البحث الثالث عشر

فاطمة عليها السلام وليلة القدر

« من عرف فاطمة حق معرفتها فقد ادرك ليلة القدر وانما سميت فاطمة لأنّ الخلق فطموا عن معرفتها ... » .

في فاطمة الزهراء عليها السلام سر مستودع كما تقدم ذلك في حديثنا حول هذا الموضوع ـ أي السر الستودع ـ وايضا في ليلة القدر سر عظيم لا يعرفه إلاّ المقربون الذين امتحن الله قلوبهم للايمان والتقوى ، فليلة القدر رفعها الباري عزوجل وجعلها خيراً من الف شهر وفيها تشويق لذيذ لمعرفة ذلكم السر المكنون في اعماقها، ( وما ادراك ماليلة القدر ) حيث خاطب الله تعالى المؤمنين في ضمائرهم لكي يحرك فيهم أمواج المعرفة عبر وسائل العلم والوعي ولتنفتح لهم اسرار ليلة القدر بالتمعن والتدقيق فيها ، على ان معرفة ليلة القدر تفوق الادراك البشري العادي أي انها تفوق ادراك سائر الناس من السواد الاعظم فانه لابد ان يكون فيها سر عظيم ، والسر تقتضي معرفته استيعابا كاملا لمعنى ليلة القدر والغاية التي نزلت ليلة القدر من اجلها ولا جل تحقيقها في الأرض .

وعلى هذا الاساس لابد من معرفة الاساس الذي بنى عليه الحديث الذي ذكرناه في أول بحثنا حول علاقة معرفة فاطمة عليها السلام بليلة القدر فانه لابد من وجود الترابط في هذا الموضوع المهم ، ففاطمة فيها سر مستودع وكذلك ليلة القدر فيها سر مكنون ، فمن عرف فاطمة والسر المستودع فيها عرف سر ليلة وعظمتها ، فليلة القدر عظيمة كعظمة فاطمة عليها السلام لذا كانت مجهولة في اثباتها ودقتها من حيث الزمان لمختص بليالي شهر رمضان .

على ان عرف فاطمة فقد ادرك ليلة القدر هذا كونه ناتج عن معرفة فاطمة التي


( 370 )

تجعلنا ندرك الاسلام ونستوعب اهمية ليلة القدر من خلال هذه المعرفة ، ولقد طرح الكثير من العلماء أوجه للشبه بين ليلة القدر وفاطمة عليها السلام (1) ومنها :

* ليلة القدر وعاء وظرف زماني لنزول كل القرآن الكريم ( إنا أنزلناه في ليلة القدر ) ، ( ذلك الكتاب لا ريب فيه هدىً للمتقين ) ، لا يأتيه الباطل من بين يديه ، وفيه كل شيء ، وتبيان كل شيء ، وسعادة الدراين . وكذلك الحوراء الانسية فاطمة الزكية ، فان قلبها ظرف مكاني وروحاني ، وصدرها وعاء الهي للقرآن الكريم والمصحف الشريف ، وانها كانت محدثة تحدثها الملائكة ، فهي وعاء للامامة وللمصحف الشريف .

* وفي ليلة القدر يفرق كل أمرٍ أحكمه الله خلال السنة ، فيفرق ما يحدث فيها من الامور الحتمية وغيرها ، وينزل بها روح القدس على ولي العصر والزمان وحجة الله على الخلق الذي بيمنه رزق الورى وبوجوده ثبتت الأرض والسماء ، وان الإيمان بليلة القدر فارق بين المؤمن والكافر . كذلك بفاطمة الزهراء الطيبة الطاهرة المطهرة يفرق بين الحق والباطل ، والخير والشر ، والمؤمن والكافر ، وقد ارتد الناس في العمل وفي الولاية بعد رحلة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا ثلاث .

أو خمس أو سبع ، وفيهم سيدة النساء فهم على حق ، وغيرهم استحوذ عليهم الشيطان فاغرهم وأضلهم فكانوا أئمة الضلال .

* وفي ليلة القدر معراج الأنبياء والأولياء إلى الله سبحانه فيزاد في علمهم اللدني والرباني ويكسبوا من الفيض الاقدس الالهي . كذلك ولاية فاطمة المعصومة النقية التقية ، فهي مرقاة لوصولهم إلى النبوة ومقام الرسالة والعظمة الشموخ الانساني والروحاني ، فما تكاملت النبوة لنبي حتى أقر بفضلها ومحبتها وذلك في عالم ( ألست بربكم ) أو في عالم الذر أو عالم الانوار أو الارواح أو النشأة الإنسانية التي وراء نشأتنا هذه ، وهذه انما هي صورة لتلك كما عند بعض الاعلام .

ففاطمة ، الزهراء قطب الأولياء والعرفاء ومعراج الأنبياء والأوصياء ، صدرها خزانة

____________

(1) راجع فاطمة الزهراء ليلة القدر ـ لآية الله السيد عادل العلوي حفظه الله .


( 371 )

الأسرار ، ووجودها ملتقى الانوار ، فهي حلقة الوصل بين أنوار النبوة وأنوار الإمامة ، فأبوها محمد رسول الله ، وبعلها علي وصيه وخليفته امام المتقين وامير المؤمنين ، ومنها أئمة الحق والرشاد وأركان التوحيد وساسة العباد .

* وليلة القدر خير من الف شهر فيضاعف فيها العمل والثواب كل واحدٍ بألف ، فالتسبح والتمجيد والتهليل والتكبير والصلاة وكل عمل كل واحد بالف ، فكذلك محبة الزهراء وولايتها يوجب مضاعفة الاعلمال فان تسبيحها ( 34 مرة الله اكبر و33 مرة الحمد الله و33 مرة سبحان الله ) بعد كل صلاة واجبة او نافلة يجعل كل ركعة بألف ركعة كما ورد في الخبر الشريف . فمودتها هي الاكسير الاعظم ، يجعل من كان معدنه الحديد ذهباً ، وان الناس معادن كمعادن الذهب والفضة ، فمن والادها واحبها وأطاعها واطاع ابنائها الاطهار ، وعادى عدوها واعداء ذريتها ، فانه يكون كالذهب المصفى وباقي الناس كلهم التراب ، وان الله يضاعف الاعمال بحبها كما تضاعف في ليلة القدر ، وامتازت ليلة القدر عن كل ليالي السنة بالخير والبركة والشرافة والعظمة وعلو الشأن والرفعة ، كذلك خير نساء الاولين والاخرين فاطمة الزهراء عليها السلام فهي خير أهل الأرض والسماء عنصرا وشرفا وكرامة بعد ابيها الرسول المصطفى وبعلها الوصي المرتضى .

