إخبار علي  عن أصحاب الرس

حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني ( رحمه الله ) ، قال : حدثنا علي بن إبراهيم ابن هاشم ، عن أبيه قال : حدثنا أبو الصلت عبد السلام بن صالح الهروي قال : حدثنا علي بن موسى الرضا ، عن أبيه موسى بن جعفر ، عن أبيه جعفر بن محمد ، عن أبيه محمد بن علي ، عن أبيه علي بن الحسين ، عن أبيه الحسين بن علي : قال : أتى علي بن أبي طالب قبل مقتله بثلاثة أيام رجل من أشراف تميم يقال له : عمرو ، فقال : يا أمير المؤمنين ! أخبرني عن أصحاب الرس في أي عصر كانوا ؟ وأين كانت منازلهم ؟ ومن كان ملكهم ؟ وهل بعث الله عز وجل إليهم رسولا أم لا ؟ وبماذا هلكوا ؟ فإني أجد في كتاب الله تعالى ذكرهم ولا أجد غيرهم .

فقال له علي : لقد سألتني عن حديث ما سألني عنه أحد قبلك ، ولا يحدثك به أحد بعدي إلا عني ، وما في كتاب الله عزوجل آية إلا وأنا أعرفها وأعرف تفسيرها ، وفي أي مكان نزلت من سهل أو جبل ، وفي أي وقت من ليل أو نهار ، وإن هيهنا لعلما جما - وأشار إلى صدره - ولكن طلابه يسير ، وعن قليل يندمون لو فقدوني .

كان من قصتهم يا أخا تميم : أنهم كانوا قوما يعبدون شجرة صنوبرة يقال لها : شاه درخت ، كان يافث بن نوح غرسها على شفير عين يقال لها : دوشاب ، كانت أنبطت لنوح بعد الطوفان ، وانما سموا أصحاب الرس ؛ لأنهم رسوا بينهم في الأرض ، وذلك بعد سليمان بن داود ، وكانت لهم اثنتا عشرة قرية على شاطئ نهر يقال لها : رس ، من بلاد المشرق ، وبهم سمي ذلك النهر ، ولم يكن يومئذ في الأرض نهر أغزر منه ، ولا أعذب منه ، ولا قرى أكثر ولا أعمر منها تسمى إحداهن آبان ، والثانية آذر ، والثالثة دي ، والرابعة بهمن ، والخامسة اسفندار ، والسادسة فروردين ، والسابعة أردي بهشت ، والثامنة خرداد ، والتاسعة مرداد ، والعاشرة تير ، والحادية عشر مهر ، والثانية عشر شهريور . وكانت أعظم مدائنهم اسفندار ، وهي التي ينزلها ملكهم ، وكان يسمى تركوذ بن غابور بن يارش بن سازن بن نمرود بن كنعان ، فرعون إبراهيم ، وبها العين والصنوبرة ، وقد غرسوا في كل قرية منها حبة من طلع تلك الصنوبرة [ وأجروا إليها نهرا من العين التي عند الصنوبرة ] ، فنبتت الحبة ، وصارت شجرة عظيمة ، وحرموا ماء العين والأنهار ، فلا يشربون منها ولا أنعامهم ، ومن فعل ذلك قتلوهم ، ويقولون : هو حياة آلهتنا ، فلا ينبغي لأحد أن ينقص من حياتها ، ويشربون هم وأنعامهم من نهر الرس الذي عليه قراهم .

