ما جرى بعد شهادته

- البهبهاني : وروي لما اجتز الشمر لعنه الله رأس الحسين أخذه وعلقه على فرسه ، فسمعت أذناي ، ونظرت عيناي ، ووعى قلبي ، ورأس الحسين يكلمه بلسان فصيح ، ويقول : يا شمر ! يا شقي الأشقياء ! يا عدو الله ورسوله ! فرقت بين رأسي وجسدي ، فرق الله بين لحمك وعظمك ، وجعلك نكالا للعالمين .

قال : فرفع اللعين سوطا كان بيده ولم يزل يضرب الرأس حتى سكت عن الكلام ، فقلت : لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، وأنا والله ! لا أستطيع قتال اللعين بن اللعين الذي يضرب رأس الحسين ، وليس بيدي سيف ولا كعب ولا رمح ولكن صبرت حتى يحكم الله تعالى ، وهو خير الحاكمين .

- الكفعمي : قالت سكينة : لما قتل الحسين اعتنقته ، فأغمي علي ، فسمعته يقول :

شيعتي ما إن شربتم ري عذب فاذكروني

أو سمعتم بغريب أو شهيد فاندبوني

فقامت مرعوبة قد ترحت مآقيها ، وهي تلطم على خديها ، وإذا بهاتف يقول : بكت الأرض والسماء عليه * بدموع غزيرة ودماء . . .

ولم يستطع أحد أن ينحيها عنه حتى اجتمع عليها عدة وجروها بالقهر .

- المفيد : ثم حمل عمر بن سعد أسارى أهل البيت ، ورؤس الشهداء إلى الكوفة ، وكان رأس الحسين يقرأ القرآن في الكوفة وهو على الرمح .

روي عن زيد بن أرقم أنه قال : مر به علي ، وهو على رمح وأنا في غرفة لي ، فلما حاذاني سمعته يقرأ : ( أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آيتنا عجبا ) ، فقف والله شعري ! وناديت : رأسك والله يا ابن رسول الله ! أعجب وأعجب .

- ابن شهر آشوب : روى أبو مخنف عن الشعبي : أنه صلب رأس الحسين بالصيارف في الكوفة ، فتنحنح الرأس وقرأ سورة الكهف إلى قوله : ( إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى ) فلم يزدهم ذلك إلا ضلالا .

وفي أثر : أنهم لما صلبوا رأسه على الشجرة سمع منه : ( وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون ) ، وسمع أيضا صوته بدمشق يقول : لا قوة إلا بالله . وسمع أيضا يقرأ : ( أم حسبت أن أصحب الكهف والرقيم كانوا من آيتنا عجبا ) ، فقال زيد بن أرقم : أمرك أعجب يا ابن رسول الله !

- البحراني : روي أن عبيد الله بن زياد - لعنه الله - بعد ما عرض عليه رأس الحسين ، دعا بخولي بن يزيد الأصبحي - لعنه الله - وقال له : خذ هذا الرأس حتى أسألك عنه .

فقال : سمعا وطاعة .

فأخذ الرأس وانطلق به إلى منزله ، وكان له امرأتان أحدهما ثعلبية ، والأخرى مضرية ، فدخل على المضرية ، فقالت : ما هذا ؟ فقال : هذا رأس الحسين بن علي ، وفيه ملك الدنيا .

فقالت له : أبشر ، فإن خصمك غدا جده محمد المصطفى ، ثم قالت : والله ! لا كنت لي ببعل ، ولا أنا لك بأهل ، ثم أخذت عمودا من حديد وأوجعت به دماغه .

فانصرف من عندها ، وأتى به إلى الثعلبية ، فقالت : ما هذا الرأس الذي معك ؟ قال : رأس خارجي خرج على عبيد الله بن زياد ، فقالت : وما اسمه ؟ فأبى أن يخبرها ما اسمه ، ثم تركه على التراب وجعله على إجانة . قال : فخرجت امرأته في الليل فرأت نورا ساطعا من الرأس إلى عنان السماء ، فجاءت إلى الإجانة فسمعت أنينا ، وهو يقرأ إلى طلوع الفجر ، وكان آخر ما قرأ : ( وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون ) ، وسمعت حول الرأس دويا كدوي الرعد ، فعلمت أنه تسبيح الملائكة .

