ولادة فاطمة الزهراء

 أما ولادة الصديقة فكان في العشرين من جمادي الآخرة كما صرح به المفيد في مساره (مسار الشيعة : 21) ونقل عن حدائقه (حدائق الرياض : نقلا عن الإقبال : 621 ، عن البحار : 43 / 8 ح 12 . )، وصرح به الشيخ في مصباحه ( مصباح المتهجد : 733 ، عن البحار : 43 / 9 ح 15 . ) ، ورواه الطبري الإمامي (  دلائل الإمامة : 10 عن البحار : 43 / 9 ح 16 ) .

عن الصادق ولم نقف على مخالف صريح ، وإن سكت كثير . واختلف في سنته فالكليني (  الكافي : 1 / 457 ح 10 ، عن البحار : 43 / 9 ح 13 ) قال : بعد النبوة بخمس سنين وكذلك المسعودي في الأثبات ( ثبات الوصية : 154 ، وذهب المسعودي في ذكر تاريخ ولادة الإمام الحسن ونسبه له إلا أن هذا التاريخ لفاطمة علما بأن ولادة الإمام الحسن المشهورة سنة 2 للهجرة  ) وذهب المفيد في الكتابين ( مسار الشيعة : 31 ) إلى أنه بعده باثنتين .

وفي مصباح الشيخ ( مصباح المتهجد : 733 ، عن البحار : 43 / 9 ح 8 ) كان مولدها سنة اثنين من المبعث في بعض الروايات ، وفي رواية أول سنة والعامة تروي قبل المبعث بخمس .

والصحيح الأول كما رواه ابن خشاب على نقل الكشف ( كشف الغمة : 1 / 449 ، عن البحار : 43 / 7 ح 8 ) عن شيوخه ، مرفوعا عن الباقر ، والطبري الإمامي ( دلائل الإمامة : 79 ح 18 ) مسندا عن الصادق ، والكليني ( الكافي : 1 / 457 ح 10  ) صحيحا عن الباقر وذهب العامة كمحمد بن إسحاق ( لم نعثر عليه في السيرة ) ، وأبي نعيم ( حلية الأولياء  ) وأبي الفرج ( مقاتل الطالبين : 48 ) . إلى أنها كانت قبل النبوة حين تبني قريش الكعبة ، ورواه الأخير بإسناده عن الصادق والتعويل عليه على رواية الخاصة ، ولا يبعد أنهم قالوا بكون مولدها قبل النبوة إنكارا لما ورد أن النبي كان يقول أشم من فاطمة رائحة الجنة لأن انعقادها كان من فاكهة الجنة ليلة المعراج ( تواريخ النبي والآل ) .

عن أبي عبد الله جعفر بن محمد بن علي   ، عن أبيه ، عن جده قال : قال رسول الله : معاشر الناس ، أتدرون لما خلقت فاطمة ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم .

قال : خلقت فاطمة حوراء إنسية لا إنسية ، وقال : خلقت من عرق جبرئيل ومن زغبه . قالوا : يا رسول الله ، استشكل ذلك علينا ، تقول : حوراء إنسية لا إنسية .

ثم تقول : من عرق جبرئيل ومن زغبه ! قال : إذا أنبئكم : أهدي إلى ربي تفاحة من الجنة ، أتاني بها جبرئيل عليه السلام ، فضمها إلى صدره فعرق جبرئيل ، وعرقت التفاحة ، فصار عرقهما شيئا واحدا ، ثم قال : السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته ، قلت : وعليك السلام يا جبرئيل فقال : إن الله أهدي إليك تفاحة من الجنة ، فأخذتها وقبلتها ووضعتها على عيني وضممتها إلى صدري .

ثم قال يا محمد ، كلها . قلت : يا حبيبي يا جبرئيل ، هدية ربي تؤكل ؟ قال : نعم ، قد أمرت بأكلها ، فأفلقتها فرأيت منها نورا ساطعا ففزعت من ذلك النور ، قال : كل فإن ذلك نور المنصورة قلت : يا جبرئيل ، ومن المنصور ؟ قال : جارية تخرج من صلبك واسمها في السماء منصورة ، وفي الأرض فاطمة ، فقلت : يا جبرئيل ولم سميت في السماء منصورة وفي الأرض فاطمة ؟ قال : سميت " فاطمة " في الأرض لأنه فطمت شيعتها من النار ، وفطموا أعداؤها عن حبها ، وذلك قول الله في كتابه : * ( ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ) * بنصر فاطمة .

بيان : الزغب : الشعيرات الصغرى على ريش الفرخ ، وكونها من زغب جبرئيل إما لكون التفاحة فيها وعرقت من بينها ، أو لأنه التصق بها بعض ذلك الزغب فأكله النبي .