وقد جعلوا في كل شهر من السنة في كل قرية عيدا يجمع إليه أهلها ، فيضربون على الشجرة التي بها كلة من يريد فيها من أنواع الصور ، ثم يأتون بشاة وبقر فيذبحونها قربانا للشجرة ، ويشعلون فيها النيران بالحطب ، فإذا سطح [ سطع ] دخان تلك الذبائح وقتارها في الهواء ، وحال بينهم وبين النظر إلى السماء خروا للشجرة سجدا ، ويبكون ويتضرعون إليها أن ترضى عنهم ، فكان الشيطان يجيىء فيحرك أغصانها ويصيح من ساقها صياح الصبي ، ويقول : قد رضيت عنكم عبادي فطيبوا نفسا وقروا عينا ، فيرفعون رؤوسهم عند ذلك ، ويشربون الخمر ويضربون بالمعازف ويأخذون الدست بند ، فيكونون على ذلك يومهم وليلتهم ، ثم ينصرفون .

وإنما سميت [ سمت ] العجم شهورها بآبانماه وآذرماه وغيرهما ، اشتقاقا من أسماء تلك القرى ، لقول أهلها بعضهم لبعض : هذا عيد شهر كذا ، وعيد شهر كذا ، حتى إذا كان عيد شهر قريتهم العظمى ، اجتمع إليه صغيرهم [ وكبيرهم ] ، فضربوا عند الصنوبرة والعين سرادقا من ديباج ، عليه من أنواع الصور ، له اثنا عشر بابا ، كل باب لأهل قرية منهم ، ويسجدون للصنوبرة خارجا من السرادق ويقربون له الذبائح أضعاف ما قربوا للشجرة التي في قراهم ، فيجيئ إبليس عند ذلك فيحرك الصنوبرة تحريكا شديدا ، ويتكلم من جوفها كلاما جهوريا ويعدهم ويمنيهم بأكثر مما وعدتهم ومنتهم الشياطين كلها ، فيرفعون رؤوسهم من السجود وبهم من الفرح والنشاط ما لا يفيقون ولا يتكلمون من الشرب والعزف ، فيكونون على ذلك اثني عشر يوما ، ولياليها بعدد أعيادهم سائر السنة ، ثم ينصرفون .

فلما طال كفرهم بالله عزوجل وعبادتهم غيره ، بعث الله عزوجل إليهم نبيا من بني إسرائيل من ولد يهود ابن يعقوب ، فلبث فيهم زمانا طويلا ، يدعوهم إلى عبادة الله عزوجل ومعرفة ربوبيته ، فلا يتبعونه ، فلما رأى شدة تماديهم في الغي والضلال ، وتركهم قبول ما دعاهم إليه من الرشد والنجاح ، وحضر عيد قريتهم العظمى ، قال : يا رب ! إن عبادك أبو ا إلا تكذيبي والكفر بك ، وغدوا يعبدون شجرة لا تنفع ولا تضر ، فأيبس شجرهم أجمع ، وأرهم قدرتك وسلطانك .فأصبح القوم وقد يبس شجرهم ، فهالهم ذلك وقطع بهم ، وصاروا فرقتين ، فرقة قالت سحر آلهتكم هذا الرجل الذي يزعم أنه رسول رب السماء والأرض إليكم ، ليصرف وجوهكم عن آلهتكم إلى إلهه .

وفرقة قالت : لا ، بل غضبت آلهتكم حين رأت هذا الرجل يعيبها ويقع فيها ويدعوكم إلى عبادة غيرها ، فحجبت حسنها وبهاءها لكي تغضبوا لها فتنتصروا منه . فأجمع رأيهم على قتله ، فاتخذوا أنابيب طوالا من رصاص واسعة الأفواه ، ثم أرسلوها في قرار العين إلى أعلى الماء واحدة فوق الأخرى مثل البرابخ ونزحوا ما فيها من الماء ، ثم حفروا في قرارها بئرا ضيقة المدخل عميقة ، وأرسلوا فيها نبيهم وألقموا فاهه صخرة عظيمة ، ثم أخرجوا الأنابيب من الماء ، وقالوا : نرجو الآن أن ترضى عنه عنا آلهتنا ، إذ رأت أنا قد قتلنا من كان يقع فيها ، ويصد عن عبادتها ، ودفناه تحت كبيرها يتشفى منه ، فيعود لنا نورها ونضارتها كما كان .

