جود علي للأعرابي

الصدوق : حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني ، قال : حدثنا عمر بن سهل بن إسماعيل الدينوري ، قال : حدثنا زيد بن إسماعيل الصائغ ، قال : حدثنا معاوية بن هشام ، عن سفيان ، عن عبد الملك بن عمير ، عن خالد بن ربعي ، قال : إن أمير المؤمنين دخل مكة في بعض حوائجه ، فوجد أعرابيا متعلقا بأستار الكعبة وهو يقول : يا صاحب البيت ! البيت بيتك ، والضيف ضيفك ، ولكل ضيف من ضيفه قرى ، فاجعل قراي منك الليلة المغفرة . فقال أمير المؤمنين لأصحابه : أما تسمعون كلام الأعرابي ؟ قالوا : نعم .

فقال : الله أكرم من أن يرد ضيفه . قال : فلما كان الليلة الثانية وجده متعلقا بذلك الركن وهو يقول : يا عزيزا في عزك ! فلا أعز منك في عزك ، أعزني بعز عزك ، في عز لا يعلم أحد كيف هو ، أتوجه إليك وأتوسل إليك بحق محمد وآل محمد عليك ، أعطني ما لا يعطيني أحد غيرك ، اصرف عني ما لا يصرفه أحد غيرك .

قال فقال أمير المؤمنين لأصحابه : هذا والله ! الاسم الأكبر بالسريانية ، أخبرني به حبيبي رسول الله سأله الجنة ، فأعطاه وسأله صرف النار ، وقد صرفها عنه .

قال : فلما كان الليلة الثالثة وجده وهو متعلق بذلك الركن ، وهو يقول : يا من لا يحويه مكان ، ولا يخلو منه مكان ، بلا كيفية كان ، أرزق الأعرابي أربعة آلاف درهم .

قال : فتقدم إليه أمير المؤمنين فقال : يا أعرابي ! سألت ربك القرى فقراك ، سألته الجنة فأعطاك ، وسألته أن يصرف عنك النار وقد صرفها عنك ، وفي هذه الليلة تسأله أربعة آلاف درهم .

قال الأعرابي : من أنت ؟ قال : أنا علي بن أبي طالب .

قال الأعرابي : أنت والله ! بغيتي ، وبك أنزلت حاجتي .

قال : سل ، يا أعرابي ! قال : أريد ألف درهم للصداق ، وألف درهم أقضي به ديني ، وألف درهم أشتري به دارا ، وألف درهم أتعيش منه . قال : أنصفت يا أعرابي ! فإذا خرجت من مكة فسل عن داري بمدينة الرسول فأقام الأعرابي بمكة أسبوعا وخرج في طلب أمير المؤمنين إلى مدينة الرسول ، ونادى : من يدلني على دار أمير المؤمنين علي .

فقال الحسين بن علي من بين الصبيان : أنا أدلك على دار أمير المؤمنين ، وأنا ابنه الحسين بن علي ، فقال الأعرابي : من أبو ك ؟ قال : أمير المؤمنين ، علي بن أبي طالب ، قال : من أمك ؟ قال : فاطمة الزهراء ، سيدة نساء العالمين ، قال : من جدك ؟ قال : رسول الله ، محمد بن عبد الله بن عبد المطلب .

قال : من جدتك ؟ قال : خديجة بنت خويلد ، قال : من أخوك ؟ قال : أبو محمد ، الحسن بن علي .

قال : قد أخذت الدنيا بطرفيها ، امش إلى أمير المؤمنين وقل له : إن الأعرابي صاحب الضمان بمكة على الباب .

قال : فدخل الحسين بن علي وقال : يا أبه ! أعرابي بالباب يزعم أنه صاحب الضمان بمكة .

قال : فقال : يا فاطمة ! عندك شيء يأكله الأعرابي ؟ قالت : أللهم لا .

قال : فتلبس أمير المؤمنين وخرج وقال : ادعوا إلي أبا عبد الله سلمان الفارسي .

قال : فدخل إليه سلمان الفارسي ، فقال : يا أبا عبد الله أعرض الحديقة التي غرسها رسول الله لي على التجار .

قال : فدخل سلمان إلى السوق وعرض الحديقة ، فباعها باثني عشر ألف درهم ، وأحضر المال وأحضر الأعرابي ، فأعطاه أربعة آلاف درهم وأربعين درهما نفقة ، ووقع الخبر إلى سؤال المدينة فاجتمعوا ومضى رجل من الأنصار إلى فاطمة ، فأخبرها بذلك ، فقالت : آجرك الله في ممشاك . فجلس علي والدراهم مصبوبة بين يديه حتى اجتمع إليه أصحابه فقبض قبضة قبضة وجعل يعطي رجلا رجلا ، حتى لم يبق معه درهم واحد ، فلما أتى المنزل قالت له فاطمة : يا بن عم ! بعت الحائط الذي غرسه لك والدي ؟ قال : نعم ، بخير منه عاجلا وآجلا . قالت : فأين الثمن ؟ قال : دفعته إلى أعين ، استحييت أن أذلها بذل المسألة قبل أن تسألني .

