موقف الأصحاب وأهل بيته

- المفيد : فقال له إخوته وأبناؤه وبنو أخيه وابنا عبد الله بن جعفر : لم نفعل ذلك ؟ ألنبقى بعدك ؟ ! لا أرانا الله ذلك أبدا ! وبدأهم بهذا القول العباس بن علي ، واتبعه الجماعة عليه فتكلموا بمثله ونحوه .

فقال الحسين : يا بني عقيل ! حسبكم من القتل بمسلم ، فاذهبوا أنتم فقد أذنت لكم . قالوا : سبحان الله ! فما يقول الناس ؟ يقولون : إنا تركنا شيخنا وسيدنا وبني عمومتنا خير الأعمام ، ولم نرم معهم بسهم ، ولم نطعن معهم برمح ، ولم نضرب معهم بسيف ، ولا ندري ما صنعوا ، لا والله ما نفعل ! ولكن نفديك بأنفسنا وأموالنا وأهلينا ، ونقاتل معك حتى نرد موردك ! فقبح الله العيش بعدك ! وقام إليه مسلم بن عوسجة فقال : أنحن نخلي عنك ، وبما نعتذر إلى الله في أداء حقك ! أما والله ! حتى أطعن في صدورهم برمحي ، وأضربهم بسيفي ما ثبت قائمه في يدي ، ولو لم يكن معي سلاح أقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة .

والله ! لا نخليك حتى يعلم الله أنا قد حفظنا غيبة رسوله فيك ، أما والله ! لو قد علمت أني أقتل ، ثم أحيى ، ثم أحرق ، ثم أحيى ، ثم أذرى ، يفعل ذلك بي سبعين مرة ما فارقتك حتى ألقي حمامي دونك ، فكيف لا أفعل ذلك وإنما هي قتلة واحدة ثم هي الكرامة التي لا انقضاء لها أبدا .

 وتكلم زهير بن القين وجماعة أصحابه بكلام يشبه بعضه بعضا .

- ابن سعد : وجمع حسين أصحابه في ليلة عاشوراء ليلة الجمعة ، فحمد الله وأثنى عليه ، وذكر النبى وما أكرمه الله به من النبوة ، وما أنعم به على أمته ، وقال : إني لا أحسب القوم إلا مقاتلوكم غدا ، وقد أذنت لكم جميعا ، فأنتم في حل مني ، وهذا الليل قد غشيكم ، فمن كانت له منكم قوة فليضم رجلا من أهل بيتي إليه وتفرقوا في سوادكم ، حتى يأتي الله بالفتح أو أمر من عنده ، فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين ، فإن القوم إنما يطلبونني ، فإذا رأوني لهوا عن طلبكم . فقال أهل بيته : لا أبقانا الله بعدك ، ولا نفارقك حتى يصيبنا ما أصابك ، وقال ذلك أصحابه جميعا ، فقال : أثابكم الله على ما تنوون الجنة !

- البحراني : عن أبي حمزة الثمالي قال : سمعت علي بن الحسين زين العابدين يقول : لما كان اليوم الذي استشهد فيه أبي ، جمع أهله وأصحابه في ليلة ذلك اليوم فقال لهم : يا أهلي وشيعتي اتخذوا هذا الليل ( جملا لكم ) فانهجوا بأنفسكم ، فليس المطلوب غيري ، ولو قتلوني ما فكروا فيكم ، فانجوا رحمكم الله فأنتم في حل وسعة من بيعتي وعهدي الذي عاهدتموني .

فقال إخوته وأهله وأنصاره بلسان واحد : والله ، يا سيدنا يا أبا عبد الله ! لا خذلناك أبدا ، والله ! لا قال الناس : تركوا إمامهم وكبيرهم وسيدهم وحده حتى قتل ! ونبلوا بيننا وبين الله عذرا ، ولا نخليك أو نقتل دونك . فقال لهم : يا قوم ! إني في غد أقتل وتقتلون كلكم معي ولا يبقى منكم واحد .

فقالوا : الحمد لله الذي أكرمنا بنصرك وشرفنا بالقتل معك ، أو لا ترضى أن نكون معك في درجتك يا ابن رسول الله ؟ ! فقال : جزاكم الله خيرا .

