في علمه تعالى

- عن أيوب بن نوح ، أنه كتب إلى أبي الحسن يسأله عن الله عز وجل ، أكان يعلم الأشياء قبل أن خلق الأشياء وكونها ، أو لم يعلم ذلك حتى خلقها وأراد خلقها وتكوينها ، فعلم ما خلق عندما خلق ، وما كون عندما كون ؟ فوقع بخطه : لم يزل الله عالما بالأشياء قبل أن يخلق الأشياء ، كعلمه بالأشياء بعدما خلق الأشياء .

- وعن معلى بن محمد ، قال : سئل كيف علم الله تعالى ؟ قال : علم وشاء وأراد وقدر وقضى ، وأبدى فأمضى ما قضى ، وقضى ما قدر ، وقدر ما أراد ، فبعلمه كانت المشية ، وبمشيته كانت الإرادة ، وبإرادته كان التقدير ، وبتقديره كان القضاء ، وبقضائه كان الإمضاء . فالعلم متقدم المشية ، والمشية ثانية ، والإرادة ثالثة ، والتقدير واقع على القضاء بالإمضاء ، فلله تبارك وتعالى البداء في ما علم متى شاء ، وفي ما أراد لتقدير الأشياء ، فإذا وقع القضاء بالإمضاء فلا بداء .

فالعلم بالمعلوم قبل كونه ، والمشية في المنشأ قبل عينه ، والإرادة في المراد قبل قيامه ، والتقدير لهذه المعلومات قبل تفصيلها وتوصيلها عيانا وقياما ، والقضاء بالإمضاء هو المبرم من المفعولات ذوات الأجسام المدركات بالحواس من ذي لون وريح ووزن وكيل ، وما دب ودرج من إنس وجن وطير وسباع ، وغير ذلك مما يدرك بالحواس ، فلله تبارك وتعالى فيه البداء مما لا عين له ، فإذا وقع العين المفهوم المدرك فلا بداء .

والله يفعل ما يشاء ، وبالعلم علم الأشياء قبل كونها ، وبالمشية عرف صفاتها وحدودها وأنشأها قبل إظهارها ، وبالإرادة ميز أنفسها في ألوانها وصفاتها وحدودها ، وبالتقدير قدر أوقاتها وعرف أولها وآخرها ، وبالقضاء أبان للناس أماكنها ، ودلهم عليها ، وبالإمضاء شرح عللها ، وأبان أمرها ، وذلك تقدير العزيز العليم .

خلق القرآن من المسائل الرهيبة التي ابتلي بها المسلمون في حياتهم الدينية ، وامتحنوا كأشد ما يكون الامتحان ، هي مسألة خلق القرآن ، فقد ابتدعها الحكم العباسي ، وأثاروها للقضاء على خصومهم ، وقد قتل خلق كثيرون من جرائها ، وانتشرت الأحقاد والأضغان بين المسلمين .

وقد روى الشيخ الصدوق بالإسناد عن محمد بن عيسى بن عبيد اليقطيني ، قال : كتب علي بن محمد بن علي بن موسى الرضا إلى بعض شيعته ببغداد : بسم الله الرحمن الرحيم عصمنا الله وإياك من الفتنة ، فإن يفعل فأعظم بها نعمة ، وإن لا يفعل فهي الهلكة ، نحن نرى أن الجدال في القرآن بدعة ، اشترك فيها السائل والمجيب ، فيتعاطى السائل ما ليس له ، ويتكلف المجيب ما ليس عليه ، وليس الخالق إلا الله عز وجل ، وما سواه مخلوق ، والقرآن كلام الله ، لا تجعل له اسما من عندك فتكون من الضالين ، جعلنا الله وإياك من الذين يخشون ربهم بالغيب وهم من الساعة مشفقون .

وروي هذا الحديث في الدر النظيم عنه مع أدنى تغيير .

وبهذا وضع النقاط على الحروف في هذه المسألة الحساسة ، فالخوض في هذه المسألة بدعة وضلال ، والسائل والمجيب يشتركان معا في الإثم ، وعلينا أن نقتصر في القول على أن القرآن كلام الله تعالى .

العودة إلى الصفحة الرئيسية

www.mezan.net <‎/TITLE> ‎<META HTTP-EQUIV="Content-Type" CONTENT="text/html; charset=windows-1256">‎ ‎<META NAME="keywords" CONTENT=" السيد محمد حسين فضل الله في الميزان ">‎ ‎<META NAME="description" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله في كتبه ">‎ ‎<META NAME="author" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله بصوته ">‎ ‎<META NAME="copyright" CONTENT=" رأي المراجع العظام والعلماء ">‎ <‎/HEAD>