فجاءت إلى بعلها ، وقالت : رأيت كذا وكذا ، فأي شيء تحت الإجانة ؟ ! فقال : رأس خارجي فقتله الأمير عبيد الله بن زياد - لعنه الله - وأريد أن أذهب به إلى يزيد بن معاوية - لعنه الله - ليعطيني عليه مالا كثيرا .

قالت : ومن هو ؟ قالت : ومن هو ؟ قال : الحسين بن علي ، فصاحت ، وخرت مغشية عليها ، فلما أفاقت ، قالت : يا ويلك ، يا شر المجوس ! لقد آذيت محمدا في عترته ، أما خفت من إله الأرض والسماء ، حيث تطلب الجائزة على رأس ابن سيدة نساء العالمين .

ثم خرجت من عنده باكية ، فلما قامت رفعت الرأس وقبلته ، ووضعته في حجرها ، وجعلت تقبله ، وتقول : لعن الله قاتلك ، وخصمه جدك المصطفى .

فلما جن الليل غلب عليها النوم ، فرأت كأن البيت قد انشق بنصفين ، وغشيه نور ، فجاءت سحابة بيضاء ، فخرج منها امرأتان ، فأخذتا الرأس من حجرها وبكتا .

قالت : فقلت لهما : بالله ، من أنتما ؟ ! قالت إحداهما : أنا خديجة بنت خويلد ، وهذه ابنتي فاطمة الزهراء ، ولقد شكرناك وشكر الله لك عملك ، وأنت رفيقتنا في درجة القدس في الجنة .

قال : فانتبهت من النوم والرأس في حجرها ، فلما أصبح الصبح جاء بعلها ، لأخذ الرأس ، فلم تدفعه إليه وقالت : ويلك طلقني ، فوالله ! لا جمعني وإياك بيت .

فقال : ادفعي لي الرأس ، وافعلي ما شئت ، فقالت : لا ، والله ! لا أدفعه إليك فقتلها ، وأخذ الرأس فعجل الله بروحها إلى الجنة ، جوار سيدة النساء .

- البهبهاني : في شرح الشافية ، عن أبي مخنف قال : حدثني من حضر اليوم الذي ورد فيه رأس الحسين على ابن زياد لعنه الله قال : رأيت قد خرجت من القصر نار ، فقام عبيد الله بن زياد هاربا من سريره إلى أن دخل بعض البيوت ، وتكلم الرأس الشريف بصوت فصيح جهوري ، يسمعه ابن زياد ومن كان معه : إلى أين تهرب من النار ! ؟ يا ملعون ! لئن عجزت عنك في الدنيا فإنها في الآخرة مثواك ومصيرك .

قال : فوقع أهل القصر سجدا لما رأوا من رأس الحسين ، فلما ارتفعت النار سكت رأس الحسين !

- ابن شهر آشوب : وروى النطنزي في الخصائص : لما جاؤوا برأس الحسين ، ونزلوا منزلا يقال له : قنسرين ، أطلع راهب من صومعته إلى الرأس ، فرأى نورا ساطعا يخرج من فيه ويصعد إلى السماء ! فأتاهم بعشرة آلاف درهم وأخذ الرأس ، وأدخله صومعته ، فسمع صوتا ولم ير شخصا ، قال : طوبى لك وطوبى لمن عرف حرمته ! فرفع الراهب رأسه وقال : يا رب ، بحق عيسى ! تأمر هذا الرأس بالتكلم معي . فتكلم الرأس وقال : يا راهب ! أي شيء تريد ؟ ! قال : من أنت ؟ قال : أنا ابن محمد المصطفى ، وأنا ابن علي المرتضى ، وأنا ابن فاطمة الزهراء ، وأنا المقتول بكربلاء ، أنا المظلوم ، أنا العطشان .

فسكت ، فوضع الراهب وجهه على وجهه فقال : لا أرفع وجهي عن وجهك حتى تقول : أنا شفيعك يوم القيامة ! فتكلم الرأس فقال : ارجع إلى دين جدي محمد .

فقال الراهب : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدا رسول الله .

فقبل له الشفاعة ، فلما أصبحوا أخذوا منه الرأس والدراهم ، فلما بلغوا الوادي نظروا الدراهم قد صارت حجارة .

- البهبهاني : وأرسل ابن زياد الرؤوس والأسارى إلى الشام ليزيد .

