- الطبري : وصار الحر يسير
بأصحابه ناحية ، والحسين
في ناحية حتى
وافى البيضة .
قال أبو مخنف : عن عقبة بن أبي
العيزار ، إن الحسين
خطب أصحابه وأصحاب الحر بالبيضة ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم
قال : أيها الناس ! إن رسول الله
قال : من رأى سلطانا جائرا مستحلا لحرم الله ، ناكثا لعهد
الله ، مخالفا لسنة رسول الله ، يعمل في عباد الله بالإثم
والعدوان ، فلم يغير عليه بفعل ولا قول ، كان حقا على الله
أن يدخله مدخله .
ألا وإن هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان ،
وتركوا طاعة الرحمن ، وأظهروا الفساد ، وعطلوا الحدود ،
واستأثروا بالفيء ، وأحلوا حرام الله ، وحرموا حلاله ،
وأنا أحق من غير .
قد أتتني كتبكم ، وقدمت علي رسلكم
ببيعتكم أنكم لا تسلموني ولا تخذلوني ، فإن تممتم على
بيعتكم تصيبوا رشدكم ، فأنا الحسين بن علي ، وابن فاطمة
بنت رسول الله
، نفسي مع أنفسكم ،
وأهلي مع أهليكم ، فلكم في أسوة ، وإن لم تفعلوا ونقضتم
عهدكم ، وخلعتم بيعتي من أعناقكم فلعمري ما هي لكم بنكر ،
لقد فعلتموها بأبي وأخي وابن عمي مسلم ! والمغرور من اغتر
بكم ، فحظكم أخطأتم ، ونصيبكم ضيعتم ( فمن نكث فإنما ينكث
على نفسه )
وسيغني الله عنكم ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
عذيب الهجانات
- وعنه
: ورحل من موضعه المسمى بالبيضة إلى العذيب ، والحر
يسايره ، فإذا هم بأربعة نفر قد أقبلوا من
الكوفة على رواحلهم ، يجنبون فرسا لنافع بن هلال ، ومعهم
دليلهم الطرماح بن عدي على فرسه ، وهو يقول :
يا ناقتي لا تذعري من زجري |
وشمري قبل طلوع الفجر |
بخير ركبان وخير سفر |
حتى تحلي بكريم النجر |
الماجد الحر رحيب الصدرأتى به |
الله
لخير أمر ثمة أبقاه بقاء الدهر |
فلما انتهوا
إلى الحسين
أنشدوه هذه الأبيات ، فقال
الحسين
: أما والله ! إني لأرجو أن يكون
خيرا ما أراد الله بنا قتلنا ، أم ظفرنا ! . وأقبل إليهم
الحر بن يزيد فقال [ للإمام
] : إن هؤلاء
النفر الذين من أهل الكوفة ليسوا ممن أقبل معك ، وأنا
حابسهم ، أو رادهم .
فقال له الحسين
: لأمنعنهم مما أمنع منه نفسي ، إنما هؤلاء أنصاري وأعواني ،
وقد كنت أعطيتني أن لا تعرض لي بشيء حتى يأتيك كتاب من ابن
زياد .
فقال الحر : أجل ، لكن لم يأتوا معك . قال الحسين
: هم أصحابي ، وهم بمنزلة من جاء معي ، فإن
تممت علي ما كان بيني وبينك وإلا ناجزتك ! فكف عنهم الحر .
ثم قال لهم الحسين
: أخبروني خبر الناس
وراءكم ؟ فقال له مجمع بن عبد الله العائذي - وهو أحد
النفر الأربعة الذين جاؤوه : أما أشراف الناس فقد أعظمت
رشوتهم ، وملئت غرائرهم ، يستمال ودهم ويستخلص به نصيحتهم
، فهم إلب واحد عليك ! وأما سائر الناس بعد ،
فإن أفئدتهم تهوي إليك ، وسيوفهم غدا مشهورة عليك ! قال :
أخبروني فهل لكم برسولي إليكم ؟ قالوا : من هو ؟ قال : قيس
بن مسهر الصيداوي . قالوا : نعم ، أخذه الحصين بن تميم
فبعث به إلى ابن زياد ، فأمره ابن زياد أن يلعنك ويلعن
أباك ، فصلى عليك وعلى أبيك ، ولعن ابن زياد وأباه ، ودعا
إلى نصرتك وأخبرهم بقدومك ، فأمر به ابن زياد فألقي من
طمار القصر ! .
فترقرقت عينا حسين
ولم
يملك دمعه ، ثم قال : ( منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر
وما بدلوا تبديلا ) اللهم اجعل لنا ولهم الجنة نزلا
، واجمع بيننا وبينهم في مستقر رحمتك ورغائب مذ خور ثوابك .
