تجهيز الإمام الحسن

- الطوسي : [ فلما استشهد الإمام الحسن ] قال ابن عباس : ودعاني الحسين وعبد الله بن جعفر ، وعلي بن عبد الله بن العباس ، فقال : اغسلوا ابن عمكم ، فغسلناه وحنطناه وألبسناه أكفانه .

ثم خرجنا به حتى صلينا عليه في المسجد ، وإن الحسين أمر أن يفتح البيت ، فحال دون ذلك مروان بن الحكم وآل أبي سفيان ، ومن حضر هناك من ولد عثمان بن عفان ، وقالوا : أيدفن أمير المؤمنين عثمان الشهيد القتيل ظلما بالبقيع بشر مكان ، ويدفن الحسن مع رسول الله ؟ ! والله ! لا يكون ذلك أبدا حتى تكسر السيوف بيننا وتنقصف الرماح بيننا وينفد النبل .

فقال الحسين : أما والله الذي حرم مكة ! للحسن بن علي [ و ] بن فاطمة أحق برسول الله وبيته ممن أدخل بيته بغير إذنه ، وهو والله ! أحق به من حمال الخطايا ، مسير أبي ذر رحمه الله ، الفاعل بعمار ما فعل ، وبعبد الله ما صنع ، الحامي الحمى ، المؤوي لطريد رسول الله ، لكنكم صرتم بعده الأمراء ، وبايعكم على ذلك الأعداء وأبناء الأعداء .

والمسور بن مخرمة بن نوفل ، وجعل عبد الله بن جعفر يلح على حسين وهو يقول : يا ابن عم ! ألم تسمع إلى عهد أخيك : إن خفت أن يهراق في محجمة من دم فادفني بالبقيع مع أمي ، أذكرك الله أن تسفك الدماء .

وحسين يأبى دفنه إلا مع النبي وهو يقول : ويعرض مروان لي ؟ ما له ولهذا ؟ ! قال : فقال المسور بن مخرمة : يا أبا عبد الله ! اسمع مني قد دعوتنا بحلف الفضول وأجبناك ، تعلم أني سمعت أخاك يقول قبل أن يموت بيوم : يا ابن مخرمة ! إني قد عهدت إلى أخي أن يدفنني مع رسول الله إن وجد إلى ذلك سبيلا ، فإن خاف أن يهراق في ذلك محجم من دم فليدفني مع أمي بالبقيع ، وتعلم أني أذكرك الله في هذه الدماء ، ألا ترى ما ها هنا من السلاح والرجال ، والناس سراع إلى الفتنة ؟ ! قال : وجعل الحسين يأبى ، وجعلت بنو هاشم والحلفاء يلغطون ويقولون : لا يدفن أبدا إلا مع رسول الله .

- أبو جعفر الطبري : فلما فرغ الحسين من أمره وصلى عليه سار بنعشه يريد قبر جده رسول الله ليلحده معه ، فبلغ ذلك مروان بن الحكم طريد رسول الله ، فذهب مسرعا على بغل حتى دخل على عائشة وقال : يا أم المؤمنين ! إن الحسين يريد أن يدفن أخاه الحسن عند جده ، والله ! لئن دفنه ليذهبن فخر أبيك وصاحبه عمر إلى يوم القيامة ، قالت : فما أصنع ؟ قال : إلحقي وامنعيه من الدخول إليه .

قالت : فكيف ألحقه ؟ قال : هذا بغلي فاركبيه ، والحقي القوم قبل الدخول ، فنزل عن بغله وركبته وأسرعت إلى القوم ، وكانت أول امرأة ركبت السروج ، ولحقتهم وقد صاروا إلى حرم قبر جدهم رسول الله ، فرمت بنفسها بين القبر والقوم وقالت : والله ! لا يدفن الحسن هاهنا ، أو تحلق هذه وأخرجت ناصيتها بيدها ! وكان مروان لما ركبت بغله جمع من كان من بني أمية وحرضهم على المنع ، وأقبل بهم وهو يقول : يا رب ! هيجا هي خير من دعة ! أيدفن عثمان في أقصى البقيع ويدفن الحسن مع رسول الله ، والله ! لا يكون هذا أبدا وأنا أحمل السيف ! وكانت عائشة تقول : والله ! لا أدخل داري من أكرهه ، وكادت الفتنة أن تقع .

