اعتراض عمرو بن سعيد

الطبري : قال أبو مخنف : حدثني الحارث بن كعب الوالبي ، عن عقبة بن سمعان ، قال : لما خرج الحسين من مكة إعترضه رسل عمرو بن سعيد بن العاص ، عليهم يحيى بن سعيد فقالوا له : انصرف ، أين تذهب ؟ ! فأبى عليهم ومضى ، وتدافع الفريقان فاضطربوا بالسياط ، ثم إن الحسين وأصحابه امتنعوا امتناعا قويا ، ومضى الحسين على وجهه .

فنادوه : يا حسين ! ألا تتقي الله ؟ ! تخرج من الجماعة وتفرق بين هذه الأمة ! فتأول الحسين قول الله عزوجل : ( لي عملي ولكم عملكم أنتم بريئون مما أعمل وأنا برئ مما تعملون ) .

ابن أعثم : وانتقل الخبر بأهل المدينة أن الحسين بن علي يريد الخروج إلى العراق ، فكتب إليه عبد الله بن جعفر : بسم الله الرحمن الرحيم ، للحسين بن علي من عبد الله بن جعفر ، أما بعد ! أنشدك الله أن لا تخرج عن مكة ، فإني خائف عليك من هذا الأمر الذي قد أزمعت عليه أن يكون فيه هلاكك وأهل بيتك ، فإنك إن قتلت أخاف أن يطفئ نور الأرض ، وأنت روح الهدى وأمير المؤمنين ، فلا تعجل بالمسير إلى العراق فإني آخذ لك الأمان من يزيد ، وجميع بني أمية على نفسك ومالك وولدك وأهل بيتك ، والسلام .

قال : فكتب إليه الحسين بن علي : أما بعد ! فإن كتابك ورد علي فقرأته وفهمت ما ذكرت ، وأعلمك أني رأيت جدي رسول الله في منامي فخبرني بأمر وأنا ماض له ، لي كان أو علي ، والله ، يا ابن عمي ! لو كنت في جحر هامة من هوام الأرض لاستخرجوني ويقتلوني ؛ والله ، يا ابن عمي ! ليعتدن علي كما اعتدت اليهود على السبت ، والسلام .

ابن سعد : أخبرنا علي بن محمد ، عن الحسن بن دينار ، عن معاوية بن قرة قال : قال الحسين : والله ! ليعتدن علي كما اعتدت بنو إسرائيل في السبت .

وروي ابن عساكر كتاب عبد الله بن جعفر وقال : فكتب إليه الحسين : إني رأيت رؤيا ، ورأيت فيها رسول الله وأمرني بأمر أنا ماض له ، ولست بمخبر بها أحدا حتى ألاقي عملي .

الطبري : قام عبد الله بن جعفر إلى عمرو بن سعيد بن العاص فكلمه وقال : أكتب إلى الحسين كتابا تجعل له فيه الأمان ، وتمنيه فيه البر والصلة ، وتوثق له في كتابك ، وتسأله الرجوع ، لعله يطمئن إلى ذلك فيرجع ، وابعث به مع أخيك يحيى بن سعيد ، فإنه أحرى أن تطمئن نفسه إليه ويعلم أنه الجد منك .

فقال عمرو بن سعيد : اكتب ما شئت وأتني به حتى أختمه . فكتب عبد الله بن جعفر الكتاب : بسم الله الرحمن الرحيم ، من عمرو بن سعيد إلى الحسين بن علي ، أما بعد ، فإني أسأل الله أن يصرفك عما يوبقك ، وأن يهديك لما يرشدك ، بلغني أنك قد توجهت إلى العراق ، وإني أعيذك من الشقاق ، فإني أخاف عليك فيه الهلاك ، وقد بعثت إليك عبد الله بن جعفر ويحيى بن سعيد ، فأقبل إلي معهما ، فإن لك عندي الأمان والصلة والبر وحسن الجوار ، لك الله بذلك شهيد وكفيل ، ومراع ووكيل ، والسلام عليك .

ثم أتى به عمرو بن سعيد فقال له : اختمه . ففعل ، فلحقه عبد الله بن جعفر يحيى بن سعيد ، فأقرأه يحيى الكتاب . وكتب إليه الحسين : أما بعد ؛ فإنه لم يشاقق الله ورسوله من دعا إلى الله عز وجل وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين ، وقد دعوت إلى الأمان والبر والصلة ، فخير الأمان أمان الله ، ولن يؤمن الله يوم القيامة من لم يخفه في الدنيا ، فنسأل الله مخافة في الدنيا توجب لنا أمانه يوم القيامة ، فإن كنت نويت بالكتاب صلتي وبري فجزيت خيرا في الدنيا والآخرة ، والسلام .

