قصر بني مقاتل

- ابن أعثم : وسار الحسين حتى نزل في قصر بني مقاتل فإذا هو بفسطاط مضروب ، ورمح منصوب ، وسيف معلق ، وفرس واقف على مذوده ، فقال الحسين : لمن هذا الفسطاط ؟ فقيل : لرجل يقال له عبيد الله بن الحر الجعفي .

قال : فأرسل الحسين برجل من أصحابه يقال له الحجاج بن مسروق الجعفي .

فأقبل حتى دخل عليه في فسطاطه فسلم عليه ، فرد عليه ، السلام ، ثم قال : ما وراءك ؟ فقال الحجاج : والله ! ورائي يا ابن الحر ! والله ! قد أهدى الله إليك كرامة إن قبلتها ! قال : وما ذاك ؟ فقال : هذا الحسين بن علي يدعوك إلى نصرته ، فإن قاتلت بين يديه أجرت ، وإن مت فإنك استشهدت ! فقال له عبيد الله : والله ! ما خرجت من الكوفة إلا مخافة أن يدخلها الحسين بن علي وأنا فيها فلا أنصره ، لأنه ليس في الكوفة شيعة ولا أنصار إلا وقد مالوا إلى الدنيا إلا من عصم الله منهم ، فارجع إليه وخبره بذاك .

فأقبل الحجاج إلى الحسين فخبره بذلك ، فقام الحسين ثم صار إليه في جماعة من إخوانه ، فلما دخل وسلم وثب عبيد الله بن الحر من صدر المجلس ، وجلس الحسين ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : أما بعد ، يا ابن الحر ! فإن مصركم هذه كتبوا إلي وخبروني أنهم مجتمعون على نصرتي ، وأن يقوموا دوني ويقاتلوا عدوي ، وأنهم سألوني القدوم عليهم ، فقدمت ، ولست أدري القوم على ما زعموا ، لأنهم قد أعانوا على قتل ابن عمي مسلم بن عقيل رحمه الله وشيعته .

وأجمعوا على ابن مرجانة عبيد الله بن زياد يبايعني ليزيد بن معاوية ، وأنت يا ابن الحر فاعلم أن الله عز وجل مؤاخذك بما كسبت وأسلفت من الذنوب في الأيام الخالية ، وأنا أدعوك في وقتي هذا إلى توبة تغسل بها ما عليك من الذنوب ، وأدعوك إلى نصرتنا أهل البيت ، فإن أعطينا حقنا حمدنا الله على ذلك وقبلناه ، وإن منعنا حقنا وركبنا بالظلم كنت من أعواني على طلب الحق .

فقال عبيد الله بن الحر : والله ! يا ابن بنت رسول الله ! لو كان لك بالكوفة أعوان يقاتلون معك لكنت أنا أشدهم على عدوك ، ولكني رأيت شيعتك بالكوفة وقد لزموا منازلهم خوفا من بني أمية ومن سيوفهم ، فأنشدك بالله أن تطلب مني هذه المنزلة ! وأنا أواسيك بكل ما أقدر عليه وهذه فرسي ملجمة ، والله ما طلبت عليها شيئا إلا أذقته حياض الموت ، ولا طلبت وأنا عليها فلحقت ، وخذ سيفي هذا ، فوالله ما ضربت به إلا قطعت .

فقال له الحسين : يا ابن الحر ! ما جئناك لفرسك وسيفك ، إنما أتيناك لنسألك النصرة ، فإن كنت قد بخلت علينا بنفسك فلا حاجة لنا في شىء من مالك ، ولم أكن بالذي أتخذ المضلين عضدا ، لأني قد سمعت رسول الله وهو يقول : من سمع داعية أهل بيتي ، ولم ينصرهم على حقهم ألا أكبه الله على وجهه في النار .

ثم سار الحسين من عنده ورجع إلى رحله .

وفي رواية : عن عبيد الله بن الحر ؛ أنه سأل الحسين بن علي : أعهد إليك رسول الله في مسيرك هذا شيئا ؟ فقال : لا .

