كلامه مع ابن عباس

الطبري : قال أبو مخنف : وحدثني الحارث بن كعب الوالبي ، عن عقبة بن سمعان : أن حسينا لما أجمع المسير إلى الكوفة أتاه عبد الله بن عباس [ وإذ قدم في تلك الأيام إلى مكة ] فقال : يا ابن عم ! قد أرجف الناس أنك سائر إلى العراق ، فبين لي ما أنت صانع ؟ قال : إني قد أجمعت المسير في أحد يومي هذين إن شاء الله تعالى .

فقال له ابن عباس : فإني أعيذك بالله من ذلك ، أخبرني رحمك الله أتسير إلى قوم قد قتلوا أميرهم ، وضبطوا بلادهم ، ونفوا عدوهم ؟ فإن كانوا قد فعلوا ذلك فسر إليهم ، وإن كانوا إنما دعوك إليهم وأميرهم عليهم قاهر لهم وعماله تجبى بلادهم ، فإنهم إنما دعوك إلى الحرب والقتال ، ولا آمن عليك أن يغروك ويكذبوك ، ويخالفوك ويخذلوك ، وأن يستنفروا إليك ، فيكونوا أشد الناس عليك ! فقال له الحسين : وإني أستخير الله ، وأنظر ما يكون .

وعنه : فخرج ابن عباس ، وأتاه ابن الزبير فحدثه ساعة ثم قال : ما أدري ما تركنا هؤلاء القوم وكفنا عنهم ، ونحن أبناء المهاجرين وولاة هذا الأمر دونهم ! خبرني ما تريد أن تصنع ؟ فقال الحسين : والله ! لقد حدثت نفسي بإتيان الكوفة ، ولقد كتب إلي شيعتي بها وأشراف أهلها ، واستخير الله .

فقال له ابن الزبير : أما لو كان لي بها مثل شيعتك ما عدلت بها ! ثم إنه خشي أن يتهمه فقال : أما إنك لو أقمت بالحجاز ثم أردت هذا الأمر هاهنا ما خولف عليك إن شاء الله .

ثم قام فخرج من عنده .

فقال الحسين : ها إن هذا ليس شيء يؤتاه من الدنيا أحب إليه من أن أخرج من الحجاز إلى العراق ، وقد علم أنه ليس له من الأمر معي شيء ، وأن الناس لا يعدلوه بي ، فود أني خرجت منها لتخلوله .

وعنه : فلما كان من العشي ، أو من الغد أتى الحسين عبد الله بن العباس فقال : يا ابن عم ! إني أتصبر ولا أصبر ، إني أتخوف عليك في هذا الوجه الهلاك والاستئصال ، إن أهل العراق قوم غدر فلا تقربنهم ! أقم بهذا البلد فإنك سيد أهل الحجاز ، فإن كان أهل العراق يريدونك - كما زعموا - فاكتب إليهم فلينفوا عدوهم ثم أقدم عليهم ، فإن أبيت إلا أن تخرج فسر إلى اليمن فإن بها حصونا وشعابا ، وهي أرض عريضة طويلة ولأبيك بها شيعة ، وأنت عن الناس في عزلة ، فتكتب إلى الناس وترسل ، وتبث دعاتك ، فإني أرجو أن يأتيك عند ذلك الذي تحب في عافية . فقال له الحسين : يا ابن عم ! إني والله ! لأعلم أنك ناصح مشفق ، ولكني قد أزمعت وأجمعت على المسير ! .

فقال له ابن عباس : فإن كنت سائرا فلا تسر بنسائك وصبيتك ، فوالله ! إني لخائف أن تقتل . . .

ابن عساكر : أنه قال : يا أبا العباس ! إنك شيخ قد كبرت .

فقال ابن عباس : لولا أن يزري ذلك بي ، أو بك لنشبت يدي في رأسك . . . ، فقال له الحسين : لان أقتل بمكان كذا وكذا أحب إلى أن تستحل بي يعنى - مكة - .

فخرج ابن عباس من عنده وهو يقول : واحبيباه ! ثم مر بابن الزبير وأقبل إليه فقال : قرت عيناك يا ابن الزبير ! هذا الحسين بن علي يخرج إلى العراق ، ويخليك والحجاز .

أبو جعفر الطبري : حدثنا محروز بن منصور ، عن أبي مخنف لوط بن يحيى ، قال : حدثنا عباس بن عبد الله عن عبد الله بن عباس ، قال : أتيت الحسين وهو يخرج إلى العراق ، فقلت له : يا ابن رسول الله ! لا تخرج .

فقال : يا ابن عباس ! أما علمت أن منيتني من هناك وأن مصارع أصحابي هناك .

قلت له : فأنى لك ذلك ؟ قال : بسر سر لي وعلم أعطيته .

محمد مهدي الحائري : وفي بعض الكتب : جاء عبد الله ابن عباس إلى الحسين وتكلم معه بما تكلم إلى أن أشار عليه بالدخول في طاعة يزيد وصلح بني امية .

فقال الحسين : هيهات هيهات ، يا ابن عباس ! إن القوم لن يتركوني وإنهم يطلبونني أين كنت حتى أبايعهم كرها ويقتلوني ، والله ! إنهم ليعتدون علي كما اعتدت اليهود في يوم السبت ، وإني ماض في أمر رسول الله حيث أمرني ، وإنا لله وإنا إليه راجعون .

فقال : يا ابن العم ! بلغني أنك تريد العراق وأنهم أهل غدر ، وإنما يدعونك للحرب فلا تعجل فأقم بمكة .

فقال : لان أقتل والله ! بمكان كذا أحب إلي من أن أستحل بمكة ، وهذه كتب أهل الكوفة ورسلهم وقد وجب علي إجابتهم وقام لهم العذر علي عند الله سبحانه .

فبكى عبد الله حتى بلت لحيته وقال : وا حسيناه ، وا أسفاه ! على حسين .

وفي كتاب مهج الأحزان والناسخ : أن ابن عباس ألح على الحسين في منعه من المسير إلى الكوفة ، فتفأل بالقرآن لإسكاته فخرج الفأل قوله تعالى : ( كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم ) فقال : إنا لله وإنا إليه راجعون ، صدق الله ورسوله .

ثم قال : يا ابن عباس ! فلا تلح علي بعد هذا فإنه لا مرد لقضاء الله عز وجل .

العودة إلى الصفحة الرئيسية

www.mezan.net <‎/TITLE> ‎<META HTTP-EQUIV="Content-Type" CONTENT="text/html; charset=windows-1256">‎ ‎<META NAME="keywords" CONTENT=" السيد محمد حسين فضل الله في الميزان ">‎ ‎<META NAME="description" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله في كتبه ">‎ ‎<META NAME="author" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله بصوته ">‎ ‎<META NAME="copyright" CONTENT=" رأي المراجع العظام والعلماء ">‎ <‎/HEAD>