وروي مرسلا عن بعض الثقات ، عن أبي سعيد الشامي ، قال : كنت يوما مع الكفرة اللئام الذين حملوا الرؤوس والسبايا إلى دمشق ، فلما وصلوا إلى دير النصارى وقع بينهم أن نصر الخزاعي قد جمع عسكرا ويريد أن يهجم عليهم نصف الليل ، ويقتل الأبطال ، ويجندل الشجعان ، ويأخذ الرؤوس والسبايا ، فقال رؤساء العسكر من عظم اضطرابهم : نلجأ الليلة إلى الدير ونجعله كهفا لنا ، لأن الدير كان محكما لا يقدر أن يتسلط عليه العدو ، فوقف الشمر ( لعنه الله ) وأصحابه على باب الدير وصاح بأعلى صوته : يا أهل الدير ! فجاءه القسيس الكبير ، فلما رأى العسكر قال لهم : من أنتم ، وما تريدون ؟ فقال الشمر ( لعنه الله ) : نحن من عسكر عبيد الله بن زياد ، ونحن سائرون إلى الشام .

قال القسيس : لأي غرض ؟ قال : كان شخص في العراق قد تباغى وخرج على يزيد بن معاوية وجمع العساكر ، فبعث عسكرا عظيما فقتلوهم ، وهذه رؤوسهم ، وهذه النسوة سبيهم .

قال الراوي : فلما نظر القسيس إلى رأس الحسين وإذا بالنور ساطع منه إلى عنان السماء فوقع في قلبه هيبة منه ، فقال القسيس : ديرنا ما يسعكم ، بل ادخلوا الرؤوس والسبايا إلى الدير وأحيطوا بالدير من خارج ، فإذا دهمكم عدو قاتلوه ولا تكونوا مضطربين على الرؤوس والسبايا .

فاستحسنوا كلام القسيس وقالوا : هذه هو الرأي ، فحطوا رأس الحسين في صندوق وقفلوه وأدخلوه إلى الدير والنساء وزين العابدين ، وجعلوهم في مكان يليق بهم .

قال : ثم أن صاحب الدير أراد أن يرى الرأس الشريف ، وجعل ينظر حول البيت الذي فيه الصندوق ، وكان له رازونة ، فحط رأسه فيها ، فرأى البيت يشرق نورا ! ورأى أن سقف البيت قد انشق ونزل من السماء تخت عظيم ، وإذا بامرأة أحسن من الحور جالسة على التخت ، وإذا بشخص يصيح : أطرقوا ولا تنظروا ، وإذا قد خرج من ذلك البيت نساء ، وإذا هن حواء وسارة وأم إسماعيل وأم يوسف وأم موسى ومريم وآسية ونساء النبى .

قال : فأخرجن الرأس من الصندوق ، وكل من تلك النساء واحدة بعد واحدة يقبلن الرأس الشريف ، فلما وقعت النوبة لمولاتي فاطمة الزهراء غشي عليها وغشي على صاحب الدير ، وعاد لا ينظر بالعين بل يسمع الكلام ، وإذا بقائلة تقول : السلام عليك يا قتيل الأم ! السلام عليك يا مظلوم الأم ! السلام عليك يا شهيد الأم ! لا يتداخلك هم ولا غم ، وإن الله تعالى سيفرج عني ، وعنك يا بنى ! من ذا الذي فرق بين رأسك وجسدك ؟ يا بنى ! من ذا الذي قتلك وظلمك ؟ يا بنى ! من ذا الذي سبى حريمك ؟ يا بني ! من ذا الذي أيتم أطفالك ؟ ثم إنها بكت بكاء شديدا .

فلما سمع الديراني ذلك اندهش ووقع مغشيا عليه ، فلما أفاق نزل إلى البيت وكسر الصندوق واستخرج الرأس وغسله وحنطه بالكافور والمسك والزعفران ، ووضعه في قبلته ، وهو يبكي ويقول : يا رأس من رؤوس بني آدم ! ويا كريم ! ويا عظيم جميع من في العالم ! أظنك من الذين مدحهم الله في التوراة والإنجيل ، وأنت الذي أعطاك فضل التأويل ، لأن خواتين السادات من بني آدم في الدنيا والآخرة يبكين عليك ويندبنك ، أنا أريد أن أعرفك باسمك ونعتك .

