كلماته عند احتضاره

قال ابن الجوزي : وقال أبو نعيم : أنبأنا محمد بن على ، حدثنا أبو عروبة الحراني ، عن سليمان بن عمرو بن خالد ، عن ابن علية ، عن ابن عون ، عن عمير بن إسحاق ، قال : دخلت أنا ورجل على الحسن نعوده في مرض موته فقال : يا فلان سلني حاجة ، فقال : لا والله لا نسألك حتى يعافيك الله ، فقال : سلني قبل أن لا تسألني فلقد ألقيت طائفة من كبدي وإني سقيت السم مرارا فلم أسق مثل هذه المرة . قال : ثم دخلت عليه من الغد وهو يجود بنفسه والحسين عند رأسه فقال له يا أخي من تتهم ؟ قال لم لتقتله ؟ قال : نعم .

قال : ان يكن الذي أظن فالله أشد بأسا وأشد تنكيلا وإن لم يكن فما أحب أن يقتل بي بري ثم قضى نحبه . وفي رواية : إنه جزع وبكى بكاء شديدا فقال له الحسين : يا أخي ما هذا الجزع وما هذا البكاء وإنما تقدم على رسول الله وعلى أبيك وعمك جعفر وفاطمة وخديجة وقد قال لك جدك : إنك سيد شاب أهل الجنة ولك سوابق كثيرة منها إنك حججت ماشيا خمس عشرة مرة وقاسمت لله مالك مرتين وفعلت وفعلت وعدد مكارمه فوالله ما زاده ذلك إلا بكاء وانتحابا ثم قال : يا أخي ألست أقدم على هول عظيم وخطب جسيم لم أقدم على مثله قط ولست أدري أتصير نفسي إلى النار فأعزيها ، أو إلى الجنة فأهنيها . وأخبرنا جدي أبو الفرج ( رحمه الله ) قال : أنبأنا محمد بن أبي منصور وعلي بن أبي عمر قال : قالا أنبأنا رزق الله وطراد بن محمد الزيني ، قال : أنبأنا علي بن بشران ، أنبأنا أبو بكر القرشي : عن إسحاق بن إسماعيل ، عن أحمد بن عبد الجبار ، عن سفيان بن عيينة ، عن رؤبة بن مصقلة قال : لما نزل بالحسن الموت قال : أخرجوا فراشي إلى صحن الدار فأخرجوه فرفع رأسه إلى السماء وقال : اللهم إني أحتسب عندك نفسي فإنها أعز الأنفس علي لم أصب بمثلها اللهم أرحم صرعتي وآنس في القبر وحدتي .

ثم توفي .

ولما توفي تولى أمره أخوه الحسين وأخرجه إلى المسجد وكان سعيد بن العاص أمير المدينة ، فقالت بنو هاشم لا يصلي عليه إلا الحسين فقدمه الحسين وقال لولا السنة لما قدمتك .

وقال ابن سعد عن الواقدي : لما احتضر الحسن قال : ادفنوني عند أبي يعني رسول الله فأراد الحسين أن يدفنه في حجرة رسول الله فقامت بنو أمية ومروان بن الحكم وسعيد بن العاص وكان واليا على المدينة فمنعوه وقامت بنو هاشم لتقاتلهم فقال أبو هريرة أرأيتم لو مات ابن لموسى أما كان يدفن مع أبيه .

قال الصدوق : حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق ، قال : أخبرنا أحمد بن محمد بن سعيد الكوفي ، قال : حدثنا علي بن الحسن بن علي بن فضال ، عن أبيه ، عن أبي الحسن علي بن موسى الرضا ، عن آبائه ، عن الحسين بن علي قال : لما حضرت الحسن ابن علي بن أبي طالب الوفاة بكى فقيل يا بن رسول الله أتبكي ومكانك من رسول الله الذي أنت به وقد قال فيك رسول الله ما قال وقد حججت عشرين حجة ماشيا وقد قاسمت ربك مالك ثلاث مرات حتى النعل والنعل ؟ فقال ( عليه السلام ) : إنما أبكي لخصلتين لهول المطلع وفراق الأحبة  .

