نزوله في نينوى

- المفيد : فلما أصبح نزل فصلى الغداة ، ثم عمل الركوب وأخذ يتياسر بأصحابه يريد أن يفرقهم ، فيأتيه الحر بن يزيد فيرده وأصحابه ، فجعل إذا ردهم نحو الكوفة ردا شديدا امتنعوا عليه فارتفعوا ، فلم يزالوا يتسايرون كذلك حتى انتهوا إلى نينوى ، المكان الذي نزل به الحسين ، فإذا راكب على نجيب له عليه السلاح متنكب قوسا مقبل من الكوفة ، فوقفوا جميعا ينتظرون ، فلما انتهى إليهم سلم على الحر وأصحابه ولم يسلم على الحسين وأصحابه ، ودفع إلى الحر كتابا من عبيد الله بن زياد [ لعنه الله ] فإذا فيه : أما بعد ، فجعجع بالحسين حين يبلغك كتابي ويقدم عليك رسولي ، ولا تنزله إلا بالعراء في غير خضر وعلى غير ماء ، وقد أمرت رسولي أن يلزمك ولا يفارقك حتى يأتيني بإنفاذك أمري ، والسلام .

فلما قرأ الكتاب قال لهم الحر : هذا كتاب الأمير عبيد الله ، يأمرني أن أجعجع بكم في المكان الذي يأتي كتابه ، وهذا رسوله وقد أمره أن لا يفارقني حتى أنفذ أمره فيكم . فنظر يزيد بن المهاجر الكندي - وكان مع الحسين - إلى رسول ابن زياد فعرفه ، فقال له يزيد : ثكلتك أمك ماذا جئت فيه ! ؟ قال : أطعت إمامي ، ووفيت ببيعتي .

فقال له ابن المهاجر : بل عصيت ربك وأطعت إمامك في هلاك نفسك ، وكسبت العار والنار ، وبئس الإمام إمامك ، قال الله تعالى : ( وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار ويوم القيمة لا ينصرون ) فإمامك منهم .

وأخذهم الحر بالنزول في ذلك المكان على غير ماء ولا في قرية ، فقال له الحسين : دعنا ويحك ، ننزل في هذه القرية ، أو هذه - يعني نينوى والغاضرية - ، أو هذه يعني شفية ، قال : والله ! ما أستطيع ذلك ، هذا رجل قد بعث إلي عينا علي .

فقال زهير بن القين : إني والله ! ما أراه يكون بعد الذي ترون إلا أشد مما ترون يا ابن رسول الله ! إن قتال هؤلاء القوم الساعة أهون علينا من قتال من يأتينا من بعدهم ، فلعمري ليأتينا بعدهم ما لا قبل لنا به ! فقال الحسين : ما كنت لأبدأهم بالقتال .

ثم نزل وذلك يوم الخميس وهو اليوم الثاني من المحرم سنة إحدى وستين .

- ابن أعثم : وأصبح الحسين من وراء عذيب الهجانات قال : وإذا بالحر بن يزيد قد ظهر له أيضا في جيشه .

فقال الحسين : ما وراءك يا ابن يزيد ! أليس قد أمرتنا أن نأخذ على الطريق فأخذنا وقبلنا مشورتك ؟ فقال : صدقت ، ولكن هذا كتاب عبيد الله بن زياد قد ورد علي يؤنبني ، ويعنفني في أمرك ! فقال الحسين : فذرنا حتى ننزل بقرية نينوى ، أو الغاضرية .

فقال الحر : لا والله ! ما أستطيع ذلك ، هذا رسول عبيد الله بن زياد معي ، وربما بعثه عينا علي .

قال : فأقبل الحسين بن علي على رجل من أصحابه يقال له : زهير بن القين البجلي ، فقال له : يا ابن بنت رسول الله ! ذرنا حتى نقاتل هؤلاء القوم فإن قتالنا الساعة نحن وإياهم أيسر علينا وأهون من قتال من يأتينا من بعدهم .

فقال الحسين : صدقت يا زهير ! ولكن ما كنت بالذي أنذرهم بقتال حتى يبتدروني .

فقال له زهير : فسر بنا حتى نصير بكربلاء فإنها على شاطئ الفرات ، فنكون هنالك فان قاتلونا قاتلناهم واستعنا بالله عليهم .

قال : فدمعت عينا الحسين ، ثم قال : أللهم ! ثم أللهم ! إني أعوذ بك من الكرب والبلاء . ونزل الحسين في موضعه ذلك .

- الخوارزمي : ثم أقبل على أصحابه ، فقال : أما بعد فإن الناس عبيد الدنيا والدين لعق على ألسنتهم ، يحوطونه ما درت معائشهم ، فإذا محصوا بالبلاء قل الديانون . ثم قال لهم : أهذه كربلاء ؟ فقالوا : نعم .

فقال : هذه موضع كرب وبلاء ، ههنا مناخ ركابنا ، ومحط رحالنا ، ومسفك دمائنا .

- ابن الأثير : وفي رواية : قال زهير : سر بنا إلى هذه القرية حتى ننزلها فإنها حصينة ، وهي على شاطئ الفرات ، فإن منعونا قاتلناهم ، فقتالهم أهون علينا من قتال من يجئ بعدهم . فقال الحسين : ما هي ؟ قال : العقر . قال : أللهم إني أعوذ بك من العقر .

- الدينوري : فقال الحسين للحر : سر بنا قليلا ثم ننزل ، فسار معه حتى أتوا كربلاء ، فوقف الحر وأصحابه أمام الحسين ومنعوهم من المسير وقال : إنزل بهذا المكان ، فالفرات منك قريب .

قال الحسين : وما اسم هذا المكان ؟ قالوا له : كربلاء .

