اعتراضه على عمر

ولما مضى الأول لسبيله ، فأدلى الخلافة إلى الثاني اعترض عليه الحسين واحتج عليه بأن الخلافة لأبيه ، وأنه وصاحبه قد اغتصبها !

الطبرسي : إن عمر بن الخطاب كان يخطب الناس على منبر رسول الله فذكر في خطبته أنه أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، فقال له الحسين - من ناحية المسجد - : انزل أيها الكذاب ! عن منبر أبي رسول الله ، لا منبر أبيك ! فقال له عمر : فمنبر أبيك لعمري يا حسين ! لا منبر أبي ، من علمك هذا ! ؟ أبو ك علي بن أبي طالب ؟ فقال له الحسين : إن أطع أبي فيما أمرني ، فلعمري إنه لهاد وأنا مهتد به ، وله في رقاب الناس البيعة على عهد رسول الله ، نزل بها جبرئيل من عند الله تعالى لا ينكرها إلا جاحد بالكتاب ، قد عرفها الناس بقلوبهم ، وأنكروها بألسنتهم وويل للمنكرين حقنا أهل البيت ، ماذا يلقاهم به محمد رسول الله من إدامة الغضب ، وشدة العذاب ! ! ؟ فقال عمر : يا حسين ! من أنكر حق أبيك فعليه لعنة الله ، أمرنا الناس فتأمرنا ، ولو أمروا أباك لأطعنا ! فقال له الحسين : يا ابن الخطاب ! فأي الناس أمرك على نفسه قبل أن تؤمر أبا بكر على نفسك ليؤمرك على الناس بلا حجة من نبي ، ولا رضى من آل محمد ، فرضاكم كان لمحمد رضى ؟ أو رضا أهله كان له سخطا ؟ ! أما والله ! لو أن للسان مقالا يطول تصديقه ، وفعلا يعينه المؤمنون ، لما تخطأت رقاب آل محمد ، ترقى منبرهم ، وصرت الحاكم عليهم بكتاب نزل فيهم لا تعرف معجمه ، ولا تدري تأويله إلا سماع الآذان ، المخطىء والمصيب عندك سواء ، فجزاك الله جزاك ، وسألك عما أحدثت سؤالا حفيا .

قال : فنزل عمر مغضبا ، فمشى معه أناس من أصحابه حتى أتى باب أمير المؤمنين فاستأذن عليه فأذن له ، فدخل فقال : يا أبا الحسن ! ما لقيت اليوم من ابنك الحسين ، يجهرنا بصوت في مسجد رسول الله ، ويحرض علي الطغام وأهل المدينة ! ؟ فقال له الحسن : على مثل الحسين بن النبي يشخب بمن لا حكم له ، أو يقول بالطغام على أهل دينه ؟ أما والله ! ما نلت إلا بالطغام ، فلعن الله من حرض الطغام . فقال له أمير المؤمنين : مهلا يا أبا محمد ! فإنك لن تكون قريب الغضب ولا لئيم الحسب ، ولا فيك عروق من السودان ، اسمع كلامي ولا تعجل بالكلام .

فقال له عمر : يا أبا الحسن ! إنهما ليهمان في أنفسهما بما لا يرى بغير الخلافة . فقال أمير المؤمنين : هما أقرب نسبا برسول الله من أن يهما ، أما فأرضهما يا ابن الخطاب بحقهما ! يرض عنك من بعدهما .

قال : وما رضاهما يا أبا الحسن ؟ ! قال : رضاهما الرجعة عن الخطيئة ، والتقية عن المعصية بالتوبة .

فقال له عمر : أدب يا أبا الحسن ابنك ! لا يتعاطى السلاطين الذين هم الحكماء في الأرض .

