خطبة الإمام بأهل الكوفة

- الطبري : ولما دنا منه القوم دعا الإمام الحسين براحلته فركبها ، ثم نادى بأعلى صوته دعاء يسمع جل الناس : أيها الناس ! اسمعوا قولي ، ولا تعجلوني حتى أعظكم بما لحق لكم على ، وحتى أعتذر إليكم من مقدمي عليكم ، فإن قبلتم عذري وصدقتم قولي ، وأعطيتموني النصف كنتم بذلك أسعد ، ولم يكن لكم على سبيل ، وإن لم تقبلوا مني العذر ، ولم تعطوا النصف من أنفسكم ( فأجمعوا أمركم وشركاءكم ثم لا يكن أمركم عليكم غمة ثم اقضوا إلى ولا تنظرون ) ( إن وليي الله الذي نزل الكتب وهو يتولى الصالحين ) .

فلما سمع أخواته كلامه هذا صحن وبكين ، وبكى بناته ، فارتفعت أصواتهن ، فأرسل إليهن أخاه العباس بن علي وعليا ابنه ، وقال لهما : أسكتاهن فلعمري ! ليكثرن بكاؤهن .

فلما ذهبا ليسكتاهن قال : لا يبعد ابن عباس ! فظننا أنه قالها حين سمع بكاءهن لأنه قد كان نهاه أن يخرج بهن . فلما سكتن ، حمد الله وأثنى عليه ، وذكر الله بما هو أهله ، وصلى على محمد ، وعلى ملائكته وأنبيائه ، فذكر من ذلك ما الله أعلم وما لا يحصى ذكره قال : فوالله ! ما سمعت متكلما قط قبله ولا بعده أبلغ في منطق منه ، ثم قال : أما بعد ، فانسبوني فانظروا من أنا ؟ ! ثم ارجعوا إلى أنفسكم وعاتبوها ، فانظروا هل يحل لكم قتلي وانتهاك حرمتي ؟ ! ألست ابن بنت نبيكم ، وابن وصيه وابن عمه ، وأول المؤمنين بالله والمصدق لرسوله بما جاء به من عند ربه ، ، أو ليس حمزة سيد الشهداء عم أبي ؟ أو ليس جعفر الشهيد الطيار ذو الجناحين عمي ؟ ! أو لم يبلغكم قول مستفيض فيكم : أن رسول الله قال لي ولأخي : هذان سيدا شباب أهل الجنة ؟ ! فإن صدقتموني بما أقول ، وهو الحق ، فوالله ! ما تعمدت كذبا مذ علمت أن الله يمقت عليه أهله ، ويضر به من اختلقه . وإن كذبتموني فان فيكم من إن سألتموه عن ذلك أخبركم ، سلوا جابر بن عبد الله الأنصاري ، أو أبا سعيد الخدري ، أو سهل بن سعد الساعدي ، أو زيد بن أرقم ، أو أنس بن مالك ، يخبروكم أنهم سمعوا هذه المقالة من رسول الله لي ولأخي ، أفما في هذا حاجز لكم عن سفك دمي ؟ ! فقال له شمر بن ذي الجوشن : هو يعبد الله على حرف إن كان يدري ما يقول ! فقال له حبيب بن مظاهر : والله ! إني لأراك تعبد الله على سبعين حرفا ، وأنا أشهد أنك صادق ما تدري ما يقول ، قد طبع الله على قلبك .

ثم قال لهم الحسين : فإن كنتم في شك من هذا القول ، أفتشكون أثرا ما أني ابن بنت نبيكم ؟ فوالله ! ما بين المشرق والمغرب ابن بنت نبي غيري منكم ولا من غيركم ، أنا ابن بنت نبيكم خاصة . أخبروني ، أتطلبوني بقتيل منكم قتلته ؟ أو مال استهلكته ؟ أو بقصاص من جراحة ؟ فأخذوا لا يكلمونه . فنادى : يا شبث بن ربعي ، ويا حجار بن أبجر ، ويا قيس بن الأشعث ، ويا يزيد بن الحارث ! ألم تكتبوا إلى : أن قد أينعت الثمار واخضر الجناب ، وطمت الجمام وإنما تقدم على جند لك مجند ، فأقبل ؟ ! قالوا له : لم نفعل . فقال : سبحان الله ! بلى والله ! لقد فعلتم .

ثم قال : أيها الناس ! إذ كرهتموني فدعوني أنصرف عنكم إلى مأمني من الأرض ! فقال له قيس بن الأشعث : أو لا تنزل على حكم بني عمك ! فإنهم لن يروك إلا ما تحب ، ولن يصل إليك منهم مكروه ! فقال الحسين : أنت أخو أخيك [ محمد بن الأشعث ] أتريد أن يطلبك بنو هاشم بأكثر من دم مسلم بن عقيل ؟ ! لا والله لا أعطيهم بيدي اعطاء الذليل ، ولا أقر اقرار العبيد ! عباد الله ( وإني عذت بربي وربكم أن ترجمون ) ( إني عذت بربي وربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب ) .

ثم إنه أناخ راحلته وأمر عقبة بن سمعان فعقلها ، وأقبلوا يزحفون نحوه .

- الخوارزمي : أنه قال بعد كلام حبيب : حسبك يا أخا بني أسد ! فقد قضي القضاء وجف القلم والله بالغ أمره ، والله ! إني لأشوق إلى جدي وأبي وأمي وأخي وأسلافي من يعقوب إلى يوسف وأخيه ولي مصرع أنا لاقيه .

- الذهبي : وقال الحسين لعمر وجنده : لا تعجلوا ، والله ! ما أتيتكم حتى أتتني كتب أماثلكم بأن السنة قد أميتت ، والنفاق قد نجم ، والحدود قد عطلت ؛ فأقدم لعل الله يصلح بك الأمة .

فأتيت فإذ كرهتم ذلك ، فأنا راجع ، فارجعوا إلى أنفسكم هل يصلح لكم قتلي ، أو يحل دمي ؟ ألست ابن بنت نبيكم وابن ابن عمه ؟ أو ليس حمزة والعباس ، وجعفر عمومتي ؟ ألم يبلغكم قول رسول الله في وفي أخي : هذان سيدا شباب أهل الجنة ؟ فقال شمر : هو يعبد الله على حرف إن كان يدري ما يقول ! فقال عمر : لو كان أمرك إلى لأجبت ! وقال الحسين : يا عمر ! ليكونن لما ترى يوم يسوؤك ، أللهم إن أهل العراق غروني ، وخدعوني ، وصنعوا بأخي ما صنعوا .

أللهم شتت عليهم أمرهم ، وأحصهم عددا .

العودة إلى الصفحة الرئيسية

www.mezan.net <‎/TITLE> ‎<META HTTP-EQUIV="Content-Type" CONTENT="text/html; charset=windows-1256">‎ ‎<META NAME="keywords" CONTENT=" السيد محمد حسين فضل الله في الميزان ">‎ ‎<META NAME="description" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله في كتبه ">‎ ‎<META NAME="author" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله بصوته ">‎ ‎<META NAME="copyright" CONTENT=" رأي المراجع العظام والعلماء ">‎ <‎/HEAD>