام مالفائدة في ذلك ؟ فنقول إنّ الفائدة تظهر إنه لو كان في بيت أم سلمة لكان البعض ممن يقول بهذا
( 200 )
القول إنّ العصمة والطهارة والإرادة التكوينية تخص نساء النبي بدلالة بيت أم سلمة ، وان كان عندنا إنّه لا ملازمة فيه فتأمل .
* وفي معرض الكلام حول أم سلمة هناك إشارة لطيفة لمن تمعّن فيها وتأمل حيث تظهر من خلال حديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وعدم قبوله أم سلمة بالدخول تحت الكساء وعدم إعطائها الإذن في ذلك حيث الإشارة تدل على الرسول قال لها إنّك على خير ولم يطردها ولم يأذن لها بالدخول تحت الكساء ، وهذا فيه دلالة واضحة من خلال استظهار كلمة ـ إنّك على خير ـ إنّها سوف تكون عاقبة أمرها إلى خير وإنّك الآن فعلاً على خير وإنه سوف يكون مآل حياتك الى العاقبة الحسنة وهذا بخلاف ما نجده في بعض نساء النبي اللواتي خرجن على إمام زمانهّن .
* « دخل عليّ أبي في بعض الأيام فقال ... » في الحديث أنّ فاطمة هي الملجاً لأبيها فاذا شعر بضعف أو ألم أسرع إلى فاطمة حيث يجد عندها الراحة والطمأنينة والهدوء لأن النظر الى فاطمة يمسح الهموم والأحزان من قلب النبي كما كان الإمام علي عليه السلام يقول : إذا نظرت الى فاطمة إنجلت عني الهموم والأحزان ... وإلاّ لماذا لم يذهب النبي الى إحدى زوجاته علما بأن الرجل يشعر بالسكن لدى زوجته حيث يقول القرآن الكريم ( خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة ) ، ويقول الله تعالى : ( هن لباس لكم وأنتم لباس لهنّ ) ، فلماذا لم يذهب النبي الى واحدة من زوجاته وإنّما ذهب الى الزهراء ؟ والجواب أنّ فاطمة كانت أم أبيها ... وكان يشعر بالدفء والراحة عندما يزور الزهراء ، بل يتزود بالطاقة والحنين حيث يرى فاطمة عليها السلام ولذلك نجد أن التأريخ الإسلامي يروي لنا أنّ آخر من يودع النبي في غزواته وسفره هي فاطمة وأول من يمّر عليه بعد رجوعه من سفره خارج المدينة هو بيت فاطمة عليها السلام .
* « إني أجد في بدني ضعفاً فقلت له أعيذك بالله يا أبتاه من الضعف » ، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم هذا القول ولم يقل أني أجد في روحي ضعفاً أو فكري وهذا خلاف ما إتهمه بعض المشركين بأنّه شاعر مجنون ... إنّما هو ضعف بدني أصابه نتيجة الاجهاد والمثابرة على العمل فهو يقول لها : أني لأجد في بدني ضعفاً وهي تقول له : أعيذك بالله
( 201 )
يا أبتاه من الضعف أي انها أعاذت أباها بالله العلي العظيم من الضعف وإن لا يصيبه الضعف لأن العالم كله بحاجة الى هذه الطاقة الجبارة الخلاقة التي تنضج رحمة وتتفجر خيراً وعطاءً .
* « يال فاطمة إيتيني بالكساء فغطيني به فأتيته بالكساء اليماني فغطيته به وصرت أنظر إليه وإذا وجهه يتلألأ كأنّه البدر في ليلة تمامه وكماله » .
والسؤال المطروح حول هذا المضمون من هذه الفقرة : هو لماذا طلب النبي صلى الله عليه وآله وسلم كساء يتغطى به ... لماذا لم يطلب شيئاً آخر كالطعام أو الشراب ؟ لماذا طلب ذلك الكساء ؟ وماهي المناسبة التي جعلت وجهة يتلألأ نوراً كأنه البدر في ليلة تمامة وكماله ؟
إن المناسبة هي تلقي الوحي فهناك عدة شواهد تأريخية تنقل لنا كيفية تغير وجه رسول الله صلى الله عليه وآل وسلم أثناء تلقيه الوحي ، أمّا لماذا طلب الكساء اليماني فذلك ليجمع أهل بيته ويركز عليهم دون غيرهم ، وأنّهم المحور الأساس الذي تدور عليه ولاية الله تعالى ، وأنهم المرتبطين بشأن نزول الوصي أثناء تغطيتهم بالكساء لتكون آية التطهير النازلة وإرادة السماء فيهم عليهم السلام ، اذن فالكساء إنّما جاء للعصر ... وليس لشيء آخر كما حديث يوم المباهلة حيث ان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لم يخرج معه إلاّ هؤلاء الذين هم تحت الكساء بالإضافة إلى أنه أراد تأكيد الوصية وصية الغدير .