وعن المفضل بن عمر قال : قلت لأبي عبد الله جعفر بن محمد : كيف كانت ولادة فاطمة ؟ قال : نعم ، إن خديجة عليها رضوان الله لما تزوج بها رسول الله هجرتها نسوة مكة ، فكن لا يدخلن عليها ولا يسلمن عليها ولا يتركن امرأة تدخل عليها ، فاستوحشت خديجة من ذلك ، فلما حملت بفاطمة صارت تحدثها في بطنها وتصبرها ، وكانت خديجة تكتم ذلك عن رسول الله . فدخل يوما وسمع خديجة تحدث فاطمة ، فقال لها : يا خديجة ، من يحدثك ؟ قالت : الجنين الذي في بطني يحدثني ويؤنسني .

فقال لها : هذا جبرئيل يبشرني أنها أنثى وأنها النسمة الطاهرة الميمونة ، وأن الله تبارك وتعالى سيجعل نسلي منها ، وسيجعل من نسلها أئمة في الأمة يجعلهم خلفاء في أرضه بعد انقضاء وحيه فلم تزل خديجة على ذلك إلى أن حضرت ولادتها ، فوجهت إلى نساء قريش ونساء بني هاشم يجئن ويلين منها ما تلي النساء من النساء ، فأرسلن إليها : عصيتينا ولم تقبلي قولنا ، وتزوجت محمدا يتيم أبي طالب فقيرا لا مال له ، فلسنا نجئ ولا نلي من أمرك شيئا فاغتمت خديجة لذلك ، فبينا هي كذلك إذ دخل عليها أربع نسوة طوال كأنهن من من نساء بني هاشم .

ففزعت منهن ، فقالت لها إحداهن : لا تحزني يا خديجة ، فإنا رسل ربك إليك ، ونحن أخواتك ، أنا سارة وهذه آسية بنت مزاحم وهي رفيقتك في الجنة ، وهذه مريم بنت عمران ، وهذه صفراء بنت شعيب ، بعثنا الله تعالى إليك لنلي من أمرك ما تلي النساء من النساء .

فجلست واحدة عن يمينها ، والأخرى عن يسارها ، والثالثة من بين يديها ، والرابعة من خلفها ، فوضعت خديجة فاطمة عليها السلام طاهرة مطهرة .

فلما سقطت إلى الأرض أشرق منها نور حتى دخل بيوتات مكة ، ولم يبق في شرق الأرض ولا غربها موضع إلا أشرق فيه ذلك النور فتناولتها المرأة التي كانت بين يديها ، فغسلتها بماء الكوثر ، وأخرجت خرقتين بيضاوين أشد بياضا من اللبن وأطيب رائحة من المسك والعنبر ، فلفتها بواحدة ، وقنعتها بالآخر ، ثم استنطقتها فنطقت فاطمة بشهادة " أن لا إله إلا الله ، وأن أبي رسول الله سيد الأنبياء وأن بعلي سيد الأوصياء ، وأن ولدي سيد الأسباط " ، ثم سلمت عليهن ، وسمت كل واحدة منهن باسمها ، وضحكن إليها ، وتباشرت الحور العين ، وبشر أهل الجنة بعضهم بعضا بولادة فاطمة ، وحدث في السماء نور زاهر لم تره الملائكة قبل ذلك اليوم ، فلذلك سميت " الزهراء " ، وقالت : خذيها يا خديجة طاهرة مطهرة ، زكية ميمونة ، بورك فيها وفي نسلها .

فتناولتها خديجة فرحة مستبشرة فألقمتها ثديها فشربت ، فدر عليها .

وكانت تنمي في كل يوم كما ينمي الصبي في الشهر ، وفي شهر كما ينمي الصبي في سنة صلى الله عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها .

وقيل : بينما النبي جالس بالأبطح ومعه عمار ابن ياسر والمنذر بن الضحضاح وأبو بكر وعمر وعلي بن أبي طالب والعباس بن عبد المطلب وحمزة بن عبد المطلب ، إذ هبط عليه جبرئيل في صورته العظمى ، قد نشر أجنحته حتى أخذت من المشرق إلى المغرب ، فناداه : يا محمد العلي الأعلى يقرئ عليك السلام وهو يأمرك أن تعتزل عن خديجة أربعين صباحا .

فشق ذلك على النبي وكان لها محبا وبها وامقا .

قال : فأقام النبي أربعين يوما يصوم النهار ويقوم الليل ، حتى إذا كان في آخر أيامه تلك ، بعث إلى خديجة بعمار بن ياسر وقال : قل لها : يا خديجة لا تظني أن انقطاعي عنك ( هجرة ) ولا قلى ، ولكن ربي عز وجل أمرني بذلك لتنفذ أمره ، فلا تظني يا خديجة إلا خيرا ، فإن الله عز وجل ليباهي بك كرام ملائكته كل يوم مرارا .

