معجزات وكرامات الزهراء

وذلك بالاطلاع على معاجزها وكراماتها المحيرة للعقول والأفكار سواء في حياتها أو بعد شهادتها وما أنبأت به من غيب وأسرار تعجز أكثر العقول البشرية عن الإحاطة بها والإلمام بحقائق دقائقها ، وما كانت عليه من أخلاق عالية وشرف رفيع ، وسمو أدب وكرامة نفس وسخاء طبع لا مثله سخاء وعبادة لا نظير لها ، وعلى هذا الأساس سيكون كلامنا في هذا المقام في أمرين وهما :

معجزاتها في حياتها * روي أن سلمان قال : كانت فاطمة جالسة قدامها رحى تطحن بها الشعير ، وعلى عمود الرحى دم سائل ، والحسين في ناحية الدار ( يتضور من الجوع ) .

فقلت : يا بنت رسول الله ، دبرت كفاك ، وهذه فضة ، فقالت : أوصاني رسول الله أن تكون الخدمة لها يوما ، فكان أمس يوم خدمتها . قال سلمان : قلت إني مولى عناقة ، إما أنا أطحن الشعير أو أسكت الحسين لك ؟ فقالت : أنا بتسكيته أرفق ، وأنت تطحن الشعير .

فطحنت شيئا من الشعير ، فإذا أنا بالإقامة ، فمضيت وصليت مع رسول الله ، فلما فرغت قلت لعلي ما رأيت ، فبكى وخرج ، ثم عاد فتبسم . فسأله عن ذلك رسول الله قال : دخلت على فاطمة وهي مستلقية لقفاها ، والحسين نائم على صدرها ، وقدامها رحى تدور من غير يد .

فتبسم رسول الله وقال : يا علي ، أما علمت أن لله ملائكة سيارة في الأرض يخدمون محمدا وآل محمد إلى أن تقوم الساعة .

وروي عن أسامة بن زيد ، قال : افتقد رسول الله ذات يوم عليا ، فقال : اطلبوا إلي أخي في الدنيا والآخرة ، اطلبوا إلي فاصل الخطوب اطلبوا إلي المحكم في الجنة في اليوم المشهود ، اطلبوا إلي حامل لوائي في المقام المحمود .

قال أسامة : فلما سمعت من رسول الله ذلك ، بادرت إلى باب علي ، فناداني رسول الله من خلفي : يا أسامة ، عجل علي بخبره وذلك بين الظهر والعصر .

فدخلت فوجدت عليا كالثوب الملقى لاطيا بالأرض ، ساجدا يناجي الله تعالى ، وهو يقول : سبحان الله الدائم ، فكاك المغارم ، رزاق البهائم ، ليس له في ديمومته ابتداء ، ولا زوال ولا انقضاء .

فكرهت أن أقطع عليه ما هو فيه حتى يرفع رأسه ، وسمعت أزيز الرحى فقصدت نحوها لأسلم على فاطمة وأخبرها بقول رسول الله في بعلها ، فوجدتها راقدة على شقها الأيمن ، مخمرة وجهها بجلبابها - وكان من وبر الإبل - وإذا الرحى تدور بدقيقها ، وإذا كف يطحن عليها برفق ، وكف أخرى تلهي الرحى ، لها نور ، لا أقدر أن أملي عيني منها ، ولا أرى إلا اليدين بغير أبدان ، فامتلأت فرحا بما رأيت من كرامة الله لفاطمة .

فرجعت إلى رسول الله وتباشير الفرح في وجهي بادية ، وهو في نفر من أصحابه ، قلت : يا رسول الله ! انطلقت أدعو عليا ، فوجدته كذا وكذا ، وانطلقت نحو فاطمة فوجدتها راقدة على شقها الأيمن . ورأيت كذا وكذا ! فقال : يا أسامة ! أتدري من الطاحن ، ومن الملهي لفاطمة ؟ إن الله قد غفر لبعلها بسجدته سبعين مغفرة ، واحدة منها لذنوبه ما تقدم منها وما تأخر ، وتسعة وستين مذخورة لمحبيه ، يغفر الله بها بها ذنوبهم يوم القيامة .