قال : ذات كرب وبلاء ، ولقد مر أبي بهذا المكان عند مسيره إلى صفين ، وأنا معه ، فوقف ، فسأل عنه ، فأخبر باسمه ، فقال : هاهنا محط ركابهم ، وهاهنا مهراق دمائهم ، فسئل عن ذلك ، فقال : ثقل لآل بيت محمد ، ينزلون هاهنا .

- السيد مرتضى العسكري : وقبض الحسين قبضة منها فشمها ، وقال : هذه والله ! هي الأرض التي أخبر بها جبرئيل رسول الله أنني أقتل فيها ، أخبرتني أم سلمة ، قالت : كان جبرئيل عند رسول الله وأنت معي ، فبكيت ، فقال رسول الله : دعي ابني ! فتركتك ، فأخذك ووضعك في حجره ، فقال جبرئيل : أتحبه ؟ قال : نعم .

قال : فإن أمتك ستقتله ، وإن شئت أريتك تربة أرضه التي يقتل فيها ! قال : نعم .

فبسط جبرئيل جناحه على أرض كربلاء ، فأراه إياها ! وفي رواية : لما أحيط بالحسين بن علي ، قال : ما اسم هذه الأرض ؟ قيل : كربلاء .

فقال : صدق النبي إنها أرض كرب وبلاء .

- البهبهاني : وفي رواية عن أبي مخنف في مقتله باسناده عن الكلبي أنه قال : وساروا جميعا إلى أن أتوا إلى أرض كربلاء ، وذلك في يوم الأربعاء ، فوقف فرس الحسين من تحته ، فنزل عنها وركب أخرى فلم ينبعث من تحته خطوة واحدة يمينا وشمالا ، ولم يزل يركب فرسا بعد فرس حتى ركب سبعة أفراس وهن على هذا الحال ، فلما رأى الإمام ذلك الأمر الغريب ، قال : يا قوم ! ما يقال لهذه الأرض ؟ قالوا : أرض الغاضرية .

قال : فهل لها اسم غير هذا ؟ قالوا : تسمى نينوى .

قال : هل لها اسم غير هذا ؟ قالوا : تسمى بشاطئ الفرات .

قال : هل لها اسم غير هذا ؟ قالوا : تسمى كربلاء .

قال : فعند ذلك تنفس الصعداء ، وقال : أرض كرب وبلاء ثم قال : قفوا ولا ترحلوا ، فهاهنا والله ! مناخ ركابنا ، وهاهنا والله ! سفك دمائنا ، وهاهنا والله ! هتك حريمنا ، وهاهنا والله ! قتل رجالنا ، وهاهنا والله ! ذبح أطفالنا ، وهاهنا والله ! تزار قبورنا ، وبهذه التربة وعدني جدي رسول الله ولا خلف لقوله .

- القندوزي الحنفي : فساروا جميعا إلى أن انتهوا إلى أرض كربلاء ، إذ وقف جواد الحسين ، وكلما حثه على المسير لم ينبعث من تحته خطوة واحدة ، فقال الإمام : ما يقال لهذه الأرض ؟ قالوا : تسمى كربلاء .

فقال : هذه والله ! أرض كرب وبلاء ، هاهنا تقتل الرجال ، وترمل النساء ، وهاهنا محل قبورنا ومحشرنا ، وبهذا أخبرني جدي .

- الحر العاملي : وروى أبو مخنف لوط بن يحيى الأزدي في كتاب مقتل الحسين : أنه لما وصل إلى كربلاء ، قال : قفوا ولا تبرحوا ، هاهنا والله مناخ ركابنا ، وهاهنا والله ! محط رحالنا ، وهاهنا والله ! تسفك دماؤنا ، وهاهنا والله ! يستباح حريمنا ، وهاهنا والله ! محل قبورنا ، هاهنا والله ! محشرنا ومنشرنا .

- ابن أعثم : وكتب عبيد الله بن زياد [ لعنه الله ] إلى الحسين : أما بعد ، يا حسين ! فقد بلغني نزولك بكربلاء ، وقد كتب إلي أمير المؤمنين يزيد أن لا أتوسد الوثير ، ولا أشبع من الخبز ، أو ألحقك باللطيف الخبير ، أو ترجع إلى حكمي وحكم يزيد بن معاوية ، والسلام .

فلما ورد الكتاب قرأه الحسين ، ثم رمى به ، ثم قال : لا أفلح قوم آثروا مرضاة أنفسهم على مرضاة الخالق .

فقال له الرسول : أبا عبد الله ! جواب الكتاب ؟ قال : ما له عندي جواب ؛ لانه قد حقت عليه كلمة العذاب .

فقال الرسول لابن زياد ذلك ، فغضب من ذلك أشد الغضب .

- أبو إسحاق الإسفرايني : ثم إن الحسين أمر بنصب الخيام للحريم والأولاد ، وجعل يصلح سيفه وآلة حربه ، وهو يبكي ويقول هذه الأبيات :

أهل العراق هل لكم خليل ولكم بالاشراف الفضيل
والأمر في  ذلك  للجليل وكل  حي سالك  سبيل
ما أفرق النقلة  والرحيل وكل  شيء  آلة  دليل

العودة إلى الصفحة الرئيسية

www.mezan.net <‎/TITLE> ‎<META HTTP-EQUIV="Content-Type" CONTENT="text/html; charset=windows-1256">‎ ‎<META NAME="keywords" CONTENT=" السيد محمد حسين فضل الله في الميزان ">‎ ‎<META NAME="description" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله في كتبه ">‎ ‎<META NAME="author" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله بصوته ">‎ ‎<META NAME="copyright" CONTENT=" رأي المراجع العظام والعلماء ">‎ <‎/HEAD>