ثم انصرفا إلى عمرو بن سعيد فقالا : أقرأناه الكتاب وجهدنا به ، وكان مما اعتذر إلينا أن قال : إني رأيت رؤيا فيها رسول الله ، وأمرت فيها بأمر أنا ماض له ، علي كان أو لي .

فقالا له : فما تلك الرؤيا ؟ قال : ما حدثت أحدا بها ، وما أنا محدث بها حتى ألقى ربي !

روى ابن عساكر جواب الحسين لعمرو بن سعيد العاص هكذا : إن كنت أردت بكتابك إلي بري وصلتي فجزيت خيرا في الدنيا والآخرة وإنه لم يشاقق الله من دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين ، وخير الأمان أمان الله ، ولم يؤمن بالله من لم يخفه في الدنيا ، فنسأل الله مخافة في الدنيا توجب لنا أمان الآخرة عنده .

وعنه : أخبرنا أبو عبد الله الفراوي ، أنبأنا أبو بكر البيهقي ، أنبأنا أبو الحسن علي بن محمد بن علي المقرئ ، أنبأنا الحسن بن محمد بن إسحاق الإسفرايني ، أنبأنا يوسف بن يعقوب القاضي ، أنبأنا محمد بن عبد الملك بن زنجويه ، أنبأنا شبابة ابن سوار ، أنبأنا يحيى بن سالم الأسدي ، قال : سمعت الشعبي يقول : كان ابن عمر قدم المدينة فأخبر أن الحسين بن علي قد توجه إلى العراق ، فلحقه على مسير ليلتين - أو ثلاث - من المدينة فقال : أين تريد ؟ قال : العراق ، و [ كان ] معه طوامير وكتب .

فقال له : لا تأتهم .

فقال : هذه كتبهم وبيعتهم . . فقال : إن الله عزوجل خير نبيه بين الدنيا والآخرة فاختار الآخرة ولم يرد الدنيا ، وإنكم بضعة من رسول الله ، والله ! لا يليها أحد منكم أبدا ، وما صرفها الله عزوجل عنكم إلا للذي هو خير لكم ، فارجعوا .

فأبى وقال : هذه كتبهم وبيعتهم . قال : فاعتنقه ابن عمر وقال : استودعك الله من قتيل .

محمد مهدي الحائري : وفي بعض الكتب نقلا عن أبي مخنف : أن الحسين حين خرج من مكة إلى الكوفة سار في طريقه إلى المدينة ، ثم أتى قبر جده رسول الله واعتنقه وبكى بكاء شديدا ، فحملته عينه فغفا ونام ، ورأى في منامه رسول الله وهو يقول : يا ولدي ! الوحا الوحا ، العجل العجل ، فقد قدمت أمك وأبوك وأخوك الحسن وجدتك خديجة الكبرى ، وكلهم مشتاقون إليك ، فبادر إلينا .

فانتبه الحسين باكيا حزينا شوقا إلى رسول الله ، وجاء إلى أخيه محمد ابن الحنفية وهو عليل فحدثه بما رأى وبكى ، فقال له : يا أخي ! ماذا تريد أن تصنع ؟ قال : أريد الرحيل إلى العراق ، فإني على قلق من أجل ابن عمي مسلم بن عقيل .

فقال له محمد الحنفية : سألتك بحق جدك محمد أن لا تفارق حرم جدك رسول الله ، فإن لك فيه أعوانا كثيرة .

فقال الحسين : لا بد من العراق . فقال محمد بن الحنفية : إني والله ! ليحزنني فراقك ، وما أقعدني عن المسير معك إلا لأجل ما أجده من المرض الشديد ، فوالله ، يا أخي ! ما أقدر أن أقبض على قائم سيف ولا كعب رمح ، فوالله ! لا فرحت بعدك أبدا ، ثم بكى شديدا حتى غشي عليه ، فلما أفاق من غشيته قال : يا أخي ! استودعك الله من شهيد مظلوم ، وودعه الحسين وسار من المدينة .

وفي أكثر كتب التاريخ : أنه خرج من مكة إلى الكوفة ولم يسر إلى المدينة ، وأول موضع مر به بعد مكة ، التنعيم .

العودة إلى الصفحة الرئيسية

www.mezan.net <‎/TITLE> ‎<META HTTP-EQUIV="Content-Type" CONTENT="text/html; charset=windows-1256">‎ ‎<META NAME="keywords" CONTENT=" السيد محمد حسين فضل الله في الميزان ">‎ ‎<META NAME="description" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله في كتبه ">‎ ‎<META NAME="author" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله بصوته ">‎ ‎<META NAME="copyright" CONTENT=" رأي المراجع العظام والعلماء ">‎ <‎/HEAD>