إجابات علي  عن استفهامات اليهودي

- الصدوق : حدثنا أبو الحسن محمد بن علي بن الشاه الفقيه المروزي بمرو الرود في داره قال : حدثنا أبو بكر بن محمد عبد الله النيسابوري قال : حدثنا أبو القاسم عبد الله بن أحمد بن عامر بن سليمان الطائي بالبصرة ، حدثنا أبي قال : حدثني علي بن موسى الرضا قال : حدثني أبي موسى بن جعفر قال : حدثني أبي جعفر بن محمد قال : حدثني أبي محمد بن علي قال : حدثني أبي علي بن الحسين ، عن الحسين بن علي قال : إن يهوديا سأل علي بن أبي طالب فقال : أخبرني عما ليس لله ! وعما ليس عند الله وعما لا يعلمه الله تعالى ؟ قال علي : أما ما لا يعلمه الله فذلك قولكم يا معشر اليهود ! : عزير بن الله ، والله لا يعلم له إبنا ، وأما قولك : ما ليس لله ، فليس له شريك ، وأما قولك : ما ليس عند الله ، فليس عند الله ظلم للعباد .

فقال اليهودي : أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله .

- الطبرسي : روي عن موسى بن جعفر ، عن أبيه ، عن آبائه ، عن الحسين بن علي قال : إن يهوديا من يهود الشام وأحبارهم كان قد قرأ التوراة والإنجيل والزبور وصحف الانبياء ، وعرف دلائلهم ، جاء إلى مجلس فيه أصحاب رسول الله ، وفيهم علي بن أبي طالب ، وابن عباس ، وابن مسعود ، وأبو سعيد الجهني .

فقال : يا أمة محمد ! ما تركتم لنبي درجة ، ولا لمرسل فضيلة ، إلا أنحلتموها نبيكم ، فهل تجيبوني عما أسألكم عنه ؟ فكاع القوم عنه .

فقال على بن أبي طالب : نعم ، ما أعطى الله نبيا درجة ، ولا مرسلا فضيلة ، إلا وقد جمعها لمحمد ، وزاد محمدا على الأنبياء أضعافا مضاعفة .

فقال له اليهودي : فهل أنت مجيبي ؟ قال له : نعم ، سأذكر لك اليوم من فضائل رسول الله ما يقر الله به عين المؤمنين ، ويكون فيه إزالة لشك الشاكين في فضائله ، إنه كان إذا ذكر لنفسه فضيلة قال : ولا فخر ، وأنا أذكر لك فضائله غير مزر بالأنبياء ، ولا منتقص لهم ، ولكن شكرا لله على ما أعطى محمدا مثل ما أعطاهم ، وما زاده الله وما فضله عليهم .

قال له اليهودي : إني أسألك فأعد له جوابا .

قال له على : هات ! قال اليهودي : هذا آدم أسجد الله له ملائكته ، فهل فعل لمحمد شيئا من هذا ؟ فقال له على : لقد كان كذلك ، أسجد الله لآدم ملائكته ، فإن سجودهم له لم يكن سجود طاعة ، وأنهم عبدوا آدم من دون الله عزوجل ، ولكن اعترافا بالفضيلة ، ورحمة من الله له ، ومحمد أعطي ما هو أفضل من هذا ، إن الله عزوجل صلى عليه في جبروته والملائكة بأجمعها ، وتعبد المؤمنين بالصلاة عليه ، فهذه زيادة يا يهودي ! .

قال له اليهودي : فان آدم تاب الله عليه بعد خطيئته ؟ قال له على : لقد كان كذلك ، ومحمد نزل فيه ما هو أكبر من هذا من غير ذنب أتى ، قال الله عزوجل : ( ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ) إن محمدا غير مواف يوم القيامة بوزر ، ولا مطلوب فيها بذنب .

قال اليهودي : فإن هذا إدريس رفعه الله عزوجل مكانا عليا ، وأطعمه من تحف الجنة بعد وفاته ؟ قال له على : لقد كان كذلك ، ومحمد أعطي ما هو أفضل من هذا ، إن الله جل ثناؤه قال فيه : ( ورفعنا لك ذكرك ) فكفى بهذا من الله رفعة ، ولئن أطعم إدريس من تحف الجنة بعد وفاته ، فإن محمدا أطعم في الدنيا في حياته بينما يتضور جوعا ، فأتاه جبرئيل بجام من الجنة فيه تحفة ، فهلل الجام وهللت التحفة في يده ، وسبحا ، وكبرا ، وحمدا ، فناولها أهل بيته ، ففعلت الجام مثل ذلك ، فهم أن يناولها بعض أصحابه فتناولها جبرئيل وقال له : كلها ، فإنها تحفة من الجنة أتحفك الله بها ، وإنها لا تصلح إلا لنبي أو وصي نبي ، فأكل منها وأكلنا معه ، وإني لأجد حلاوتها ساعتي هذه .

قال اليهودي : فهذا نوح صبر في ذات الله تعالى ، وأعذر قومه إذ كذب . قال له على : لقد كان كذلك ، ومحمد صبر في ذات الله عزوجل فأعذر قومه إذ كذب وشرد ، وحصب بالحصا [ بالحصى ] ، وعلاه أبو لهب بسلا ناقة وشاة ، فأوحى الله تبارك وتعالى إلى جابيل ملك الجبال : أن شق الجبال وانته إلى أمر محمد ! فأتاه فقال : إني أمرت لك بالطاعة ، فإن أمرت أن أطبق عليهم الجبال فأهلكتهم بها ! : إنما بعثت رحمة ، رب اهد أمتي فإنهم لا يعلمون ! ويحك يا يهودي ! إن نوحا لما شاهد غرق قومه رق عليهم رقة القربة ، وأظهر عليهم شفقة ، فقال : ( رب إن ابني من أهلي ) فقال الله تعالى : ( إنه وليس من أهلك إنه عمل غير صلح ) أراد جل ذكره أن يسليه بذلك ، ومحمد لما غلبت عليه من قومه المعاندة شهر عليهم سيف النقمة ، ولم تدركه فيهم رقة القرابة ، ولم ينظر إليهم بعين رحمة .