* « إني أشم عندك رائحة طيبة كأنها رائحة جدي رسول ... » .
وحديث الكساء فيه تصوير رائع لجمال أهل البيت وطيبة رائحتهم فإنها رائحة طيبة تعبق الشذى .. وأكثر من ذلك فقد كانت صبات عرق الرسول تتفوح بالعطر كما كان عطر الزهراء ورائحتها عطر الجنّه .. والرسول كان يشم فاطمة ويقول كلما اشتقت إلى رائحة الجنّة شممت رائحة إبنتي فاطمة ، « ريحانة أشمها وتشمني » .
* ويظهر الحديث أدب الكلام والمحادثة مع النبي وأدب المعاملة مع أهل البيت بعضهم من بعض في وقوف كل واحد أمام الكساء وطلب الإذن من النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم جواب النبي له وهكذا تجري فصول هذا الحديث المقدس وفاطمة ترقبه وتسجله ثم تجيئ به في النهاية لإكمال المشوار .
( 202 )
* وتقول الزهراء لما إكتملنا جميعاً تحت الكساء أخذ أبي رسول الله بطرفي الكساء ـ وهذا يعني أنهم خمسة أصحاب الكساء لاينقصون ولا يزيدون .. بل هم فاطمة وأبوها وبعلها وبنوها .. خمسه لا غير أبي قبل دخول فاطمة لم يكتمل النصاب بعد ولم يكتمل العدد بعد والقول « إكتملنا جميعاً » يشير إلى أنهم خمسة أصحاب الكساء ودعاء الرسول لهم هو تسديد من السماء لأنّ الرسول لا ينطق عن الهوى إنه إلا وحيّ يوحى . * قولها عليها السلام : أوحى الله إلى ملائكته وسكان سماواته ... وهذا الحدث بحد ذاته يجعل فاطمة في أعلى قمة في الوجود الامكاني وبالاضافة إلى أنه يكشف لنا عن حقيقة أهل البيت وانه لولاهم لما خلق الله الأكوان والأفلاك .
* وحديث الكساء حينما نعرضه على الميزان الفكري للإسلام وأساسياته فإنه نجد ان الحديث يسير تماماً مع القرآن الكريم وليس فيه خرق ولا تجاوز عن أساسيات القرآن الكريم ، فهم عليهم السلام عدل القرآن وعلى أساس ذلك يكون عدل القرآن معصوم ومحفوظ كما أنّ القرآن معصوم ومحفوظ ، اذن يكون كل شيء في حديث الكساء هو معصوم من الخطأ والزلل وذلك لكون راوي الحديث ومثبته هو معصوم عن الخطأ والزلل ، وهي فاطمة عليها السلام .
* وهناك مسألة مهمة تعرض لها حديث الكساء وهي أنّ جبرئيل يسأل من الله تعالى ويقول يا رب ومن تحت الكساء ؟
وربما أراد بذلك ـ جبرئيل ـ وعبر أنتقال هذا الحديث المبارك عبر الأجيال إلينا أن يؤكد على شرافة أصحاب الكساء وأنهم من الله تعالى يستمدون عصمتهم وقداستهم وتربيتهم . والملفت للنظر عندما يجيب الله تعالى عن أسماء أصحاب الكساء يقول هم فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها ، ولم يقل مثلاً هم رسول الله وعلي وفاطمة ... كل ذلك للتأكيد على محورية فاطمة الزهراء عليها السلام بالنسبة لأهل بيت النبوة وأنّها القطب المركزي لدائرة أهل البيت عليهم السلام .
