أخذ معاوية البيعة ليزيد

- الأميني : وكان في خلد معاوية يوم استقرت له الملوكية وتم له الملك العضوض أن يتخذ ابنه ولى عهده ويأخذ له البيعة ، ويؤسس حكومة أموية مستقرة في أبناء بيته ، فلم يزل يروض لبيعته سبع سنين ، يعطي الأقارب ، ويداني الأباعد ، وكان يبتلعه طورا ، ويجتر به حينا بعد حين ، يمهد بذلك السبيل ، ويسهل حزونته ، ولما مات زياد سنة ثلاث وخمسين - وكان يكره تلك البيعة - أظهر معاوية عهدا مفتعلا - على زياد - فقرأه على الناس فيه عقد الولاية ليزيد بعده ، وأراد بذلك أن يسهل بيعة يزيد كما قاله المدائني .

وقال أبو عمر : كان معاوية قد أشار بالبيعة ليزيد في حياة الحسن وعرض بها ، ولكنه لم يكشفها ولا عزم عليها إلا بعد موت الحسن .

ثم كتب معاوية بعد ذلك إلى مروان بن الحكم : إني قد كبرت سنى ، ودق عظمي ، وخشيت الاختلاف على الأمة بعدي ، وقد رأيت أن أتخير لهم من يقوم بعدي ، وكرهت أن أقطع أمرا دون مشورة من عندك ، فأعرض ذلك عليهم ، وأعلمني بالذي يردون عليك .

فقام مروان في الناس فأخبرهم به ، فقال الناس : أصاب ووفق ، وقد أحببنا أن يتخير لنا فلا يألو .

فكتب مروان إلى معاوية بذلك ، فأعاد إليه الجواب يذكر يزيد فقام مروان فيهم وقال : إن أمير المؤمنين قد اختار لكم فلم يأل ، وقد استخلف ابنه يزيد بعده .

فقام عبد الرحمن بن أبي بكر ، فقال : كذبت والله ! يا مروان ! وكذب معاوية ، ما الخيار أردتما لأمة محمد ، ولكنكم تريدون أن تجعلوها هرقلية ، كلما مات هرقل قام هرقل .

فقال مروان : هذا الذي أنزل الله فيه : ( والذي قال لو لديه أف لكما ) .

فسمعت عائشة مقالته فقامت من وراء الحجاب ، وقالت : يا مروان ، يا مروان ! فأنصت الناس وأقبل مروان بوجهه ، فقالت : أنت القائل لعبد الرحمن : إنه نزل فيه القرآن ؟ كذبت والله ! ما هو به ، ولكنه فلان بن فلان ، ولكنك أنت فضض من لعنة نبي الله .

وقام الحسين بن علي فأنكر ذلك ، وفعل مثله ابن عمر وابن الزبير .

فكتب مروان بذلك إلى معاوية .

ولما عزل معاوية مروان لمخالفته استخلاف يزيد واستخلف على المدينة سعيد ابن العاص كتب إليه يأمره أن يدعو أهل المدينة إلى البيعة ويكتب إليه بمن سارع ممن لم يسارع ، فلما أتى سعيد بن العاص الكتاب دعا الناس إلى البيعة ليزيد وأظهر الغلظة ، وأخذهم بالعزم والشدة ، وسطا بكل من أبطأ عن ذلك ، فأبطأ الناس عنها إلا اليسير ، لا سيما بني هاشم فإنه لم يجبه منهم أحد ، وكان ابن الزبير من أشد الناس إنكارا لذلك وردا له ، فكتب سعيد بن العاص إلى معاوية : أما بعد ، فإنك أمرتني أن أدعو الناس لبيعة يزيد بن أمير المؤمنين ، وأن أكتب إليك بمن سارع ممن أبطأ ، وإني أخبرك أن الناس عن ذلك بطاء ، لا سيما أهل البيت من بني هاشم ، فإنه لم يجبني منهم أحد ، وبلغني عنهم ما أكره ، وأما الذي جاهر بعداوته وإبائه لهذا الأمر فعبد الله بن الزبير ، ولست أقوى عليهم إلا بالخيل والرجال ، أو تقدم بنفسك فترى رأيك في ذلك ، والسلام .

فكتب معاوية إلى عبد الله بن العباس ، وإلى عبد الله بن الزبير ، وإلى عبد الله بن جعفر ، والحسين بن علي كتبا ، وأمر سعيد بن العاص أن يوصلها إليهم ويبعث بجواباتها .

وإليك نص ما كتب معاوية إلى الإمام الحسين : أما بعد ، فقد انتهت إلى منك أمور لم أكن أظنك بها رغبة عنها ، وأن أحق الناس بالوفاء لمن أعطى بيعته من كان مثلك في خطرك وشرفك ومنزلتك التي أنزلك الله بها ، فلا تنازع إلى قطيعتك ، واتق الله ، ولا تردن هذه الأمة في فتنة ، وانظر لنفسك ودينك وأمة محمد ، ولا يستخفنك الذين لا يوقنون .