فقال اليهودي : فإن نوحا دعا ربه ، فهطلت السماء بماء منهمر ؟ قال له : لقد كان كذلك ، وكانت دعوته دعوة غضب ، ومحمد هطلت له السماء بماء منهمر رحمة ، وذلك أنه لما هاجر إلى المدينة أتاه أهلها في يوم جمعة فقالوا له : يا رسول الله ! احتبس القطر ، واصفر العود ، وتهافت الورق ، فرفع يده المباركة حتى رئي بياض إبطه ، وما ترى في السماء سحابة ، فما برح حتى سقاهم الله ، حتى أن الشاب المعجب بشبابه لهمته نفسه في الرجوع إلى منزله فما يقدر على ذلك من شدة السيل ، فدام أسبوعا ، فأتوه في الجمعة الثانية فقالوا : يا رسول الله ! تهدمت الجدر ، واحتبس الركب والسفر ، فضحك وقال : هذه سرعة ملالة ابن آدم ، ثم قال : أللهم حوالينا ولا علينا ، أللهم في أصول الشيح ومراتع البقع ! فرئي حوالي المدينة المطر يقطر قطرا ، وما يقع بالمدينة قطرة لكرامته على الله عزوجل ! قال له اليهودي : فإن هذا هود ، قد انتصر الله له من أعدائه بالريح ، فهل فعل لمحمد شيئا من هذا ؟ قال له على : لقد كان كذلك ، ومحمد أعطي ما هو أفضل من هذا ، إن الله عزوجل قد انتصر له من أعدائه بالريح يوم الخندق ، إذ أرسل عليهم ريحا تذرو الحصى ، وجنودا لم يروها ، فزاد الله تعالى محمدا بثمانية ألف ملك ، وفضله على هود : بأن ريح عاد ريح سخط ، وريح محمد ريح رحمة ، قال الله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها ) .

قال له اليهودي : فهذا صالح أخرج الله له ناقة جعلها لقومه عبرة ؟ قال له اليهودي : فهذا صالح أخرج الله له ناقة جعلها لقومه عبرة ؟ قال على : لقد كان كذلك ، ومحمد أعطي ما هو أفضل من ذلك ، إن ناقة صالح لم تكلم صالحا ، ولم تناطقه ، ولم تشهد له بالنبوة ، ومحمد بينما نحن معه في بعض غزواته إذ هو ببعير قد دنا ، ثم رغا فأنطقه الله عزوجل فقال : يا رسول الله ! فلان استعملني حتى كبرت ، ويريد نحري ، فأنا أستعيذ بك منه ، فأرسل رسول الله إلى صاحبه فاستوهبه منه ، فوهبه له وخلاه ، ولقد كنا معه فإذا نحن بأعرابي معه ناقة له يسوقها ، وقد استسلم للقطع لما زور عليه من الشهود ، فنطقت الناقة فقالت : يا رسول الله ! إن فلانا مني بريء ، وإن الشهود يشهدون عليه بالزور ، وإن سارقي فلان اليهودي ! قال له اليهودي : فإن هذا إبراهيم قد تيقظ بالاعتبار على معرفة الله تعالى وأحاطت دلالته بعلم الإيمان ؟ قال له على : لقد كان كذلك ، وأعطي محمد أفضل منه ، وتيقظ إبراهيم وهو ابن خمسة عشر سنة ، ومحمد ابن سبع سنين ، قدم تجار من النصارى فنزلوا بتجارتهم بين الصفا والمروة ، فنظر إليه بعضهم فعرفه بصفته ورفعته ، وخبر مبعثه وآياته ، فقالوا : يا غلام ! ما اسمك ؟ قال : محمد .

قالوا : ما اسم أبيك ؟ قال : عبد الله .

قالوا : ما اسم هذه ؟ - وأشاروا بأيديهم إلى الأرض - قال : الأرض .

قالوا : وما اسم هذه ؟ - وأشاروا بأيديهم إلى السماء - قال : السماء .

قالوا : فمن ربهما ؟ قال : الله .

ثم انتهرهم وقال : أتشككوني في الله عزوجل ؟ ! ويحك يا يهودي ! لقد تيقظ بالاعتبار على معرفة الله عزوجل مع كفر قومه إذ هو بينهم ، يستقسمون بالأزلام ، ويعبدون الأوثان ، وهو يقول : لا إله إلا الله .

قال له اليهودي : فإن إبراهيم حجب عن نمرود بحجب ثلاث ؟ قال على : لقد كان كذلك ، ومحمد حجب عمن أراد قتله بحجب خمس ، فثلاثة بثلاثة واثنان فضل ، قال الله عز وجل - وهو يصف أمر محمد - : ( وجعلنا منم بين أيديهم سدا ) فهذا

الحجاب الأول ، ( ومن خلفهم سدا )

الحجاب الثاني ، ( فأغشيناهم فهم لا يبصرون )

الحجاب الثالث ، ثم قال : ( وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا )

الحجاب الرابع ثم قال : ( فهي إلى الأذقان فهم مقمحون ) فهذه حجب خمس .

قال له اليهودي : فإن هذا إبراهيم قد بهت الذي كفر ببرهان نبوته ؟ قال علي : لقد كان كذلك ، ومحمد أتاه مكذب بالبعث بعد الموت وهو : أبى بن خلف الجمحي ، معه عظم نخر ففركه ثم قال : يا محمد ! ( قال من يحي العظم وهى رميم ) ؟ فأنطق محمدا بمحكم آياته ، وبهته ببرهان نبوته ، فقال : ( يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم ) ، فانصرف مبهوتا .

قال له اليهودي : فهذا إبراهيم جذ أصنام قومه غضبا لله عزوجل ؟ قال على : لقد كان كذلك ، ومحمد قد نكس عن الكعبة ثلاثمائة وستين صنما ، ونفاها عن جزيرة العرب ، وأذل من عبدها بالسيف .

قال له اليهودي : فإن إبراهيم قد أضجع ولده وتله للجبين ؟ فقال علي : لقد كان كذلك ، ولقد أعطي إبراهيم بعد الاضطجاع الفداء ، ومحمد أصيب بأفجع منه فجيعة ، إنه وقف على عمه حمزة أسد الله ، وأسد رسوله وناصر دينه ، وقد فرق بين روحه وجسده ، فلم يبن عليه حرقة ، ولم يفض عليه عبرة ، ولم ينظر إلى موضعه من قلبه وقلوب أهل بيته ليرضي الله عزوجل بصبره ، ويستسلم لأمره في جميع الفعال ، وقال : لولا أن تحزن صفية لتركته حتى يحشر من بطون السباع ، وحواصل الطير ، ولولا أن يكون سنة بعدي لفعلت ذلك .

قال له اليهودي : فإن إبراهيم قد أسلمه قومه إلى الحريق فصبر ، فجعل الله عزوجل عليه بردا وسلاما فهل فعل بمحمد شيئا من ذلك ؟ قال له على : لقد كان كذلك ، ومحمد لما نزل بخيبر سمته الخيبرية ، فصير الله السم في جوفه بردا وسلاما إلى منتهى أجله ، فالسم يحرق إذا استقر في الجوف كما أن النار تحرق ، فهذا من قدرته لا تنكره .