* ويشير حديث الكساء الى نزول جبرئيل الى الأرض بعد معرفة اصحاب الكساء والتشرف في خدمتهم وطلب الأذن من الله تعالى في الدخول تحت الكساء
( 203 )
وكذلك يظهر من الحديث أن الله ورسوله قد أعطوا الأذن لجبرئيل وذلك لكونه معصوم من الخطأ والزلل بالعصمة الربانية الذاتية فلذلك لا ضير أن يكون معهم تحت الكساء لأنه لا يختلف عنهم من جهة العصمة وهذا بخلاف أم سلمة رضوان الله عليها .
* وهناك إشارة لطيفة في الحديث حيث قال الله تعالى هم فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها ولم يقل وأبنيها ونحن نعلم ان الذي كان تحت الكساء الحسن والحسين وربما أراد بذلك الصلب والذرية الطاهرة للأئمة عليهم السلام وأنهم سوف يكونون أيضاً معصومون وامتداد لأصحاب الكساء * ويأتي سؤال الإمام علي عليه السلام عن الفضل والأجر لهذا الجلوس تحت الكساء ؟ وفضل ذكر هذا الحديث وماله من الأهمية ؟ حيث بين هذا الجواب الذي يظهر من الحديث أنه ـ أي الحديث ـ غذاءاً للروح والعقل والقلب والبدن معاً ، إذ أن حاجات الإنسان محدودة كالطعام والشراب واللباس فكمية منها معينة تصل بالإنسان إلى حد الاكتفاء والارتواء والشبع .
أما حاجات الروح والعقل فهي بلا حدود كالصلاة والعلم والتفقه ، فغن الروح تبقى في حالة فهم إلها كلما نهلت منها شعرت باتها بحاجة إلى المزيد منها .
لذلك سأل الإمام علي ولذلك كان جواب النبي صلى الله عليه وآله وسلم ففي المرة الاولى كان جواب الرسول الأعظم تحديد لحاجات العقل والروح والنفس « نزلت عليهم الرحمة وحفت بهم الملائكة وإستغفرت لهم » . أما في المرة الثانية فقد كان في جواب النبي صلى الله عليه وآله وسلم تحديداً لحاجات الجسد « وفيهم مهموم إلاّ وفرج الله همه ولا مغموم إلاّ وكشف الله غمه ولا طالب حاجة إلاّ وقضى الله حاجته » . فتفريج الهموم وكشف الغموم وقضاء الحاجات إنما هي حاجات جسدية بينما الرحمة وإحاطة الملائكة والإستغفار إنما هي هموم عقلية وروحية ونفسية .
* ويكشف الحديث عن السعادة والفوز والنصر والظفر في الحياة .. لأنّ الذي يمشي في خط أهل البيت لابد أن ينتصر ويظفر لا محالة ولو بعد حين .
* ويقول الحديث أنه ما ذكر في حفل فيه جمع ولم يقل على فرد واحد . وهي إشارة رائعة إلى أهمية تنظيم المجتمع وتكثير المجالس التي يذكر فيها أهل البيت عليهم السلام .
( 204 )
لأن الإمام الصادق عليه السلم يقول تجلسون وتتحدثون ... أحيوا أمرنا فإني أحب تلك المجالس ... والمجلس الذي يذكر فيه هذا الحديث هو قطعاً مجلس في الخير والصلاح ورضوان الله .. لأنك تذكر قوماً ما عصوا الله طرفة عين أبداً ، وقد ورد في دعاء أبي حمزة الثمالي : « ... أو لعلك رأيتني مجالس البطالين فخذلتني » يقول من ترك الاستعماع من ذوي العقول مات عقله لأن الإبتعاد عن مجالس العلم والعلماء يؤدي الى الخذلان ، « أو لعلك فقدتني من مجالس العلماء فخذلتني » .
