مواعظ الإمام علي

- الصدوق : روى لي محمد بن إبراهيم بن إسحاق ( رضي الله عنه ) ، عن أحمد بن محمد بن سعيد الهمداني قال : حدثني الحسن بن القاسم قراءة قال : حدثنا علي بن إبراهيم بن المعلى قال : حدثنا أبو عبد الله محمد بن خالد قال : حدثنا عبد الله بن بكر المرادي ، عن موسى بن جعفر ، عن أبيه ، عن جده ، عن علي بن الحسين ، عن أبيه قال : بينا أمير المؤمنين ذات يوم جالس مع أصحابه يعبيهم للحرب إذا أتاه شيخ عليه شحبة السفر ، فقال : أين أمير المؤمنين ؟ فقيل : هو ذا . فسلم عليه ، ثم قال : يا أمير المؤمنين ! إني أتيتك من ناحية الشام وأنا شيخ كبير قد سمعت فيك من الفضل ما لا أحصي ، وإني أظنك ستغتال ، فعلمني مما علمك الله .

قال : نعم يا شيخ ! من اعتدل يوماه فهو مغبون ، ومن كانت الدنيا همته اشتدت حسرته عند فراقها ، ومن كان غده شر يوميه فهو محروم ، ومن لم يبال بما رزئ من آخرته إذا سلمت له دنياه فهو هالك ، ومن لم يتعاهد النقص من نفسه غلب عليه الهوى ، ومن كان في نقص فالموت خير له .

يا شيخ ! ارض للناس ما ترضى لنفسك ، وائت إلى الناس ما تحب أن يؤتى إليك . ثم أقبل على أصحابه فقال : أيها الناس أما ترون إلى أهل الدنيا يمسون ويصبحون على أحوال شتى : فبين صريع يتلوى ، وبين عائد ومعود ، وآخر بنفسه يجود ، وآخر لا يرجى ، وآخر مسجى ، وطالب الدنيا والموت يطلبه ، وغافل وليس بمغفول عنه ، وعلى أثر الماضي يصير الباقي .

فقال له زيد بن صوحان العبدي : يا أمير المؤمنين ! أي سلطان أغلب وأقوى ؟ قال : الهوى .

قال : فأي ذل أذل ؟ قال : الحرص على الدنيا . قال : فأي فقر أشد ؟ قال : الكفر بعد الإيمان .

قال : فأي دعوة أضل ؟ قال : الداعي بما لا يكون .

قال : فأي عمل أفضل ؟ قال : التقوى .

قال : فأي عمل أنجح ؟ قال : طلب ما عند الله عزوجل .

قال : فأي صاحب لك شر ؟ قال : المزين لك معصية الله عزوجل .

قال : فأي الخلق أشقى ؟ قال : من باع دينه بدنيا غيره .

قال : فأي الخلق أقوى ؟ قال : الحليم .

قال : فأي الخلق أشح ؟ قال : من أخذ المال من غير حله فجعله في غير حقه .

قال : فأي الناس أكيس ؟ قال : من أبصر رشده من غيه فمال إلى رشده .

قال : فمن أحلم الناس ؟ قال : الذي لا يغضب .

قال : فأي الناس أثبت رأيا ؟ قال : من لم يغره الناس من نفسه ومن لم تغره الدنيا بتشوفها .

قال : فأي الناس أحمق ؟ قال : المغتر بالدنيا وهو يرى ما فيها من تقلب أحوالها .

قال : فأي الناس أشد حسرة ؟ قال : الذي حرم الدنيا والآخرة ، ذلك هو الخسران المبين .

قال : فأي الخلق أعمى ؟ قال : الذي عمل لغير الله ، يطلب بعمله الثواب من عند الله عزوجل .

قال : فأي القنوع أفضل ؟ قال : القانع بما أعطاه الله عزوجل .

قال : فأي المصائب أشد ؟ قال : المصيبة بالدين .

قال : فأي الأعمال أحب إلى الله عزوجل ؟ قال : انتظار الفرج .

قال : فأي الناس خير عند الله ؟ قال : أخوفهم الله ، وأعملهم بالتقوى ، وأزهدهم في الدنيا .

قال : فأي الكلام أفضل عند الله عزوجل ؟ قال كثرة ذكره والتضرع إليه بالدعاء .

قال : فأي القول أصدق ؟ قال : شهادة أن لا إله إلا الله .

قال : فأي الأعمال أعظم عند الله عزوجل ؟ قال : التسليم والورع .

قال : فأي الناس أصدق ؟ قال : من صدق في المواطن .

ثم أقبل على الشيخ فقال : يا شيخ ! إن الله عزوجل خلق خلقا ضيق الدنيا عليهم نظرا لهم ، فزهدهم فيها وفي حطامها ، فرغبوا في دار السلام التي دعاهم إليها ، وصبروا على ضيق المعيشة ، وصبروا على المكروه ، واشتاقوا إلى ما عند الله عزوجل من الكرامة ، فبذلوا أنفسهم ابتغاء رضوان الله ، وكانت خاتمة أعمالهم الشهادة ، فلقوا الله عزوجل وهو عنهم راض ، وعلموا أن الموت سبيل من مضى ومن بقي ، فتزودوا لآخرتهم غير الذهب والفضة ، ولبسوا الخشن ، وصبروا على البلوى ، وقدموا الفضل ، وأحبوا في الله وأبغضوا في الله عزوجل ، أولئك المصابيح وأهل النعيم في الآخرة والسلام .

قال الشيخ : فأين أذهب وأدع الجنة وأنا أراها وأرى أهلها معك ؟ يا أمير المؤمنين ! جهزني بقوة أتقوى بها على عدوك .

فأعطاه أمير المؤمنين سلاحا وحمله ، وكان في الحرب بين يدي أمير المؤمنين يضرب قدما ، وأمير المؤمنين يعجب مما يصنع ، فلما اشتد الحرب أقدم فرسه حتى قتل - رحمة الله عليه - وأتبعه رجل من أصحاب أمير المؤمنين فوجده صريعا ، ووجد دابته ووجد سيفه في ذراعه ، فلما انقضت الحرب أتي أمير المؤمنين بدابته وسلاحه وصلى عليه أمير المؤمنين وقال : هذا والله ! السعيد حقا ، فترحموا على أخيكم .  

العودة إلى الصفحة الرئيسية

www.mezan.net <‎/TITLE> ‎<META HTTP-EQUIV="Content-Type" CONTENT="text/html; charset=windows-1256">‎ ‎<META NAME="keywords" CONTENT=" السيد محمد حسين فضل الله في الميزان ">‎ ‎<META NAME="description" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله في كتبه ">‎ ‎<META NAME="author" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله بصوته ">‎ ‎<META NAME="copyright" CONTENT=" رأي المراجع العظام والعلماء ">‎ <‎/HEAD>