كلامه مع محمد بن الحنفية

ابن أعثم : تهيأ الحسين بن علي ، وعزم على الخروج من المدينة ، ومضى في جوف الليل إلى قبر أمه فصلى عند قبرها وودعها ، ثم قام عن قبرها وصار إلى قبر أخيه الحسن ففعل مثل ذلك ثم رجع إلى منزله ، وفي وقت الصبح أقبل إليه أخوه محمد بن الحنفية ، وقال : يا أخي فدتك نفسي ! أنت أحب الناس إلى وأعزهم علي ، ولست والله أدخر النصيحة لأحد من الخلق ، وليس أحد أحق بها منك ، لأنك كنفسي وروحي ، وكبير أهل بيتي ، ومن عليه اعتمادي وطاعته في عنقي ، لأن الله تبارك وتعالى قد شرفك وجعلك من سادات أهل الجنة ، وإني أريد أن أشير عليك برأيي فاقبله مني .

فقال له الحسين : قل ما بدا لك ! فقال : أشير عليك أن تنجو نفسك عن يزيد بن معاوية وعن الأمصار [ الأنصار ] ما استطعت ، وأن تبعث رسلك إلى الناس وتدعوهم إلى بيعتك . . .

فقال له الحسين : يا أخي ! إلى أين أذهب .

قال : اخرج إلى مكة فإن اطمأنت بك الدار فذاك الذي تحب وأحب ، وإن تكن الأخرى خرجت إلى بلاد اليمن ، فإنهم أنصار جدك وأخيك وأبيك ، وهم أرأف الناس ، وأرقهم قلوبا ، وأوسع الناس بلادا وأرجحهم عقولا ، فإن اطمأنت بك أرض اليمن وإلا لحقت بالرمال وشعوب الجبال ، وصرت من بلد إلى بلد ، لتنظر ما يؤول إليه أمر الناس ، ويحكم بينك وبين القوم الفاسقين .

فقال الحسين : يا أخي ! والله ! لو لم يكن في الدنيا ملجأ ولا مأوى ، لما بايعت يزيد بن معاوية أبدا ، وقد قال : أللهم لا تبارك في يزيد ، فقطع محمد بن الحنفية الكلام وبكى ، فبكى الحسين معه ساعة ، ثم قال : جزاك الله يا أخي عني خيرا ، لقد نصحت وأشرت بالصواب ، وأنا أرجو أن يكون إن شاء الله رأيك موفقا مسددا ، وإني قد عزمت على الخروج إلى مكة ، وقد تهيأت لذلك أنا وإخوتي وبنو إخوتي وشيعتي ، وأمرهم أمري ورأيهم رأيي ، وأما أنت يا أخي فلا عليك أن تقيم بالمدينة ، فتكون لي عينا عليهم ولا تخف علي شيئا من أمورهم .

الطبري : أنه لما نهاه محمد بن الحنفية عن دخول الأمصار ، قال له الحسين : فإني ذاهب يا أخي ! ؟ فقال ابن الحنفية : فانزل مكة ، فإن اطمأنت بك الدار فسبيل ذلك ، وإن نبت بك لحقت بالرمال وشعف الجبال . . . فقال الحسين : يا أخي قد نصحت وأشفقت ، فأرجو أن يكون رأيك سديدا موفقا .

القندوزي الحنفي : وفي رواية : قال له محمد بن الحنفية : يا أخي ! إني خائف عليك أن يقتلوك ! فقال : إني أقصد مكة ، فإن كانت لي أمن أقمت بها ، وإلا لحقت بالشعاب والرمال حتى أنظر ما يكون .

المجلسي : ثم دعا الحسين بدواة وبياض وكتب هذه الوصية لأخيه محمد : بسم الله الرحمن الرحيم - هذا ما أوصى به الحسين بن علي بن أبي طالب إلى أخيه محمد المعروف بابن الحنفية : أن الحسين يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمدا عبده ورسوله ، جاء بالحق من عند الحق ، وأن الجنة والنار حق ، وأن الساعة آتية لا ريب فيها ، وأن الله يبعث من في القبور ، وأني لم أخرج أشرا ، ولا بطرا ، ولا مفسدا ، ولا ظالما ، وإنما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي ، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر ، وأسير بسيرة جدي وأبي علي بن أبي طالب ، فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق ، ومن رد علي هذا أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق ، وهو خير الحاكمين ، وهذه وصيتي يا أخي إليك ، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب .

ثم طوى الحسين الكتاب وختمه بخاتمه ، ودفعه إلى أخيه محمد ، ثم ودعه وخرج في جوف الليل .

العودة إلى الصفحة الرئيسية

www.mezan.net <‎/TITLE> ‎<META HTTP-EQUIV="Content-Type" CONTENT="text/html; charset=windows-1256">‎ ‎<META NAME="keywords" CONTENT=" السيد محمد حسين فضل الله في الميزان ">‎ ‎<META NAME="description" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله في كتبه ">‎ ‎<META NAME="author" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله بصوته ">‎ ‎<META NAME="copyright" CONTENT=" رأي المراجع العظام والعلماء ">‎ <‎/HEAD>