- وعنه : قال أبو مخنف : حدثني جميل
بن مرثد ، من بني معن ، عن الطرماح بن عدي أنه دنا من
الحسين
فقال له : إني والله ! لأنظر فما
أرى معك أحدا ! ولو لم يقاتلك إلا هؤلاء الذين أراهم
ملازميك لكان كفى بهم ، وقد رأيت - قبل خروجي من الكوفة
إليك بيوم - ظهر الكوفة ، وفيه من الناس ما لم تر عيناي -
في صعيد واحد - جمعا أكثر منه ، فسألت عنهم ، فقيل :
اجتمعوا ليعرضوا ثم يسرحون إلى الحسين ، فأنشدك إن قدرت
على أن لا تقدم عليهم شبرا إلا فعلت ! فإن أردت أن تنزل
بلدا يمنعك الله به حتى ترى من رأيك ويستبين لك ما أنت
صانع ، فسر حتى أنزلك مناع جبلنا الذي يدعى أجأ ، امتنعنا
والله به من ملوك غسان وحمير ومن النعمان بن المنذر ، ومن
الأسود والأحمر ، والله ! إن دخل علينا ذل قط
! فأسير معك حتى أنزلك القرية . . . . فقال له الحسين : جزاك الله وقومك خيرا ! إنه قد كان بيننا
وبين هؤلاء القوم قول لسنا نقدر معه على الانصراف ، ولا
ندري علام تنصرف بنا وبهم الأمور في عاقبه ! .
- وعنه : قال أبو مخنف : فحدثني جميل بن
مرثد ، قال : حدثني الطرماح ابن عدي ، قال : فودعته وقلت
له : دفع الله عنك شر الجن والإنس ، إني قد امترت لأهلي من
الكوفة ميرة ، ومعي نفقة لهم ، فآتيهم فأضع ذلك فيهم ، ثم
أقبل إليك إن شاء الله ، فإن ألحقك فوالله ! لأكونن من
أنصارك . قال
: فإن كنت فاعلا فعجل رحمك
الله .
قال : فعلمت أنه مستوحش إلى الرجال حتى يسألني
التعجيل .
قال : فلما بلغت أهلي ، وضعت عندهم ما يصلحهم ،
وأوصيت ، فأخذ أهلي يقولون : إنك لتصنع مرتك هذه شيئا ما
كنت تصنعه قبل اليوم ، فأخبرتهم بما أريد ، وأقبلت في طريق
بني ثعل حتى إذا دنوت من عذيب الهجانات ، استقبلني سماعة
ابن بدر فنعاه إلي ، فرجعت .
- ابن
نما : رويت أن الطرماح بن حكم قال : لقيت حسينا وقد امترت
لأهلي ميرة ، فقلت : أذكرك في نفسك لا يغرنك أهل الكوفة ،
فوالله ! لئن دخلتها لتقتلن ، وإني لأخاف أن لا تصل إليها
، فإن كنت مجمعا على الحرب فانزل أجأ فإنه
جبل منيع ، والله ! ما نالنا فيه ذل قط ، وعشيرتي يرون
جميعا نصرك ، فهم يمنعونك ما أقمت فيهم .
فقال : إن بيني
وبين القوم موعدا أكره أن أخلفهم ، فإن يدفع الله عنا
فقديما ما أنعم علينا وكفى ، وإن يكن ما لا بد منه ففوز
وشهادة إن شاء الله . ثم حملت الميرة إلى أهلي وأوصيتهم
بأمورهم ، وخرجت أريد الحسين فلقيني سماعة بن زيد النبهاني
فأخبرني بقتله ، فرجعت .
- الخوارزمي
: أنه لما كان الحسين بعذيب الهجانات قام إليه أصحابه
وتكلموا وأجمعوا لنصرته ، فجزاهم الحسين
خيرا ، وخرج ولد الحسين
وإخوته وأهل بيته
حين سمعوا الكلام فنظر إليهم وجمعهم عنده ، فبكى ، ثم قال
: أللهم إنا عترة نبيك محمد صلواتك عليه ، قد أخرجنا
وأزعجنا وطردنا عن حرم جدنا وتعدت بنو أمية علينا ، أللهم
فخذ لنا بحقنا وانصرنا على القوم الظالمين . ثم نادى بأعلى
صوته في أصحابه : الرحيل ورحل من موضعه ذلك .
ثم سار
الحسين
والحر يسير إلى جنبه ، فانتهى بهم
إلى أقساس مالك ، ومنها سار إلى الرهيمة وبعض
يقولون : إنه
لاقى عمرو بن لوذان في هذا
المكان الذي ذكرناه في منزل العقبة ، وسار الحسين
من الرهيمة ، وواصل سيره إلى قصر بني مقاتل . |