قال محب الدين الطبري : قال أبو عمر روينا من وجوه إن الحسن بن على لما حضرته الوفاة قال للحسين أخيه : يا أخي إن أباك حين قبض رسول الله استشرف لهذا الأمر ورجا أن يكون صاحبه فصرفه الله عنه ووليها أبو بكر فلما حضرت أبا بكر الوفاة تشرف لها أيضا فصرفت عنه إلى عمر فلما قبض عمر جعلها شورى بين ستة هو أحدهم فلم يشك أنها [ لا تعدوه ] فصرفت عنه إلى عثمان فلما هلك عثمان بويع له ثم نوزع حتى جرد السيف وطلبها فما صفا له شيء منها وإني والله ما أرى أن يجمع الله فينا أهل البيت النبوة والخلافة فلا أعرفن ما استخفك سفهاء أهل الكوفة فأخرجوك ، وقد كنت طلبت إلى عائشة إذا مت أن أدفن في بيتها مع رسول الله فقالت نعم وإني لا أدري لعله كان ذلك منها حياء فإذا أنا مت فاطلب ذلك إليها فإن طابت نفسها فادفني في بيتها وما أظن إلا القوم سيمنعونك إذا أردت ذلك فإن فعلوا فلا تراجعهم في ذلك وادفني في بقيع الغرقد فإن لي بمن فيه أسوة .

فلما مات الحسن أتى الحسين عائشة يطلب ذلك إليها فقالت : نعم حبا وكرامة فبلغ ذلك مروان فقال : مروان كذب وكذبت والله لا يدفن هناك أبدا منعوا عثمان من دفنه في المقبرة ويريدون دفن حسن في بيت عائشة فبلغ ذلك حسينا فدخل هو ومن معه في السلاح فبلغ ذلك مروان فاستلام في الحديد أيضا فبلغ ذلك أبا هريرة فقال : والله ما هو إلا ظلم يمنع حسن أن يدفن مع أبيه والله أنه لابن رسول الله ثم انطلق إلى حسين فكلمه وناشده الله وقال له : أليس قد قال أخوك : إن خفت أن يكون قتال فردني إلى مقبرة المسلمين ولم يزل به حتى فعل وحمله إلى البقيع ولم يشهده يومئذ من بني أمية إلا سعيد بن العاص .

قال الراوندي : روى عن الصادق ، عن آبائه إن الحسن قال لأهل بيته : إني أموت بالسم ، كما مات رسول الله فقالوا : ومن يفعل ذلك ؟ قال : امرأتي جعدة بنت الأشعث بن قيس ، فإن معاوية يدس إليها ويأمرها بذلك . قالوا : أخرجها من منزلك وباعدها من نفسك . قال : كيف أخرجها ولم تفعل بعد شيئا ولو أخرجتها ما قتلني غيرها ، وكان لها عذر عند الناس .

فما ذهبت الأيام حتى بعث إليها معاوية مالا جسيما ، وجعل يمنيها بأن يعطيها مائة ألف درهم أيضا ويزوجها من يزيد ، وحمل إليها شربة سم لتسقيها الحسن فانصرف إلى منزله وهو صائم فأخرجت [ له ] وقت الإفطار - وكان يوما حارا - شربة لبن وقد ألقت فيها ذلك السم ، فشربها وقال : يا عدوة الله قتلتيني قتلك الله ، والله لا تصيبن مني خلفا ولقد غرك وسخر منك ، والله يخزيك ويخزيه . فمكث يومين ، ثم مضى ، فغدر معاوية بها ، ولم يف لها بما عاهد عليه .

قال ابن حمزة : [ روى ] عن داود الرقي ، عن أبي عبد الله ، عن آبائه ، قال : " إن الحسن بن علي قال لولده عبد الله : يا بني إذا كان في عامنا هذا يدفع إلي هذا الطاغي جارية تسمى ( أنيس ) فتسمني بسم قد جعله الطاغي تحت فص خاتمها . قال له عبد الله : فلم لا تقتلها قبل ذلك ؟ قال : يا بني جف القلم ، وأبرم الأمر فانعقد ، ولا حل لعقد الله [ المبرم ] .

فلما كان في العام القابل أهدى إليه جارية اسمها ( أنيس ) فلما دخلت عليه ضرب بيده على منكبها ، ثم قال : يا أنيس ، دخلت النار بما تحت فص خاتمك .