فنطق الرأس بقدرة الله تعالى وقال : أنا المظلوم ، أنا المهموم ، أنا المغموم أنا الذي بسيف العدوان والظلم قتلت ، أنا الذي بحرب أهل البغى ظلمت ، أنا الذي على غير جرم نهبت ، أنا الذي من الماء منعت ، أنا الذي عن الأهل والأوطان بعدت .

فقال صاحب الدير : بالله عليك ، أيها الرأس ! زدني . فقال : إن كنت تسأل عن حسبي ونسبي ، أنا ابن محمد المصطفى ، أنا ابن على المرتضى ، أنا ابن فاطمة الزهراء ، أنا بن خديجة الكبرى ، أنا ابن العروة الوثقى ، أنا شهيد كربلاء ، أنا قتيل كربلاء ، أنا مظلوم كربلاء ، أنا عطشان كربلاء أنا ظمآن كربلاء ، أنا غريب كربلاء ، أنا وحيد كربلاء ، أنا سليب كربلاء ، أنا الذي خذلوني الكفرة بأرض كربلاء .

قال الراوي : فلما سمع صاحب الدير من رأس الحسين ذلك جمع تلامذته وحكى لهم الحكاية وكانوا سبعين رجلا ، فضجوا بالبكاء والعويل ، ورموا العمائم عن رؤوسهم ، وشقوا أزياقهم ، وجاؤا إلى سيدنا زين العابدين وقد قطعوا الزنار ، وكسروا الناقوس ، واجتنبوا فعل اليهود والنصارى ، وأسلموا على يديه ، وقالوا : يا ابن رسول الله ! مرنا أن نخرج إلى هؤلاء الكفار ونقاتلهم ونجلي صداء قلوبنا بهم ، ونأخذ بثار سيدنا ومولانا الحسين .

فقال لهم الإمام : لا تفعلوا ذلك فإنهم عن قريب ينتقم الله تعالى منهم ، ويأخذهم أخذ عزيز مقتدر .

- المجلسي : وفي رواية : أنه لما حمل رأسه إلى الشام جن عليهم الليل ، فنزلوا عند رجل من اليهود ، فلما شربوا وسكروا قالوا : عندنا رأس الحسين ! فقال : أروه لي ، فأروه وهو في الصندوق يسطع منه النور نحو السماء ! فتعجب منه اليهودي ، فاستودعه منهم وقال للرأس : اشفع لي عند جدك . فأنطق الله الرأس فقال : إنما شفاعتي للمحمديين ، ولست بمحمدي .

فجمع اليهودي أقرباءه ثم أخذ الرأس ، ووضعه في طست وصب عليه ماء الورد وطرح فيه الكافور والمسك والعنبر ، ثم قال لأولاده وأقربائه : هذا رأس ابن بنت محمد .

ثم قال : يا لهفاه ! حيث لم أجد جدك محمدا فأسلم على يديه ، يالهفاه ! حيث لم أجدك حيا فأسلم على يديك وأقاتل بين يديك ، فلو أسلمت الآن أتشفع لي يوم القيمة ؟ فأنطق الله الرأس فقال بلسان فصيح : إن أسلمت فأنا لك شفيع .

قاله ثلاث مرات وسكت ، فأسلم الرجل وأقر باؤه .

- البهبهاني : وفي بعض المقاتل : قال الراهب : أيها الرأس المبارك ! كلمني بحق الله عليك ! فتكلم الرأس وقال : ما تريد مني ؟ قال : من أنت ؟ فقال : أنا ابن محمد المصطفى ، أنا ابن على المرتضى ، أنا ابن فاطمة الزهراء ، أنا المقتول بكربلاء ، أنا الغريب العطشان بين الملاء . فبكى الراهب بكاء شديدا وقال : سيدي ! يعز والله علي أن لا أكون أول قتيل بين يديك .

العودة إلى الصفحة الرئيسية

www.mezan.net <‎/TITLE> ‎<META HTTP-EQUIV="Content-Type" CONTENT="text/html; charset=windows-1256">‎ ‎<META NAME="keywords" CONTENT=" السيد محمد حسين فضل الله في الميزان ">‎ ‎<META NAME="description" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله في كتبه ">‎ ‎<META NAME="author" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله بصوته ">‎ ‎<META NAME="copyright" CONTENT=" رأي المراجع العظام والعلماء ">‎ <‎/HEAD>