قال له اليهودي : فإن هذا يعقوب أعظم في الخير نصيبا إذ جعل الأسباط من سلالة صلبه ، ومريم بنت عمران من بناته ؟ قال على : لقد كان كذلك ، ومحمد أعظم في الخير نصيبا إذ جعل فاطمة سيدة نساء العالمين من بناته ، والحسن والحسين من حفدته . قال له اليهودي : فإن يعقوب قد صبر على فراق ولده حتى كاد يحرض من الحزن .

قال له على : لقد كان كذلك ، حزن يعقوب حزنا بعده تلاق ، ومحمد قبض ولده إبراهيم قرة عينه في حياته منه ، فخصه بالاختيار ، ليعلم له الإدخار ، فقال : يحزن النفس ، ويجزع القلب ، وإنا عليك يا إبراهيم لمحزونون ، ولا نقول ما يسخط الرب ! في كل ذلك يؤثر الرضا عن الله عزوجل والاستسلام له في جميع الفعال .

قال له اليهودي : فإن هذا يوسف قاسى مرارة الفرقة ، وحبس في السجن توقيا للمعصية ، وألقي في الجب وحيدا ؟ قال له على : لقد كان كذلك ، ومحمد قاسى مرارة الغربة ، وفراق الأهل والأولاد والمال ، مهاجرا من حرم الله تعالى وأمنه ، فلما رأى الله عزوجل كآبته واستشعاره الحزن ، أراه تبارك أسمه رؤيا توازي رؤيا يوسف في تأويلها ، وأبان للعالمين صدق تحقيقها ، فقال : ( لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رءوسكم ومقصرين لا تخافون ) ولئن كان يوسف حبس في السجن ، فلقد حبس رسول الله نفسه في الشعب ثلاث سنين ، وقطع منه أقاربه وذوو الرحم وألجأوه إلى أضيق المضيق ، ولقد كادهم الله عز ذكره له كيدا مستبينا إذ بعث أضعف خلقه فأكل عهدهم الذي كتبوه بينهم في قطيعة رحمه ، ولئن كان يوسف القي في الجب ، فلقد حبس محمد نفسه مخافة عدوه في الغار حتى قال لصاحبه : ( لا تحزن إن الله معنا ) ، ومدحه إليه بذلك في كتابه .

قال له اليهودي : فهذا موسى بن عمران آتاه الله عزوجل التوراة التي فيها حكمه ؟ قال له على : فلقد كان كذلك ، ومحمد أعطي ما هو أفضل منه ، أعطي محمد البقرة وسورة المائدة بالإنجيل ، وطواسين وطه ونصف المفصل والحواميم بالتوراة ، وأعطي نصف المفصل والتسابيح بالزبور ، واعطي سورة بني إسرائيل وبراءة بصحف إبراهيم وموسى ، وزاد الله عزوجل محمدا السبع الطوال وفاتحة الكتاب وهي السبع المثاني والقرآن العظيم ، وأعطي الكتاب والحكمة .

قال له اليهودي : فإن موسى ناجاه الله على طور سيناء ؟ قال له على : لقد كان كذلك ، ولقد أوحى الله إلى محمد عند سدرة المنتهى ، فمقامه في السماء محمود ، وعند منتهى العرش مذكور .

قال اليهودي : فلقد ألقى الله على موسى بن عمران محبة منه ؟ قال على : لقد كان كذلك ، وقد أعطى محمدا ما هو أفضل من هذا ، لقد ألقى الله محبة منه فمن هذا الذي يشركه في هذا الاسم إذ تم من الله به الشهادة ، فلا تتم الشهادة إلا أن يقال : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدا رسول الله ، ينادى به على المنابر ، فلا يرفع صوت بذكر الله إلا رفع بذكر محمد معه .

قال له اليهودي : فلقد أوحى الله إلى أم موسى لفضل منزلة موسى عند الله .

قال له على : لقد كان كذلك .

ولقد لطف الله جل ثناؤه لأم محمد بأن أوصل إليها اسمه ، حتى قالت : أشهد والعالمون أن محمدا رسول الله منتظر ! وشهد الملائكة على الأنبياء أنهم أثبتوه في الأسفار ، وبلطف من الله ساقه إليها ، وأوصل إليها اسمه لفضل منزلته عنده ، حتى رأت في المنام أنه قيل لها : إن ما في بطنك سيد ، فإذا ولدته فسميه محمدا ، فاشتق الله له اسما من أسمائه ، فالله المحمود وهذا محمد .

قال له اليهودي : فإن هذا موسى بن عمران قد أرسله الله إلى فرعون ، وأراه الآية الكبرى ؟ قال له على : لقد كان كذلك ، ومحمد أرسل إلى فراعنة شتى ، مثل أبي جهل بن هشام ، وعتبة بن ربيعة ، وشيبة ، وأبي البختري ، والنضر بن الحرث ، وأبى بن خلف ، ومنبه ونبيه ابني الحجاج ، وإلى الخمسة المستهزئين : الوليد بن المغيرة المخزومي ، والعاص بن وائل السهمي ، والأسود بن عبد يغوث الزهري ، والأسود بن المطلب ، والحرث بن أبي الطلالة ، فأراهم الآيات في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق . قال له اليهودي : لقد انتقم الله عزوجل لموسى من فرعون ؟ قال له على : لقد كان كذلك ، ولقد انتقم الله جل اسمه لمحمد من الفراعنة ، فأما المستهزئون فقال الله : ( إنا كفيناك المستهزئين ) فقتل الله خمستهم ، كل واحد منهم بغير قتلة صاحبه في يوم واحد .

فأما الوليد بن المغيرة : فمر بنبل لرجل من خزاعة قد راشه ووضعه في الطريق فأصابه شظية منه ، فانقطع أكحله حتى أدماه ، فمات وهو يقول : قتلني رب محمد .

وأما العاص بن وائل السهمي : فإنه خرج في حاجة له إلى موضع فتدهده تحته حجر ، فسقط فتقطع قطعة قطعة ، فمات وهو يقول : قتلني رب محمد . وأما الأسود بن عبد يغوث : فإنه خرج يستقبل ابنه زمعة ، فاستظل بشجرة ، فأتاه جبرئيل فأخذ رأسه فنطح به الشجرة ، فقال لغلامه : امنع هذا عني ! فقال : ما أرى أحدا يصنع شيئا إلا نفسك ، فقتله وهو يقول : قتلني رب محمد . وأما الأسود بن الحرث : فإن النبى دعا عليه أن يعمي الله بصره ، وأن يثكله ولده ، فلما كان في ذلك اليوم خرج حتى صار إلى موضع أتاه جبرئيل بورقة خضراء فضرب بها وجهه فعمي ، فبقي حتى أثكله الله ولده .