قال ابن شهر آشوب : [ روى ] عن الحسن بن أبي العلاء ، عن جعفر بن محمد ، قال الحسن بن علي لأهل بيته : إني أموت بالسم كما مات رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقال له أهل بيته : ومن الذي يسمك ؟ قال : جاريتي أو امرأتي فقالوا له : أخرجها من ملكك عليها لعنة الله ، فقال : هيهات من إخراجها ومنيتي على يدها مالي منها محيص ولو أخرجتها ما يقتلني غيرها كان قضاء مقضيا وأمرا واجبا من الله . فما ذهبت الأيام حتى بعث معاوية إلى امرأته قال : فقال الحسن : هل عندك من شربة لبن ؟ فقالت : نعم ، وفيه ذلك السم بعث به معاوية ، فلما شربه وجد مس السم في جسده فقال : يا عدوة الله قتلتيني قاتلك الله أما والله لا تصيبين مني خلفا ولا تنالين من الفاسق عدو الله اللعين خيرا أبدا .

قال ابن الجوزي : وقال الشعبي : إنما دس إليها معاوية فقال : سمي الحسن وأزوجك يزيد وأعطيك مائة ألف درهم .

فلما مات الحسن بعثت إلى معاوية تطلب إنجاز الوعد ، فبعث إليها بالمال وقال : إني أحب يزيد وأرجو حياته لولا ذلك لزوجتك إياه .

وقال الشعبي : ومصداق هذا القول ، إن الحسن كان يقول عند موته وقد بلغه ما صنع معاوية : لقد عملت شربته وبلغ أمنيته والله لا يفي بما وعد ولا يصدق فيما يقول .

روى المجلسي : عن كتاب " الأنوار " إنه [ الحسن ] قال : سقيت السم مرتين وهذه الثالثة وقيل : إنه سقى برادة الذهب .

قال المسعودي : وذكر إن امرأته جعدة بنت الأشعث بن قيس الكندي سقته السم ، وقد كان معاوية دس إليها : إنك إن احتلت في قتل الحسن وجهت إليك بمائة ألف درهم ، وزوجتك [ من ] يزيد ، فكان ذلك الذي بعثها على سمه ، فلما مات وفى لها معاوية بالمال وأرسل إليها : إنا نحب حياة يزيد ، ولو لا ذلك لوفينا لك بتزويجه .

وذكر إن الحسن قال عند موته : لقد حاقت شربته ، وبلغ أمنيته والله لا وفى [ لها ] بما وعد ، ولا صدق فيما قال .

روى الطبرسي : عن عبد الله بن إبراهيم ، عن زياد المحاربي ، قال : لما حضرت الحسن الوفاة استدعى الحسين وقال له : " يا أخي إنني مفارقك ولاحق بربي ، وقد سقيت السم ورميت بكبدي في الطشت ، وإني لعارف بمن سقاني ومن أين دهيت ، وأنا أخاصمه إلى الله عزوجل ، فبحقي عليك إن تكلمت في ذلك بشيء ، وانتظر ما يحدث الله تبارك وتعالى في ، فإذا قضيت فغسلني وكفني ، واحملني على سريري إلى قبر جدي رسول الله لأجدد به عهدا ، ثم ردني إلى قبر جدتي فاطمة فادفني هناك ، وستعلم يا بن أم إن القوم يظنون أنكم تريدون دفني عند رسول الله فيجلبون في منعكم من ذلك وبالله اقسم عليكم أن تهريق في أمري محجمة من دم " .

قال الخزاز القمي : حدثني محمد بن وهبان البصري ، قال : حدثني داود بن الهيثم بن إسحاق النحوي ، قال : حدثني جدي إسحاق بن البهلول بن حسان ، قال : حدثني طلحة بن زيد الرقي ، عن الزبير بن عطاء ، عن عمير بن هانئ العبسي ، عن جنادة بن أبي أمية قال : دخلت على الحسن بن علي في مرضه الذي توفي فيه وبين يديه طشت يقذف فيه الدم ويخرج كبده قطعة قطعة من السم الذي أسقاه معاوية لعنه الله ، فقلت : يا مولاي مالك لا تعالج نفسك ؟ فقال : يا عبد الله بماذا أعالج الموت ؟ قلت : إنا لله وإنا إليه راجعون ، ثم التفت إلي وقال : والله إنه لعهد عهده إلينا رسول الله إن هذا الأمر يملكه إثنا عشر إماما من ولد علي وفاطمة ، ما منا ألا مسموم أو مقتول .