* وحديث الكساء يشير الى الأمور والمسائل العلمية التي وافقت القرآن الكريم كالأرض المدحية والسماء المبنية والقمر المنير والشمس المضيئة وهي من الحقائق المطابقة للواقع واللقرآن الكريم . هكذا يقرأ الحديث وهكذا يفهم جواب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عن الأسئلة التي وردت في الحديث عن لسان الإمام علي عليه فلعل الإمام علي عليه السلام أراد من خلال طرحه وكذلك ربط حديث الكساء بهموم الناس وحوائجهم حتى لا يبقى مجرد حديث فحسب نقرأه من أجل معلومة نعلمه أو من أجل حديث نتعرف إليه واذا كان الأمر كذلك فما أجدرنا ونحن نقف مع هذا الحديث ان نستغل هذه المضامين ونعيشها بعقولنا وأرواحنا ونفوسنا لكي نجعل من هذا الحديث المبارك حسنة لنا فنصلح به أحوالنا ونقوّم أخلاقنا ونثبت عقائدنا الصحيحة ونربي أبناءنا تربية صالحة لا سيما أن أهل البيت ليسوا بعيدين عنا وطقوسنا ليست جامدة أو فارغة بل هي طقوس هادفة الى تربيتنا تربية إسلامية حقة .
( 205 )
فاطمة عليها السلام سيدة نساء العالمين
( 206 )
( 207 )
فاطمة سيدة نساء العالمين
إن قــيل حـوّا قـلت فـاطم فـخرها |
* |
أو قــيل مــريم قـلت فـاطم أفـضل |
أفــهل لحـــوّا والـــد كــمحمّدٍ |
* |
أم هــل لمــريم مــثل فـاطم أشـبل |
كـــلّ لهــا عــند الولادة حــالة |
* |
مــنها عــقول ذوي البــصائر تـذهل |
هــذي لنــخلتها التـجت فـتساقطت |
* |
رطــبا جــنيّاً فــهي مــنه تأكــلّ |
وضعت بـعيسى وهـي غـير مـروعةٍ |
* |
أنّــي وحــارسها السّـرىّ (1) الأبسـل |
وإلى الجـدار وصفحة البــاب التـجت |
* |
بـنت النّــــبيّ فأسـقطت مـا تـحمل |
سـقطت وأسـقطت الجــنين وحـولها |
* |
مــن كــلّ ذي حسبٍ لئـيم جـــحفل |
هـــذا يـــعنّفها وذاك يـــدعّها |
* |
ويـــردها هـــذا وهـــذا يــركل |
وأمــامها أســد الأســود يــقوده |
* |
بــالحبل قــنفذ هــل كـهذا مـعضل |
ولســوف تأتـي فـي القـيامة فـاطم |
* |
تشكـــو الى رب الســماء وتـــعول |
ولتـــعرفنّ جـــنينها وحـــنينها |
* |
بشكـــايةٍ مــنها السّــما تـــتزلزل |
ربّـــاه مــيراثـي وبــعلي حـقّه |
* |
غــصبوا وأبــناثي جــميعاً قـتّلوا (2) |
____________
(1) السّرى : السيّد الشريف السّخي ، الأبسل : الموطّن نفسه علي الموت .
(2) القصيدة للمرحوم الشيخ محسن أبو الحب الكبير . قال السيّد جواد شبّر في « أدب الطفّ » ج 8 : ص 56 : الشيخ محسن خطيب بارع وشاعر واسع الآفاق خصب الخيال . ولد سنة 1235 ه ونشأ بعناية أبيه وتربيته ، وتحدّر من أسرةٍ عربية تعرف بآل أبي الحب تمتّ بنسبها الى قبيلة خثعم . تدرّج على نظم الشعر ومحافل الأدب وندوات العلم ، ولا سيّما مجالس أبي الشهداء عليه السلام مدارس سيّارة وهي من أقوى الوسائل لنشر الأدب وقرض الشّعر ، وشاعرنا الشيخ محسن نظمٍ فأجاد وأكثر من النوح والبكاء علي سيّد الشهداء عليه السلام وصوّر بطوله شهداء الطفّ تصويراً شعرّيا لا زالت الأدباء ومجالس العلماء تترشّفه وتستعيده وتتذوّقه . كتب عنه الشيخ محمّد السماوي في كتاب « الطليعة » فقال : محسن بن محمّد الحويزي الحائري المعروف بأبي الحب كان خطيباً ذاكراً بليغاً متصرّفاً في فنون الكلام اذا ارتقى الأعواد تنقّل في المناسبات .
( 208 )
( 209 )
البحث السابع
فاطمة عليها السلام سيدة نساء العالمين
عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم انه قال : « ان هذا ملك مقرب لم ينزل الأرض قط قبل هذه الليلة ، استأذن ربّه أن يسلّم عليّ ويبشرني بأنّ فاطمة سيدة نساء أهل الجنّة » (1) .