- ابن قتيبة : فكتب إليه الحسين : أما بعد ، فقد جاءني كتابك تذكر فيه أنه انتهت إليك عني أمور لم تكن تظنني بها رغبة بي عنها ، وإن الحسنات لا يهدي لها ولا يسدد إليها إلا الله تعالى ، وأما ما ذكرت أنه رقي إليك عني ، فإنما رقاه الملاقون المشاؤون بالنميمة ، المفرقون بين الجمع ، وكذب الغاوون المارقون ، ما أردت حربا ولا خلافا ، وإني لأخشى الله في ترك ذلك منك ، ومن حزبك القاسطين المحلين ، حزب الظالم ، وأعوان الشيطان الرجيم .

ألست قاتل حجر وأصحابه العابدين المخبتين الذين كانوا يستفظعون البدع ، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ؟ ! فقتلتهم ظلما وعدوانا من بعد ما أعطيتهم المواثيق الغليظة ، والعهود المؤكدة جرأة على الله ، واستخفافا بعهده .

أو لست بقاتل عمرو بن الحمق الذي أخلقت وأبلت وجهه العبادة ؟ فقتلته من بعد ما أعطيته من العهود ما لو فهمته العصم نزلت من شعف الجبال . أو لست المدعي زيادا في الاسلام ، فزعمت أنه ابن أبي سفيان ، وقد قضى رسول الله : أن الولد للفراش ، وللعاهر الحجر ، ثم سلطته على أهل الاسلام يقتلهم ، ويقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف ، ويصلبهم على جذوع النخل ؟ سبحان الله يا معاوية ! لكأنك لست من هذه الأمة ، وليسوا منك ، أو لست قاتل الحضرمي الذي كتب إليك فيه زياد أنه على دين علي كرم الله وجهه ، ودين علي هو دين ابن عمه الذي أجلسك مجلسك الذي أنت فيه ، ولولا ذلك كان أفضل شرفك وشرف آبائك تجشم الرحلتين ، رحلة الشتاء والصيف ، فوضعها الله عنكم بنا منة عليكم ، وقلت فيما قلت : لا ترد هذه الأمة في فتنة .

وإني لا أعلم لها فتنة أعظم من إمارتك عليها . وقلت فيما قلت : انظر لنفسك ولدينك ولأمة محمد .

وإني والله ! ما أعرف أفضل من جهادك ، فإن أفعل فإنه قربة إلى ربي ، وإن لم أفعله فأستغفر الله لديني ، وأسأله التوفيق لما يحب ويرضى .

وقلت فيما قلت : متى تكدني أكدك ، فكدني يا معاوية ! فيما بدا لك ، فلعمري لقديما يكاد الصالحون ، وإني لأرجو أن لا تضر إلا نفسك ، ولا تمحق إلا عملك ، فكدني ما بدا لك ، واتق الله يا معاوية ! واعلم أن لله كتابا لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ، واعلم أن الله ليس بناس لك قتلك بالظنة ، وأخذك بالتهمة ، وإمارتك صبيا يشرب الشراب ، ويلعب بالكلاب ، ما أراك إلا قد أوبقت نفسك ، وأهلكت دينك ، وأضعت الرعية ، والسلام .

- الطوسي : [ وفي رواية أخرى ] فلما وصل الكتاب إلى الحسين كتب إليه : أما بعد فقد بلغني كتابك ، تذكر أنه قد بلغك عني أمور أنت لي عنها راغب ، وأنا لغيرها عندك جدير ، فإن الحسنات لا يهدي لها ولا يرد إليها إلا الله . وأما ما ذكرت أنه انتهى إليك عني ، فإنه إنما رقاه إليك الملاقون المشاؤون بالنميم ، وما أريد لك حربا ولا عليك خلافا ، وأيم الله ! إني لخائف لله في ترك ذلك ، وما أظن الله راضيا بترك ذلك ، ولا عاذرا بدون الإعذار فيه إليك ، وفي أوليائك القاسطين الملحدين ، حزب الظلمة ، وأولياء الشياطين . ألست القاتل حجر بن عدي أخا كندة والمصلين العابدين الذين كانوا ينكرون الظلم ويستعظمون البدع ، ولا يخافون في الله لومة لائم ، ثم قتلتهم ظلما وعدوانا من بعد ما كنت أعطيتهم الايمان المغلظة ، والمواثيق المؤكدة ، ولا تأخذهم بحدث كان بينك وبينهم ، ولا بإحنة تجدها في نفسك .

أو لست قاتل عمرو بن الحمق صاحب رسول الله العبد الصالح الذي أبلته العبادة ، فنحل جسمه ، وصفرت لونه ، بعد ما أمنته وأعطيته من عهود الله ومواثيقه ، ما لو أعطيته طائرا لنزل إليك من رأس الجبل ، ثم قتلته جرأة على ربك ، واستخفافا بذلك العهد .

أو لست المدعي زياد بن سمية المولود على فراش عبيد ثقيف ، فزعمت أنه ابن أبيك ، وقد قال رسول الله : الولد للفراش ، وللعاهر الحجر ، فتركت سنة رسول الله تعمدا ، وتبعت هواك بغير هدى من الله ، ثم سلطته على العراقين ، يقطع أيدي المسلمين وأرجلهم ، ويسمل أعينهم ويصلبهم على جذوع النخل ، كأنك لست من هذه الأمة ، وليسوا منك .