ثم رفعت الطشت واتكى صلوات الله عليه فقلت : عظني يا بن رسول الله .

قال : نعم استعد لسفرك ، وحصل زادك قبل حلول أجلك ، واعلم أنه تطلب الدنيا والموت يطلبك [ ولا كمل يومك الذي له باب على يومك ] الذي أنت فيه .

واعلم أنك لا تكسب من المال شيئا فوق قوتك إلا كنت فيه خازنا لغيرك ، واعلم أن في حلالها حسابا وفي حرامها عقابا وفي الشبهات عتاب ، فانزل الدنيا بمنزلة الميتة ، خذ منها ما يكفيك ، فإن كان ذلك حلالا كنت قد زهدت فيها وإن كان حراما لم تكن قد أخذت من الميتة [ لم يكن فيه وزر فأخذت كما أخذت من الميتة ] وإن كان العتاب فإن العقاب [ العتاب ] يسير .

واعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا .

وإذا أردت عزا بلا عشيرة وهيبة بلا سلطان فأخرج من ذل معصية الله إلى عز طاعة الله عزوجل ، وإذا نازعتك إلى صحبة الرجال حاجة فاصحب من إذا صحبته زانك ، وإذا خدمته صانك وإذا أردت منه معونة أعانك ، وإن قلت صدق قولك ، وان صلت شد صولك ، وإن مددت يدك بفضل جدها [ مدها ] ، وإن بدت منك ثلمة سدها ، وإن رأى منك حسنة عدها ، وإن سألته أعطاك وإن سكت عنه ابتدأك ، وإن نزلت بك أحد الملمات واساك [ ساءك ] ، من لا يأتيك منه البوائق ولا يختلف عليك منه الطوالق [ الطرائق ] ولا يخذلك عند الحقائق ، وان تنازعتما منفسا [ منقسما ] آثرك .

قال : ثم انقطع نفسه واصفر لونه حتى خشت عليه ، ودخل الحسين والأسود ابن أبي الأسود فانكب عليه حتى قبل رأسه وبين عينيه ، ثم قعد عنده وتسارا جميعا ، فقال أبو الأسود [ الأسود بن أبي الأسود ] : إنا لله إن الحسن قد نعيت إليه نفسه وقد أوصى إلى الحسين .

 وتوفي في يوم الخميس في آخر صفر سنة خمسين من الهجرة وله سبعة وأربعون سنة .

قال الراوندي : [ روي ] إن الصادق قال : لما أن حضرت الحسن بن علي الوفاة بكى بكاء شديدا وقال : إني أقدم على أمر عظيم وهول لم أقدم على مثله قط .

ثم أوصى أن يدفنوه بالبقيع ، فقال : يا أخي احملني على سريري إلى قبر جدي رسول الله لأجدد به عهدي ثم ردني إلى قبر جدتي فاطمة بنت أسد فادفني هناك ، فستعلم يا ابن أم أن القوم يظنون أنكم تريدون دفني عند رسول الله ، فيجلبون في منعكم ذلك ، وبالله أقسم عليك أن لا تهرق في أمري محجمة دم .

فلما غسله وكفنه الحسين حمله على سريره ، وتوجه به إلى قبر جده رسول الله ليجدد به عهدا ، أتى مروان بن الحكم ومن معه من بني أمية فقال : أيدفن عثمان في أقصى المدينة ويدفن الحسن مع النبي ؟ لا يكون ذلك أبدا ولحقت عائشة على بغل وهي تقول : مالي ولكم [ يا بني هاشم ] ؟ تريدون ان تدخلوا بيتي من لا أحب .

العودة إلى الصفحة الرئيسية

www.mezan.net <‎/TITLE> ‎<META HTTP-EQUIV="Content-Type" CONTENT="text/html; charset=windows-1256">‎ ‎<META NAME="keywords" CONTENT=" السيد محمد حسين فضل الله في الميزان ">‎ ‎<META NAME="description" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله في كتبه ">‎ ‎<META NAME="author" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله بصوته ">‎ ‎<META NAME="copyright" CONTENT=" رأي المراجع العظام والعلماء ">‎ <‎/HEAD>