ورد هذا الحديث بسند معتبر في عدة كتب روائية سواء من العامة أو الخاصة والظاهر من خلال مراجعة هذا الحديث أنّه ممن أتفقت عليه العامة والخاصة حيث
____________
(1) 5/660 ح 7381 ، عنه ذخائر العقبى : 129 ، ومفتاح النجا : 117 ، وجامع الأصول : 10 | 82 وتيسير الوصول : 2 | 154 ، وكنز العمّال : 12 | 96 ح 34158 و ص 102 ح 34192 وص 107 ح 34217 وص 110 ح 34230 وفي ج 13 | 640 ح 37617 وفي ص 189 ، والفتح الكبير : 1 | 28 وص 249 وص 426 . وسعد الشموس : 203 ، والإدراك : 49 ، وحسن الأسوة : 290 ، وينابيع المودّة : 165 وص 264 ، ومرقاة المفاتيح : 11 | 393 ، وأحمد في مسنده : 5 | 391 ، عنه الفصول المهّمة : 127 ، وتاريخ دمشق : 51 ح 73 ، والخصائص : 118 ، ومقتل الحسين : 1 | 80 و 130 ، وروى في ص 55 « صدره » ، وكفاية الطالب : 422 ، وحلية الأولياء : 4 | 190 ، عنه المنتخب من صحيح البخاري ومسلم : 219 « مخطوط » ، وتاريخ الاسلام : 2 | 90 وص 217 ، وفوائد السمطين : 2 | 20 ح 363 . وأخرجه في الحبائك : 105 و 106 ، وتوضيح الدلائل : 348 ، ووسيلة المآل : 161 .
ورواه في مصابيح السنّة : 108 ، ومرآة المؤمنين : 184 ، ومنال الطالب : 22 ، وغالية المواعظ : 2 | 73 ، والبداية والنهاية : 3 | 206 ووسيلة النجاة : 207 ، وابتسام البرق على مافي الإحقاق : 19 | 32 ، والتاج الجامع للأصول : 3 | 206 ووسيلة النجاة : 207 ، وابتسام البرق على مافي الإحقاق : 19 | 32 ، والتاج الجامع للأصول : 3 | 317 ، والمطالب العالية : 4 | 67 ، وأشعة اللمعات : 4 | 705 ، وآل محمد صلى الله عليه وآله وسلم : 92 ح 418 وأخرجه في ص 145 ح 662 ، والروض الأزهر : 200 ، والحاوي للفتاوي : 2 | 267 ، وأسد الغابة : 5 | 574 ، وجمع الوسائل : 1 | 269 ، وجامع الأحاديث : 4 | 515 ح 14120 . والحاكم في المستدرك : 3 | 151 ، عنه جواهر البحار : 1 | 360 والخصائص الكبرى : 2 | 226 ، وسير أعلام المستدرك : 3 | 151 ، عنه جواهر البحار : 1 | 360 والخصائص الكبرى : 2 | 226 ، وسير أعلام النبلاء : 2 | 123 ، وأرجح المطالب : 241 ، والجامع الصغير : 1 | 71 ، والمختارٍ : 56 ، أخرجه عن بعضها الإحقاق : 10 | 69 ح 1 وج 19 | 31 ، وج 18 | 384 . ورواه مرسلاً في طرح التثريب : 1 | 149 ، ورسالة المفاضلة : 216 ، وفي جمع الوسائل : 1 | 270 ، وشرح الفقه : 120 ، عنها الإحقاق : 10 | 102 . ورواه مرسلاً أيضاً في تاريخ الإسلام : 2 | 88 ، عنه الإحقاق 10 | 110 ، وفي ج 19 | 25 ، عن سير أعلام النبلاء : 2 | 120 عن العوالم ج 1 ص 137 .