وأما الحرث بن أبي الطلالة : فإنه خرج من بيته في السموم فتحول حبشيا ، فرجع إلى أهله فقال : أنا الحرث ، فغضبوا عليه فقتلوه وهو يقول : قتلني رب محمد . وروي أن الأسود بن الحرث أكل حوتا مالحا فأصابه غلبة العطش ، فلم يزل يشرب الماء حتى انشق بطنه ، فمات وهو يقول : قتلني رب محمد . كل ذلك في ساعة واحدة ، وذلك أنهم كانوا بين يدي رسول الله فقالوا له : يا محمد ! ننتظر بك إلى الظهر ، فإن رجعت عن قولك وإلا قتلناك ، فدخل النبى منزله فأغلق عليه بابه مغتما لقولهم ، فأتاه جبرئيل عن الله من ساعته فقال : يا محمد ! السلام يقرأ عليك السلام ، وهو يقول لك : ( اصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين ) ، يعني أظهر أمرك لأهل مكة ، وادعهم إلى الإيمان ، قال : يا جبرئيل ! كيف أصنع بالمستهزئين وما أوعدوني ؟ قال له : ( إنا كفيناك المستهزئين ) قال : يا جبرئيل ! كانوا الساعة بين يدي ، قال : كفيتهم ، وأظهر أمره عند ذلك .

وأما بقية الفراعنة : قتلوا يوم بدر بالسيف ، فهزم الله الجميع وولوا الدبر . قال له اليهودي : فإن هذا موسى بن عمران قد اعطي العصا فكان تحول ثعبانا ؟ قال له على : لقد كان كذلك ، ومحمد أعطي ما هو أفضل من هذا ، إن رجلا كان يطالب أبا جهل بدين ثمن جزور قد اشتراه ، فاشتغل عنه وجلس يشرب ، فطلبه الرجل فلم يقدر عليه ، فقال له بعض المستهزئين : من تطلب ؟ فقال : عمرو بن هشام - يعني أبا جهل - لي عليه دين .

قال : فأدلك على من يستخرج منه الحقوق ؟ قال : نعم ، فدله على النبى ، وكان أبو جهل يقول : ليت لمحمد إلي حاجة فأسخر به وأرده ! فأتى الرجل النبى فقال : يا محمد ! بلغني أن بينك وبين عمرو بن هشام حسن صداقة ، وأنا استشفع بك إليه ، فقام معه رسول الله فأتى بابه ، فقال له : قم يا أبا جهل ! فأد إلى الرجل حقه ! وإنما كناه بأبي جهل ذلك اليوم ، فقام مسرعا حتى أدى إليه حقه ، فلما رجع إلى مجلسه قال له بعض أصحابه : فعلت ذلك فرقا من محمد ! قال : ويحكم أعذروني ؟ إنه لما أقبل رأيت عن يمينه رجالا معهم حراب تتلألأ ، وعن يساره ثعبانين تصطك أسنانهما ، وتلمع النيران من أبصارهما ، لو امتنعت لم آمن أن يبعجوا بالحراب بطني وتقضمني الثعبانان ! هذا أكبر مما أعطي موسى ، وزاد الله محمدا ثعبانا وثمانية أملاك معهم الحراب ، ولقد كان النبى يؤذي قريشا بالدعاء ، فقام يوما فسفه أحلامهم ، وعاب دينهم ، وشتم أصنامهم ، وضلل آباءهم ، فاغتموا من ذلك غما شديدا ، فقال أبو جهل : والله ! للموت خير لنا من الحياة ، فليس فيكم معاشر قريش أحد يقتل محمدا فيقتل به ! ؟ قالوا : لا ! قال : فأنا أقتله ! فإن شاءت بنو عبد المطلب قتلوني به ، وإلا تركوني .

قال : إنك إن فعلت ذلك اصطنعت إلى أهل الوادي معروفا لا تزال تذكر به ! قال : إنه كثير السجود حول الكعبة ، فإذا جاء وسجد أخذت حجرا فشدخته به . فجاء رسول الله فطاف بالبيت أسبوعا ، ثم صلى وأطال السجود ، فأخذ أبو جهل حجرا فأتاه من قبل رأسه ، فلما أن قرب منه أقبل فحل من قبل رسول الله فاغرا فاه نحوه ، فلما أن رآه أبو جهل فزع منه وارتعدت يده ، وطرح الحجر فشدخ رجله ، فرجع مدمى ، متغير اللون ، يفيض عرقا ! فقال له أصحابه : ما رأيناك كاليوم ؟ ! قال : ويحكم أعذروني ! فإنه أقبل من عنده فحل فاغرا فاه فكاد يبتلعني ، فرميت بالحجر فشدخت رجلي ! قال اليهودي : فإن موسى قد أعطي اليد البيضاء ، فهل فعل بمحمد شيئا من ذلك ؟ قال له على : لقد كان كذلك ، ومحمد أعطي ما هو أفضل من هذا ، إن نورا كان يضيء عن يمينه حيثما جلس ، وعن يساره حيثما جلس ، وكان يراه الناس كلهم .

قال له اليهودي : فإن موسى قد ضرب له طريق في البحر ، فهل فعل بمحمد شيء من هذا ؟ قال له على : لقد كان كذلك ، ومحمد أعطي ما هو أفضل من هذا ، خرجنا معه إلى حنين ، فإذا نحن بواد يشخب ، فقدرناه فإذا هو أربعة عشر قامة ، فقالوا : يا رسول الله ! العدو وراءنا والوادي أمامنا ، كما قال أصحاب موسى ، ( إنا لمدركون ) ، فنزل رسول الله ثم قال : أللهم إنك جعلت لكل مرسل دلالة ، فأرني قدرتك ، وركب صلوات الله عليه فعبرت الخيل لا تندى حوافرها ، والإبل لا تندى أخفافها ، فرجعنا فكان فتحنا ! قال له اليهودي : فإن موسى قد أعطي الحجر فانبجست منه اثنتا عشرة عينا .

