إبطال التجسيم والتشبيه

- عن إبراهيم بن محمد الهمداني ، قال : كتبت إلى الرجل : أن من قبلنا من مواليك قد اختلفوا في التوحيد ، فمنهم من يقول جسم ، ومنهم من يقول صورة ، فكتب بخطه : سبحان من لا يحد ولا يوصف ، ليس كمثله شيء وهو السميع العليم ، أو قال : البصير .

- وعن حمزة بن محمد ، قال : كتبت إلى أبي الحسن أسأله عن الجسم والصورة ، فكتب : سبحان من ليس كمثله شيء ، لا جسم ولا صورة .

- وعن محمد بن الفرج الرخجي ، قال : كتبت إلى أبي الحسن أسأله عما قال هشام بن الحكم في الجسم ، وهشام بن سالم في الصورة ، فكتب : دع عنك حيرة الحيران ، واستعذ بالله من الشيطان ، ليس القول ما قال الهشامان .

- وعن الصقر بن دلف ، قال : سألت أبا الحسن علي بن محمد بن علي بن موسى الرضا عن التوحيد ، وقلت له : إني أقول بقول هشام بن الحكم ، فغضب ثم قال : ما لكم ولقول هشام ، إنه ليس منا من زعم أن الله جسم ، نحن منه براء في الدنيا والآخرة . يا بن دلف ، إن الجسم محدث ، والله محدثه ومجسمه .

- وعن الفتح بن يزيد الجرجاني ، عن أبي الحسن ، قال : سمعته يقول : وهو اللطيف الخبير ، السميع البصير ، الواحد الأحد الصمد ، لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفوا أحد ، لو كان كما يقول المشبهة لم يعرف الخالق من المخلوق ، ولا المنشئ من المنشأ ، لكنه المنشئ ، فرق بين من جسمه وصوره وأنشأه ، إذ كان لا يشبهه شيء ، ولا يشبه هو شيئا .

قلت : أجل جعلني الله فداك ، لكنك قلت : الأحد الصمد ، وقلت : لا يشبهه شيء ، والله واحد ، والإنسان واحد ، أليس قد تشابهت الوحدانية ؟ قال : يا فتح ، أحلت ثبتك الله ، إنما التشبيه في المعاني ، فأما في الأسماء فهي واحدة ، وهي دالة على المسمى ، وذلك أن الإنسان وإن قيل واحد فإنه يخبر أنه جثة واحدة ، وليس باثنين ، والإنسان نفسه ليس بواحد ، لأن أعضاءه مختلفة ، وألوانه مختلفة غير واحدة ، وهو أجزاء مجزأة ليست بسواء ، دمه غير لحمه ، ولحمه غير دمه ، وعصبه غير عروقه ، وشعره غير بشره ، وسواده غير بياضه ، وكذلك سائر جميع الخلق ، فالإنسان واحد في الاسم ، لا واحد في المعنى ، والله جل جلاله هو واحد في المعنى ، لا واحد غيره ، لا اختلاف فيه ولا تفاوت ولا زيادة ولا نقصان ، فأما الإنسان المخلوق المصنوع المؤلف من أجزاء مختلفة وجواهر شتى [ ففيه اختلاف وتفاوت وزيادة ونقصان ] غير أنه بالاجتماع شيء واحد .

قلت : جعلت فداك ، فرجت عني ، فرج الله عنك ، فقولك اللطيف الخبير فسره لي كما فسرت الواحد ، فإني أعلم أن لطفه على خلاف لطف خلقه المفصل ، غير أني أحب أن تشرح ذلك لي .

فقال : يا فتح ، إنما قلنا اللطيف للخلق اللطيف ، ولعلمه بالشيء اللطيف ، أو لا ترى وفقك الله وثبتك إلى أثر صنعه في النبات اللطيف وغير اللطيف ؟ ومن الخلق اللطيف ، ومن الحيوان الصغار ، ومن البعوض ، والجرجس ، وما هو أصغر منها ، ما لا يكاد تستبينه العيون ، بل لا يكاد يستبان لصغره ، الذكر من الأنثى ، والحدث المولود من القديم .