فإذا جنك الليل فأجيفي الباب وخذي مضجعك من فراشك فإني في منزل فاطمة بنت أسد . فجعلت خديجة تحزن في كل يوم مرارا لفقد رسول الله . فلما كان في كمال الأربعين هبط جبرئيل فقال : يا محمد ، العلي الأعلى يقرئك السلام وهو يأمرك ، أن تتأهب لتحيته وتحفته ، قال النبي : يا جبرئيل ، وما تحفة رب العالمين ؟ وما تحيته ؟ قال : لا علم لي . قال : فبينما النبي كذلك إذ هبط ميكائيل ومعه طبق مغطى بمنديل سندس - أو قال إستبرق - فوضعه بين يدي البني حسست بثقل فاطمة في بطني . ولقد علق العلامة الهمداني على هذا الحديث بقوله : يستفاد من هذا الحديث الشريف أمور مهمة وفوائد عظيمة هي دالة على سمو جلالة بضعة خير المرسلين ، وعلو منزلة زوجة أفضل الوصيين وأم الأئمة الطاهرين - صلوات الله عليهم أجمعين . منها نزول جبرئيل على صورته الأصلية كنزوله في أول البعثة .

ففي " البحار " ج 18 / ص 247 : " إن محمدا كان بحراء ، فطلع له جبرئيل من المشرق ، فسد الأفق إلى المغرب " .

ومعلوم أن مجيئه على هذه الهيئة لأمر عظيم . ومنها اعتكافه أربعين يوما في بيت فاطمة بنت أسد - رضي الله عنها - قائما ليله ، صائما نهاره ، واعتزاله عن الناس وعن زوجته الكريمة خديجة الكبرى سلام الله عليها ، كما كان معتكفا ومعتزلا في أول البعثة بحراء ، نعم كان اعتكافه يومئذ لأجل أن يكون مهيئا للنبوة والرسالة ، وفي هذا الموقف لكونه متأهبا للتحفة الإلهية التي ستكون منشأ الإمامة والولاية ، بل هي عنصر شجرة النبوة كما جاء عن الباقر .

ومنها نزول ترك سنته في إفطاره ، من إدخال كل من يرد للإفطار ، واختصاصه بذلك الطعام .

ومنها ترك سنته في التطهر عند وروده  المنزل للصلاة عند النوم .

ولا يخفى أن الترك إنما يكون للأهم ، فتفطن .

تحقيق وتبيين الذي يستفاد من الأخبار والأحاديث التي وصلت إلينا من طريق أهل البيت إن فاطمة ولدت على فطرة الإسلام وبعد نزول الوحي على أبيها خلافا لما في بعض كتب العامة ، فإليك بعض نصوصها :

1 - قال علي بن الحسين في حديث طويل : ولم يولد لرسول الله من خديجة على فطرة الإسلام إلا فاطمة ، وقد كانت خديجة قبل الهجرة بسنة ، ومات أبو طالب بعد موت خديجة بسنة . . .

 2 - عن حبيب السجستاني قال : سمعت أبا جعفر يقول : ولدت فاطمة بنت محمد بعد مبعوث رسول الله بخمس سنين ، وتوفيت ولها ثماني عشرة سنة وخمسة وسبعون يوما .

 3 - عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله قال : ولدت فاطمة في جمادي الآخرة اليوم العشرين منها سنة خمس وأربعين من مولد النبي ، فأقامت بمكة ثمان سنين ، وبالمدينة عشر سنين وبعد وفاة أبيها خمسا وسبعين يوما .

 4 - قال ابن الخشاب في تاريخ مواليد ووفاة أهل البيت نقله عن شيوخه يرفعه عن أبي جعفر محمد بن علي قال : ولدت فاطمة بعد ما أظهر الله نبوة نبيه وأنزل عليه الوحي بخمس سنين وقريش تبني البيت ، وتوفيت ولها ثمانية عشر سنة وخمسة وسبعون يوما  .

أقول : قوله " وقريش تبني البيت " لا تنطبق على نزول الوحي ، لأن بناء البيت منهم كان قبل المبعث .

ثم في هذا الموقف أخبار تؤكد وتؤيد مضامين تلك الأخبار ، وهي روايات تدل على أنه أسري به إلى السماء وأدخل الجنة فتناول من ثمار الجنة ، فلما رجع واقع خديجة فتكونت نطفة فاطمة الزهراء من تلك الثمار ، ومعلوم إن قضية الإسراء وقعت بعد البعثة بلا خلاف .

العودة إلى الصفحة الرئيسية

www.mezan.net <‎/TITLE> ‎<META HTTP-EQUIV="Content-Type" CONTENT="text/html; charset=windows-1256">‎ ‎<META NAME="keywords" CONTENT=" السيد محمد حسين فضل الله في الميزان ">‎ ‎<META NAME="description" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله في كتبه ">‎ ‎<META NAME="author" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله بصوته ">‎ ‎<META NAME="copyright" CONTENT=" رأي المراجع العظام والعلماء ">‎ <‎/HEAD>