أو لست صاحب الحضرميين الذين كتب فيهم ابن سمية أنهم كانوا على دين علي فكتبت إليه : أن اقتل كل من كان على دين علي ، فقتلهم ومثل بهم بأمرك ، ودين علي سر الله الذي كان يضرب عليه أباك ويضربك ، وبه جلست مجلسك الذي جلست ، ولولا ذلك لكان شرفك وشرف أبيك الرحلتين .

وقلت فيما قلت : انظر لنفسك ولدينك ولأمة محمد ، واتق شق عصا هذه الأمة وأن تردهم إلى فتنة . وإني لا أعلم فتنة أعظم على هذه الأمة من ولايتك عليها ، ولا أعلم نظرا لنفسي ولديني ولامة محمد وعلينا أفضل من أن أجاهدك فإن فعلت فإنه قربة إلى الله ، وإن تركته فإني أستغفر الله لديني ، وأسأله توفيقه لارشاد أمري .

وقلت فيما قلت : إني إن أنكرتك تنكرني ، وإن أكدك تكدني ، فكدني ما بدا لك ، فإني أرجو أن لا يضرني كيدك في ، وأن لا يكون على أحد أضر منه على نفسك ، على أنك قد ركبت جهلك ، وتحرصت على نقض عهدك ، ولعمري ما وفيت بشرط ، ولقد نقضت عهدك بقتلك هؤلاء النفر الذين قتلتهم بعد الصلح والايمان والعهود والمواثيق ، فقتلتهم من غير أن يكونوا قاتلوا وقتلوا ، ولم تفعل ذلك بهم إلا لذكرهم فضلنا ، وتعظيمهم حقنا ، فقتلتهم مخافة أمر لعلك لو لم تقتلهم مت قبل أن يفعلوا ، أو ماتوا قبل أن يدركوا .

فأبشر يا معاوية ! بالقصاص ، واستيقن بالحساب ، واعلم أن لله تعالى كتابا ( لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصلها ) .

وليس الله بناس لأخذك بالظنة ، وقتلك أولياءه على التهم ، ونقل أوليائه من دورهم إلى دار الغربة ، وأخذك الناس ببيعة ابنك غلام حدث ، يشرب الخمر ، ويلعب بالكلاب ، لا أعلمك إلا وقد خسرت نفسك ، وبترت دينك ، وغششت رعيتك ، وأخربت أمانتك ، وسمعت مقالة السفيه الجاهل ، وأخفت الورع التقي لأجلهم والسلام . فلما قرأ معاوية الكتاب قال : لقد كان في نفسه ضب ما أشعر به ، فقال يزيد : يا أمير المؤمنين ! أجبه جوابا تصغر إليه نفسه ، وتذكر فيه أباه بشيء .

قال : ودخل عبد الله بن عمرو بن العاص ، فقال له معاوية : أما رأيت ما كتب به الحسين ؟ قال : وما هو ؟ قال : فأقرأه الكتاب ، فقال : وما يمنعك أن تجيبه بما يصغر إليه نفسه ، - وإنما قال ذلك في هوى معاوية - .

فقال يزيد : كيف رأيت يا أمير المؤمنين ! رأيي ؟ فضحك معاوية ، فقال : أما يزيد فقد أشار علي بمثل رأيك ، قال عبد الله : فقد أصاب يزيد ، فقال معاوية : أخطأتما ، أرأيتما لو أني ذهبت لعيب علي محقا ما عسيت أن أقول فيه ، ومثلي لا يحسن أن يعيب بالباطل ، وما لا يعرف ، ومتى ما عبت به رجلا بما لا يعرفه الناس لم يخول به صاحبه ، ولا يراه الناس شيئا وكذبوه ، وما عسيت أن أعيب حسينا ، ووالله ! ما أرى للعيب فيه موضعا وقد رأيت أن أكتب إليه أتوعده وأتهدده ، ثم رأيت أن لا أفعل ولا أفحله .

- الطبرسي [ روى مثله إلا ] أنه كتب : أما بعد فقد بلغني كتابك أنه قد بلغك عني أمور أن بي عنها غنى ، وزعمت أني راغب فيها ، وأنا بغيرها عنك جدير ، وساق الحديث نحوا مما مر .

وزاد : فما كتب إليه بشيء يسوؤه ، ولا قطع عنه شيئا كان يصله به ، كان يبعث إليه في كل سنة ألف ألف درهم ، سوى عروض وهدايا من كل ضرب .

- القاضي النعمان : [ روى ] كتابا عن الإمام إلى معاوية ينهاه عن المنكرات قال : وعن الحسين بن علي أنه كتب إلى معاوية كتابا يقرعه فيه ، ويبكته بأمور صنعها ، كان فيه : ثم وليت ابنك وهو غلام يشرب الشراب ويله بالكلاب ، فخنت أمانتك وأخربت رعيتك ، ولم تؤد نصيحة ربك ، فكيف تولي على أمة محمد من يشرب المسكر ، وشارب المسكر من الفاسقين ، وشارب المسكر من الأشرار ؟ ! وليس شارب المسكر بأمين على درهم ، فكيف على الأمة ؟ ! فعن قليل ترد على عملك حين تطوى صحائف الاستغفار .