فلما رأينا صغر ذلك في لطفه واهتدائه للسفاد ، والهرب من الموت ، والجمع لما يصلحه ، وما في لجج البحار ، وما في لحاء الأشجار ، والمفاوز ، والقفار ، وإفهام بعضها عن بعض منطقها ، وما تفهم به أولادها عنها ، ونقلها الغذاء إليها ، ثم تأليف ألوانها حمرة مع صفرة ، وبياض مع حمرة ، وإنه ما لا تكاد عيوننا تستبينه لدمامة خلقها ، لا تراه عيوننا ، ولا تلمسه أيدينا ، علمنا أن خالق هذا الخلق لطيف ، لطف بخلق ما سميناه بلا علاج ولا أداة ولا آلة ، وأن كل صانع شيء فمن شيء صنع ، والله الخالق اللطيف الجليل خلق وصنع لا من شيء .

- وعن محمد بن عيسى ، قال : كتبت إلى أبي الحسن علي بن محمد ، جعلني الله فداك يا سيدي ، قد روي لنا أن الله في موضع دون موضع على العرش استوى ، وأنه ينزل كل ليلة في النصف الأخير من الليل إلى السماء الدنيا ، وروي أنه ينزل عشية عرفة ثم يرجع إلى موضعه .

فقال بعض مواليك في ذلك : إذا كان في موضع دون موضع ، فقد يلاقيه الهواء ، ويتكنف عليه ، والهواء جسم رقيق يتكنف على كل شيء بقدره ، فكيف يتكنف عليه جل ثناؤه على هذا المثال ؟ فوقع : علم ذلك عنده ، وهو المقدر له ، بما هو أحسن تقديرا ، واعلم أنه إذا كان في السماء الدنيا فهو كما هو على العرش ، والأشياء كلها له سواء علما وقدرة وملكا وإحاطة .

- وعن عبد العظيم بن عبد الله الحسني ، قال : دخلت على سيدي علي ابن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي ابن أبي طالب ، فلما بصر بي قال لي : مرحبا بك يا أبا القاسم ، أنت ولينا حقا .

قال : فقلت له : يا بن رسول الله ، إني أريد أن أعرض عليك ديني ، فإن كان مرضيا أثبت عليه حتى ألقى الله عز وجل .

فقال : هات يا أبا القاسم .

فقلت : إني أقول : إن الله تبارك وتعالى واحد ، ليس كمثله شيء ، خارج عن الحدين ؛ حد الإبطال ، وحد التشبيه ، وإنه ليس بجسم ولا صورة ، ولا عرض ولا جوهر ، بل هو مجسم الأجسام ، ومصور الصور ، وخالق الأعراض والجواهر ، رب كل شيء ، ومالكه وجاعله ومحدثه . . . إلى أن قال : فقال علي بن محمد : يا أبا القاسم ، هذا والله دين الله الذي ارتضاه لعباده ، فاثبت عليه ، ثبتك الله بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة .

وقد ذكرنا الحديث مفصلا في نصوصه على ولده أبي محمد الحسن بن علي العسكري من بعده .

- وروى الشيخ الصدوق بالإسناد عن الإمامين علي بن محمد ومحمد بن علي العسكريين ، أنهما قالا : من قال بالجسم فلا تعطوه شيئا من الزكاة ، ولا تصلوا خلفه .

العودة إلى الصفحة الرئيسية

www.mezan.net <‎/TITLE> ‎<META HTTP-EQUIV="Content-Type" CONTENT="text/html; charset=windows-1256">‎ ‎<META NAME="keywords" CONTENT=" السيد محمد حسين فضل الله في الميزان ">‎ ‎<META NAME="description" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله في كتبه ">‎ ‎<META NAME="author" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله بصوته ">‎ ‎<META NAME="copyright" CONTENT=" رأي المراجع العظام والعلماء ">‎ <‎/HEAD>