* وليلة القدر ليلة مباركة ( انا انزلناه في ليلة مباركةٍ ) ، والبركة بمعنى النماء والزيادة والخير المستمر والمستقر الدائم والثابت وما يأتي من قبله الخير الكثير ، ومن ألقاب فاطمة الزهراء انها ( المباركة ) ففيها كل بركات السماوات والأرض ، فهي الكوثر في الدنيا والاخرة ، وهي المنهل العذب والمعين الصافي لكل في اراد البركة ، فما ادراك ما فاطمة ، خير من الوجود بعد أبيها وبعها .

ولو كــن النسـاء كـمثل هـذه

*

لفضلت النسـاء عـلى الرجـال

ولا التأنيث لاســـم الشمس عار

*

ولا التــذكير فـخر للــهلال

وقال آخر :

هي مشكاة نور الله جل جــلاله

*

زيــتونة عـم الورى بــركاتها

فهي الكوثر ، والكوثر ، الخير الكثير ( انا اعطيناك الكوثر ) ، ومنها ذرية الرسول


( 372 )

الاكرم ، وعدم انقطاع نسله إلى يوم القيامة ، وفي وصف النبي ، انما نسله من مباركة لها بيت في الجنة لا صخب فيه ولا نصب ، والعبادة في ليلة القدر تكون منشأ للفيوضات الالهية ، والكمالات الربانية والفيوضات القدسية ، والبركات السماوية ، كذلك التوسل بفاطمة الزهراء فهي منشأ البركات والخيرات ، ونزل القرآن الكريم وهو النور والفرقان والبيان والتبيان في ليلة القدر ، فليلة القدر نزول النور الالهي ، وفاطمة الزهراء عليها السلام هي نور الله ، وهي الكوكب الدري ، كما جاء ذلك في تفسير آية النور في قوله تعالى : ( الله نور السماوات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كانها كوكب دري يوقد شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نور على نور الله يهدي لنوره من يشاء ) (1) . عن موسى بن القاسم عن علي بن جعفر قال : سألت ابا الحسن ـ الإمام الكاظم عليه السلام ـ عن قول الله عزوجل ( كمشكاة فيها مصباح ) ، قال : المشكاة فاطمة والمصباح الحسن والحسين . ( كانها كوكب دري ) قال : كانت فاطمة كوكباً دريا من نساء العالمين . ( يوقد من شجرة مباركة ) ، الشجرة المباركة ابراهيم ( لا شرقية ولا غربية ) ، لا يهودية ولا نصرانية ( يكاد زيتها يضيء ) قال : يكاد العلم ان ينطق ( ولو لم تمسسه نار نور على نور ) ، قال : يهدي الله عزوجل لولايتنا من يشاء (2) .

عن فاطمة الزهراء سلام الله عليها : اعلم يا أبا الحسن ان الله تعالى خلق نوري وكان يسبح الله جل جلاله ، ثم ادعه شجرة من شجر الجنة فأضاءت ، فلما فلما دخل ابي الجنة اوحى الله إليه الهاما ان اقتطف الثمرة من تلك الشجرة وادرها في لهواتك ، ففعل ، فأوعني الله سبحانه صلب ابي صلى الله عليه وآله وسلم ثم اودعني خديجة بنت خويلد فوضعتني ، وانا من ذلك النور اعلم ما كان وما يكون وما لم يكن ، يا أبا الحسن المؤمن ينظر بنور الله تعالى (3) . وما أروع ما يقوله الشاعر :

____________

(1) سورة النور : آية 66 .

(2) المناقب لابن المغازلي : ( من علماء العامة ) : 317 .

(3) عوالم العلوم والمعارف 6 : 7 .


( 373 )

مشكــاة نــور الله جـل جـلالـه

*

زيــتونة عــم الورى بــركـاتها

هي قطب دائــرة الوجــود ونقطة

*

لمــا تـنزلت اكـثرت كـثراتــها

هي أحمد الثاني واحمد عـــصرها

*

هي عنصر التوحيد في عرصـــاتها

ويقول المحقق العلامة الشيخ محمد باقر صاحب ( الخصائص الفاطمية ) في كتابه : سبحانك اللهم يا فاطر السماوات العلى وفالق الحب والنوى ، انت الذي فطرت اسما من اسمك واشتقته من نورك ، فوهبت اسمك بنورك حتى يكون هو المظهر لظهورك ، فجعلت ذلك الاسم اصل لجملة اسمائك وذلك النور ارومة لسيدة امائك ، وناديت بالملا الاعلى : أنا الفاظر وهي فاطمة ، وبنورها ظهرت الاشياء من الفاتحة إلى الخاتمة ، فاسمها اسمك ونورها نورك وظهورك ظهورها ، ولا اله غيرك ، وكل كمالٍ ظلك وكل وجود ظل وجودك ، فلما فطرتها فطمتها عن الكدورات البشرية واختصصتها بالخصائص الفاطمية ، مفطومة عن الرعونات العنصرية ، ونزهتها عن جميع النقائص مجموعة من الخصائص الفاطمية ، مفطومة عن الرعونات العنصرية ، ونزهتها عن جميع النقائص مجموعة من الخصائل المرضية بحيث عجزت العقول عن ادراكها ، والناس فطموا عن كنه معرفتها ، فدعا الاملاك في الافلاك بالنورية السماوية وبفاطمة المنصورة ... ام السبطين واكبر حجج الله على الخافقين ، ريحانة سدرة المنتهى وكلمة التقوى والعروة الوثقى وستر الله المرخى والسعيدة العظمى والمريم الكبرى والصلاة الوسطى والانسية الحوراء التي بمعرفتها دارت القرون الاولى . وكيف احصي ثناها وان فضائلها لا تحصى وفواضلها لا تقضى ، البتول العذراء الحرة البيضاء ام ابيها وسيدة شيعتها وبنيها ، ملكة الأنبياء الصديقة فاطمة الزهراء عليها سلام الله (1) .