قال على : لقد كان كذلك ، ومحمد لما نزل الحديبية وحاصره أهل مكة ، قد أعطي ما هو أفضل من ذلك ، وذلك أن أصحابه شكوا إليه الظمأ وأصابهم ذلك حتى التقت خواصر الخيل ، فذكروا له ، فدعا بركوة يمانية ثم نصب يده المباركة فيها ، فتفجرت من بين أصابعه عيون الماء ، فصدرنا وصدرت الخيل رواء ، وملأنا كل مزادة وسقاء .

ولقد كنا معه بالحديبية فإذا ثم قليب جافة ، فأخرج سهما من كنانته ، فناوله البراء بن عازب وقال له : اذهب بهذا السهم إلى تلك القليب الجافة فاغرسه فيها ، ففعل ذلك فتفجرت اثنتا عشرة عينا من تحت السهم ! ولقد كان يوم الميضاة عبرة وعلامة للمنكرين لنبوته ، كحجر موسى حيث دعا بالميضاة فنصب يده فيها فغاضت بالماء وارتفع ، حتى توضأ منه ثمانية آلاف رجل فشربوا حاجتهم ، وسقوا دوابهم ، وحملوا ما أرادوا . قال اليهودي : فإن موسى أعطي المن والسلوى فهل اعطي لمحمد نظير هذا .

قال له على : لقد كان كذلك ، ومحمد أعطي ما هو أفضل من هذا ، إن الله عزوجل أحل له الغنائم ولأمته ، ولم تحل الغنائم لأحد غيره قبله ، فهذا أفضل من المن والسلوى ، ثم زاده أن جعل نية له ولأمته بلا عمل عملا صالحا ، ولم يجعل لأحد من الأمم ذلك قبله ، فإذا هم أحدهم بحسنة ولم يعملها كتبت له حسنة ، فإن عملها كتب له عشرة . قال له اليهودي : إن موسى قد ظلل عليه الغمام ؟ قال له على : لقد كان كذلك وقد فعل ذلك بموسى في التيه وأعطي محمد أفضل من هذه ، إن الغمامة كانت تظله من يوم ولد إلى يوم قبض في حضره وأسفاره .

فهذا أفضل مما أعطي موسى .
قال له اليهودي : فهذا داود قد لين الله له الحديد ، فعمل منه الدروع ؟ قال له على : لقد كان كذلك ، ومحمد قد أعطي ما هو أفضل من هذا ، إنه لين الله له الصم الصخور الصلاب وجعلها غارا ، ولقد غارت الصخرة تحت يده ببيت المقدس لينة حتى صارت كهيئة العجين ، وقد رأينا ذلك والتمسناه تحت رايته .

قال له اليهودي : هذا داود بكى على خطيئته حتى سارت الجبل معه لخوفه . قال له على : لقد كان كذلك ، ومحمد أعطي ما هو أفضل من هذا ، إنه كان إذا قام إلى الصلاة سمع لصدره وجوفه أريز كأريز المرجل على الأثافي من شدة البكاء ، وقد آمنه الله عزوجل من عقابه ، فأراد أن يتخشع لربه ببكائه فيكون إماما لمن اقتدى به ، ولقد قام عشر سنين على أطراف أصابعه حتى تورمت قدماه واصفر وجهه ، يقوم الليل أجمع ، حتى عوتب في ذلك ، فقال الله عزوجل : ( طه * ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى ) بل لتسعد به ، ولقد كان يبكي حتى يغشى عليه ، فقيل له : يا رسول الله ! أليس الله غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟ قال : بلى ، أفلا أكون عبدا شكورا ! ؟ ولئن سارت الجبال وسبحت معه لقد عمل بمحمد ما هو أفضل من هذا ، إذ كنا معه على جبل حراء إذ تحرك الجبل فقال له : قر ، فإنه ليس عليك إلا نبي أو صديق شهيد ! فقر الجبل مطيعا لأمره ومنتهيا إلى طاعته ، ولقد مررنا معه بجبل وإذ الدموع تخرج من بعضه ! فقال له النبى : ما يبكيك يا جبل ؟ فقال : يا رسول الله كان المسيح مر بي وهو يخوف الناس من نار وقودها الناس والحجارة ، وأنا أخاف أن أكون من تلك الحجارة ! قال له : لا تخف ، تلك الحجارة الكبريت .

فقر الجبل وسكن وهدأ وأجاب لقوله .

قال له اليهودي : فإن هذا سليمان أعطي ملكا لا ينبغي لأحد من بعده ؟ قال على : لقد كان كذلك ، ومحمد أعطي ما هو أفضل من هذا ، إنه هبط إليه ملك لم يهبط إلى الأرض قبله ، وهو ميكائيل ، فقال له : يا محمد ! عش ملكا منعما وهذه مفاتيح خزائن الأرض معك ، ويسير معك جبالها ذهبا وفضة ، ولا ينقص لك مما ادخر لك في الآخرة شيء ، فأومى إلى جبرئيل - وكان خليله من الملائكة - فأشار عليه : أن تواضع ، فقال له : بل أعيش نبيا عبدا آكل يوما ولا آكل يومين ! وألحق بإخواني من الأنبياء ! فزاده الله تبارك وتعالى الكوثر وأعطاه الشفاعة ، وذلك أعظم من ملك الدنيا من أولها إلى آخرها سبعين مرة ، ووعده المقام المحمود ، فإذا كان يوم القيامة أقعده الله عزوجل على العر
كان يوم القيامة أقعده الله عزوجل على العرش ، فهذا أفضل مما أعطي سليمان .

قال له اليهودي : فإن هذا سليمان قد سخرت له الرياح ، فسارت به في بلاده غدوها شهر ورواحها شهر ؟ قال له على : لقد كان كذلك ، ومحمد أعطي ما هو أفضل من هذا ، إنه أسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى مسيرة شهر ، وعرج به في ملكوت السماوات مسيرة خمسين ألف عام ، في أقل من ثلث ليلة ، حتى انتهى إلى ساق العرش ، فدنى بالعلم فتدلى من الجنة رفرف أخضر ، وغشى النور بصره ، فرأى عظمة ربه عزوجل بفؤاده ، ولم يرها بعينه ، فكان كقاب قوسين بينه وبينها أو أدنى ، فأوحى الله إلى عبده ما أوحى ، وكان فيما أوحى إليه ، الآية التي في سورة البقرة قوله : ( لله ما في السموات وما في الأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله على كل شىء قدير ) .