وإن الله تعالى رحم ضعف فاطمة لطول قنوتها بالليل ، ومكابدتها للرحى والخدمة في النهار ، فأمر الله تعالى وليدين من الولدان المخلدين أن يهبطا في أسرع من الطرف ، وإن أحدهما ليطحن ، والآخر ليلهي رحاها . وإنما أرسلتك لترى وتخبر بنعمة الله علينا ، فحدث يا أسامة ! لو تبديا لك لذهب عقلك من حسنهما ، وإنما سألتني خادما فمنعتها ، فأخدمها الله بذلك سبعين ألف ألف وليدة في الجنة ، الذين رأيت منهن . وإنا من أهل بيت اختار الله لنا الآخرة الباقية على الدنيا الفانية.

وعن حماد بن سلمة ، عن حميد الطويل ، عن أنس قال : سألني الحجاج بن يوسف عن حديث عائشة ، وحديث القدر التي رأت في بيت فاطمة بنت سول الله وهي تحركها بيدها ، قلت : نعم أصلح الله الأمير دخلت عائشة على فاطمة وهي تعمل للحسن والحسين عليهما السلام حريرة بدقيق ولبن وشحم ، في قدر ، والقدر على النار يغلي ( وفاطمة صلوات الله عليها ) تحرك ما في القدر بإصبعها ، والقدر على النار يبقبق .

فخرجت عائشة فزعة مذعورة ، حتى دخلت على أبيها ، فقالت : يا أبه ، إني رأيت من فاطمة الزهراء أمرا عجيبا [ عجبا ] ، رأيتها وهي تعمل في القدر ، والقدر على النار يغلي ، وهي تحرك ما في القدر بيدها ! فقال لها : يا بنية ! اكتمي ، فإن هذا أمر عظيم . فبلغ رسول الله ، فصعد المنبر ، وحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : إن الناس يستعظمون ويستكثرون ما رأوا من القدر والنار ، والذي بعثني بالرسالة ، واصطفاني بالنبوة ، لقد حرم الله تعالى النار على لحم فاطمة ، ودمها ، وشعرها ، وعصبها ، [ وعظمها ] وفطم من النار ذريتها وشيعتها . إن من نسل فاطمة من تطيعه النار ، والشمس ، والقمر ، والنجوم ، والجبال ، وتضرب الجن بين يديه بالسيف ، وتوافي إليه الأنبياء بعهودها ، وتسلم إليه الأرض كنوزها ، وتنزل عليه من السماء بركات ما فيها .

الويل لمن شك في فضل فاطمة . [ لعن الله من يبغضها ] لعن الله من يبغض بعلها ، ولم يرض بإمامة ولدها . إن لفاطمة يوم القيامة موقفا ، ولشيعتها موقفا . وإن فاطمة تدعى فتكسى ، وتشفع فتشفع ، على رغم كل راغم .

روي عن جابر بن عبد الله قال : إن رسول الله أقام أياما ولم يطعم طعاما حتى شق ذلك عليه ، فطاف في ديار أزواجه فلم يصب عند إحداهن شيئا ، فأتى فاطمة فقال : يا بنية ! هل عندك شئ آكله ، فإني جائع ؟ قالت : لا - والله - بنفسي وأمي . فلما خرج عنها ، بعثت جارية لها رغيفين وبضعة لحم ، فأخذته ووضعته في جفنة وغطت عليها ، وقال : لأوثرن بها بهذا رسول الله ، فرجع إليها فقالت : قد أتانا الله بشئ فخبأته لك ، فقال : هلمي يا بنية ، فكشفت الجفنة ، فإذا هي مملوءة خبزا ولحما ، فلما نظرت إليه بهتت وعرفت أنه من عند الله ، فحمدت الله ، وصلت على نبيه أبيها ، وقدمته إليه فلما رآه حمد الله . وقال : من أين لك هذا ؟ قالت : هو من عند الله ، * ( إن الله يزرق من يشاء بغير حساب ) .

فبعث رسول الله إلى علي ، فدعاه وأحضره ، وأكل رسول الله وعلي وفاطمة والحسن والحسين ، وجميع أزواج النبي حتى شبعوا . قالت فاطمة : وبقيت الجفنة كما هي ، فأوسعت منها على جميع جيراني ، جعل الله فيها بركة وخيرا كثيرا .