* وكثير من الناس ادركتهم السعادة في ليلة القدر ، فهي ليلة السعادة ، وكذلك السيدة فاطمة الزهراء فهي سر السعادة ، ومحبتها ومعرفتها والاقتداء بها واطاعتها ونصرتها يوجب السعادة الابدية ، ويحلق الإنسان في آفاق الكمال ويسبح في يم الجلال . وكم من شاهد وقصة تدل على ان هناك من ادركتهم السعادة ببركة فاطمة الزهراء عليها السلام ، كما الله هدى ذلك المجوسي وأهل بيته إلى الاسلام فاسلموا جميعا لما

____________

(1) فاطمة الزهراء بهجة قلب المصطفى : 24 | عن الخصائص الحسينية : 1 .


( 374 )

اكرم العلوية التي جاءت إليه تشكو حالها ، كما يحدثنا بذلك العلامة المجلسي قدس سره في كتابه القيم ( بحار الانوار 93 : 225 ـ 236 ) ، فراجع .

* ان الله سبحانه جعل حريماً لكل امر مقدس ومعظم ، فانه لا صلاة إلاّ بطهور وتكبيرة الاحرام ، وان الحجر الاسود ومكة المكرمة جعل لها حرما ، فلا يدخلها إلاّ من كان محرما ، وقد حرم على نفسه الملاذ ، كالنساء واستعمال الطيب ولبس المخيط وطلب الراحة كالاستظلال ، فكان الحجر الاسود مواقعيت ، وتقدست بقعة من الأرض لاجله ، ولأنّ مكة المكرمة والكعبة المعظمة مهبط الوحي ونزول الرسالة المحمدية السمحاء المتمثلة بالقرآن الكريم ، والكعبة المعظمة مهبط الوحي ونزول الرسالة المحمدية السمحاء المتمثلة بالقرآن الكريم ، فمكة المكرمة مكان نزول القرآن وليلة القدر زمان نزوله ، وصار للكعبة حرما اثر عظمة الوحي ، وكذلك شهر رمضان ، فانه نزل القرآن كله في ليلة قدره ، ولكن سرت القداسة والتكريم والتعظيم إلى ان كل ايام وليالي الشهر ، بل تشرف ذلك العصر الذي نزل فيه القرآن فأقسم به الله في سورة العصر ، كمما أقسم بالمكان الذي نزل فيه الوحي ( لا اقسم بهذا البلد ) فشعاع الوحي والقرآن الكريم قد نور ميدانا وسيعا في الزمان والمكان . فما تقدس عند ربك الاكرم الذي علم الإنسان مالم يعلم ، فانه يكون له حريم مقدس وتوابع مقدسة ، كليلة القدر بشرفها تشرفت ليالي شهر رمضان وايامه ، وكذلك فاطمة الزهراء تقدست عند ربها ، فوجب اجلالها واكرامها ، بل وينبغي تعظيم ذريتها ومودتهم وتكريمهم ، فانه الف عين لاجل عين تكرم ، فوجب على كل مسلم اكرام السادة والذرية الطيبة ، من ولد فاطمة الزهراء وعلي المرتضى عليهما السلام ، فالصالح منهم يكرم الله والطالح منهم لرسوله وعترته . ان الله سبحانه وتعالى قد دعا عباده لضيافتهم العامة في شهر رمضان المبارك ، فالصائم وافد على الله وضيفه ولكل ضيف قرى ، وقرى الله الاعتاق من النار ودخول الجنة ، وان الله ليغفر لعباده الصائمين ويعتق الرقاب من جهنم في الشهر كله ، فانها خير من الف شهر ، كما جاء نص ذلك في الأخبار ، وفاطمة الزهراء عليها السلام سميت فاطمة ، لانها تفطم شيعتها من النار ، وتعتق رقابهم وتدخلهم الجنة ( ومن زحزح عن


( 375 )

النار ، وادخل الجنة فقد فاز ) (1) . عن الإمام الرضا عليه السلام ، عن آبائه عليهم السلام ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : انما سميت ابنتي فاطمة لأنّ الله فطمها وفطم محبيها عن النار (2) . قال النبي : انما سميت فاطمة ابنتي لأنّ الله فطمها ومحبيها عن النار (3) . وانفردت ليلة القدر بعظمتها وشموخها من بين ليالي السنة ، فليس لها مثيل ولا نظير ، فهي سيدة الليالي والأيام . وفاطمة الزهراء عليها السلام لا مثيل لها بين النساء ، فهي سيدة نساء العالمين من الاولين والاخرين في الدنيا والاخرة ، ولو لا امير المؤمنين علي المرتضى عليها السلام لما كان لها كفؤ من الرجال آدم ومن دونه ، وهذا مانصت علهي الأخبار الشريفة عند الفريقين السنة والشعية ، ذات الله سبحانه سر لا يعلمه إلاّ هو ، وله في خلقه اسرار لا يعلمها إلاّ هو ورسوله والراسخون في العلم من عترة النبي الهادي المختار عليهم السلام .

* وليلة اقدر سر من اسرار الله ، وفاطمة الزهراء عليها السلام عصمة الله وسر من اسراره العظمى ، لا يعرف حقيقتها ومقامها الرفيع وآياتها الباهرة إلاّ الله ورسوله وأهل بيته الاطهار عليهم السلام ، فهي سر في وجودها وفي ولادتها وحياتها ورحلتها إلى جوار ربها .