وكانت الآية قد عرضت على الأنبياء من لدن آدم إلى أن بعث الله تبارك وتعالى محمدا ، وعرضت على الأمم فأبوا أن يقبلوها من ثقلها ، وقبلها رسول الله ، وعرضها على أمته فقبلوها ، فلما رأى الله تبارك وتعالى منهم القبول علم أنهم لا يطيقونها ، فلما أن سار إلى ساق العرش كرر عليه الكلام ليفهمه ، فقال : ( آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله - فأجاب مجيبا عنه وعن أمته - ) ، فقال جل ذكره : لهم الجنة والمغفرة علي إن فعلوا ذلك .

فقال النبى : أما إذا فعلت ذلك بنا ، ف‍ ( - ‍غفرانك ربنا وإليك المصير ) ، يعني المرجع في الآخرة .

قال : فأجابه الله عزوجل : قد فعلت ذلك بك وبأمتك . ثم قال عزوجل : أما إذا قبلت الآية بتشديدها وعظم ما فيها وقد عرضتها على الأمم فأبوا أن يقبلوها وقبلتها أمتك ، حق علي أن أرفعها عن أمتك ، وقال : ( لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت - من خير - وعليها ما اكتسبت ) ، من شر ، فقال النبى - لما سمع - ذلك : أما إذا فعلت ذلك بي وبأمتي فزدني ، قال : سل ، قال : ( ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ) ، قال الله عزوجل : لست أؤاخذ أمتك بالنسيان والخطأ لكرامتك علي ، وكانت الأمم السالفة إذا نسوا ما ذكروا به فتحت عليهم أبواب العذاب ، وقد دفعت ذلك عن أمتك ، وكانت الأمم السالفة إذا أخطأوا أخذوا بالخطأ وعوقبوا عليه .

وقد رفعت ذلك عن أمتك لكرامتك علي .

فقال : أللهم إذا أعطيتني ذلك فزدني .

قال الله تبارك وتعالى له : سل .

قال : ( ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا ) ، يعني بالإصر : الشدائد التي كانت على من كان من قبلنا ، فأجابه الله عزوجل إلى ذلك ، وقال تبارك اسمه : قد رفعت عن أمتك الآصار التي كانت على الأمم السالفة ، كنت لا أقبل صلاتهم إلا في بقاع معلومة من الأرض اخترتها لهم وإن بعدت ، وقد جعلت الأرض كلها لأمتك مسجدا وطهورا ، فهذه من الآصار التي كانت على الأمم قبلك فرفعتها عن أمتك ، وكانت الأمم السالفة إذا أصابهم أذى من نجاسة قرضوه من أجسادهم ، وقد جعلت الماء لأمتك طهورا ، فهذا من الآصار التي كانت عليهم فرفعتها عن أمتك ، وكانت الأمم السالفة تحمل قرابينها على أعناقها إلى بيت المقدس ، فمن قبلت ذلك منه أرسلت عليه نارا فأكلته فرجع مسرورا ، ومن لم أقبل منه ذلك رجع مثبورا ، وقد جعلت قربان أمتك في بطون فقرائها ومساكينها فمن قبلت ذلك منه أضعفت ذلك له أضعافا مضاعفة ، ومن لم أقبل ذلك منه رفعت عنه عقوبات الدنيا ، قد رفعت ذلك عن أمتك ، وهي من الآصار التي كانت على الأمم من كان من قبلك ، كانت الأمم السالفة صلواتها مفروضة عليها في ظلم الليل وأنصاف النهار ، وهي من الشدائد التي كانت عليهم ، فرفعتها عن أمتك وفرضت صلاتهم في أطراف الليل والنهار ، وفي أوقات نشاطهم . وكانت الأمم السالفة قد فرضت عليهم خمسين صلاة في خمسين وقتا ، وهي من الآصار التي كانت عليهم ، فرفعتها عن أمتك وجعلتها خمسا في خمسة أوقات ، وهي إحدى وخمسون ركعة ، وجعلت لهم أجر خمسين صلاة ، وكانت الأمم السالفة حسنتهم بحسنة وسيئتهم بسيئة ، وهي من الآصار التي كانت عليهم ، فرفعتها عن أمتك وجعلت الحسنة بعشرة والسيئة بواحدة ، وكانت الأمم السالفة إذا نوى أحدهم حسنة فلم يعملها لم تكتب له ، وإن عملها كتبت له حسنة ، وإن أمتك إذا هم أحدهم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة ، وإن عملها كتبت له عشرة ، وهي من الآصار التي كانت عليهم فرفعتها عن أمتك ، وكانت الأمم السالفة إذا هم أحدهم بسيئة فلم يعملها لم تكتب عليه ، وإن عملها كتبت عليه سيئة ، وإن أمتك إذا هم أحدهم بسيئة ثم لم يعملها كتبت له حسنة ، وهذه من الآصار التي كانت عليهم فرفعتها عن أمتك .

وكانت الأمم السالفة إذا أذنبوا كتبت ذنوبهم على أبوابهم ، وجعلت توبتهم من الذنوب : أن حرمت عليهم بعد التوبة أحب الطعام إليهم ، وقد رفعت ذلك عن أمتك ، وجعلت ذنوبهم فيما بيني وبينهم وجعلت عليهم ستورا كثيفة ، وقبلت توبتهم بلا عقوبة ، ولا أعاقبهم بأن أحرم عليهم أحب الطعام إليهم ، وكانت الأمم السالفة يتوب أحدهم إلى الله من الذنب الواحد مائة سنة ، أو ثمانين سنة ، أو خمسين سنة ، ثم لا أقبل توبته دون أن أعاقبه في الدنيا بعقوبة ، وهي من الآصار التي كانت عليهم فرفعتها عن أمتك ، وإن الرجل من أمتك ليذنب عشرين سنة ، أو ثلاثين سنة ، أو أربعين سنة ، أو مائة سنة ثم يتوب ويندم طرفة عين فأغفر ذلك كله .

فقال النبي : إذا أعطيتني ذلك كله فزدني .

قال : سل .

قال : ( ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به ) قال تبارك اسمه : قد فعلت ذلك بأمتك ، وقد رفعت عنهم عظم بلايا الأمم ، وذلك حكمي في جميع الأمم : أن لا أكلف خلقا فوق طاقتهم ، فقال النبي : ( واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا ) ، قال الله عزوجل : قد فعلت ذلك بتائبي أمتك ، ثم قال : ( فانصرنا على القوم الكافرين ) قال الله جل اسمه : إن أمتك في الأرض كالشامة البيضاء في الثور الأسود ، هم القادرون ، وهم القاهرون ، يستخدمون ولا يستخدمون ، لكرامتك علي ، وحق علي أن أظهر دينك على الأديان ، حتى لا يبقى في شرق الأرض وغربها دين إلا دينك ، ويؤدون إلى أهل دينك الجزية .