وعن أبي الفرج محمد بن أحمد المكي ، عن المظفر بن أحمد بن عبد الواحد ، عن محمد بن علي الحلواني ، عن كريمة بنت أحمد بن محمد الروندي ، وأخبرني أيضا به عاليا قاضي القضاة محمد بن الحسين البغدادي ، عن الحسين ابن محمد بن علي الزينبي ، عن الكريمة فاطمة بنت أحمد بن محمد المروزية بمكة حرسها الله تعالى ، عن أبي علي زاهر بن أحد ، عن معاذ بن يوسف الجرجاني ، عن أحمد بن محمد بن غالب ، عن عثمان بن أبي شيبة ، عن نمير ، عن مجالد ، عن ابن عباس ، قال : خرج أعرابي من بني سليم يتبدى في البرية ، فإذا هو بضب قد نفر من بين يديه ، فسعى وراءه حتى اصطاده ، ثم جعله في كمه ، وأقبل يزدلف نحو النبي - إلى أن قال - فقال : من يزود الأعرابي ، وأضمن له على الله عز وجل زاد التقوى . قال : فوثب إليه سلمان الفارسي فقال : فداك أبي وأمي وما زاد التقوى ؟ قال : يا سلمان ، إذا كان آخر يوم من الدنيا ، لقنك الله عز وجل قول : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، فإن أنت قلتها لقيتني ولقيتك ، وإن أنت لم تقلها لم تلقني ولم ألقك أبدا . قال : فمضى سلمان حتى طاف تسعة أبيات من بيوت رسول الله فلم ، يجد عندهن شيئا ، فلما أن ولى راجعا نظر إلى حجرة فاطمة . فقال : إن يكن خير فمن منزل فاطمة بنت محمد ، فقرع الباب ، فأجابته من وراء الباب : من بالباب ؟ فقال لها : أنا سلمان الفارسي . فقالت له : يا سلمان ! وما تشاء ؟ فشرح قصة الأعرابي والضب مع النبي . قالت له : يا سلمان ! والذي بعث محمدا بالحق نبيا إن لنا ثلاثا ما طعمنا ، وإن الحسن والحسين قد اضطربا علي من شدة الجوع ، ثم رقدا كأنهما فرخان منتوفان ، ولكن لا أرد الخير [ إذا نزل الخير ببابي ] يا سلمان ، خذ درعي هذا ، ثم امض به إلى شمعون اليهودي ، وقل له : تقول فاطمة بنت محمد : أقرضني عليه صاعا من تمر وصاعا من شعير أرده عليك إن شاء الله تعالى .

قال : فأخذ سلمان الدرع ، ثم أتى به إلى شمعون اليهودي ، قال : فأخذ شمعون الدرع ، ثم جعل يقلبه في كفه وعيناه تذرفان بالدموع وهو يقول : يا سلمان ! هذا هو الزهد في الدنيا ، هذا الذي أخبرنا به موسى بن عمران في التوراة ، أنا أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، فأسلم وحسن إسلامه . ثم دفع إلى سلمان صاعا من تمر ، وصاعا من شعير ، فأتى به سلمان إلى فاطمة ،  فطحنته بيدها ، واختبزته ، ثم أتت به إلى سلمان ، فقالت له : خذه وامض به إلى النبي .