* وليلة القدر قد جهلها الناس من حيث الليالي ومن حيث القدر والمنزلة فقطعوا وفطموا عن معرفتها ، كذلك البضعة الاحمدية والجزء المحمدي فهي مجهولة القدر ( وانما سميت فاطمة لأنّ الخلق فطموا عن معرفتها ) ، كما جهل قدرها اولئك الكفرة احرقوا بابها وكسروا ضلعها واسقطوا جنينها وغصبوا فدكها وحقها ، ولم ينصروها فخفى على الناس مقامها وقدرها حتى قبرها الشريف وتأريخ وفاتها ، ليكون شاهدا في التأريخ على مظلوميتها وشهادتها ومظلومية بعلها ( اللهم العن اول ظالم ظلم حق محمد وآل محمد وآخر تابع له على ذلك ) .

عن مجاهد : خرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو آخذ بيد فاطمة فقال : من عرف هذه فقد عرفها ، ومن لم يعرفها فهي فاطمة بنت محمد ، وهي بضعة مني وهي قلبي وهي روحي التي

____________

(1) سورة آل عمران : الآية 185 .

(2) فرائد السمطين : 2 : 58 .

(3) البحار 43 : 16.


( 376 )

بين جنبي من آذاها فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله (1) . ومن اذى الله لعنه الله ملأ السماوت والأرض (2) ومن طرق العامة ، عن نصر بن مزاحم ، عن زياد بن المنذر ، عن زادان ، عن سلمان ، قال : قال النبي : يا سلمان ، من احب فاطمة بنتي فهو في الجنة معي ومن ابغضها فهو في النار ، يا سلمان ، حب فاطمة ينفع في مائة من المواطن ، ايسر ذلك المواطن الموت والقبر والميزان والمحشر والصراط والمحاسبة ، فمن رضيت عنه ابنتي فاطمة رضيت عنه ومن رضيت عنه رضي الله عنه ، ومن غضبت عليه غضبت عليه ، ومن غضبت عليه غضب الله عليه ، يال سلمان ، ويل لمن يظلمها ويظلم بعلها امير المؤمنين عليا وويل لمن يظلم ذريتها وشيعتها (3) .

وأخيراً نختم هذا الموضوع بحديث ورد في معرفة ليلة القدر وما الذي يفرق في هذه الليلة حيث جاء عن زرارة عن حمران قال : « سألت ابا عبدالله عما يفرق في ليلة القدر هل هو ما يقدر سبحانه وتعالى فيها ؟ قال : لا توصف قدرة الله تعالى إلاّ أنه قال فيها يفرق كل امر حكيم فكيف يكون حكيما إلاّ ما فرق ولا توصف قدرة الله سبحانه لانه يحدث ما يشاء واما قوله « خير من ألف شهر » يعني فاطمة في قوله تعالى « تنزل الملائكة والروح فيها » والملائكة في هذا الموضع المؤمنون الذين يملكون علم آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم والروح روح القدس وهي فاطمة عليها السلام « من كل امر سلام » يقول كل امر سلمه حتى يطلع الفجر يعني حتى يقوم القائم « عج » (4) .

____________

(1) نور الابصار : 52 .

(2) البحار : 43 | 54 .

(3) فرائد السمطين : 2 | 67 .

(4) تفسير البرهان : 3 | 487 ح 24 .


( 377 )

البحث الرابع عشر

فلسفة اسماء فاطمة الزهراء عليها السلام


( 378 )


( 379 )

الشيخ صالح الكواز

هــل بــعد مــوقفنا عــلى يــبرين

*

أحــبي بــطرفٍ بــالدموع ضــنين

وإدٍ إذا عـــاينت بـــــين طــلوله

*

أجـــريت عــيني للــظباء العــين

لم تــخب نــار قــطينةٍ حــتى ذكت

*

نـــار الفــراق بــقلبي المــحزون

وابـــتاع جــدّته الزمــان بــمخلق

*

ورمــى حــماه بــصفقةٍ المــغبون

قــال الحـداة وقــد حـبست مــطّيهم

*

مــن بــعدما أطـلقت مــاء شؤوني

مــاذا وقــوفك فــي مـلاعب خـرّدٍ

*

جـــدّ العــفاء بــربعها المسكــون

وقفوا مـعي حـتى إذا مـا اســتيأســوا

*

خــلصوا نــجيبّاً بــعدما تــركوني

فكأنّ يــوسف فــي الديــار مــحكم

*

وكأنـــني بــصواعــه اتــهموني

ويــلاه مــن قــوم أسـاؤوا صـحبتي

*

مــن بــعد إحســاني لكــلّ قـرين

قد كدت لولا الحلم مـن جـزعي لمــــا

*

ألقــاه أصــفق بــالشمال ويــميني

لكـــنّما والدهــــر يــعلم أنــني

*

ألقـــى حــوادثــه بـحلم رزيــن

قــلبي يـقل مــن الهـموم جـــبالها

*

وتســيخ عــن حـمل الرداء مــتوني

وأنـــا الذي لا أجـــزعن لرزيـــةٍ

*

لولا رزايـــاكـــم بــني يــاسين

تــلك الرزايــا البــاعثات لمــهجتي

*

مـــاليس يـــبعثه لظــى ســجّين

كــيف العــزاء لهــا وكــلّ عشـيةٍ

*

دمكــم بــحمرتها الســماء تـرينـي

والبــرق يــذكرني ومــيض صـوارمٍ

*

أردتكـــم فــي كــفّ كـلّ لعــين

والرعــد يـعرب عـن حـنين نســائكم

*

فــي كــلّ لحــنٍ للشــجون مـبين

يـــندبن قــوماً مــأهتفن بــذكرهم

*

إلاّ تـــضعضع كـــلّ ليث عــرين

الســـالبين النـــفس أول ضـــربةٍ

*

والمــبلسين المــوت كــلّ طــعين

لا عــيب فــيهم غـير قـبضهم اللّـوا

*

عند اصـطكاك السـمر قـبض ضــنين

ســلكوا بــحاراً مــن دمــاء أمـيةٍ

*

بـــظهور خــيلٍ لا بــطون ســفين


( 380 )