قال اليهودي : فإن هذا سليمان سخرت له الشياطين ، يعملون له ما يشاء من محاريب ، وتماثيل ؟ قال له على : لقد كان كذلك ، ولقد أعطي محمد أفضل من هذا ، إن الشياطين سخرت لسليمان وهي مقيمة على كفرها ، ولقد سخرت لنبوة محمد الشياطين بالإيمان ، فأقبل إليه من الجنة التسعة من أشرافهم ، واحد من جن نصيبين ، والثمان من بني عمرو بن عامر من الأحجة منهم شضاه ، ومضاه ، والهملكان ، والمرزبان ، والمازمان ، ونضاه ، وهاضب ، وهضب ، وعمرو ، وهم الذين يقول الله تبارك اسمه فيهم : ( وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن ) وهم التسعة ، فأقبل إليه الجن والنبي ببطن النخل فاعتذروا بأنهم ظنوا كما ظننتم أن لن يبعث الله أحدا ، ولقد أقبل إليه أحد وسبعون ألفا منهم فبايعوه على الصوم ، والصلاة ، والزكاة ، والحج ، والجهاد ، ونصح المسلمين ، واعتذروا بأنهم قالوا على الله شططا ، وهذا أفضل مما أعطي سليمان ، فسبحان من سخرها لنبوة محمد بعد أن كانت تتمرد ، وتزعم أن لله ولدا ، ولقد شمل مبعثه من الجن والإنس ما لا يحصى . قال له اليهودي : هذا يحيى بن زكريا يقال : إنه أوتي الحكم صبيا والحلم ، والفهم ، وأنه كان يبكي من غير ذنب ، وكان يواصل الصوم ؟ قال له علي : لقد كان كذلك ، ومحمد أعطي ما هو أفضل من هذا ، إن يحيى بن زكريا كان في عصر لا أوثان فيه ولا جاهلية ، ومحمد أوتي الحكم والفهم صبيا بين عبدة الأوثان ، وحزب الشيطان ، فلم يرغب لهم في صنم قط ولم ينشط لأعيادهم ، ولم ير منه كذب قط ، وكان أمينا ، صدوقا ، حليما ، وكان يواصل الصوم الأسبوع والأقل والأكثر ، فيقال له في ذلك ، فيقول : إني لست كأحدهم إني أظل عند ربي ، فيطعمني ، ويسقيني ، وكان يبكي حتى تبتل مصلاه خشية من الله عزوجل من غير جرم . قال له اليهودي : فإن هذا عيسى بن مريم يزعمون أنه تكلم في المهد صبيا ؟ قال له علي : لقد كان كذلك ، ومحمد سقط من بطن أمه واضعا يده اليسرى على الأرض ، ورافعا يده اليمنى إلى السماء ، يحرك شفتيه بالتوحيد ، وبدأ من فيه نور رأى أهل مكة منه قصور بصرى من الشام وما يليها ، والقصور الحمر من أرض اليمن وما يليها ، والقصور البيض من إسطخر وما يليها ، ولقد أضاءت الدنيا ليلة ولد النبى حتى فزعت الجن والإنس والشياطين ، وقالوا : حدث في الأرض حدث ، ولقد رأى الملائكة ليلة ولد تصعد وتنزل ، وتسبح وتقدس ، وتضطرب النجوم وتتساقط ، علامة لميلاده .

ولقد هم إبليس بالظعن في السماء لما رأى من الأعاجيب في تلك الليلة ، وكان له مقعد في السماء الثالثة ، والشياطين يسترقون السمع ، فلما رأوا العجائب أرادوا أن يسترقوا السمع ، فإذا هم قد حجبوا من السماوات كلها ، ورموا بالشهب ، دلالة لنبوته .

قال له اليهودي : فإن عيسى يزعمون أنه قد أبرأ الأكمه والأبرص بإذن الله ؟ قال له علي : لقد كان كذلك ، ومحمد أعطي ما هو أفضل من ذلك : أبرأ ذا العاهة من عاهته ، وبينما هو جالس إذ سأل عن رجل من أصحابه فقالوا : يا رسول الله ! إنه قد صار من البلاء كهيئة الفرخ الذي لا ريش عليه .

فأتاه فإذا هو كهيئة الفرخ من شدة البلاء ، فقال له : قد كنت تدعو في صحتك دعاء ؟ قال : نعم ، كنت أقول : يا رب ! أيما عقوبة أنت معاقبي بها في الآخرة فاجعلها لي في الدنيا ! فقال له النبى : ألا قلت أللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار .

فقالها الرجل ، فكأنما نشط من عقال ، وقام صحيحا وخرج معنا ! ولقد أتاه رجل من جهينة أجذم يتقطع من الجذام ، فشكا إليه ، فأخذ قدحا من ماء فتفل عليه ، ثم قال : إمسح جسدك . ففعل فبرئ حتى لم يوجد عليه شيء ! ولقد أتي النبى بأعرابي أبرص ، فتفل من فيه عليه فما قام من عنده إلا صحيحا ! ولئن زعمت أن عيسى أبرأ ذوي العاهات من عاهاتهم ، فإن محمدا بينما هو في أصحابه إذ هو بامرأة فقالت : يا رسول الله ! إن ابني قد أشرف على حياض الموت ، كلما أتيته بطعام وقع عليه التثاؤب .

فقام النبى وقمنا معه ، فلما أتيناه قال له : جانب يا عدو الله ولى الله ! فأنا رسول الله .

فجانبه الشيطان ، فقام صحيحا وهو معنا في عسكرنا ! ولئن زعمت أن عيسى أبرأ العميان فإن محمدا قد فعل ما هو أكبر من ذلك : إن قتادة بن ربيع كان رجلا صحيحا ، فلما أن كان يوم أحد أصابته طعنة في عينه فبدرت حدقته ، فأخذها بيده ثم أتى بها إلى النبى فقال : يا رسول الله ! إن امرأتي الآن تبغضني ! فأخذها رسول الله من يده ثم وضعها مكانها ، فلم تكن تعرف إلا بفضل حسنها وفضل ضوئها على العين الأخرى ! ولقد جرح عبد الله بن عبيد وبانت يده يوم حنين ، فجاء إلى النبى ، فمسح عليه يده فلم تكن تعرف من اليد الأخرى ! ولقد أصاب محمد بن مسلم يوم كعب بن أشرف مثل ذلك في عينه ويده ، فمسحه رسول الله فلم تستبينا ! ولقد أصاب عبد الله بن أنيس مثل ذلك في عينه ، فمسحها فما عرفت من الأخرى ، فهذه كلها دلالة لنبوته .