- الأميني : حج معاوية في سنة خمسين ، واعتمر في رجب سنة ستة وخمسين ، وكان في كلا السفرين يسعى وراء بيعة يزيد ، وله في ذلك خطوات واسعة ومواقف ومفاوضات مع بقية الصحابة ووجوه الأمة ، غير أن المؤرخين خلطوا أخبار الرحلتين بعضها ببعض .

وإنا نذكر مواقف الإمام تجاه معاوية في الرحلة الأولى أولا ، ثم نتبعه بموقفه تجاهه في الرحلة الثانية . ففي الرحلة الأولى : لما قدم المدينة أرسل إلى الإمام الحسين فخلا به ، فقال له : يا ابن أخي ! قد استوسق الناس لهذا الأمر غير خمسة من قريش أنت تقودهم ، يا ابن أخي ! فما أربك إلى الخلاف ؟ قال الحسين : أرسل إليهم فإن بايعوك كنت رجلا منهم ، وإلا تكن عجلت على بأمر .

قال : نعم ، فأخذ عليه أن لا يخبر بحديثهما أحدا .

- الطبري روى هذه الواقعة في وقائع سنة ستة وخمسين ، وإليك نصها : يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا إسماعيل بن إبراهيم ، قال : حدثنا ابن عون ، قال : حدثني رجل بنخلة ، قال : بايع الناس ليزيد بن معاوية غير الحسين بن علي ، وابن عمر ، وابن الزبير ، وعبد الرحمن بن أبي بكر ، وابن عباس ؛ فلما قدم معاوية أرسل إلى الحسين بن علي ، فقال : يا ابن أخي ! قد استوسق الناس لهذا الأمر غير خمسة نفر من قريش أنت تقودهم ، يا ابن أخي ! فما إربك إلى الخلاف ؟ قال : أنا أقودهم ؟ ! قال : نعم ، أنت تقودهم .

قال : فأرسل إليهم ، فإن بايعوا كنت رجلا منهم ، وإلا لم تكن عجلت على بأمر ، قال : وتفعل ؟ قال : نعم .

قال : فأخذ عليه ألا يخبر بحديثهم أحدا ، قال : فالتوى عليه ، ثم أعطاه ذلك ، فخرج وقد أقعد له ابن الزبير رجلا بالطريق قال : يقول لك أخوك ابن الزبير : ما كان ؟ فلم يزل به حتى استخرج منه شيئا .

ثم أرسل بعده إلى ابن الزبير ، فقال له : قد استوسق الناس لهذا الأمر غير خمسة نفر من قريش أنت تقودهم ؛ يا ابن أخي ! فما إربك إلى الخلاف ؟ قال : أنا أقودهم ! ؟ قال : نعم أنت تقودهم ، قال : فأرسل إليهم فإن بايعوا كنت رجلا منهم ، وإلا لم تكن عجلت علي بأمر ، قال : وتفعل ؟ قال : نعم .

قال : فأخذ عليه ألا يخبر بحديثهم أحدا ، قال : يا أمير المؤمنين ! نحن في حرم الله عزوجل ، وعهد الله سبحانه ثقيل ، فأبى عليه ، وخرج . ثم أرسل بعده إلى ابن عمر فكلمه بكلام هو ألين من كلام صاحبه ، فقال : إني أرهب أن أدع أمة محمد بعدي كالضأن لا راعي لها ، وقد استوسق الناس لهذا الأمر غير خمسة نفر من قريش أنت تقودهم ، فما إربك إلى الخلاف ! قال : هل لك في أمر يذهب الذم ، ويحقن الدم ، وتدرك به حاجتك ؟ قال : وددت . قال تبرز سريرك ، ثم أجيء فأبايعك ، على أني أدخل بعدك فيما تجتمع عليه الأمة ، فو الله ! لو أن الأمة اجتمعت بعدك على عبد حبشي لدخلت فيما تدخل فيه الأمة .

قال : وتفعل ؟ قال : نعم ، ثم خرج فأتى منزله فأطبق بابه ، وجعل الناس يجيئون فلا يأذن لهم .

فأرسل إلى عبد الرحمن بن أبي بكر ، وقال : يا ابن أبي بكر ! بأية يد ورجل تقدم على معصيتي ؟ ! قال : أرجو أن يكون ذلك خيرا لي .

فقال : والله ! لقد هممت أن أقتلك ! قال : لو فعلت لأتبعك الله به لعنة في الدنيا وأدخلك به في الآخرة النار .

قال : ولم يذكر ابن عباس !

- ابن قتيبة : فلما كان صبيحة اليوم الثاني أرسل إلى الحسين بن علي وإلى ابن عباس ، فسبق ابن عباس فحادثه مليا حتى أقبل الحسين بن علي ، فلما رآه معاوية جمع له وسادة كانت عن يمينه فدخل الحسين وسلم ، فأشار إليه فأجلسه عن يمينه مكان الوسادة ، فسأله معاوية عن حال بني أخيه الحسن وأسنانهم ، فأخبره ، ثم سكت - ثم ذكر ، خطبة معاوية في أمر الخلافة وبيعة ابنه يزيد وذكر فضائله وطلب منه البيعة له - فتيسر ابن عباس للكلام ونصب يده للمخاطبة .

