مقتل الحر

- الطبري : قال أبو مخنف : عن أبي جناب الكلبي ، عن عدى بن حرملة قال : ثم إن الحر بن يزيد لما زحف عمر بن سعد ، قال له : أصلحك الله أمقاتل أنت هذا الرجل ؟

قال : إي والله ! قتالا أيسره أن تسقط الرؤوس وتطيح الأيدي !

قال : أفما لكم في واحدة من الخصال التي عرض عليكم رضى ؟

قال عمر بن سعد : أما والله ! لو كان الأمر إلي لفعلت ، ولكن أميرك قد أبى ذلك ! فأقبل حتى وقف من الناس موقفا ، ومعه رجل من قومه يقال له : قرة بن قيس ، فقال : يا قرة ! هل سقيت فرسك اليوم ؟

قال : لا ، قال : أفما تريد أن تسقيه . . . ؟

قال : فقلت له : لم أسقه وأنا منطلق فساقيه . فاعتزلت ذلك المكان الذي كان فيه ، فوالله ! لو أنه أطلعني على الذي يريد لخرجت معه إلى الحسين .

فأخذ يدنو من حسين قليلا قليلا ، فقال له رجل من قومه يقال له : المهاجر بن أوس : ما تريد يا ابن يزيد ؟ أتريد أن تحمل ؟ فسكت وأخذه مثل العرواء .

فقال له : يا ابن يزيد ، والله ! إن أمرك لمريب ! ؟ والله ما رأيت منك في موقف قط مثل شيء أراه الآن ، ولو قيل لي : من أشجع أهل الكوفة رجلا ؟ ما عدوتك ! فما هذا الذي أرى منك ! ؟

قال : إني - والله ! - أخير نفسي بين الجنة والنار ، ووالله ! لا أختار على الجنة شيئا ولو قطعت وحرقت !

ثم ضرب فرسه فلحق بحسين ، فقال له : جعلني الله فداك ، يا ابن رسول الله ! أنا صاحبك الذي حبستك عن الرجوع وسايرتك في الطريق ، وجعجعت بك في هذا المكان ، والله الذي لا إله إلا هو ! ما ظننت أن القوم يردون عليك ما عرضت عليهم أبدا ، ولا يبلغون منك هذه المنزلة ، فقلت في نفسي : لا أبالي أن أطيع القوم في بعض أمرهم ، ولا يرون أني خرجت من طاعتهم ، وأما هم فسيقبلون من حسين هذه الخصال التي يعرض عليهم ، ووالله ! لو ظننت أنهم لا يقبلونها منك ما ركبتها منك ، وإني قد جئتك تائبا مما كان مني إلى ربي ، ومواسيا لك بنفسي حتى أموت بين يديك ، أفترى ذلك لي توبة ؟ !

قال الإمام : نعم ، يتوب الله عليك ، ويغفر لك ، ما اسمك ؟

قال : أنا الحر بن يزيد .

قال : أنت الحر ، كما سمتك أمك ، أنت الحر إن شاء الله في الدنيا والآخرة ، إنزل .

قال : أنا لك فارسا خير مني راجلا ، أقاتلهم على فرسي ساعة ، وإلى النزول ما يصير آخر أمري !

قال الحسين : فاصنع يرحمك الله ما بدا لك .

فاستقدم الحر أمام أصحابه وخطب خطبة .

- ابن أعثم : : إنه قال للحر : يا أخي إن تبت كنت ممن تاب الله عليهم ، إن الله هو التواب الرحيم .

- ابن نما : رويت بإسنادي أنه [ الحر ] قال للحسين : لما وجهني عبيد الله إليك خرجت من القصر فنوديت من خلفي : أبشر يا حر بخير !  

فالتفت فلم أر أحدا ، فقلت : والله ما هذه بشارة ، وأنا أسير إلى الحسين ؟ ! وما أحدث نفسي بإتباعك ، فقال : لقد أصبت أجرا وخيرا .

- الخوارزمي : وروي أن الحر لما لحق بالحسين قال رجل من بني تميم ، يقال له يزيد بن سفيان : أما والله ! لو لقيت الحر حين خرج لأتبعته السنان ، فبينا هو يقاتل وإن فرسه لمضروب على أذنيه وحاجبيه وإن الدماء لتسيل إذ قال الحصين بن نمير : يا يزيد ! هذا الحر الذي كنت تتمناه فهل لك به ؟

قال : نعم ، فخرج إليه فما لبث الحر أن قتله وقتل أربعين فارسا وراجلا ، ولم يزل يقاتل حتى عرقب فرسه وبقى راجلا ، فجعل يقاتل وهو يقول :

إن تعقروا بي فأنا بن الحر أشجع من ذي لبدة هزبر
ولست بالخوار عند الكر لكنني الثابت عند الفر

ثم لم يزل يقاتل حتى قتل ؛ ، فاحتمله أصحاب الحسين حتى وضعوه بين يدي الحسين وبه رمق ، فجعل الحسين يمسح التراب عن وجهه ، وهو يقول له : أنت الحر ، كما سمتك به أمك ، وأنت الحر في الدنيا ، وأنت الحر في الآخرة .

- أبو إسحاق الإسفرايني : وروي أن الحر جاء الحسين مع ولده ، وحمل ولده على القوم حتى قتل فاستبشر أبوه فرحا ، ثم برز الحر حتى قتل ، واجتزوا رأسه ، ورموه نحو الإمام ، فوضعه في حجره ، وهو يبكي ويمسح الدم عن وجهه ويقول : والله ! ما أخطأت أمك إذ سمتك حرا ، فأنت والله ! حر في الدنيا وسعيد في الآخرة ، وهو يقول :

 فنعم الحر حر بني رياح صبور عند مشتبك الرماح
ونعم الحر إذ واسى حسينا وجاد بنفسه عند الصباح
ونعم الحر في وهج المنايا ذي بطال تخطو بالرماح
لقد فازوا الذي نصروا حسينا وفازوا بالهداية والصلاح

العودة إلى الصفحة الرئيسية

www.mezan.net <‎/TITLE> ‎<META HTTP-EQUIV="Content-Type" CONTENT="text/html; charset=windows-1256">‎ ‎<META NAME="keywords" CONTENT=" السيد محمد حسين فضل الله في الميزان ">‎ ‎<META NAME="description" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله في كتبه ">‎ ‎<META NAME="author" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله بصوته ">‎ ‎<META NAME="copyright" CONTENT=" رأي المراجع العظام والعلماء ">‎ <‎/HEAD>