قال : فقال لها سلمان : يا فاطمة ، خذي منه قرصا تعللين به الحسن والحسين . فقالت : يا سلمان ، هذا شئ أمضيناه لله عز وجل لسنا نأخذ منه شيئا . قال : فأخذه سلمان ، فأتى به النبي ، فلما نظر النبي إلى سلمان قال له : يا سلمان ، من أين لك هذا ؟ قال : من منزل بنتك فاطمة . قال : وكان النبي لم يطعم طعاما منذ ثلاث . قال : فوثب النبي حتى ورد إلى حجرة فاطمة ، فقرع الباب ، وكان إذا قرع النبي الباب لا يفتح له الباب إلا فاطمة ، فلما أن فتحت له الباب ، نظر النبي إلى صفار وجهها وتغير حدقتيها . فقال لها : يا بنية ، ما الذي أراه من صفار وجهك وتغير حدقيك ؟ فقالت : يا أبة ، إن لنا ثلاثا ما طعمنا طعاما ، وإن الحسن والحسين قد اضطربا علي من شدة الجوع ، ثم رقدا كأنهما فرخان منتوفان . قال : فأنبهما النبي فأخذ واحدا على فخذه الأيمن ، والآخر على فخذه الأيسر ، وأجلس فاطمة بين يديه واعتنقها النبي ، ودخل علي بن أبي طالب ، فاعتنق النبي من ورائه ، ثم رفع النبي طرفه نحو السماء ، فقال : إلهي وسيدي ومولاي ، هؤلاء أهل بيتي ، اللهم أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ! قال : ثم وثبت فاطمة بنت محمد حتى دخلت إلى مخدع لها ، فصفت قدميها ، فصلت ركعتين ثم رفعت باطن كفيها إلى السماء وقالت : إلهي وسيدي ، هذا محمد نبيك ، وهذا علي ابن عم نبيك ، وهذان الحسن والحسين سبطا نبيك ، إلهي أنزل علينا مائدة [ من السماء ] كما أنزلتها علي بني إسرائيل ، أكلوا منها وكفروا بها ، اللهم أنزلها علينا فإنا بها مؤمنون .

قال ابن عباس : - والله - ما استتمت الدعوة ، فإذا هي بصحفة من ورائها يفور قتارها ، وإذا قتارها ( 1 ) أزكى من المسك الأذفر ، فاحتضنتها . ثم أتت بها إلى النبي وعلي والحسن والحسين ، فلما أن نظر إليها علي بن أبي طالب قال لها : يا فاطمة ، من أين لك هذا ؟ ولم يكن أجد عندك شيئا ! فقال له النبي : كل يا أبا الحسن ، ولا تسأل ، الحمد لله الذي لم يمتني حتى رزقني ولدا ، مثلها مثل مريم بنت عمران * ( كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب )

قال : فأكل النبي وعلي والحسن والحسين ، وخرج النبي   .

وعن عبيد بن كثير - معنعنا - عن أبي سعيد الخدري قال : أصبح علي بن أبي طالب ذات يوم فقال : يا فاطمة ! هل عندك شئ تغذينه ؟ قالت : لا ، والذي أكرم أبي بالنبوة ، وأكرمك بالوصية ، ما أصبح الغداة عندي شئ وما كان شئ أطعمنا مذ يومين إلا شئ كنت أوثرك به على نفسي وعلى ابني هذين الحسن والحسين . فقال علي : يا فاطمة ! إلا كنت أعلمتني فأبغيكم شيئا ؟ فقالت : يا أبا الحسن ! أني لأستحي من إلهي أن أكلف نفسك ما لا تقدر عليه .

فخرج علي بن أبي طالب من عند فاطمة واثقا بالله بحسن الظن بالله فاستقرض دينارا ، فبينا الدينار في يد علي بن أبي طالب يريد أن يبتاع لعياله ما يصلحهم ، فتعرض له المقداد بن الأسود في يوم شديد الحر ، قد لوحته الشمس من فوقه وآذته من تحته ، فلما رآه علي بن أبي طالب أنكر شأنه ، فقال : يا مقداد ! ما أزعجك هذه الساعة من رحلك ! قال : يا أبا الحسن خلي سبيلي ولا تسألني عما ورائي . فقال : يا أخي إنه لا يسعني أن تجاوزني حتى أعلم علمك . فقال : يا أبا الحسن ! رغبة إلى الله وإليك أن تخلي سبيلي ولا تكشفني عن حالي . فقال ‹ صفحة 348 › له : يا أخي أنه لا يسعك أن تكتمني حالك .

فقال : يا أبا الحسن ! أما إذا أبيت فوالذي أكرم محمدا بالنبوة ، وأكرمك بالوصية ، ما أزعجني من رحلي ، إلا الجهد ، وقد تركت عيالي يتضرعون جوعا ، فلما سمعت بكاء العيال لم تحملني الأرض ، فخرجت مهموما راكبا رأسي ، هذه حالي وقصتي ، فانهملت عينا ، علي بالبكاء حتى بلت دمعته لحيته ، فقال له : أحلف بالذي حلفت ، ما أزعجني إلا الذي أزعجك من رحلك ، فقد استقرضت دينارا ، فقد آثرتك على نفسي ، فدفع الدينار إليه ، ورجع حتى دخل مسجد النبي فصلى فيه يوم الظهر والعصر والمغرب .