فقال الحسين : هذه دار رسول الله وأنت حشية من تسع حشيات خلفهن رسول الله ، فإنما نصيبك من الدار موضع قدميك .

فأرادت بنو هاشم الكلام وحملوا السلاح ، فمنعهم الحسين وقال : الله الله ! أن تفعلوا وتضيعوا وصية أخي ! وقال لعائشة : والله ! لولا أن أبا محمد أوصى إلي أن لا أهريق محجمة دم لدفنته هاهنا ولو رغم أنفك .

- الحسين بن عبد الوهاب : وكان سبب مفارقة أبي محمد الحسن صلوات الله عليه دار الدنيا ، وانتقاله إلى دار الكرامة على ما وردت به الأخبار ، أن معاوية بذل لجعدة بنت الأشعث زوجة أبي محمد عشرة آلاف دينار وقطاعات كثيرة من شعب سورا ، وسواد الكوفة ، وحمل إليها سما فجعلته في طعام ! فلما وضعته بين يديه ، قال : إنا لله وإنا إليه راجعون ، والحمد لله على لقاء محمد سيد المرسلين ، وأبي سيد الوصيين ، وأمي سيدة نساء العالمين ، وعمي جعفر الطيار في الجنة ، وحمزة سيد الشهداء ! ودخل عليه أخوه الحسين فقال : كيف تجد نفسك ؟ قال : أنا في آخر يوم من الدنيا وأول يوم من الآخرة على كره مني لفراقك وفراق إخوتي ! ثم قال : أستغفر الله على محبة مني للقاء رسول الله وأمير المؤمنين وفاطمة وجعفر وحمزة .

ثم أوصى إليه وسلم إليه الاسم الأعظم ، ومواريث الأنبياء التي كان أمير المؤمنين سلمها إليه ، ثم قال : يا أخي ! إذا أنا مت فغسلني وحنطني وكفني واحملني إلى جدي رسول الله حتى تلحدني إلى جانبه ، فإن منعت من ذلك فبحق جدك رسول الله وأبيك أمير المؤمنين وأمك فاطمة الزهراء أن لا تخاصم أحدا ، واردد جنازتي من فورك إلى البقيع حتى تدفني مع أمي .

فلما فرغ من شأنه وحمله ليدفنه مع رسول الله ، ركب مروان بن الحكم طريد رسول الله بغلة ، وأتى عائشة فقال لها : يا أم المؤمنين ! إن الحسين يريد أن يدفن أخاه الحسن مع رسول الله ، والله إن دفن معه ليذهبن فخر أبيك وصاحبه عمر إلى يوم القيامة . قالت : فما أصنع يا مروان ؟ قال : إلحقي به وامنعيه من أن يدفن معه . قال : وكيف ألحقه ؟ قال : اركبي بغلتي هذه .

فنزل عن بغلته وركبتها ، وكانت تؤز الناس وبني أمية على الحسين وتحرضهم على منعه مما هم به ، فلما قربت من قبر رسول الله وكان قد وصلت جنازة الحسن ، فرمت بنفسها عن البغلة وقالت : والله ! لا يدفن الحسن ههنا أبدا ، أو تجز هذه - وأومأت بيدها إلى شعرها - فأراد بنو هاشم المجادلة ، فقال الحسين : الله الله ! لا تضيعوا وصية أخي واعدلوا به إلى البقيع ، فإنه أقسم علي إن أنا منعت من دفنه مع جده أن لا أخاصم فيه أحدا ، وأن أدفنه بالبقيع مع أمه ، فعدلوا به ودفنوه بالبقيع معها .

فقام ابن عباس ( رضي الله عنه ) وقال : يا حميراء ! ليس يومنا منك بواحد ، يوم على الجمل ، ويوم على البغلة ، أما كفاك أن يقال : يوم الجمل حتى يقال : يوم البغل ؟ يوم على هذا ويوم على هذا ، بارزة عن حجاب رسول الله تريدين إطفاء نور الله والله متم نوره ولو كره المشركون ، إنا لله وإنا إليه راجعون .

فقالت له : إليك عني وأف لك ولقومك .