( 210 )
نقلته كتب الفريقين المعتدة خصوصاً عند السنة وفي الصحاح الستة وعليه فلا مجال للطعن أو النقاش في سند هذا الحديث المبارك الذي يظهر كرامة فاطمة الزهراء عليها السلام على الله وعلى الرسول الأكرم محمّد صلى الله عليه وآله وسلم ، والحديث يروي لنا قصة ملكاً لم ينزل إلى أرض سابقاً أستأذن الله تعالى أن يمسلم على رسوله الكريم وإنّ يبشره بأن فاطمة الزهراء عليها السلام هي سيدة نساء هل الجنّة ، وعليه نقف مع هذا الحديث لنرى مدى شموليته وسعته في دلالته على كون فاطمة الزهراء أفضل من مريم عليها السلام أم لا ؟ باعتبار وجود آية قرآنية ذكرت مريم عليها السلام في كونها سيدة نساء العالمين في قوله تعالى : ( وإذ قالت الملائكة يا مريم إنّ الله إصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين ) فلنقف مع هذه الآية ومع الحديث المبارك :
1 ـ لنعرف ايهما أفضل فاطمة عليها السلام ام مريم عليها السلام ؟
2 ـ ومن هي سيدة نساء العالمين ؟
3 ـ وماهي الثمرة العقائدية في ذلك ؟
كل هذه الأسئلة تطرح في المقام الذي نحن فيه وعليه لابد لنا أن نجيب عليها لكي تكون لنا قدرة خاصة على الفهم العقائدي لحياة الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء عليها السلام . فنقول ومن باب مقدمة للبحث في هذا الموضوع المهم إنّه : ـ
لا شك ولا ريب إنّه ورد في كتب الفريقين عدة أحاديث تبين أفضل النساء في الدنيا والآخرة وإنّه لم يكمل من النساء إلاّ الجنّة إشتاقت إلى أربع من النساء وكذلك ورد أيضاً إنّ الله أختار من النساء أربع وكثيرة هي الأحاديث التي تظهر هذه المسألة وقد تظاهرت الروايات من العامة والخاصة في ذلك . ونحن نذكر في هذه المقدمة ، بعض هذه الأحاديث وعلى أثر ذلك ندخل في صلب الموضوع الذي أخترنا البحث عنه والوقوف معه والاستفاده من دلالته ، أما هذه الاحاديث التي نقلت في طياتها النساء اللواتي إختار هن الله تعالى فمنها :
* ماورد عن أبي الحسن الأوّل عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إن الله تعالى اختار
( 211 )
من النساء أربعاً : مريم وآسية وخديجه وفاطمة (1) .
* وروي عن مسلم والترمذي ، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلاّ مريم بنت عمران وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد (2) .
* وجاء عن النبي صلى الله عليه و آله وسلم انه قال : اشتاقت الجنة الى أربع من النساء : مريم بنت عمران ، وآسية بنت مزاحم زوجة فرعون ، وخديجة بنت خويلد وفاطمة (3) .
* وعن ابن عباس قال : خط رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الأرض أربعة خطوط قال : تدرون ما هذا ؟ فقالوا : الله ورسوله أعلم : فقال رسول صلى الله عليه وآله وسلم : أفضل نساء أهل الجنّة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد ، وآسية بنت مزاحم إمرأة فرعون ، ومريم بنت عمران (4) .
إذن يظهر من هذا الأحاديث أن الإيمان كمل فيهن وإن الله تعالى اختارهن
____________
(1) الخصائص : 225 ، وسائل الشيعة : 1 | 225 ح 58 ، البحار : 14 | 201 ح 11 .
(2) الفصول المهمة ص 127 ، مطالب السؤول ص 10 | شرح ثلاثيات مسند أحمد 2 | 511 . احقاق الحق 10 | 100 ، 19 | 49 .
(3) قلائد الدرر على مافي الاحقاق : 10 | 99 .