فأشار إليه الحسين ، وقال : على رسلك ، فأنا المراد ، ونصيبي في التهمة أوفر ، فأمسك ابن عباس ، فقام الحسين فحمد الله وصلى على الرسول ثم قال : أما بعد ، يا معاوية ! فلن يؤدي القائل وإن أطنب في صفة الرسول من جميع جزءا ، وقد فهمت ما لبست به الخلف بعد رسول الله من إيجاز الصفة والتنكب عن استبلاغ البيعة ، وهيهات هيهات يا معاوية ! فضح الصبح فحمة الدجى ، وبهرت الشمس أنوار السرج ، ولقد فضلت حتى أفرطت ، وأستأثرت حتى أجحفت ، ومنعت حتى محلت ، وجزت حتى جاوزت ، ما بذلت لذي حق من إسم حقه بنصيب حتى أخذ الشيطان حظه الأوفر ، ونصيبه الأكمل ، وفهمت ما ذكرته عن يزيد من اكتماله وسياسته لامة محمد ، تريد أن توهم الناس في يزيد ، كأنك تصف محجوبا ، أو تنعت غائبا ، أو تخبر عما كان مما احتويته بعلم خاص ، وقد دل يزيد من نفسه على موقع رأيه ، فخذ ليزيد فيما أخذ به من استقرائه الكلاب المهارشة عند التحارش ، والحمام السبق لأترابهن ، والقيان ذوات المعازف ، وضرب الملاهي ، تجده باصرا ، ودع عنك ما تحاول .

فما أغناك أن تلقى الله من وزر هذا الخلق بأكثر مما أنت لاقيه ، فوالله ! ما برحت تقدح باطلا في جور ، وحنقا في ظلم ، حتى ملأت الأسقية ، وما بينك وبين الموت إلا غمضة ، فتقدم على عمل محفوظ في يوم مشهود ، ولات حين مناص ، ورأيتك عرضت بنا بعد هذا الأمر ، ومنعتنا عن آبائنا تراثا ، ولقد لعمر الله ! أورثنا الرسول ولادة ، وجئت لنا بها ما حججتم به القائم عند موت الرسول ، فأذعن للحجة بذلك ، ورده الايمان إلى النصف ، فركبتم الأعاليل ، وفعلتم الأفاعيل ، وقلتم : كان ويكون ، حتى أتاك الأمر يا معاوية ! من طريق كان قصدها لغيرك ، فهناك فاعتبروا يا أولى الابصار ، وذكرت قيادة الرجل القوم بعهد رسول الله وتأميره له ، وقد كان ذلك ولعمرو بن العاص يومئذ فضيلة بصحبة الرسول ، وبيعته له ، وما صار - لعمر الله ! - يومئذ مبعثهم حتى أنف القوم إمرته ، وكرهوا تقديمه ، وعدوا عليه أفعاله ، فقال : لا جرم معشر المهاجرين لا يعمل عليكم بعد اليوم غيري ، فكيف تحتج بالمنسوخ من فعل الرسول في أوكد الاحكام وأولاها بالمجتمع عليه من الصواب ؟ أم كيف صاحبت بصاحب تابعا وحولك من لا يؤمن في صحبته ، ولا يعتمد في دينه وقرابته ، وتتخطاهم إلى مسرف مفتون ، تريد أن تلبس الناس شبهة يسعد بها الباقي في دنياه ، وتشقى بها في آخرتك ، إن هذا لهو الخسران المبين ، وأستغفر الله لي ولكم .

- وعنه : ثم احتجب عن الناس ثلاثة أيام لا يخرج ، ثم خرج فأمر المنادي أن ينادي في الناس : أن يجتمعوا لأمر جامع ، فاجتمع الناس في المسجد ، وقعد هؤلاء حول المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه ثم ذكر يزيد وفضله وقراءته القرآن ثم قال : يا أهل المدينة ! لقد هممت ببيعة يزيد وما تركت قرية ولا مدرة إلا بعثت إليها في بيعته ، فبايع الناس جميعا وسلموا ، وأخرت المدينة بيعته ، وقلت بيضته وأصله ومن لا أخافهم عليه ، وكان الذين أبوا البيعة منهم من كان أجدر أن يصله ، والله ! لو علمت مكان أحد هو خير للمسلمين من يزيد لبايعت له .

فقام الحسين فقال : والله ! لقد تركت من هو خير منه أبا وأما ونفسا .

فقال معاوية : كأنك تريد نفسك ؟ فقال الحسين : نعم ، أصلحك الله .

فقال معاوية : إذا أخبرك ، أما قولك ، خير منه أما ، فلعمري ! أمك خير من أمه ، ولو لم تكن إلا أنها امرأة من قريش لكان لنساء قريش فضلهن ، فكيف وهي ابنة رسول الله ، ثم فاطمة في دينها وسابقتها ، فأمك لعمر الله ! خير من أمه .

وأما أبو ك ، فقد حاكم أباه إلى الله فقضى لأبيه على أبيك .

فقال الحسين : حسبك جهلك ، آثرت العاجل على الأجل .

فقال معاوية : وأما ما ذكرت من أنك خير من يزيد نفسا ، فيزيد والله ! خير لأمة محمد منك .