فلما قضى رسول الله المغرب مر بعلي بن أبي طالب وهو في الصف الأول ، فغمزه برجله ، فقام علي متعقبا خلف رسول الله حتى لحقه على باب من أبواب المسجد ، فسلم عليه فرد رسول الله عليه السلام .

فقال : يا أبا الحسن ! هل عندك شئ نتعشاه فنميل معك ؟ فمكث مطرقا لا يحير جوابا ، حياء من رسول الله ، وهو يعلم ما كان من أمر الدينار ومن أين أخذه ، وأين وجهه ، وقد كان أوحى الله تعالى إلى نبيه محمد أن يتعشى الليلة عند علي ابن أبي طالب . فلما نظر رسول الله إلى سكوته ، فقال : يا أبا الحسن ! ما لك لا تقول : لا ، فانصرف ، أو تقول : نعم ، فأمضي معك ؟ فقال - حياء وتكرما - : فاذهب بنا ؟ فأخذ رسول الله يد علي بن أبي طالب فانطلقا حتى دخلا على فاطمة الزهراء وهي في مصلاها قد قضت صلاتها ، وخلفها جفنة تفور دخانا ، فلما سمعت كلام رسول الله في رحلها ، خرجت من مصلاها ، فسلمت عليه ، وكانت أعز الناس إليه ، فرد ، ومسح على رأسها ، وقال لها : يا بنتاه ! كيف أمسيت رحمك الله .

قالت : بخير ، قال عشينا غفر الله لك ، وقد فعل . فأخذت الجفنة فوضعتها بين يدي النبي وعلي بن أبي طالب عليهما الصلاة والسلام . فلما نظر علي بن أبي طالب إلى الجفنة والطعام وشم ريحه ، رمى فاطمة ببصره رميا شحيحا قالت : له فاطمة سبحان الله ، ما أشح نظرك وأشده ! هل أذنبت فيما بيني وبينك ذنبا استوجبت به السخطة ؟ ! قال : وأي ذنب أعظم من ذنب أصبته ، أليس عهدي إليك اليوم الماضي وأنت تحلفين بالله مجتهدة ، ما طعمت طعاما مذ يومين ؟ قال : فنظرت إلى السماء ، فقالت : إلهي يعلم في سمائه ويعلم في أرضه أني لم أقل إلا حقا . فقال لها : يا فاطمة ! أنى لك هذا الطعام الذي لم أنظر إلى مثل لونه قط ، ولم أشم مثل ريحه قط ، وما لم آكل أطيب منه قط ؟ قال : فوضع رسول الله كفه الطيبة المباركة بين كتفي علي بن أبي طالب ، فغمزها ، ثم قال : يا علي ! هذا بدل دينارك ، وهذا جزاء دينارك من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب . ثم استعبر النبي باكيا ، ثم قال : الحمد لله الذي هو أبي لكم أن تخرجا من الدنيا حتى يجزيكما ، ويجزيك يا علي ، مجرى زكريا ، ويجري فاطمة مجرى مريم بنت عمران ( كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا ) .

وروي عن يوسف بن يحيى ، عن أبيه ، عن جده ، قال : رأيت رجلا بمكة شديد السواد له بدن ، وخلق غابر ، وهو ينادي : أيها الناس ، دلوني على أولاد محمد ، فأشار إليه بعضهم وقال : ما لك ؟ قال : أنا فلان بن فلان . قالوا : كذبت إن فلانا كان صحيح البدن صبيح الوجه ، وأنت شديد السواد غابر الخلق .

قال : وحق محمد أني لفلان ، اسمعوا حديثي .