ما ساهموا الـموت الزؤام ولا اشـــتكوا

*

نـــصباً بـــيوم بــالردى مـقرون

حــتى إذا التــقمتهم حــوت القــنا

*

وهــي الأمــاني دون خــير أمــين

نــبذتهم الهــيجاء فــوق تــلاعها

*

كـــالنون يــنبذ بــالعرا ذا النــون

خــذ فــي ثـناثهم الجـميل مـقرضاً

*

فــالقوم قــد جــلّوا عــن التأبـين

هم أفـضل الشـهداء والقـــتلى الأولى

*

مــدحوا بـوحيٍ فـي الكـتاب مــبين

ليت الكــواكب والوصــي زعــيمها

*

وقـــفوا كــموقفهم عــلى صــفين

بالطفّ كـي يـروا الأولى فــوق القـنا

*

رفـــعت مــصاحفها إتــقاء مـنون

جــعلت رؤوس بـني النـبّي مكــانها

*

وشــفت قــديم لواعــجٍ وضــغون

الواثـــبين لظـــلم آل مــــحمدٍ

*

ومـــحمد مــــلقىً بــلا تكــفين

والقــــائلين لفـــاطم آذيــــتنا

*

فــي طــول نــوحٍ دائــم وحــنين

والقـــاطعين اراكــة كـي لاتــقيل

*

بـــظلّ أوراقٍ لهــــا وغـــصون

ومـجمعي حـطبٍ عـلى البـيت الـذي

*

لم يـــجتمع لولا شـــمل الديــــن

والداخــلين عــلى البــتولة بــيتها

*

والمســــقطين لهــا أعــزً جــنين

والقــــائدين إمـــامهم بـــنجاده

*

والطـــهر تــدعو خــلفهم بــرنين

خـلوا ابـن عـمى أو لأكشـف للــدعا

*

رأشـــي وأشكــو للإله شــجونــي

مــا كــان نــاقة صـالحٍ وفـصيلها

*

بـــالفضل عـــند الله إلا دونــــي

ورنت الى القــبر الشــريف بــمقلةٍ

*

عــبى وقــلبٍ مكــمدٍ مــــحزون

نــادت وأظــفار المـصاب بــقلبها

*

أبــناه عــزّ عــلى العــداة مـعيني

أبـــتاه هــذا الســامريّ وعــجله

*

تــبعا ومــال النــاس عــن هـرون

أيّ الرزايـــا أتـــقي بـــــتجلدٍ

*

هو فـي النـوائب مـذ حـــييت قـريني

فــقدي أبــي أم غـصب بـعلي حـقه

*

أم كســـر ضـلعي أم ســقوط جـنيني

أم أخــذهم إرثــي وفـاضل نــحلتي

*

أم جــهلهم حــقي وقـــد عــرفوني

قــهروا يــتميك الحســين وصـنوه

*

وسألتــهم حــقي وقـــد نــهروني


( 381 )

البحث الرابع عشر

فلسفة أسماء فاطمة الزهراء عليها السلام

عن يونس بن ظبيان قال : قال أبو عبدالله عليه السلام : لفاطمة عليها السلام تسعة أسماء عند الله عزّ وجل : فاطمة والصدّيقة والمباركة والطاهرة والزكيّة والراضية والمرضيّة والمحدّثة والزهراء (1) .

من الأمور المهمة التي أخذت جانباً وحيزاً واضحاً في الشريعة الإسلامية وأكد عليها الرسول الاعظم محمد صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة : من خلال أحاديثهم المباركة مسألة تسمية المولود بإسم مبارك يدل على معنى لائق وجميل وحسب ما ترتضيه النفس المؤمنة ويميل إليه الوجدان الانساني ذلك لأنّ الإسم الذي يمنحه الأب أو الأم للمولود يكون ذو أثر كبير ومهم في النفس الإنسانية حيث اثبتت البحوث العلمية المتأخرة التي قام بها علماء النفس والإجتماع أن للإسم أثراً بالغاً على منشأ تصرفات وسلوك الأفراد الذين يحملون ذلك الإسم ، وان كانت هذه المسألة تتفاوت في مدى تأثيرها على السلوك الفردي للإنسان من فرد إلى آخر إلا أنه في النتيجة النهائية يترك بعض الآثار المعينة الواضحة البرهان لذلك المعنى الذي يحمله الإسم ، على أن هذه الأمور الواضحة تدرك بأدنى تأمل لدى الإنسان الواعي الفطن الذي يدرك الكثير من الحقائق المعنوية قبل أن تطرق ذهنه وسمعه .

وعلى هذا الأساس نجد أن هناك تمايزاً واضحاً في الأسماء التي تطرح وتعطى لأي فرد ، حيث نجد أن الكثير م الأسماء التي حملها بعض الأفراد وان كانت ذات مغزى

____________

(1) امالي الصدوق : 474 ، ح 18 ، علل الشرائع : 1 | 178 ، الخصال : 414 ، ح 3 ، روضة الواعظين : 179 .


( 382 )

لطيف وأصيل وحسن إلا أنه المسمى بها غير منزه بل أنه مثلاً يدل على خلاف اسمه ، وهذا بخلاف ما نجده في بعض الأسماء التي تحمل معنى قبيح وصاحبها ذو أصالة وأخلاق حسنة وأفعال جميلة .