قال له اليهودي : فإن عيسى يزعمون أنه أحيى الموتى بإذن الله ؟ قال له علي : لقد كان كذلك ، ومحمد سبحت في يده تسع حصيات تسمع نغماتها في جمودها ولا روح فيها لتمام حجة نبوته ! ولقد كلمه الموتى من بعد موتهم ، واستغاثوه مما خافوا تبعته ! ولقد صلى بأصحابه ذات يوم ، فقال : ما هاهنا من بني النجار أحد وصاحبهم محتبس على باب الجنة بثلاثة دراهم لفلان اليهودي ! ؟ - وكان شهيدا - ولئن زعمت : أن عيسى كلم الموتى ، فلقد كان لمحمد ما هو أعجب من هذا : إن النبى لما نزل بالطائف وحاصر أهلها ، بعثوا إليه بشاة مسلوخة مطلية بسم ، فنطق الذراع منها فقالت : يا رسول الله ! لا تأكلني فإني مسمومة ! فلو كلمته البهيمة وهي حية لكانت من أعظم حجج الله على المنكرين لنبوته ، فكيف وقد كلمته من بعد ذبح وسلخ وشي ! ولقد كان رسول الله يدعو بالشجرة فتجيبه ! وتكلمه البهيمة ! وتكلمه السباع ! وتشهد له بالنبوة ! وتحذرهم عصيانه ! فهذا أكثر مما أعطي عيسى .

قال له اليهودي : إن عيسى يزعمون أنه أنبأ قومه بما يأكلون وما يدخرون في بيوتهم ؟ قال له علي : لقد كان كذلك ، ومحمد كان له أكثر من هذا : إن عيسى أنبأ قومه بما كان من وراء الحائط ، ومحمد أنبأ عن مؤتة وهو عنها غائب ، ووصف حربهم ومن استشهد منهم ، وبينه وبينهم مسيرة شهر ، وكان يأتيه الرجل يريد أن يسأله عن شيء فيقول : تقول أو أقول ؟ فيقول : بل قل يا رسول الله ! فيقول : جئتني في كذا وكذا حتى يفرغ من حاجته ! ولقد كان يخبر أهل مكة بأسرارهم بمكة حتى لا يترك من أسرارهم شيئا ! منها : ما كان بين صفوان بن أمية وبين عمير بن وهب ، إذ أتاه عمير فقال : جئت في فكاك ابني .

فقال له : كذبت بل قلت لصفوان بن أمية وقد اجتمعتم في الحطيم وذكرتم قتلى بدر وقلتم : والله ! للموت أهون علينا من البقاء مع ما صنع محمد بنا ، وهل حياة بعد أهل القليب ، فقلت أنت : لولا عيالي ، ودين علي لأرحتك من محمد .

فقال صفوان : علي أن أقضي دينك ، وأن أجعل بناتك مع بناتي يصيبهن ما يصيبهن من خير أو شر . فقلت أنت : فاكتمها علي وجهزني حتى أذهب فأقتله ، فجئت لقتلي ! فقال : صدقت يا رسول الله ! فأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله ، وأشباه هذا مما لا يحصى .

قال له اليهودي : فإن عيسى يزعمون أنه خلق من الطين كهيئة الطير فنفخ فيه فكان طيرا بإذن الله ؟ قال له علي : لقد كان كذلك ، ومحمد قد فعل ما هو شبيه لهذا ، إذ أخذ يوم حنين حجرا فسمعنا للحجر تسبيحا وتقديسا ! ثم قال للحجر : انفلق .

فانفلق ثلاث فلق ! يسمع لكل فلقة منها تسبيحا لا يسمع للأخرى ! ولقد بعث إلى شجرة يوم البطحاء فأجابته ! ولكل غصن منها تسبيح وتهليل وتقديس ! ثم قال لها : انشقي ! فانشقت نصفين ! ثم قال لها : التزقي . فالتزقت ! ثم قال لها : اشهدي بالنبوة .

فشهدت ! ثم قال لها : ارجعي إلى مكانك بالتسبيح والتهليل والتقديس ! ففعلت ! وكان موضعها حيث الجزارين بمكة . قال له اليهودي : فإن عيسى يزعمون أنه كان سياحا ؟ قال له علي : لقد كان كذلك ، ومحمد كانت سياحته في الجهاد ، واستنفر في عشر سنين ما لا يحصى من حاضر وباد ، وأفنى فئاما من العرب ، من منعوت بالسيف لا يداري بالكلام ولا ينام إلا عن دم ، ولا يسافر إلا وهو متجهز لقتال عدوه .

قال له اليهودي : فإن عيسى يزعمون أنه كان زاهدا ؟ قال له علي : لقد كان كذلك ، ومحمد أزهد الأنبياء ، كان له ثلاث عشرة زوجة سوى من يطيف به من الإماء ، ما رفعت له مائدة قط وعليها طعام ، ولا أكل خبز بر قط ، ولا شبع من خبز شعير ثلاث ليال متواليات قط ، توفي رسول الله ودرعه مرهونة عند يهودي بأربعة دراهم ، ما ترك صفراء ولا بيضاء مع ما وطئ له من البلاد ، ومكن له من غنائم العباد ، ولقد كان يقسم في اليوم الواحد الثلاثمائة ألف وأربعمائة ألف ، ويأتيه السائل بالعشي فيقول : والذي بعث محمدا بالحق ما أمسى في آل محمد صاع من شعير ، ولا صاع من بر ، ولا درهم ، ولا دينار .

قال له اليهودي : فإني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، وأشهد أنه ما أعطى الله نبيا درجة ولا مرسلا فضيلة إلا وقد جمعها لمحمد ، وزاد محمدا على الأنبياء أضعاف ذلك درجات .

فقال ابن عباس لعلى بن أبي طالب : أشهد يا أبا الحسن أنك من الراسخين في العلم .

فقال : ويحك ! وما لي لا أقول ما قلت في نفس من استعظمه الله عزوجل في عظمته فقال : ( وإنك لعلى خلق عظيم ) .

العودة إلى الصفحة الرئيسية

www.mezan.net <‎/TITLE> ‎<META HTTP-EQUIV="Content-Type" CONTENT="text/html; charset=windows-1256">‎ ‎<META NAME="keywords" CONTENT=" السيد محمد حسين فضل الله في الميزان ">‎ ‎<META NAME="description" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله في كتبه ">‎ ‎<META NAME="author" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله بصوته ">‎ ‎<META NAME="copyright" CONTENT=" رأي المراجع العظام والعلماء ">‎ <‎/HEAD>