فقال الحسين : هذا هو الإفك والزور ، يزيد شارب الخمر ومشتري اللهو خير مني ؟ ! فقال معاوية : مهلا عن شتم ابن عمك ، فإنك لو ذكرت عنده بسوء لم يشتمك ! ثم التفت معاوية إلى الناس وقال : أيها الناس ! قد علمتم أن رسول الله قبض ولم يستخلف أحدا ، فرأى المسلمون أن يستخلفوا أبا بكر ، وكانت بيعته بيعة هدى ، فعمل بكتاب الله وسنة نبيه ، فلما حضرته الوفاة رأى أن يستخلف عمر ، فعمل عمر بكتاب الله وسنته نبيه ، فلما حضرته الوفاة رأى أن يجعلها شورى بين ستة نفر اختارهم من المسلمين ، فصنع أبو بكر ما لم يصنعه رسول الله ، وصنع عمر ما لم يصنعه أبو بكر ، كل ذلك يصنعونه نظرا للمسلمين ، فلذلك رأيت أن أبايع ليزيد لما وقع الناس فيه من الاختلاف ونظرا لهم بعين الانصاف !

- ابن أعثم : روى هذه الواقعة في مكة وقال : وأقام معاوية بمكة لا يذكر شيئا من أمر يزيد ، ثم أرسل إلى الحسين فدعاه ، فلما جاءه ودخل إليه قرب مجلسه ثم قال : [ يا ] أبا عبد الله ! إعلم أني ما تركت بلدا إلا وقد بعثت إلى أهله فأخذت عليهم البيعة ليزيد ، وإنما أخرت المدينة لأني قلت هم أصله وقومه وعشيرته ومن لا أخافهم عليه ، ثم إني بعثت إلى المدينة بعد ذلك فأبى بيعته من لا أعلم أحدا هو أشد بها منهم ؛ ولو علمت أن لأمة محمد خير من ولدي يزيد لما بعثت له .

فقال له الحسين : مهلا يا معاوية ! لا تقل هكذا ، فإنك قد تركت من هو خير منه أما وأبا ونفسا .

فقال معاوية : كأنك تريد بذلك نفسك ، أبا عبد الله ! فقال الحسين : فإن أردت نفسي فكان ماذا ؟ فقال معاوية : إذا أخبرك أبا عبد الله ! أما أمك فخير من أم يزيد ، وأما أبو ك فله سابقة وفضل ، وقرابته من الرسول ليست لغيره من الناس ، غير أنه قد حاكم أبوه أباك ، فقضى الله لأبيه على أبيك ، وأما أنت وهو فهو والله ! خير لأمة محمد منك ! فقال الحسين : من خير لامة محمد ؟ ! يزيد الخمور الفجور ! فقال معاوية : مهلا أبا عبد الله ! فإنك لو ذكرت عنده لما ذكر منك إلا حسنا ! فقال الحسين : إن علم مني ما أعلمه منه أنا فليقل في ما أقول فيه .

فقال له معاوية : أبا عبد الله ! انصرف إلى أهلك راشدا ، واتق الله في نفسك ، واحذر أهل الشام أن يسمعوا منك ما قد سمعته فإنهم أعداؤك وأعداء أبيك .

قال : فانصرف الحسين إلى منزله .

- الهيثمي : وفي رواية : عن محمد بن سيرين قال : لما بايع حج ، فمر [ معاوية ] بالمدينة فخطب الناس ، فقال : إنا قد بايعنا يزيد فبايعوه ، فقام الحسين بن علي فقال : أنا والله أحق بها منه ، فإن أبي خير من أبيه ، وجدي خير من جده ، وأمي خير من أمه ، وأنا خير منه .

فقال : أما ما ذكرت أن جدك خير من جده ، فصدقت ، رسول الله خير من أبي سفيان ، وأما ما ذكرت أن أمك خير من أمه ، فصدقت فاطمة بنت رسول الله خير من بنت بحدل ، وأما ما ذكرت أن أباك خير من أبيه ، فقد قارع أبو ك أباه فقضى الله لأبيه على أبيك ، وأما ما ذكرت أنك خير منه ، فلهو أرب منك وأعقل ما يسرني به مثلك ألف ! !

