إجراء أمير المؤمنين الحد

الطوسي : روى الحسن بن محبوب ، عن علي بن أبي حمزة ، عن أبى بصير ، عن عمران بن ميثم ، أو صالح بن ميثم ، عن أبيه ، قال : أتت امرأة محج أمير المؤمنين فقالت : يا أمير المؤمنين ! إني زنيت فطهرني طهرك الله ، فإن عذاب الدنيا أيسر من عذاب الآخرة الذي لا ينقطع ، فقال لها : مما أطهرك ؟ فقالت : إني زنيت ، فقال لها : وذات بعل أنت ، أم غير ذلك ؟ فقالت : بل ذات بعل ، فقال لها : أفحاضر كان بعلك إذ فعلت ما فعلت ؟ أم غائب كان عنك ؟ قالت : بل حاضر .

فقال لها : انطلقي فضعي ما في بطنك ثم إيتني أطهرك ، فلما ولت عنه المرأة فصارت حيث لا تسمع كلامه قال : أللهم إنها شهادة ، فلم تلبث أن أتت فقالت : قد وضعت فطهرني ! قال : فتجاهل عليها ، فقال : يا أمة الله ! مماذا ؟ فقالت : إني زنيت فطهرني .

فقال : وذات بعل أنت ، إذ فعلت ما فعلت ؟ قالت : نعم ، قال : فكان زوجك حاضرا ، أم غائبا ؟ قالت : بل حاضرا .

قال : انطلقي فارضعيه حولين كاملين كما أمرك الله .

قال : فانصرفت المرأة ، فلما صارت منه حيث لا تسمع كلامه قال : أللهم إنهما شهادتان .

قال : فلما مضى حولان أتت المرأة فقالت : قد أرضعته حولين فطهرني يا أمير المؤمنين ! فتجاهل عليها ، قال : أطهرك مماذا ؟ فقالت : إني زنيت فطهرني .

فقال : وذات بعل كنت إذ فعلت ما فعلت ؟ فقالت : نعم ، فقال : وبعلك غائب إذ فعلت ما فعلت أم حاضر ؟ قالت : بل حاضر .

فقال : انطلقي فاكفليه حتى يعقل أن يأكل ويشرب ولا يتردى من سطح ولا يتهور في بئر ! قال : فانصرفت وهي تبكي ، فلما ولت حيث لا تسمع كلامه قال : أللهم إنها ثلاث شهادات .

فاستقبلها عمرو بن حريث المخزومي فقال : ما يبكيك يا أمة الله ! وقد رأيتك تختلفين إلى علي تسألينه أن يطهرك ؟ فقالت : إني أتيت أمير المؤمنين فسألته أن يطهرني فقال : اكفلي ولدك حتى يعقل أن يأكل ويشرب ولا يتردى من سطح ولا يتهور في بئر ، ولقد خفت أن يأتي علي الموت ولم يطهرني ! فقال لها عمرو بن حريث : ارجعي إليه فأنا أكفله .

فرجعت فأخبرت أمير المؤمنين بقول عمرو ، فقال لها أمير المؤمنين وهو يتجاهل عليها : ولم يكفل عمرو بن حريث ولدك ؟ فقالت : يا أمير المؤمنين ! زنيت فطهرني .

فقال : وذات بعل كنت إذ فعلت ما فعلت ؟ قالت : نعم .

قال : أفغائب كان بعلك إذا فعلت ما فعلت أم حاضر ؟ قالت : بل حاضر .

قال : فرفع رأسه إلى السماء وقال : أللهم إنه قد ثبت لك عليها أربع شهادات وإنك قد قلت لنبيك فيما أخبرته من دينك : يا محمد ! من عطل حدا من حدودي فقد عاندني ، وطلب بذلك مضادتي ، أللهم وإني غير معطل حدودك ، ولا طالب مضادتك ، ولا مضيع لأحكامك ، بل مطيع لك ومتبع سنة نبيك .

قال : فنظر إليه عمرو بن حريث وكأنما الرمان يفقأ في وجهه ! فلما رأى ذلك عمرو قال : يا أمير المؤمنين ! إني إنما أردت أن أكفله إذ ظننت أنك تحب ذلك ، فأما إذ كرهته فإني لست أفعل .

فقال أمير المؤمنين : أبعد أربع شهادات بالله ؟ ! ! لتكفلنه وأنت صاغر ، فصعد أمير المؤمنين المنبر فقال : يا قنبر ! ناد في الناس الصلاة جامعة ، فنادى قنبر في الناس ، واجتمعوا حتى غص المسجد بأهله ، وقام أمير المؤمنين ، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : يا أيها الناس ! إن إمامكم خارج بهذه المرأة إلى هذا الظهر ليقيم عليها الحد إن شاء الله ، فعزم عليكم أمير المؤمنين إلا خرجتم وأنتم متنكرون ومعكم أصحابكم ، لا يتعرف منكم أحد إلى أحد حتى تنصرفوا إلى منازلكم إن شاء الله .

قال : ثم نزل ، فلما أصبح الناس بكرة خرج بالمرأة وخرج الناس متنكرين ، متلثمين بعمائمهم وبأرديتهم والحجارة في أرديتهم وفي أكمامهم ، حتى انتهى بها والناس معه إلى ظهر الكوفة ، فأمر أن يحفر لها حفيرة ، ثم دفنها فيها ، ثم ركب بغلته وأثبت رجله في غرز الركاب ، ثم وضع أصبعيه السبابتين في أذنيه ، ثم نادى بأعلى صوته : يا أيها الناس ! إن الله تعالى عهد إلى رسوله عهدا عهده محمد إلي بأنه لا يقيم الحد من لله عليه حد ، فمن كان لله عليه حد مثل ما له عليها فلا يقيم عليها الحد .

قال : فانصرف الناس يومئذ كلهم ما خلا أمير المؤمنين والحسن والحسين ، فأقام هؤلاء الثلاثة عليها الحد يومئذ وما معهم غيرهم .

العودة إلى الصفحة الرئيسية

www.mezan.net <‎/TITLE> ‎<META HTTP-EQUIV="Content-Type" CONTENT="text/html; charset=windows-1256">‎ ‎<META NAME="keywords" CONTENT=" السيد محمد حسين فضل الله في الميزان ">‎ ‎<META NAME="description" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله في كتبه ">‎ ‎<META NAME="author" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله بصوته ">‎ ‎<META NAME="copyright" CONTENT=" رأي المراجع العظام والعلماء ">‎ <‎/HEAD>