علامة الإمامة

ابن عياش الجوهري : أحمد بن محمد بن عبد الله بن عياش ، عن سهل بن محمد الطرطوسي القاضي ، قال : قدم علينا من الشام سنة أربعين وثلاثمائة عن زيد ابن محمد الرهاوي ، عن عمار بن مطر ، عن أبي عوانة ، عن خالد بن علقمة ، عن عبيدة بن عمرو السلماني ، عن عبد الله بن خباب بن الأرت ، عن سلمان الفارسي والبراء بن عازب ، قالا : قالت أم سليم .

قال : ومن طريق أصحابنا حدثني علي بن حبشي بن قوني ، عن جعفر بن محمد الفزاري ، عن الحسين المنقري ، عن الحسن بن محبوب ، عن الثمالي ، عن زر ابن حبيش ، عن عبد الله بن خباب ، عن سلمان والبراء قالا : قالت ام سليم : كنت امرأة قد قرأت التوراة والإنجيل ، فعرفت أوصياء الأنبياء ، وأحببت أن أعلم وصى محمد .

فلما قدمت ركابنا المدينة أتيت رسول الله وخلفت الركاب مع الحي ، فقلت : يا رسول الله ! ما من نبي إلا وكان له خليفتان : خليفة يموت قبله ، وخليفة يبقى بعده ، وكان خليفة موسى في حياته هارون فقبض قبل موسى ، ثم كان وصيه بعد موته يوشع بن نون ، وكان وصى عيسى في حياته كالب بن يوقنا [ يوحنا ] فتوفي كالب في حياة عيسى ، ووصيه بعد وفاته شمعون بن حمون الصفا ، ابن عمة مريم ، وقد نظرت في الكتب الأولى فما وجدت لك إلا وصيا واحدا في حياتك وبعد وفاتك ، فبين لي بنفسي أنت يا رسول الله من وصيك ؟ ! فقال رسول الله : إن لي وصيا واحدا في حياتي وبعد وفاتي .

قلت له : من هو ؟ فقال : ايتيني بحصاة .

فرفعت إليه حصاة من الأرض فوضعها بين كفيه ، ثم فركها بيده كسحيق الدقيق ، ثم عجنها فجعلها ياقوتة حمراء ختمها بخاتمه ، فبدا النقش فيها للناظرين ، ثم أعطانيها وقال : يا أم سليم من استطاع مثل هذا فهو وصيي .

قالت : ثم قال لي : يا أم سليم ! وصيي من يستغني بنفسه في جميع حالاته كما أنا مستغن ، فنظرت إلى رسول الله وقد ضرب بيده اليمنى إلى السقف وبيده اليسرى إلى الأرض قائما لا ينحني في حالة واحدة إلى الأرض ، ولا يرفع نفسه بطرف قدميه .

قالت : فخرجت فرأيت سلمان يكتف [ يكنف ] عليا ويلوذ بعقوبه [ بعقوته ] دون من سواه من أسرة محمد وصحابته على حداثة من سنه ، فقلت في نفسي : هذا سلمان صاحب الكتب الأولى قبلي ، صاحب الأوصياء ، وعنده من العلم ما لم يبلغني فيوشك أن يكون صاحبي .

فأتيت عليا فقلت : أنت وصى محمد ؟ قال : نعم ، ما تريدين ؟ قلت : وما علامة ذلك ؟ فقال : ايتيني بحصاة .

قالت : فرفعت إليه حصاة من الأرض فوضعها بين كفيه ، ثم فركها بيده فجعلها كسحيق الدقيق ، ثم عجنها فجعلها ياقوتة حمراء ، ثم ختمها ، فبدا النقش فيها للناظرين ، ثم مشى نحو بيته فاتبعته لأسأله عن الذي صنع رسول الله ، فالتفت إلي ففعل مثل الذي فعله ، فقلت : من وصيك يا أبا الحسن ؟ ! فقال : من يفعل مثل هذا .

قالت أم سليم : فلقيت الحسن بن علي فقلت : أنت وصي أبيك هذا ؟ - وأنا أعجب من صغره وسؤالي إياه ، مع أني كنت عرفت صفتهم الإثنى عشر إماما ، أبوهم سيدهم وأفضلهم ، فوجدت ذلك في الكتب الأولى - . فقال لي : نعم ، أنا وصي أبي . فقلت : وما علامة ذلك ؟ فقال : ايتيني بحصاة .

قالت : فرفعت إليه حصاة ، فوضعها بين كفيه ، ثم سحقها كسحيق الدقيق ، ثم عجنها فجعلها ياقوتة حمراء ، ثم ختمها ، فبدا النقش فيها ثم دفعها إلى ، فقلت له : فمن وصيك ؟ قال : من يفعل مثل هذا الذي فعلت ، ثم مد يده اليمنى حتى جازت سطوح المدينة وهو قائم ، ثم طأطأ يده اليسرى فضرب بها الأرض من غير أن ينحني أو يتصعد ، فقلت في نفسي : من يرى وصيه ؟ فخرجت من عنده فلقيت الحسين وكنت عرفت نعته من الكتب السالفة بصفته وتسعة من ولده أوصياء بصفاتهم ، غير أني أنكرت حليته لصغر سنه ، فدنوت منه وهو على كسرة رحبة المسجد .