وهكذا نجد من خلال استقراء سيرة التاريخ في هذا المجال أن هناك الكثير من الأسماء اللامعة والتي يشير اليها المسلمون بالبنان مثل عبد الملك وهارون الرشيد والمتوكل على الله والواثق بالله أن بينهم وبين أسماءهم وألقابهم البون الشاسع ، فأسمائهم تدل على أنهم عاشوا في ملكوت التوكل والرشد والتقوى والوثوق بالله والإعتصام به بينما السيرة الذاتية لحياتهم وشخصياتهم تدل على خلاف ذلك ، فمثلاً لو طالعنا حياة هارون الرشيد ذلك الخليفة العباسي وكيف تصرف برعونة وحماقة مع الأحرار والسادة العلويين من ذرية رسول الله صلىالله عليه وآله وسلم ، وخصوصا (1) وخاصة اجرامه بحق الإمام موسى بن جعفر عليهما السلام نجد ان هذا الأمر واضح وبصورة جلية ، ولنعم ما قال الشاعر الكبير أبو فراس الحمداني في رائعته التي يقول فيها :

الدين مخترم والحق مهتضم

*

وفي آل رسـول الله مـقتسم

إلى أن يقول ...

ليس الرشيد كموسى فـــي القـياس ولا

*

مأمونكم كـالرضا ان أنـصف الحـكـم

إذا تـــلوا أيــة غــنى خــطيبكم

*

قــف بـالديار التـي لم يـعفها القـدم

بينما إذا نظرنا إلى أهل بيت النبوة علهيم السلام نجد أن أسماءهم تدل على المعاني العالية المنال وفي نفس الوقت نرى أن السيرة الذاتية لحياتهم ومواقفهم وتصرفاتهم ذات دلالة واضحة على أسماءهم وألقابهم .

فحين نقرأ سيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام نجد كل ألقابه وكناه منطلقة من صفاته الأصيلة الثابتة في أعماقه وفي جذوره المشرقة المضيئة بنور الله تعالى فهو الإمام العابد الزاهد الصادق القائد إمام المتقين وقائد الغر المحجلين ، وهكذا في الحسن المجتبى والحسين الشهيد والساجد والباقر عليهم السلام أجمعين .

____________

(1) راجع كتابنا العبد الصالح الإمام موسى بن جعفر .


( 383 )

ومن هذا المنطلق نرى أن الرسول وأهل بيته عليهم السلام قد أكدوا ومن خلال الكثير من الروايات على ضرورة تسمية المولود بخير الاسماء وافضلها وذلك لما يتركه الاسم من البصمات الواضحة والاثار الجميلة على طبيعة تصرف الفرد وعلى ضوء ذلك المعنى الذي يحمله الإسم ، ولذلك جاءت الأحاديث لتؤكد على هذه المسألة وللفلسفة الرائعة لها ، حيث ورد الإستحباب المؤكد على ضرورة تسمية المولود بأحسن الأسماء حيث روي عن الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام أنه قال : « لا يولد لنا ولد إلا سميناه محمد فإذا مضى لنا سبعة أيام فإن شئنا غيرنا وإن شئنا تركنا » (1) .

وقد أكد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم على هذه التسمية بقوله : « من ولد له أربعة أولاد ولم يسمّ أحدهم بإسمي فقد جفاني » (2) .

وكان الديدن العام لأئمة أهل البيت عليهم السلام على هذا الأمر والاهتمام به كل الإهتمام فهم عليهم السلام كانوا يحثوا المسلمين على تسمية أبناءهم وبناتهم بالأسماء التالية ( عبد الرحمن ـ وباقي أسماء العبودية ـ محمد ، أحمد ، علي ، حسن ، حسين ، جعفر ، طالب ، فاطمة ) (3) .

وجاء التأكيد على هذه الأسماء من خلال عدة روايات أثبتت هذه المسألة المهمة كل ذلك لأجل تحصين الطفل من السخرية والإستهزاء من قبل الآخرين في حالة تسميته بأسماء ورد فيها الكراهة مثل الحكم ، خالد ، مالك ، حارث ، ولئلا تكون سبباً للشعور بالنقص كما هو الحال في الأسماء المستهجنة .

وبعد هذه المقدمة المهمة في مضمونها نصل إلى موضوع البحث الذي نريد الدخول فيه وهو أسماء فاطمة الزهراء ( سلام الله عليها ) وفلسفتها ، فان أسمها بن الباري عز وجل وهو الواضع لهذه المعصومة الشهيدة اسمها وكما سيتبين من خلال البحث ، وهنا في هذا في هذا المقام ينقدح لدينا عدة أسئلة مهمة مرتبطة بصميم بحث أسماءها ألا وهي :

1 ـ لماذا الباري عز وجل وضع الأسماء لفاطمة الزهراء عليها السلام ؟

2 ـ وما فلسفة أسماءها ؟

____________

(1) الكافي : 2 : 18 ، باب الأسماء والكنى .

(2) الكافي : 6 : 19 ، باب الأسماء والكنى .

(3) الكافي : 6 : 19 ، باب الأسماء والكنى .


( 384 )

3 ـ وماهية المعاني لها ؟ ولم التأكيد من قبل الله تعالى على أهمية أسماء الزهراء عليها السلام ؟

كل هذه الأسئلة لابد لنا من التوقف عندما والإلمام بمعرفتها من خلال مراجعة أحاديث أهل البيت عليهم السلام واستظهارها وكيفية بيان معاني أسماء فاطمة الزهراء عليها السلام .

أما كون أسماءها من الله تعالى وهو الذي سماها بفاطمة فيوجد في هذا المضار أحاديث كثيرة تبين هذه المنقبة لفاطمة ( سلام الله عليها ) ، فلقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال لفاطمة عليها السلام : « شقّ الله لك يا فاطمة اسماً من أسمائه ، فهو الفاطر وأنت فاطمة » .

وجاء في حديث عن يونس بن ظبيان قال : قال أبو عبدالله عليه السلام « لفاطمة عليها السلام تسعة أسماء عند الله عز وجل : فاطمة والصديقة والمباركة والطاهرة والزكية والراضية والمرضية والمحدّثة والزهراء » (1) .

وفي حديث آخر قال أبو الحسن عليه السلام : « ... فلما ولدت فاطمة سماها الله تبارك وتعالى فاطمة » .