اعلموا أني كنت جمال الحسين ، فلما أن صرنا إلى بعض المنازل برز للحاجة وأنا معه فرأيت تكة لباسه وكان أهداها ملك فارس حين تزوج بنت أخيه شاه زنان بنت يزدجرد ، فمنعني هيبة أسألها إياه ، فدرت حوله لعلي أسرقها ، فلم أقدر عليها . فلما صار القوم بكربلاء ، وجرى ما جرى ، وصارت أبدانهم ملقاة تحت سنابك الخيل ، أقبلنا نحو الكوفة راجعين ، فلما أن صرت إلى بعض الطريق ذكرت التكة ، فقلت في نفسي : قد خلا ما عنده ، فصرت إلى موضع المعركة ، فقربت منه . فإذا هو مرمل بالدماء ، قد حز رأسه من القفا ، وعليه جراحات كثيرة من السهام والرماح ، فمددت يدي إلى التكة وهممت أن أحل عقدها ، فرفع يده وضرب بها يدي ، فكادت أوصالي وعروقي تتقطع ، ثم أخذ التكة من يدي ، فوضعت رجلي على صدره وجهدت جهدي لأزيل إصبعا من أصابعه ، فلم أقدر ، فأخرجت سكينا كان معي ، فقطعت أصابعه ثم مددت يدي إلى التكة ، وهممت بحلها ثانيا ، فرأيت خيلا أقبلت من نحو الفرات ، وشممت رائحة لم أشم رائحة أطيب منها ، فلما رأيتهم قلت : إنا لله وإنا إليه راجعون ، إنما أقبلوا هؤلاء لينظروا إلى كل إنسان به رمق " فيجهزوا عليه " . فصرت بين القتلى ، وغاب عني عقلي من شدة الجزع .

فإذا رجل يقدمهم - كان وجهه الشمس - وهو ينادي : أنا محمد رسول الله ، والثاني ينادي : أنا حمزة أسد الله ، والثالث ينادي : أنا جعفر الطيار ، والرابع ينادي : أنا الحسن بن علي . وأقبلت فاطمة وهي تبكي وتقول : حبيبي ، وقرة عيني ، أبكي على رأسك المقطوع ، أم على يديك المقطوعتين ، أم على بدنك المطروح ، أم على أولادك الأسارى . ثم قال النبي : أين رأس حبيبي وقرة عيني الحسين ، فرأيت الرأس في كف النبي ، فوضعه على بدن الحسين ، فاستوى جالسا ، فاعتنقه النبي وبكى - فذكر الحديث - إلى أن قال - : فمن قطع أصابعك ، فقال الحسين : هذا الذي يختبئ يا جداه - إلى أن قال - : فقال : يا عدو الله ! ما حملك على قطع أصابع حبيبي وقرة عيني الحسين - إلى أن قال : - ثم قال النبي : اخسأ يا عدو الله ! غير الله لونك ، فقمت ، فإذا أنا بهذه الحالة .

وروي أن رجلا كان محبوسا بالشام مدة طويلة مضيقا عليه ، فرأى في منامه كان الزهراء صلوات الله عليها أتته فقالت : أدع بهذا الدعاء ، فتعلمه ودعا به فتخلص ورجع إلى منزله وهو : اللهم بحق والعرش ومن علاه ، وبحق الوحي ومن أوحاه ، وبحق النبي من نباه ، وبحق البيت ومن بناه ، ويا سامع كل صوت ، ويا جامع كل فوت ، يا بارئ النفوس بعد الموت ، صل على محمد وأهل بيته ، وآتنا وجميع المؤمنين والمؤمنات في مشارق الأرض ومغاربها فرجا من عندك ، عاجلا بشهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا عبدك ورسولك ، صلى الله عليه وعلى ذريته الطيبين الطاهرين وسلم تسليما .

