مثل رائع

ومثل الاختيار بالاستطاعة مثل رجل ملك عبدا ، وملك مالا كثيرا ، أحب أن يختبر عبده على علم منه بما يؤول إليه ، فملكه من ماله بعض ما أحب ، ووقفه على أمور عرفها العبد ، فأمره أن يصرف ذلك المال فيها ، ونهاه عن أسباب لم يحبها ، وتقدم إليه أن يجتنبها ولا ينفق من ماله فيها ، والمال يتصرف في أي الوجهين ، فصرف المال أحدهما في اتباع أمر المولى ورضاه ، والآخر صرفه في اتباع نهيه وسخطه .

وأسكنه دار اختبار ، أعلمه أنه غير دائم له السكنى في الدار ، وأن له دارا غيرها ، وهو مخرجه إليها ، فيها ثواب وعقاب دائمان ، فإن أنفذ العبد المال الذي ملكه مولاه في الوجه الذي أمره به ، جعل له ذلك الثواب الدائم في تلك الدار التي أعلمه أنه مخرجه إليها ، وإن أنفق المال في الوجه الذي نهاه عن إنفاقه فيه ، جعل له ذلك العقاب الدائم في دار الخلود .

وقد حد المولى في ذلك حدا معروفا وهو المسكن الذي أسكنه في الدار الأولى ، فإذا بلغ الحد استبدل المولى بالمال وبالعبد ، على أنه لم يزل مالكا للمال والعبد في الأوقات كلها ، إلا أنه وعد أن لا يسلبه ذلك المال ما كان في تلك الدار الأولى إلى أن يستتم سكناه فيها ، فوفى له ، لأن من صفات المولى العدل والوفاء والنصفة والحكمة ، أو ليس يجب إن كان ذلك العبد صرف ذلك المال في الوجه المأمور به أن يفي له بما وعده من الثواب ؟ وتفضل عليه بأن استعمله في دار فانية وأثابه على طاعته فيها نعيما دائما في دار باقية دائمة .

وإن صرف العبد المال الذي ملكه مولاه أيام سكناه تلك الدار الأولى في الوجه المنهي عنه ، وخالف أمر مولاه ، كذلك تجب عليه العقوبة الدائمة التي حذره إياها ، غير ظالم له لما تقدم إليه وأعلمه وعرفه وأوجب له الوفاء بوعده ووعيده ، بذلك يوصف القادر القاهر .

وأما المولى فهو الله جل وعز ، وأما العبد فهو ابن آدم المخلوق ، والمال قدرة الله الواسعة ، ومحنته إظهار [ ه ] الحكمة والقدرة ، والدار الفانية هي الدنيا ، وبعض المال الذي ملكه مولاه هو الاستطاعة التي ملك ابن آدم ، والأمور التي أمر الله بصرف المال إليها هو الاستطاعة لاتباع الأنبياء ، والإقرار بما أوردوه عن الله جل وعز ، واجتناب الأسباب التي نهى عنها هي طرق إبليس .

وأما وعده فالنعيم الدائم وهي الجنة ، وأما الدار الفانية فهي الدنيا ، وأما الدار الأخرى فهي الدار الباقية وهي الآخرة .

والقول بين الجبر والتفويض هو الاختبار والامتحان والبلوى بالاستطاعة التي ملك العبد . وشرحها في الخمسة الأمثال التي ذكرها الصادق مثل رائع أنها جمعت جوامع الفضل ، وأنا مفسرها بشواهد من القرآن والبيان إن شاء الله .

العودة إلى الصفحة الرئيسية

www.mezan.net <‎/TITLE> ‎<META HTTP-EQUIV="Content-Type" CONTENT="text/html; charset=windows-1256">‎ ‎<META NAME="keywords" CONTENT=" السيد محمد حسين فضل الله في الميزان ">‎ ‎<META NAME="description" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله في كتبه ">‎ ‎<META NAME="author" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله بصوته ">‎ ‎<META NAME="copyright" CONTENT=" رأي المراجع العظام والعلماء ">‎ <‎/HEAD>