أقول : فيتبين من خلال هذه الأحاديث وأحاديث أخرى أغفلنا من ذكرها لئلا يطول المقام بها إن أكثر أسماء فاطمة الزهراء عليها السلام هي من وضع الله تعالى وهو الذي سماها بهذه الأسماء المباركة ، ففي رواية يثبت الإمام عليه السلام أن للزهراء عليها السلام اسم واحد سماها به الله تعالى وفي رواية أخرى يثبت معصوم آخر أن للزهراء عليها السلام تسعة أسماء عند الله تبارك وتعالى ، كل ذلك نتيجة المقام السامي لفاطمة الزهراء عند الله تعالى ، وربما يوحي هذا الكلام أن هناك تعارض في عدد أسماء الزهراء عليها السلام ولكن بأدنى تأمل للروايات يظهر لنا أن هذا ناشيء من طبيعة حال السائل ، وعلى هذا الأساس انقدح في ذهننا الأسئلة المتقدمة الذكر وهو لماذا الباري عز وجل هو الذي سمى فاطمة بهذه الأسماء ؟ وما هي فلسفتها ؟ وما هي المناسبة بين ذات الزهراء وأسماءها التي أعطاها الله تبارك إياها ؟ وعليه كل الأسئلة المتقدمة سوف نجيب عليها من خلال

____________

(1) أمالي الصدوق : 474 ح 18 ، علل الشرائع : 1 | 178 ، الخصال : 414 ح 3 ، روضة الواعظين : 179 ، دلائل الإمامة : 10 .


( 385 )

هذا البحث بإجماله .

فنقول : إنما وضع الله أسماء فاطمة الزهراء عليها السلام منه لتكون علامة لشيء ما ، وهذا الشيء سوف يتضح لنا من خلال الأبحاث القادمة ، وربما تسأل أيها القاريء العزيز كيف يكون الإسم علامة للمسمى والمفهوم من العلامة هو الوسم والذي يظهر هذا من خلال مراجعة أفراد اللغة العربية ؟

والجواب على ذلك : أن بين الأسماء والمعاني الموضوع لها مناسبة ذاتية ، والواضع عندما يضع الإسم المعين للمسمى المعين يكون عالماً بالمناسبة وقادراً علهيا ولوجود الحكمة والإتقان في وضع الأسماء لتلك المعاني ، ومن هنا كان الواضع لأسماء فاطمة الزهراء هو الله تعالى وذلك لوجود المناسبة والحكمة في ذات الزهراء عليها السلام ، وكذلك اقتضت حكمة الباري عز وجل ان تكون العلامة فيها مناسبة لها وهي ذات الزهراء في مادتها وصورتها حيث كانت دلالة فاطمة الزهراء ذاتية ومرتبطة ارتباطاً وثيقاً مع اسمها فكان التعبير من الله تعالى أدق في التعريف لذات الزهراء عليها السلام وأظهر في تميز ذاتها عن بقية الذوات .

فالله سبحانه وتعالى لم يهمل الحكمة ولم يظلمها ولم يضعها في غير ما جعلها مقتضية لها فمن شاء أن يطلعه على علل الأشياء وأسبابها علمه ذلك بتفهيمه أو بوضع القرائن له والامارات على ذلك وكما فعل ذلك مع أهل البيت عليهم السلام حيث هو الذي وضع أسماءهم وهذا ما نجده من خلال المأثور الروائي لأهل البيت عليهم السلام ، فالله تبارك وتعالى يحب أن تكون أسماء أهل البيت عليها السلام منه تعالى وكما قال الله تعالى : ( لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون ) .

وأما إن قال شخص ما إن الواضع لأسماء فاطمة هو غير الله تعالى وبغض النظر عن الرواية الواردة في المقام والشواهد والقرائن الأخرى ؟

فالجواب عليه : أنه لو قلنا بأن الواضع غير الله تعالى لم يكن هناك محذور في أن الألفاظ بينها وبين المعاني مناسبة ذاتية لأن الوضع لا يمكن إلا ممّن له قوة المعرفة التي تنقص عن المعرفة بالمناسبة واعتبارها ، ويدل على هذا إنّا وجدنا في اللغة واشتقاق الألفاظ بعضها من بعض ونظمها على ما يوافق الحكمة ما يبصر العقول مع ما عرفنا


( 386 )

من قصورنا عن أكثر أسرارها ولا يكون ذلك إلا ممن يقدر على المناسبة ويعرف كمال حسنها وشرفها على عدمها وإذا كان قادراً على العلم بها وعلى معرفتها بأنّها أكمل وأدلّ على المطلوب وأوفق بالحكمة كان العدول عن ذلك نقصاً في الكمال وعدولاً إلى الإهمال عن الحكمة لأن الأسماء في الحقيقة صفات المسمّيات فلو لم يكن بين الصفة وموصوفها مناسبة ذاتية ومطابقة حقيقة لكانت صفة فاطمة الزهراء ( سلام الله عليها ) التي تطلب بها تمييزها تصلح أن تكون لغيرها وإذا صلحت لغيرها كان تميزها بها ممايز في الإلتباس وعدم المعرفة .

وعلى كل حالٍ فإن البحث في هذا المقام لطويل وشائك فالذي نريد القول به والنتيجة التي نريد استعراضها وإظهارها هو أن الواضع هو الله تبارك وتعالى لأسماء فاطمة الزهراء عليها السلام ، وانما وضعها لتكون العلامات المميزات والصفات المعينات لفاطمة الزهراء عليها السلام ، ولكي يتبين معرفة الحال في المقام أكثر نقول : ان المراد من هذه الأسماء الأعم من اللفظية والمعنوية لأن العلامة والتمييز يحصل بكل منهما ، والحاصل أن أسماءها ( سلام الله عليها ) التي اشير اليها في الرواية المتقدمة الذكر سواءً كانت من الاسماء الصفاتية او الفظية فإنها مشتقة م أسمائه تعالى يعني اشتقها سبحانه وتعالى م أسمائه وهذا معنى ما روي عن علي بن الحسين عليه السلام حيث قال : حدثني أبي عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى أن قال : « قال الله يا آدم هذه أشباح أفضل خلائقي وبرياتي هذا محمد وأنا الحميد المحمود في فعالي شققت له اسماً من اسمي وهذا علي وأنا العلي العظيم شققت له اسماً من اسمي وهذه فاطمة وأنا فاطر السموات والأرض فاطم أعدائي من رحمتي يوم فصل قضائي وفاطم أوليائي عمّا يعّرهم ويشينهم شققت لها اسماً من اسمي ... » .