فقال له أمير المؤمنين : أنا أؤدب أهل المعاصي على معاصيهم ، ومن أخاف عليه الزلة والهلكة ، فأما من والده رسول الله ونحله أدبه فإنه لا ينتقل إلى أدب خير له منه ، أما فأرضهما يا ابن الخطاب ! قال : فخرج عمر فاستقبله عثمان بن عفان ، وعبد الرحمن بن عوف ، فقال له عبد الرحمن : يا أبا حفص ! ما صنعت فقد طالت بكما الحجة ؟

فقال له عمر : وهل حجة مع ابن أبي طالب وشبليه ؟ !

فقال له عثمان : يا ابن الخطاب ! ، هم بنو عبد مناف ، الأسمنون والناس عجاف .

فقال له عمر : ما أعد ما صرت إليه فخرا فخرت به بحمقك ، فقبض عثمان على مجامع ثيابه ثم نبذ به ورده ، ثم قال له : يا ابن الخطاب ! كأنك تنكر ما أقول ! ؟ فدخل بينهما عبد الرحمن وفرق بينهما وافترق القوم .

الطوسي : عن كثير ، عن زيد بن علي ، عن أبيه : أن الحسين بن علي أتى عمر بن الخطاب وهو على المنبر يوم الجمعة فقال له : إنزل عن منبر أبي ! فبكى عمر ثم قال : صدقت يا بني ! منبر أبيك لا منبر أبي .

فقال علي : ما هو والله عن رأيي ! قال : صدقت والله ! ما اتهمتك يا أبا الحسن ! ثم نزل عن المنبر فأخذه فأجلسه على جانبه على المنبر ، فخطب الناس وهو جالس معه على المنبر ، ثم قال : أيها الناس سمعت نبيكم يقول : احفظوني في عترتي وذريتي ، فمن حفظني فيهم حفظه الله ، ألا لعنة الله على من آذاني فيهم ثلاثا ! .

ابن عساكر : وفي رواية : أخبرنا أبو البركات الأنماطي وأبو عبد الله البلخي ، قالا : أنبأنا أبو الحسن ابن الطيوري وثابت بن بندار ، قالا : أنبأنا أبو عبد الله الحسين بن جعفر ، وأبو نصر محمد بن الحسن ، قالا : أنبأنا الوليد بن بكر ، أنبأنا علي بن أحمد بن زكريا ، أنبأنا صالح بن أحمد ، حدثني أبي أحمد ، أنبأنا سليمان بن حرب ، أنبأنا حماد بن زيد ، عن يحيي بن سعيد ، عن عبيد بن حنين ، عن حسين بن علي قال : صعدت إلى عمر وهو على المنبر ، فقلت : انزل عن منبر أبي ، واذهب إلى منبر أبيك ! فقال : من علمك هذا ؟ قلت : ما علمنيه أحد ! قال : منبر أبيك والله ! منبر أبيك والله ! وهل أنبت على رؤسنا الشعر إلا أنتم ! لو جعلت تأتينا وجعلت تغشانا .

وعنه : وفي رواية أخرى : أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الباقي ، أنبأنا أبو محمد الحسن بن علي ، أنبأنا محمد بن العباس ، أنبأنا أحمد بن معروف ، أنبأنا الحسين بن الفهم ، أنبأنا محمد بن سعد ، أنبأنا سليمان بن حرب ، أنبأنا حماد بن زيد ، أنبأنا يحيى بن سعيد الأنصاري ، عن عبيد بن حنين ، عن حسين بن علي قال : صعدت إلى عمر بن الخطاب ، فقلت له : إنزل عن منبر أبي واصعد منبر أبيك .

قال : فقال : إن أبي لم يكن له منبر .

قال : فأقعدني معه فلما نزل ذهب بي إلى منزله فقال لي : أي بني ! من علمك هذا ؟ قال : قلت : ما علمنيه أحد ! قال : أي بني لو جعلت تأتينا وتغشانا ؟ قال : فجئت يوما وهو خال بمعاوية ، وابن عمر بالباب ولم يأذن له ، فرجعت ، فلقيني بعد فقال لي : يا بني ! لم أرك أتيتنا ؟ فقلت : قد جئت وأنت خال بمعاوية فرأيت ابن عمر رجع فرجعت .