- ابن الأثير : وأما في رحلة الثانية لمعاوية في سنة ستة وخمسين ، روى ابن أثير : فلما بايعه أهل العراق والشام سار إلى الحجاز في ألف فارس ، فلما دنا من المدينة لقيه الحسين بن علي أول الناس ، فلما نظر إليه قال : لا مرحبا ولا أهلا ! بدنة يترقرق دمها والله مهريقه ! قال : مهلا ، فإني والله ! لست بأهل لهذه المقالة ! قال : بلى ، ولشر منها ! ولقيه ابن الزبير فقال : لا مرحبا ولا أهلا ! خب ضب تلعة ، يدخل رأسه ويضرب بذنبه ويوشك والله ! أن يؤخذ بذنبه ويدق ظهره ، نحياه عني ، فضرب وجه راحلته . ثم لقيه عبد الرحمن بن أبي بكر ، فقال له معاوية : لا أهلا ولا مرحبا ! شيخ قد خرف وذهب عقله ؛ ثم أمر فضرب وجه راحلته ، ثم فعل بابن عمر نحو ذلك ، فأقبلوا معه لا يلتفت إليهم حتى دخل المدينة ، فحضروا بابه ، فلم يؤذن لهم على منازلهم ولم يروا منه ما يحبون ، فخرجوا إلى مكة فأقاموا بها . وخطب معاوية بالمدينة فذكر يزيد فمدحه ، وقال : من أحق منه بالخلافة في فضله وعقله وموضعه ؟ وما أظن قوما بمنتهين حتى تصيبهم بوائق تجتث أصولهم ، وقد أنذرت إن أغنت النذر ؛ ثم أنشد متمثلا : قد كنت حذرتك آل المصطلق * وقلت : يا عمرو ! أطعني وانطلق إنك إن كلفتني ما لم أطق * ساءك ما سرك مني من خلق دونك ما استسقيته فأحس وذق ثم دخل على عائشة ، وقد بلغها أنه ذكر الحسين وأصحابه ، فقال : لأقتلنهم إن لم يبايعوا . فشكاهم إليها ، فوعظته ، وقالت له : بلغني أنك تتهددهم بالقتل ! ؟ فقال : يا أم المؤمنين ! هم أعز من ذلك ، ولكني بايعت ليزيد وبايعه غيرهم ، أفترين أن أنقض بيعة قد تمت ؟ قالت : فارفق بهم ، فإنهم يصيرون إلى ما تحب إن شاء الله .

قال : أفعل .

وكان في قولها له : ما يؤمنك أن أقعد لك رجلا يقتلك ، وقد فعلت بأخي ما فعلت ؟ تعني أخاها محمدا .

فقال لها : كلا يا أم المؤمنين ! إني في بيت أمن .

قالت : أجل .

ومكث بالمدينة ما شاء الله ثم خرج إلى مكة فلقيه الناس ، فقال أولئك النفر : نتلقاه فلعله قد ندم على ما كان منه ، فلقوه ببطن مر ، فكان أول من لقيه الحسين ، فقال له معاوية : مرحبا وأهلا يا ابن رسول الله وسيد شباب المسلمين ! فأمر له بدابة فركب وسايره ، ثم فعل بالباقين مثل ذلك ، وأقبل يسايرهم لا يسير معه غيرهم حتى دخل مكة ، فكانوا أول داخل وآخر خارج ، ولا يمضي يوم إلا ولهم صلة ولا يذكر لهم شيئا ، حتى قضى نسكه وحمل أثقاله وقرب مسيره ، فقال بعض أولئك النفر لبعض : لا تخدعوا فما صنع بكم هذا لحبكم وما صنعه إلا لما يريد ، فأعدوا له جوابا ، فاتفقوا على أن يكون المخاطب له ابن الزبير .

فأحضرهم معاوية وقال : قد علمتم سيرتي فيكم وصلتي لأرحامكم وحملي ما كان منكم ، ويزيد أخوكم وابن عمكم وأردت أن تقدموه باسم الخلافة ، وتكونوا أنتم تعزلون وتؤمرون وتجبون المال وتقسمونه لا يعارضكم في شيء من ذلك . . . فسكتوا ، فقال : ألا تجيبون ؟ مرتين .

ثم أقبل على ابن الزبير ، فقال : هات لعمري إنك خطيبهم .

فقال : نعم ، نخيرك بين ثلاث خصال . قال : إعرضهن .

قال : تصنع كما صنع رسول الله ، أو كما صنع أبو بكر ، أو كما صنع عمر .

قال معاوية : ما صنعوا ؟ قال : قبض رسول الله ، ولم يستخلف أحدا فارتضى أبا بكر .

قال : ليس فيكم مثل أبي بكر وأخاف الاختلاف .

قالوا [ قال ] : صدقت ، فاصنع كما صنع أبو بكر فإنه عهد إلى رجل من قاصية قريش ليس من بني أبيه فاستخلفه ، وإن شئت فاصنع كما صنع عمر ، جعل الأمر شورى في ستة نفر ليس فيهم أحد من ولده ولا من بني أبيه .

قال معاوية : هل عندك غير هذا ؟ قال : لا ، ثم قال : فأنتم ؟ قالوا : قولنا قوله .

قال : فإني قد أحببت أن أتقدم إليكم ، إنه قد أعذر من أنذر ، إني كنت أخطب فيكم فيقوم إلي القائم منكم فيكذبني على رؤوس الناس فأحمل ذلك وأصفح ، وإني قائم بمقالة ، فأقسم بالله ! لئن رد علي أحدكم كلمة في مقامي هذا لا ترجع إليه كلمة غيرها حتى يسبقها السيف إلى رأسه ، فلا يبقين رجل إلا على نفسه .

ثم دعا صاحب حرسه بحضرتهم فقال : أقم على رأس كل رجل من هؤلاء رجلين ومع كل واحد سيف ، فإن ذهب رجل منهم يرد علي كلمة بتصديق أو تكذيب فليضرباه بسيفيهما .