(4) مسند احمد ج 1 | 293 ، رواه مثله في الاسيتعاب : 4 | 376 ، ومستدرك الحاكم : 2 | 497 ، وج 3 | 160 من طريقين والإصابة : 4 | 378 ، وتهذيب التهذيب : 12 | 441 ، ومرآة المؤمنين : 184 ، وسير أعلام النبلاء : 2 | 126 ، وتهذيب الكمال : 22 ، وجامع الأحاديث : 685 ، وتفسير القرآن لابن كثير : 9 | 467 ، وكنز العمّال : 12 | 143 ، ومنتخب كنز العمّال : 5 | 284 ، والفتح الكبير : 1 | 214 ، وقصص الأنبياء : 2 | 377 ، وينابع المودة : 172 و 198 من ثلاث طرق ، ومجمع الزوائد : 9 | 223 ، وتهذيب التهذيب : 134 ، وأرجح المطالب : 240 و 243 ، وآل محمّد : ح 106 ، ومشكل الآثار : 1 | 48 ، وأسد الغابة : 5 | 437 ، والبداية والنهاية : 2 | 60 ، وتأريخ الخميس : 1 | 265 ، وذخائر العقبى : 42 ، ووسيلة المآل : 80 ، وإرشاد الساري : 6 | 168 ، وطرح التثريب : 149 ، وخصائص السيوطي : 3 | 362 ، ومسنده ص 57 ح 139 ، والجامع الصغير : 1 | 168 ، والإعتقاد : 165 ، وروضة الاجباب : 626 « مخطوط » والسراج المنير : 271 ، ومفتاح النجا : 102 « مخطوط » وحسن الأسوة : 31 ، والبيان والتعريف : 1 | 123 ، وضوء الشمس : 91 ، وتأريخ الإسلام : 2 | 92 من قوله : أفضل ... ، عن بعضها الإحقاق : 10 | 52 ، وفي ج 19 | 41 عن ضوء الشمس ، ورواه في ذخائر العقبي : 42 ، وفي سير أعلام النبلاء : 2 | 124 عنه في الإحقاق : 19 | 51 ،وفي وسيلة المآل : 80 ، عنه الإحقاق : 10 | 57 ، وذكره في الدرة اليتيمة على مافي الإحقاق : 19 | 25 ، وكذا في الأنوار المحمّدية على ما في الإحقاق : 10 | 85 عن العوالم ص 119 | ج 1 .
( 212 )
وفضلهن على كثير من نساء الدنيا والآخرة فهلمّ معي لنقف معهن لنرى خصوصية كل واحدة منهن ـ وهن آسية ومريم وخديجة وفاطمة ـ بحيث ورد الحديث بأنهّن خير النساء ، ونقول :
لو نظرنا إلى حياة هؤلاء النسوة صارفين النظر عن نصوص الكتاب والسنة لالفينا ان كل واحدة منهّن تختص بفضيلة دون غيرها من الصالحات الباقيات .
* فأسية إمرأة فرعون آمنت بالله مخلصة له لائذة به وحده وهي في بيت شر العباد ، ورأس الكفر والالحاد ، وقد جاهرت بأيمانها منكرة على فرعون كفره وفساده ، متحدية ظلمه وطغيانه ، فأوتد لها الاوتاد ، حتى قضت شهيدة الحق والإيمان ولم تكن هذه الكرامة لواحدة من الثلاثة .
* أما السيدة مريم فقد كرمها بولادة السيد المسيح من غير أب وما عرفت هذه الكرامة لأمرأة على وجه الأرض .
* أما السيدة خديجة فأنها أول من آمن وصدّق الرسول محمّد صلى الله عليه وآله وسلم وصلّت هي وعلي بن أبي طالب عليهم السلام أول صلاة أقيمت في الإسلام ، وهي أول من بذل الأموال لنصرة هذا الدين ... ولولا أموالها ، وحماية أبي طالب لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم لقضي على الإسلام في مهده ، ولم يكن له عين ولا أثر .. ولم تكن هذه الكرامة لغيرها من نساء العالمين .
أما فاطمة الزهراء عليها السلام فإنها بضعة من رسول الله ، بل هي نفسه خلقاً وخلقاً ومنطقاً وصلاحاً وتقى يرضيه ما يرضيها ، ويؤذيها ما يؤذيه ، وهي أم الحسنين سيدي شباب أهل الجنّة ، وعقيلة سيد الكونين ، بعد رسول الله ولم تكن هذه الكرامة لأمها خديجة ولا لأسية ولا لمريم (1) . أما التفاضل بينهنّ فأننا نتركه لئلا يطول المقام بنا ونقف هنا مع حياة الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء عليها السلام ، ومريم بنت عمران لأثبات المراد من هذا البحث .
فمن القضايا العقائدية المهمة لدى الشيعة الإمامية والتي تأخذ حيزاً كبيراً على الصعيد الفكري والعقائدي هي مسألة تفضيل سيدة نساء العالمين على مريم وبقية
____________
(1) تفسير الكاشف : 2 | 59 .