- الطبري : وقال أبو مخنف : حدثني المجالد بن سعيد ، عن عامر الشعبي : أن الحسين بن علي [ لما رأى الفسطاط ] قال : لمن هذا الفسطاط ؟ فقيل : لعبيد الله بن الحر الجعفي .

قال : أدعوه لي .

وبعث إليه ، فلما أتاه الرسول ، قال له : هذا الحسين بن علي يدعوك ، فقال عبيد الله بن الحر : إنا لله وإنا إليه راجعون ، والله ! ما خرجت من الكوفة إلا كراهة أن يدخلها الحسين وأنا بها ، والله ! ما أريد أن أراه ولا يراني .

فأتاه الرسول فأخبره ، فأخذ الحسين نعليه فانتعل ، ثم قام حتى دخل عليه فسلم وجلس ، ثم دعاه إلى الخروج معه ، فأعاد عليه ابن الحر تلك المقالة . فقال له الحسين : فإلا تنصرنا فاتق الله أن لا تكون ممن يقاتلنا ، فوالله ! لا يسمع واعيتنا أحد ثم لا ينصرنا إلا هلك .

قال : أما هذا فلا يكون أبدا إن شاء الله تعالى ثم قام الحسين من عنده حتى دخل رحله .

- القندوزي الحنفي : [ ولما ] انتهى إلى قصر بني مقاتل ، وإذا بفسطاط مضروب لرجل يقطع الطريق ، فقال له : إنك عملت على نفسك ذنوبا كثيرة فهل لك من عمل تمحوبه ذنوبك ؟ قال : بماذا ؟ قال : تنصر ابن بنت رسول الله .

قال : أعطيك فرسي وسيفي واعفني عن ذلك .

قال : إذا بخلت علينا بنفسك فلا حاجة لنا بمالك ، وتلا هذه الآية : ( وما كنت متخذ المضلين عضدا ) ثم قال : سمعت جدي يقول : من سمع واعيتنا أهل البيت ولم يجبها أكبه الله على منخريه في النار .

- الطبري : قال أبو مخنف : حدثني عبد الرحمن بن جندب ، عن عقبة بن سمعان ، قال : لما كان في آخر الليل أمر الحسين بالاستقاء من الماء ، ثم أمرنا بالرحيل ، ففعلنا ، قال : فلما ارتحلنا من قصر بني مقاتل ، وسرنا ساعة خفق الحسين برأسه خفقة ثم انتبه وهو يقول : إنا لله وإنا إليه راجعون ، والحمد لله رب العالمين .

ففعل ذلك مرتين أو ثلاثا ، فأقبل إليه ابنه علي بن الحسين على فرس له فقال : إنا لله وإنا إليه راجعون ، والحمد لله رب العالمين ، يا أبت ! جعلت فداك مم حمدت الله واسترجعت ؟ قال : يا بني ! إني خفقت برأسي خفقة فعن لي فارس على فرس ، فقال : القوم يسيرون والمنايا تسري إليهم ، فعلمت أنها أنفسنا نعيت إلينا ، قال له : يا أبت ! لا أراك الله سوءا ، ألسنا على الحق ؟ قال : بلى والذي إليه مرجع العباد .

قال : يا أبت ! إذا لا نبالي ، نموت محقين . فقال له الحسين : جزاك الله من ولد خير ما جزى ولدا عن والده .

العودة إلى الصفحة الرئيسية

www.mezan.net <‎/TITLE> ‎<META HTTP-EQUIV="Content-Type" CONTENT="text/html; charset=windows-1256">‎ ‎<META NAME="keywords" CONTENT=" السيد محمد حسين فضل الله في الميزان ">‎ ‎<META NAME="description" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله في كتبه ">‎ ‎<META NAME="author" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله بصوته ">‎ ‎<META NAME="copyright" CONTENT=" رأي المراجع العظام والعلماء ">‎ <‎/HEAD>