ثم خرج وخرجوا معه ، حتى رقي المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : إن هؤلاء الرهط سادة المسلمين وخيارهم لا يبتز أمر دونهم ولا يقضى إلا عن مشورتهم ، وإنهم قد رضوا وبايعوا ليزيد ، فبايعوا على اسم الله ! فبايع الناس ، وكانوا يتربصون بيعة هؤلاء النفر ، ثم ركب رواحله وانصرف إلى المدينة ، فلقي الناس أولئك النفر فقالوا لهم : زعمتم أنكم لا تبايعون فلم أرضيتم وأعطيتم وبايعتم ؟ قالوا : والله ! ما فعلنا .

فقالوا : ما منعكم أن تردوا على الرجل ؟ قالوا : كادنا وخفنا القتل .

- ابن أعثم : روى بعد قول معاوية : قد أعذر من أنذر : فانصرف القوم إلى منازلهم فلما كان من الغد خرج معاوية وأقبل حتى دخل المسجد ، ثم صعد المنبر فجلس عليه ، ونودي له في الناس فاجتمعوا إليه ، وأقبل الحسين بن علي ، وابن أبي بكر ، وابن عمر ، وابن الزبير ، حتى جلسوا إلى المنبر ومعاوية جالس ، حتى علم أن الناس قد اجتمعوا وثب قائما على قدميه ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : أيها الناس ! إنا قد وجدنا أحاديث الناس ذات عوار ، وإنهم قد زعموا أن الحسين بن علي ، وعبد الرحمن ابن أبي بكر ، وعبد الله بن عمر ، وعبد الله بن الزبير لم يبايعوا يزيد ، وهؤلاء الرهط الأربعة هم عندي سادة المسلمين وخيارهم ، وقد دعوتهم إلى البيعة فوجدتهم إذا سامعين مطيعين ، وقد سلموا وبايعوا وسمعوا وأجابوا وأطاعوا .

قال : فضرب أهل الشام بأيديهم إلى سيوفهم فسلوها ، ثم قالوا : يا أمير المؤمنين ! ما هذا الذي تعظمه من أمر هؤلاء الأربعة ؟ إئذن لنا أن نضرب أعناقهم فإنا لا نرضى أن يبايعوا سرا ، ولكن يبايعوا جهرا حتى يسمع الناس أجمعون .

فقال معاوية : سبحان الله ! ما أسرع الناس بالشر وما أحلى بقاءهم عندهم ! اتقوا الله ، يا أهل الشام ! ولا تسرعوا إلى الفتنة ، فإن القتل له مطالبة وقصاص .

قال : فبقي الحسين بن علي ، وابن أبي بكر ، وابن عمر ، وابن الزبير حيارى لا يدرون ما يقولون ، يخافون إن يقولوا : لم نبايع ، الموت الأحمر تجاه أعينهم في سيوف أهل الشام ، أو وقوع فتنة عظيمة ، فسكتوا ولم يقولوا شيئا ، ونزل معاوية عن المنبر ، وتفرق الناس وهم يظنون أن هؤلاء الأربعة قد بايعوا .

قال : وقربت رواحل معاوية فمضى في رفاقه وأصحابه إلى الشام . قال : وأقبل أهل مكة إلى هؤلاء الأربعة فقالوا لهم : يا هؤلاء ! إنكم قد دعيتم إلى بيعة يزيد فلم تبايعوا وأبيتم ذلك ، ثم دعيتم فرضيتم وبايعتم ! فقال الحسين : لا والله ! ما بايعنا ، ولكن معاوية خدعنا وكادنا ببعض ما كادكم به .

ثم صعد المنبر وتكلم بكلام ، وخشينا إن رددنا مقالته عليه أن تعود الفتنة جذعا ، ولا ندري إلى ماذا يؤول أمرنا ، فهذه قصتنا معه .

خطبة الإمام الحسين في منى ولم يزل الحسين بن علي يطلب الفرصة لانهاض المسلمين وإيقاظهم وتحذيرهم من إمارة يزيد :

- سليم بن قيس : أنه لما كان قبل موت معاوية بسنة ، حج الحسين بن علي صلوات الله عليهما ، وعبد الله بن عباس وعبد الله بن جعفر معه ، فجمع الحسين بني هاشم رجالهم ونساءهم ومواليهم ، ومن الأنصار ممن يعرفه الحسين وأهل بيته ثم أرسل رسلا لا تدعوا أحدا ممن حج العام من أصحاب رسول الله المعروفين بالصلاح والنسك إلا أجمعوهم لي ، فاجتمع إليه بمنى أكثر من سبعمائة رجل وهم في سرادقه ، عامتهم من التابعين ، ونحو من مائتي رجل من أصحاب النبى ، فقام فيهم خطيبا فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : أما بعد فإن هذا الطاغية قد فعل بنا وبشيعتنا ما قد رأيتم وعلمتم.

العودة إلى الصفحة الرئيسية

www.mezan.net <‎/TITLE> ‎<META HTTP-EQUIV="Content-Type" CONTENT="text/html; charset=windows-1256">‎ ‎<META NAME="keywords" CONTENT=" السيد محمد حسين فضل الله في الميزان ">‎ ‎<META NAME="description" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله في كتبه ">‎ ‎<META NAME="author" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله بصوته ">‎ ‎<META NAME="copyright" CONTENT=" رأي المراجع العظام والعلماء ">‎ <‎/HEAD>