فقلت له : من أنت يا سيدي ؟ ! قال : أنا طلبتك يا أم سليم أنا وصي الأوصياء ، وأنا أبو التسعة الأئمة الهادية ، وأنا وصى أخي الحسن ، وأخي وصي أبي علي ، وعلي وصي جدي رسول الله .

فعجبت من قوله ، فقلت : ما علامة ذلك ؟ فقال : ايتيني بحصاة ، فرفعت إليه حصاة من الأرض . قالت أم سليم : فلقد نظرت إليه وقد وضعها بين كفيه فجعلها كهيئة السحيق من الدقيق ، ثم عجنها فجعلها ياقوتة حمراء فختمها بخاتمه فثبت النقش فيها ، ثم دفعها إلى وقال لي : انظري فيها يا أم سليم ! فهل ترين فيها شيئا ؟ .

قالت أم سليم : فنظرت فإذا فيها : رسول الله وعلي والحسن والحسين وتسعة أئمة صلوات الله عليهم أوصياء من ولد الحسين قد تواطئت أسماؤهم إلا اثنين منهم ، أحدهما جعفر والآخر موسى ، وهكذا قرأت في الإنجيل .

فعجبت وقلت في نفسي : قد أعطاني الله الدلائل ولم يعطها من كان قبلي ، فقلت : يا سيدي ! أعد علي علامة أخرى ، قال : فتبسم وهو قاعد ، ثم قام فمد يده اليمنى إلى السماء ، فوالله ! لكأنها عمود من نار تخرق الهواء حتى توارى عن عيني وهو قائم لا يعبأ بذلك ولا يتحفز ، فأسقطت وصعقت ، فما أفقت إلا ورأيت في يده طاقة من آس يضرب بها منخري .

فقلت في نفسي : ماذا أقول له بعد هذا ؟ وقمت وأنا والله ! أجد إلى ساعتي رائحة هذه الطاقة من الآس ، وهي والله ! عندي لم تذو ولم تذبل ولا انتقص من ريحها شيء ، وأوصيت أهلي أن يضعوها في كفني ، فقلت : يا سيدي ! من وصيك ؟ قال : من فعل مثل فعلي . قالت : فعشت إلى أيام علي بن الحسين .

قال زر بن حبيش خاصة دون غيره : وحدثني جماعة من التابعين سمعوا هذا الكلام من تمام حديثها ، منهم مينا مولى عبد الرحمن بن عوف وسعيد بن جبير مولى بني أسد سمعاها ، تقول هذا .

وحدثني سعيد بن المسيب المخزومي ببعضه عنها ، قالت : فجئت إلى علي بن الحسين وهو في منزله قائما يصلي ، وكان يطول فيها ولا يتحوز فيها ، وكان يصلي ألف ركعة في اليوم والليلة ، فجلست مليا فلم ينصرف من صلاته ، فأردت القيام ، فلما هممت به حانت مني التفاتة إلى خاتم في إصبعه عليه فص حبشي ، فإذا هو مكتوب : مكانك ، يا أم سليم ! آتيك بما جئت له .

قالت : فأسرع في صلاته ، فلما سلم قال لي : يا أم سليم ! ايتيني بحصاة ، من غير أن أسأله عما جئت له ، فدفعت إليه حصاة من الأرض ، فأخذها فجعلها بين كفيه فجعلها كهيئة الدقيق ، ثم عجنها فجعلها ياقوتة حمراء ، ثم ختمها فثبت فيها النقش ، فنظرت والله ! إلى القوم بأعيانهم كما كنت رأيتهم يوم الحسين ، فقلت له : فمن وصيك جعلني الله فداك ؟ ! قال : الذي يفعل مثل ما فعلت ، ولا تدركين من بعدي مثلي .

قالت أم سليم : فأنسيت أن أسأله أن يفعل مثل ما كان قبله من رسول الله وعلي والحسن والحسين صلوات الله عليهم ، فلما خرجت من البيت ومشيت شوطا ناداني : يا أم سليم ! .

قلت : لبيك . قال : ارجعي ، فرجعت ، فإذا هو واقف في صرحة داره وسطا ، ثم مشى فدخل البيت وهو يتبسم ثم قال : اجلسي يا أم سليم ! فجلست فمد يده اليمنى فانخرقت الدور والحيطان وسكك المدينة وغابت يده عني ، ثم قال : خذي يا أم سليم ! فناولني والله ! كيسا فيه دنانير وقرط من ذهب وفصوص كانت لي من جزع في حق لي في منزلي ، فقلت : يا سيدي ! أما الحق فأعرفه ، وأما ما فيه فلا أدري ما فيه ، غير أني أجدها ثقيلا .

قال : خذيها وامضي لسبيلك .

قالت : فخرجت من عنده ودخلت منزلي وقصدت نحو الحق فلم أجد الحق في موضعه ، فإذا الحق حقي ، قالت : فعرفتهم حق معرفتهم بالبصيرة والهداية فيهم من ذلك اليوم ، والحمد لله رب العالمين .

العودة إلى الصفحة الرئيسية

www.mezan.net <‎/TITLE> ‎<META HTTP-EQUIV="Content-Type" CONTENT="text/html; charset=windows-1256">‎ ‎<META NAME="keywords" CONTENT=" السيد محمد حسين فضل الله في الميزان ">‎ ‎<META NAME="description" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله في كتبه ">‎ ‎<META NAME="author" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله بصوته ">‎ ‎<META NAME="copyright" CONTENT=" رأي المراجع العظام والعلماء ">‎ <‎/HEAD>