وهذا يعني أنها فيض وجودها ونورها من فيض نور الله تبارك وتعالى ونسبتها إلى الله تعالى من حيث وجودها ومبدأ نورها وصفاتها ( سلام الله عليها ) وبأبسط تأمل لهذا الحديث يظهر أنه سبحانه وتعالى يريد بالإسم ما هو أعم من اللفظ ولو أراد خصوص اللفظ فقط يعني اسم فاطمة لما قال تعالى وهذه فاطمة وأنا فاطر السموات والأرض ولو أراد خصوص المعنى لما علقه بالألفاظ ولكنه تعالى يريد الأسماء


( 387 )

المعنوية والأسماء اللفظية وهو المفهوم من أحاديثهم الكثيرة وكما سيتبين لنا من خلال اظهار معاني أسماء فاطمة ( سلام الله عليها ) فافهم تغنم (1) .

معاني أسماء فاطمة الزهراء عليها السلام

عن يونس بن ظبيان قال : قال أبو عبدالله عليها السلام لفاطمة عليها السلام تسعة أسماء عند الله عزّ وجل : فاطمة والصدّيقة والمباركة والطاهرة والزكيّة والراضية والمرضيّة والمحدّثة والزهراء (2) .

على ضوء هذا الحديث سوف يكون كلامنا حول أسماء فاطمة الزهراء ( سلام الله عليها ) حيث نأخذ كل اسم من اسماءها وحسب تسلسله ووروده في الحديث المبارك ومن خلال ذلك نقف مع أقوال أهل البيت عليهم السلام في ذلك وبيان أقوال العلماء في هذه الأسماء المباركة .

 

1 ـ فاطمة عليها السلام

إن الظاهر من خلال استقراء أحاديث أهل بيت العصمة ( سلام الله عليهم ) أن أول اسم سميت به بضعة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم هو فاطمة ، وهذا على القطع اليقيني ثابت ولا يعتريه الشك ولا الشبهة ولذا ورد في كثير من أحاديث أهل البيت التأكيد على هذا الإسم وإكرامه وإطائه الهيبة اللائق به حيث كان لاسم فاطمة ( سلام الله عليها ) وقع كبير في نفوس ومحبي أهل البيت وخصوصا في نفوس أهل البيت عليهم السلام وكان له المنزلة العظمى كما يظهر من الروايات والأخبار الصحيحة المسندة .

____________

(1) المراد م الأسماء المعنوية أي المعاني التي تدل عليها الأسماء الظاهرية لفاطمة ( عليها السلام ) .

(2) امالي الصدوق : 474 ، ح 18 ، علل الشرائع : 1 | 178 ، الخصال : 414 ، ح 3 ، روضة الواعظين : 179 .


( 388 )

فلقد روي عن فضالة بن أيوب ، عن السكوني قال : دخلت على أبي عبدالله عليه السلام وأنا مغموم مكروب ، فقال لي : يا سكوني ما عمّ ك ؟ فقلت : ولدت لي ابنة ، فقال : يا سكوني على الأرض ثقلها ، وعلى الله رزقها ، تعيش في غير أجلك وتأكل من غير رزقك ، فسري والله عني ، فقال : ما سميتها ؟ قلت : فاطمة . قال : آه آه ثمّ وضع يده على جبهته ـ إلى أن قال ـ ثم قال : أمّا إذا سمّيتها فاطمة فلا تسبها ولا تلعنها ولا تضربها (1) .

وعن بشار المكاري قال : دخلت على أبي عبدالله عليه السلام بالكوفة وقد قدم له طبق طبرزد (2) وهو يأكل ، فقال : يا بشار أدن فكل . فقلت : هنّاك الله وجعلني فداك ، قد أخذتني الغيرة من شيء رأيته في طريق ! أوجع قلبي وبلغ منّي ، فقال لي : بحقي لما دنوت فأكلت .

قال : فدنوت فأكلت ، فقال لي : حديثك ، قلت : رأيت جلوازاً (3) يضرب رأس إمرأة ويسوقها إلى الحبس وهي تنادي بأعلى صوتها : « المستغاث بالله ورسوله » ولا يغيثها أحد . قال : ولم فعل بها ذلك ؟ قال : سمعت الناس يقولون إنها عثرت فقالت : « لعن الله ظالميك يا فاطمة » فارتكب منها ما ارتكب .

قال : فقطع الأكل ولم يزل يبكي حتى ابتل منديله ولحيته وصدره بالدموع . ثم قال : يا بشار ، قم بنا إلى مسجد السهلة فندعوا الله عز وجل ونسأله خلاص هذه المرأة . قال : ووجّه بعض الشيعة إلى باب السلطان وتقدم إليه بأن لا يبرح إلى ان يأتيه رسوله ، فان حديث بالمرأة حدث صار إلينا حيث كنّا . قال : فصرنا إلى مسجد السهلة ، وصلى كل واحد منّا ركعتين ، ثم رفع الصادق عليه السلام يده إلى السماء وقال : أنت الله ـ إلى آخر الدعاء ـ قال : فخر ساجداً لا أسمع منه إلا النفس ثم رفع رأسه فقال : قم فقد أطلقت المرأة .

قال : فخرجنا جميعاً ، فبينما نحن في بعض الطريق إذ لحق بنا الرجل الذي وجهناه

____________

(1) وسائل الشيعة : 15 | 100 باب 87 .

(2) نوع من التمر سمي به لشدة حلاوته تشبيهاً بالسكر الطبرزد .

(3) الجلواز الشرطي الذي يخف في المجيء والذهاب بين يدي الأمير .