ودعا لهم بخير ، فأصبح وقتل وقتلوا معه أجمعون . فقال له القاسم بن الحسن : وأنا فيمن يقتل ؟ فأشفق عليه فقال له : يا بني ! كيف الموت عندك ؟ قال : يا عم ! أحلى من العسل ! فقال : إي والله ! فداك عمك ، إنك لأحد من يقتل من الرجال معي بعد أن تبلو [ تبلى ] ببلاء عظيم ، وابني عبد الله ! فقال : يا عم ! ويصلون إلى النساء حتى يقتل عبد الله وهو رضيع ؟ فقال : فداك عمك ! يقتل عبد الله إذ جفت روحي عطشا ، وصرت إلى خيمنا فطلبت ماء ولبنا فلا أجد قط ، فأقول : ناولوني إبني لأشرب من فيه ! فيأتوني به ، فيضعونه على يدي فأحمله لأدنيه من في فيرميه فاسق بسهم فينحره وهو يناغي ! فيفيض دمه في كفي ، فأرفعه إلى السماء وأقول : أللهم صبرا واحتسابا فيك . فتعجلني الأسنة منهم ، والنار تستعر في الخندق الذي في ظهر الخيم ، فأكر عليهم في أمر أوقات في الدنيا ، فيكون ما يريد الله .

فبكى وبكينا ، وارتفع البكاء والصراخ من ذراري رسول الله في الخيم ، ويسأل زهير بن القين وحبيب بن مظاهر عني ، فيقولون : يا سيدنا ؟ فسيدنا علي - فيشيرون إلى - ماذا يكون من حاله ؟ فيقول مستعبرا : ما كان الله ليقطع نسلي من الدنيا ، فكيف يصلون إليه ؟ وهو أبو ثمانية أئمة .

ترخيص محمد بن بشير

- ابن عساكر : أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الباقي ، أنبأنا أبو محمد الشيرازي ، أنبأنا أبو عمر الخراز ، أنبأنا أبو الحسن الخشاب ، أنبأنا الحسين بن محمد ، أنبأنا محمد بن سعيد ، أنبأنا علي بن محمد ، عن أبي الأسود العبدي : قيل لمحمد بن بشير الحضرمي - وهو مع الحسين في كربلاء - قد اسر ابنك بثغر الري ، فقال : عند الله أحتسبه ونفسي ، ما كنت أحب أن يؤسر وأنا أبقي بعده ! فسمع قوله الحسين ، فقال له : رحمك الله أنت في حل من بيعتي فاعمل في فكاك ابنك .

قال : أكلتني السباع حيا إن فارقتك ! قال : فأعط ابنك هذه الأثواب والبرود تستعين بها في فداء أخيه ، فأعطاه خمسة أثواب قيمتها ألف دينار .

- ابن أعثم : وجاء الليل فبات الحسين في الليل ساجدا وراكعا مستغفرا يدعو الله تعالى ، له دوى كدوي النحل ، قال : وأقبل شمر بن ذي الجوشن - لعنه الله - في نصف الليل ومعه جماعة من أصحابه حتى تقارب من عسكر الحسين ، والحسين قد رفع صوته ، وهو يتلو هذه الآية : ( ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم ) . إلى آخرها .

قال : فصاح لعين من أصحاب شمر بن ذي الجوشن : نحن ورب الكعبة الطيبون وأنتم الخبيثون ، وقد ميزنا منكم ! قال : فقطع برير الصلاة فناداه : يا فاسق ! يا فاجر ! يا عدو الله ! أمثلك يكون من الطيبين ! ما أنت إلا بهيمة لا تعقل ، فأبشر بالنار يوم القيامة والعذاب الأليم .

قال : فصاح به شمر بن ذي الجوشن - لعنه الله - وقال : أيها المتكلم ! إن الله تبارك وتعالى قاتلك وقاتل صاحبك عن قريب ! فقال له برير : يا عدو الله ! أبا لموت تخوفني ، والله ! إن الموت أحب إلينا من الحياة معكم ! والله لا ينال شفاعة محمد قوم أراقوا دماء ذريته وأهل بيته .

قال : وأقبل رجل من أصحاب الحسين إلى برير بن حضير فقال له : رحمك الله يا برير ! إن أبا عبد الله يقول لك : إرجع إلى موضعك ولا تخاطب القوم ، فلعمري لئن كان مؤمن آل فرعون نصح لقومه وأبلغ في الدعاء فلقد نصحت وأبلغت في النصح .

- المفيد : فقام الحسين الليل كله يصلي ويستغفر ويدعو ويتضرع ، وقام أصحابه كذلك يصلون ويدعون ويستغفرون ، قال الضحاك بن عبد الله ، ومر بنا خيل لابن سعد تحرسنا وإن الحسين ليقرأ : ( ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثما ولهم عذاب مهين * ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب ) .

العودة إلى الصفحة الرئيسية

www.mezan.net <‎/TITLE> ‎<META HTTP-EQUIV="Content-Type" CONTENT="text/html; charset=windows-1256">‎ ‎<META NAME="keywords" CONTENT=" السيد محمد حسين فضل الله في الميزان ">‎ ‎<META NAME="description" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله في كتبه ">‎ ‎<META NAME="author" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله بصوته ">‎ ‎<META NAME="copyright" CONTENT=" رأي المراجع العظام والعلماء ">‎ <‎/HEAD>