الإمام الحسين في مجلس الوليد

ابن أعثم : ثم دخل الحسين على الوليد بن عتبة فسلم عليه ، فرد عليه ردا حسنا ، ثم أدناه وقربه ؛ ومروان بن الحكم هناك جالس في مجلس الوليد ، وقد كان بين مروان وبين الوليد منافرة ومفاوضة ، فأقبل الحسين على الوليد فقال : أصلح الله الأمير ، والصلاح خير من الفساد ، والصلة خير من الخشناء والشحناء ، وقد آن لكما أن تجتمعا ، فالحمد لله الذي ألف بينكما . فلم يجيباه في هذا بشيء .

فقال الحسين : هل أتاكم من معاوية كائنة خبر فإنه كان عليلا وقد طالت علته ، فكيف حاله الآن ؟ فتأوه الوليد وتنفس الصعداء وقال : أبا عبد الله ! آجرك الله في معاوية ، فقد كان لك عم صدق وقد ذاق الموت ، وهذا كتاب أمير المؤمنين يزيد ! فقال الحسين : إنا لله وإنا إليه راجعون ، وعظم الله لك الأجر ، أيها الأمير ! ولكن لماذا دعوتني ؟ فقال : دعوتك للبيعة ، فقد اجتمع عليه الناس ! فقال الحسين : إن مثلي لا يعطي بيعته سرا ، وإنما أحب أن تكون البيعة علانية بحضرة الجماعة ، ولكن إذا كان من الغد ودعوت الناس إلى البيعة دعوتنا معهم فيكون أمرنا واحدا .

فقال له الوليد : أبا عبد الله ! لقد قلت فأحسنت في القول وأحببت جواب مثلك وكذا ظني بك ، فانصرف راشدا على بركة الله حتى تأتيني غدا مع الناس .

المفيد : أن الإمام قال : إني لا أراك تقنع ببيعتي ليزيد سرا حتى أبايعه جهرا فيعرف الناس .

فقال له الوليد : أجل .

فقال الحسين : فتصبح وترى رأيك في ذلك .

فقال له مروان [ بن الحكم ] : والله ! لئن فارقك الحسين الساعة ولم يبايع لا قدرت منه على مثلها أبدا حتى تكثر القتلى بينكم وبينه ، احبس الرجل فلا يخرج من عندك حتى يبايع ، أو تضرب عنقه .

فوثب الحسين عند ذلك وقال : أنت يا ابن الزرقاء ! تقتلني ، أم هو ؟ كذبت والله ! وأثمت .

ابن أعثم : أنه قال : ويلي عليك ، يا ابن الزرقاء ! أتأمر بضرب عنقي ؟ ! كذبت والله ! والله ! لو رام ذلك أحد من الناس لسقيت الأرض من دمه قبل ذلك ، وإن شئت ذلك فرم ضرب عنقي إن كنت صادقا ! ثم أقبل الحسين على الوليد بن عتبة وقال : أيها الأمير ! إنا أهل بيت النبوة ، ومعدن الرسالة ، ومختلف الملائكة ، ومحل الرحمة ، وبنا فتح الله وبنا ختم ، ويزيد رجل فاسق ، شارب خمر ، قاتل النفس المحرمة ، معلن بالفسق ، ومثلي لا يبايع لمثله ، ولكن نصبح وتصبحون ، وننتظر وتنتظرون أينا أحق بالخلافة والبيعة .

وسمع من بالباب [ صوت ] الحسين فهموا بفتح الباب وإشهار السيوف ، فخرج إليهم الحسين سريعا فأمرهم بالانصراف إلى منازلهم ، وأقبل الحسين إلى منزله ، فقال مروان بن الحكم للوليد بن عتبة : عصيتني حتى أنفلت الحسين من يدك ، أما والله ! لا تقدر على مثلها أبدا ، ووالله ! ليخرجن عليك وعلى أمير المؤمنين ، فاعلم ذلك .

فقال له الوليد بن عتبة : ويحك ! أشرت علي بقتل الحسين ! وفي قتله ذهاب ديني ودنياي ، والله ! ما أحب أن أملك الدنيا بأسرها وأني قتلت الحسين بن علي بن فاطمة الزهراء ، والله ! ما أظن أحدا يلقى الله بقتل الحسين إلا وهو خفيف الميزان عند الله ، لا ينظر إليه ولا يزكيه وله عذاب أليم . فسكت مروان .

الصدوق : فقال الحسين : يا عتبة ! قد علمت أنا أهل بيت الكرامة ، ومعدن الرسالة ، وأعلام الحق الذين أو دعه الله عز وجل قلوبنا ، وأنطق به ألسنتنا ، فنطقت بإذن الله عز وجل ، ولقد سمعت جدي رسول الله يقول : إن الخلافة محرمة على ولد أبي سفيان ، وكيف أبايع أهل بيت قد قال فيهم رسول الله هذا ! ؟

ابن عساكر : قد كان الوليد أغلظ للحسين ، فشتمه الحسين ، وأخذ بعمامته فنزعها من رأسه ، فقال الوليد : إن هجنا بأبي عبد الله إلا أسدا ! فقال له مروان - أو بعض جلسائه - اقتله ! قال الوليد : إن ذلك لدم مضنون في بني عبد مناف .

فلما صار الوليد إلى منزله قالت له امرأته أسماء بنت عبد الرحمن بن الحارث بن هشام : أسببت حسينا ؟ قال : هو بدأ فسبني .

قالت : وإن سبك حسين تسبه ! ؟ وإن سب أباك تسب أباه ؟ قال : لا .

العودة إلى الصفحة الرئيسية

www.mezan.net <‎/TITLE> ‎<META HTTP-EQUIV="Content-Type" CONTENT="text/html; charset=windows-1256">‎ ‎<META NAME="keywords" CONTENT=" السيد محمد حسين فضل الله في الميزان ">‎ ‎<META NAME="description" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله في كتبه ">‎ ‎<META NAME="author" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله بصوته ">‎ ‎<META NAME="copyright" CONTENT=" رأي المراجع العظام والعلماء ">‎ <‎/HEAD>