فقال : أنت أحق بالإذن من عبد الله بن عمر ، إنما أنبت في رؤوسنا ما نرى الله ثم أنتم ! قال : ووضع يده على رأسه .

وعنه : وفي خبر آخر : أخبرنا أبو الحسن بن أبي العباس الفقيه ، أنبأنا أبو منصور عبد الرحمان بن محمد ، أنبأنا أبو بكر الخطيب ، أنبأنا محمد بن أحمد بن رزق ، أنبأنا دعلج بن أحمد المعدل ، أنبأنا موسى بن هارون ، أنبأنا أبو الربيع ، أنبأنا حماد بن زيد ، أنبأنا يحيي بن سعيد ، عن عبيد بن حنين ، قال : حدثني الحسين بن علي ، قال : أتيت على عمر بن الخطاب وهو على المنبر ، فصعدت إليه فقلت له : إنزل عن منبر أبي واذهب إلى منبر أبيك ! فقال عمر : لم يكن لأبي منبر ! وأخذني وأجلسني معه ، فجعلت أقلب حصى بيدي ، فلما نزل انطلق بي إلى منزله فقال لي : من علمك هذا ؟ فقلت : والله ! ما علمنيه أحد .

قال : يا بني ! لو جعلت تغشانا ؟ ! قال : فأتيته يوما وهو خال بمعاوية وابن عمر بالباب ، فرجع ابن عمر ورجعت معه ، فلقيني بعد فقال : لم أرك تأتينا ؟ فقلت : يا أمير المؤمنين ! إني جئت وأنت خال بمعاوية وابن عمر بالباب ، فرجع ابن عمر ، ورجعت معه ، فقال : أنت أحق بالإذن من ابن عمر ، وإنما أنبت ما ترى في رؤوسنا الله ثم أنتم .

محمد بن الأشعث : أخبرنا عبد الله بن محمد قال : أخبرنا محمد بن محمد ، حدثنا محمد بن عوير الإيلي ، حدثنا سلامة بن روح بن عقيل بن خالد قال : وأخبرني محمد بن مسلم بن شهاب ، أن عبد الله بن كعب بن ملك الأنصاري ، وهو أحد الثلاثة الذين تيب عليهم ، أخبره أن الحسين بن علي بن أبي طالب جاء إلى عمر بن الخطاب ، وعمر بن الخطاب على منبر رسول الله يخطب الناس يوم الجمعة ، فقال : انزل عن منبر جدي . حتى قطع خطبته .

قال : فأخذ الحسين برداء عمر ، فما زال عمر يجذبه ويقول : أنزل ! فلما صلى أرسل إلى الحسين ، فلما جاء قال : يا ابن أخي ! من أمرك بهذا الذي صنعت ؟ قال الحسين : ما أمرني أحد .

قال عمر : أو لولا ولم يزده على ذلك ، والحسين يومئذ دون المحتلم .

ابن شهرآشوب : في رواية الخطيب : أنه قال الحسين لعمر : انزل عن منبر أبي واذهب إلى منبر أبيك .

فقال عمر : لم يكن لأبي منبر .

قال : فأخذني وأجلسني معه ثم سألني من علمك هذا ؟ فقلت : والله ! ما علمني أحد .

العودة إلى الصفحة الرئيسية

www.mezan.net <‎/TITLE> ‎<META HTTP-EQUIV="Content-Type" CONTENT="text/html; charset=windows-1256">‎ ‎<META NAME="keywords" CONTENT=" السيد محمد حسين فضل الله في الميزان ">‎ ‎<META NAME="description" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله في كتبه ">‎ ‎<META NAME="author" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله بصوته ">‎ ‎<META NAME="copyright" CONTENT=" رأي المراجع العظام والعلماء ">‎ <‎/HEAD>