قالت فاطمة : أنا جائعة وابناي جائعان ، ولا أشك إلا وأنك مثلنا في الجوع ، لم يكن لنا منه درهم ، وأخذت بطرف ثوب علي ، فقال علي : يا فاطمة خليني .

فقالت : لا والله ! أو يحكم بيني وبينك أبي .

فهبط جبرائيل على رسول الله فقال : يا محمد ! الله يقرئك السلام ويقول : إقرأ عليا مني السلام وقل لفاطمة : ليس لك أن تضربي على يديه ولا تلزمي بثوبه ، فلما أتى رسول الله منزل علي وجد فاطمة ملازمة لعلي ، فقال لها : يا بنية ! ما لك ملازمة لعلي ؟ قالت : يا أبه ! باع الحائط الذي غرسته له باثني عشر ألف درهم ، ولم يحبس لنا منه درهما نشتري به طعاما .

فقال : يا بنية ! إن جبرائيل يقرئني من ربي السلام ويقول : إقرأ عليا من ربه السلام وأمرني أن أقول لك ليس لك أن تضربي على يديه ، ولا تلزمي بثوبه . قالت فاطمة : فإني أستغفر الله ولا أعود أبدا .

قالت فاطمة : فخرج أبي في ناحية وزوجي علي في ناحية ، فما لبث أن أتى أبي ومعه سبعة دراهم سود هجرية ، فقال : يا فاطمة ! أين ابن عمي ؟ فقلت له : خرج .

فقال رسول الله : هاك هذه الدراهم ، فإذا جاء ابن عمي فقولي له : يبتاع لكم بها طعاما . فما لبثت إلا يسيرا حتى جاء علي ، فقال : رجع ابن عمي فإني أجد رائحة طيبة ؟ قالت : نعم ، وقد دفع إلي شيئا تبتاع لنا به طعاما .

قال علي : هاتيه .

فدفعت إليه سبعة دراهم سود هجرية ، فقال : بسم الله والحمد لله كثيرا طيبا ، وهذا من رزق الله عزوجل ، ثم قال : يا حسن ! قم معي .

فأتيا السوق فإذا هما برجل واقف وهو يقول : من يقرض الملي الوفي ؟ قال : يا بني ! تعطيه ؟ قال : إي والله ، يا أبه ! فأعطاه علي الدراهم ، فقال الحسن : يا أبتاه ! أعطيته الدراهم كلها ؟ قال : نعم ، يا بني ! إن الذي يعطي القليل قادر على أن يعطي الكثير .

قال : فمضى علي بباب رجل يستقرض منه شيئا ، فلقيه أعرابي ومعه ناقة فقال : يا علي ! اشتر مني هذه الناقة .

قال : ليس معي ثمنها .

قال : فإني أنظرك به إلى القبض ، قال : بكم ، يا أعرابي ؟ ! قال : بمائة درهم .

قال علي : خذها يا حسن ! فأخذها ، فمضى علي فلقيه أعرابي آخر المثال واحد والثياب مختلفة ، فقال : يا علي ! تبيع الناقة ؟ قال علي : وما تصنع بها ؟ قال : أغزوا عليها أول غزوة يغزوها ابن عمك .

قال : إن قبلتها فهي لك بلا ثمن . قال : معي ثمنها ، وبالثمن أشتريها ، فبكم أشتريها .

قال : بمائة درهم . قال الأعرابي : فلك سبعون ومائة درهم .

قال علي : خذ السبعين والمأة ، وسلم الناقة ، المأة للأعرابي الذي باعنا الناقة ، والسبعون لنا نبتاع بها شيئا ، فأخذ الحسن الدراهم ، وسلم الناقة . قال علي : فمضيت أطلب الأعرابي الذي ابتعت منه الناقة لأعطيه ثمنها ، فرأيت رسول الله جالسا في مكان لم أره فيه قبل ذلك ولا بعده على قارعة الطريق ، فلما نظر النبى إلي تبسم ضاحكا حتى بدت نواجذه ، قال علي : أضحك الله سنك ، وبشرك بيومك ، فقال : يا ابا الحسن ! إنك تطلب الأعرابي الذي باعك الناقة لتوفيه الثمن ؟ فقلت : أي والله ! فداك أبي وأمي .

فقال : يا أبا الحسن ! الذي باعك الناقة جبرائيل ، والذي اشتراها منك ميكائيل ، والناقة من نوق الجنة ، والدراهم من عند رب العالمين عزوجل ، فانفقها في خير ولا تخف إقتارا .

العودة إلى الصفحة الرئيسية

www.mezan.net <‎/TITLE> ‎<META HTTP-EQUIV="Content-Type" CONTENT="text/html; charset=windows-1256">‎ ‎<META NAME="keywords" CONTENT=" السيد محمد حسين فضل الله في الميزان ">‎ ‎<META NAME="description" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله في كتبه ">‎ ‎<META NAME="author" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله بصوته ">‎ ‎<META NAME="copyright" CONTENT=" رأي المراجع العظام والعلماء ">‎ <‎/HEAD>