فبقوا عامة يومهم يسمعون أنين نبيهم ، وهو يقول : سيدي ! قد ترى ضيق مكاني وشدة كربي ، فارحم ضعف ركني وقلة حيلتي ، وعجل بقبض روحي ، ولا تؤخر إجابة دعوتي ، حتى مات .

فقال الله عزوجل لجبرائيل : يا جبرائيل ! أنظر أيظن عبادي هؤلاء الذين غرهم حلمي ، وأمنوا مكري ، وعبدوا غيري ، وقتلوا رسولي ، أن يقوموا لغضبي أو يخرجوا من سلطاني ، كيف ؟ ! وأنا المنتقم ممن عصاني ولم يخش عقابي ، وإني حلفت بعزتي لأجعلنهم عبرة ونكالا للعالمين ، فلم يرعهم وهم في عيدهم ذلك إلا بريح عاصف شديدة الحمرة ، فتحيروا فيها وذعروا منها ، وانضم بعضهم إلى بعض ، ثم صارت الأرض من تحتهم كحجر كبريت يتوقد وأظلتهم سحابة سوداء ، فألقت عليهم كالقبة جمرا تلتهب ، فذابت أبدانهم في النار كما يذوب الرصاص في النار ، فنعوذ بالله تعالى ذكره من غضبه ونزول نقمته ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .

- محمد بن الأشعث ( رحمهما الله ) : أخبرنا عبد الله بن محمد ، أخبرنا محمد بن محمد الأشعث ، حدثني موسى بن إسماعيل ، حدثنا أبي ، عن أبيه ، عن جده جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جده علي بن الحسين ، عن أبيه ، عن جده علي بن أبي طالب ، قال علي بن الحسين : أخبرني أبي : أن عمر بن الخطاب قال يوما : ثلاث لم أسأل عنهن رسول الله .

قال علي بن أبي طالب : وما هن ؟ قال عمر بن الخطاب : حب الرجل الرجل ، لم يجر بينهما خلطة ولا معرفة فأي ذلك ؟ والرؤيا منها ما يصدق كأخذ اليد ومنها ما يكون أحلاما أضغاثا ، فأي ذلك ؟ والرجل يتحدث بالحديث أحيانا ويختلف عليه أحيانا ، فأي ذلك ؟ فقال علي بن أبي طالب : أنا أخبرك بهن أما ما ذكرت من حب الرجل الرجل لم يجر بينهما خلطة ولا معرفة ، فإن الله عزوجل خلق الأرواح قبل الأجساد ، فتلقى الأرواح على سبب بين السماء والأرض ، فتشام كما يتشام الخيل ، فما تعارف ثم ائتلف هاهنا ، وما تناكر ، ثم اختلف هاهنا .

وأما الرؤيا فإن العقل إذا عرج بنفسه وهو في النوم ، فما تأتي النفس في المصعد فهي كأخذ اليد ، فإذا هبطت إلى جسدها تلقته الشياطين ، ثم والأضغاث لكي تحرمه ، وما أخبرت به فهو الذي لا يصدق .

وأما الرجل يحدث بالحديث فينسى ، فإن القلب تغشاه ظلمة كظلمة القبر ، فإذا غشي القلب الشيء فلا يذكره فإذا انجلى عنه ذكره .

العودة إلى الصفحة الرئيسية

www.mezan.net <‎/TITLE> ‎<META HTTP-EQUIV="Content-Type" CONTENT="text/html; charset=windows-1256">‎ ‎<META NAME="keywords" CONTENT=" السيد محمد حسين فضل الله في الميزان ">‎ ‎<META NAME="description" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله في كتبه ">‎ ‎<META NAME="author" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله بصوته ">‎ ‎<META NAME="copyright" CONTENT=" رأي المراجع العظام والعلماء ">‎ <‎/HEAD>