وروي أن الحسن فارق الدنيا وله تسع وأربعون سنة وشهرا ، أقام مع رسول الله سبع سنين وستة أشهر ، وباقي عمره مع أمير المؤمنين إلا عشرة سنوات كانت مدة إمامته ، وروي أنه دفن مع أمه سيدة نساء العالمين في قبر واحد .

- المسعودي : وكان الحسين قد عزم على دفنه مع رسول الله ، فمنعت عائشة من ذلك وركبت بغلة لها وخرجت تؤلب الناس عليه وتحرضهم ، فلما رأى الحسين ذلك دفنه بالبقيع مع أمه ولقيتها بعض بني هاشم .

وروي أن الحسين عند ما فعلت عائشة وجه إليها بطلاقها وكان رسول الله جعل طلاق أزواجه بعده إلى أمير المؤمنين ، وجعله أمير المؤمنين بعده إلى الحسن ، وجعله الحسن إلى الحسين ، وقال النبي : إن في نسائي من لا تراني يوم القيامة ، وتلك من يطلقها الأوصياء بعدي .

- المفيد : وفي رواية أخرى : أنهم لما منعوهم من دفن الحسن في حرم جده قال الحسين : والله ! لولا عهد الحسن إلي بحقن الدماء وأن لا أهريق في أمره محجمة دم ، لعلمتم كيف تأخذ سيوف الله منكم مأخذها ، وقد نقضتم العهد بيننا وبينكم ، وأبطلتم ما اشترطنا عليكم لأنفسنا .

- اليعقوبي : بعد ذكر منع مروان ومن معه من دفن الحسن ، اجتمع مع الحسين بن علي جماعة خلق من الناس فقالوا له : دعنا وآل مروان ، فوالله ! ما هم عندنا كأكلة رأس ، فقال : إن أخي أوصاني أن لا أريق فيه محجمة دم .

- أبو الفرج الأصبهاني : قال علي بن الحسن بن علي بن حمزة العلوي ، عن عمه محمد ، عن المدائني ، عن جويرية بن أسماء قال : لما مات الحسن بن علي وأخرجوا جنازته ، حمل مروان سريره ، فقال له الحسين : أتحمل سريره ؟ أما والله ! لقد كنت تجرعه الغيظ ! ! فقال مروان : إني كنت أفعل ذلك بمن يوازن حلمه الجبال .

- ابن عساكر : أخبرنا أبو محمد الحسن بن أبي بكر بن أبي الرضا ، أنبأنا الفضيل بن يحيى الفضيلي ، أنبأنا أبو محمد بن أبي شريح ، أنبأنا محمد بن عقيل بن الأزهر ، أنبأنا محمد بن فضيل ، أنبأنا سعيد بن عامر ، عن جويرية بن أسماء قال : لما مات الحسن بن علي بكى مروان في جنازته ، فقال له حسين : أتبكيه وقد كنت تجرعه ما تجرعه ! ! ؟ فقال : إني كنت أفعل ذلك إلى أحلم من هذا ، وأشار بيده إلى الجبل !

- الدينوري : فلما دفن الحسن بالبقيع عند قبر جدته فاطمة بنت أسد ، قال الحسين بن علي عند قبر أخيه الحسن : رحمك الله أبا محمد ! أن كنت لتباصر الحق مظانه ، وتؤثر الله عند تداحض الباطل في مواطن التقية بحسن الروية ، وتستشف جليل معاظم الدنيا بعين لها حاقرة ، وتفيض [ تقبض ] عليها يدا طاهرة الأطراف نقية الأسرة ، وتردع بادرة غرب أعدائك بأيسر المؤونة عليك ، ولا غرو وأنت ابن سلالة النبوة ، ورضيع لبان الحكمة ، فإلى روح وريحان وجنة نعيم ، أعظم الله لنا ولكم الأجر عليه ، ووهب لنا ولكم السلوة وحسن الأسى عنه .

العودة إلى الصفحة الرئيسية

www.mezan.net <‎/TITLE> ‎<META HTTP-EQUIV="Content-Type" CONTENT="text/html; charset=windows-1256">‎ ‎<META NAME="keywords" CONTENT=" السيد محمد حسين فضل الله في الميزان ">‎ ‎<META NAME="description" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله في كتبه ">‎ ‎<META NAME="author" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله بصوته ">‎ ‎<META NAME="copyright" CONTENT=" رأي المراجع العظام والعلماء ">‎ <‎/HEAD>