وفي جواهر العقدين للشريف السمهودي المصري من العجائب أن أبا الحسن نصر بن عيين الشاعر توجه إلى مكة المعظمة ومعه متاع ومال ، فخرج عليه بعض الأشراف من بني داود المقيمين بوادي الصغرى فأخذوا ما كان معه وجرحوه فكتب قصيدة إلى الملك ، الناصر أن يذهب بالساحل ويفتحه من أيدي الإفرنج القصيدة هذه : أغنت صفاتك ذاك المصقع اللسنا * جزت بالجود حد الحسن والمحسنا ولا تقل ساحل الإفرنج اقتحمه * فما يساوي إذا قاسيته عدنا طهر سيفك بيت الله من دنس * وما أحاط به من خسة وخنا ولا تقل إنهم أولاد فاطمة * لو أدركوا آل حرب حاربوا الحسنا فلم أتم هذه القصيدة رأى في النوم فاطمة وهي تطوف بالبيت فسلم عليها فلم تجبه ، فتضرع إليها وتذلل عندها وسألها عن ذنبه الذي أوجب ذلك ، فأنشدت فاطمة هذه القصيدة : حاشا بني فاطمة كلهم * من خسة يعرض أو من خنا وإنما أيام في غدرها * وفعلها السوء أساءت بنا لئن جنا من ولدي واحد * تجعل كل السب عمدا لنا فتب إلى الله فمن يقترف * إثما بنا لا يأمن مما جنا فاصفح لأجل المصطفى أحمد * ولا تثر من آله أعينا فكل ما نالك منهم غدا * تلقى به في الحشر منامنا ثم صب بيدها المباركة المكرمة المقدسة شيئا شبيه الماء على جرحه ، ثم أيقظ من منامه فرأى أن جراحته التي كانت في بدنه صارت ملتئمة صحيحة ، فكتب فورا قصيدة فاطمة التي أنشدتها في رؤياه ، ثم قال معتذرا : عذر إلى بنت نبي الهدى * تصفح عن ذنب محب جنا وتوبة تقبلها عن أخي * مقالة توقعها في العنا والله لو قطعني واحد * منهم بسيف البغي أو بالقنا لم أره بفعله ظالما * بل إنه في فعله أحسنا فكتب هذه الحكاية إلى ملك اليمن فأرسل الملك الهدايا الكثيرة لهذه الأشراف وأهل مكة وهذه القصيدة مشهورة بين الناس ومسطورة في ديوان ابن عيين .

وروي أن عليا أستقرض من يهودي شعيرا ، فاسترهنه شيئا فدفع إليه ملاءة فاطمة ، رهنا ، وكانت من الصوف فأدخلها اليهودي إلى داره ووضعها في البيت . فلما كانت الليلة دخلت زوجته البيت الذي فيه الملاءة بشغل ، فرأت نورا ساطعا في البيت أضاء به كله فانصرفت إلى زوجها ، فأخبرته بأنها رأت في ذلك البيت ضوءا عظيما فتعجب اليهودي من ذلك وقد نسي أن في بيته ملاءة فاطمة . فنهض مسرعا ودخل البيت فإذا ضياء الملاءة ينشر شعاعها كأنه يشتعل من بدر منير ، يلمع من قريب فتعجب من ذلك ، فأنعم النظر في موضع الملاءة ، فعلم أن ذلك النور من ملاءة فاطمة ، فخرج اليهودي يعدو إلى أقربائه وزوجته تعدوا إلى أقربائها فاجتمع ثمانون من اليهود فرأوا ذلك فأسلموا كلهم .

وعن سلمان الفارسي : أنه لما استخرج أمير المؤمنين من منزله ، خرجت فاطمة حتى انتهت إلى القبر ، فقالت خلوا عن ابن عمي فوالذي بعث محمدا بالحق لئن لم تخلوا عنه لأنشرن شعري ولأضعن قميص رسول الله على رأسي ، ولأصرخن إلى الله ، فما ناقة صالح بأكرم على الله من ولدي . قال سلمان : فرأيت والله أساس حيطان المسجد تقلعت من أسفلها ، حتى لو أراد الرجل أن ينفذ من تحتها نفذ فدنوت منها وقلت : يا سيدتي ومولاتي : إن الله تبارك وتعالى بعث أباك رحمة فلا تكوني نقمة ، فرجعت الحيطان حتى سطعت الغبرة من أسفلها فدخلت في غياشيمنا .

العودة إلى الصفحة الرئيسية

www.mezan.net <‎/TITLE> ‎<META HTTP-EQUIV="Content-Type" CONTENT="text/html; charset=windows-1256">‎ ‎<META NAME="keywords" CONTENT=" السيد محمد حسين فضل الله في الميزان ">‎ ‎<META NAME="description" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله في كتبه ">‎ ‎<META NAME="author" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله بصوته ">‎ ‎<META NAME="copyright" CONTENT=" رأي المراجع العظام والعلماء ">‎ <‎/HEAD>