نداؤه الأصحاب

- ميرزا محمد تقي : ثم توجه نحو القوم وجعل ينظر يمينا وشمالا ، فلم ير أحدا من أصحابه وأنصاره إلا من صافح التراب جبينه ، ومن قطع الحمام أنينه .

فنادى : يا مسلم بن عقيل ! ويا هاني بن عروة ! ويا حبيب بن مظاهر ! ويا زهير بن القين ! ويا يزيد بن مظاهر ! ويا يحيى بن كثير ! ويا هلال بن نافع ! ويا إبراهيم بن الحصين ! ويا عمير بن المطاع ! ويا أسد الكلبي ! ويا عبد الله ابن عقيل ! ويا مسلم بن عوسجة ! ويا داود بن الطرماح ! ويا حر الرياحي ! ويا علي بن الحسين ! ويا أبطال الصفا ! ويا فرسان الهيجاء ! ما لي أناديكم فلا تجيبوني ، وأدعوكم فلا تسمعوني ؟ ! أنتم نيام أرجوكم تنتبهون ، أم حالت مودتكم عن إمامكم فلا تنصرونه ؟ ! فهذه نساء الرسول لفقدكم قد علاهن النحول ، فقوموا من نومتكم ، أيها الكرام ! وادفعوا عن حرم الرسول الطغاة اللئام ، ولكن صرعكم والله ريب المنون وغدر بكم الدهر الخؤون ، وإلا لما كنتم عن دعوتي تقصرون ، ولا عن نصرتي تحتجبون ، فها نحن عليكم مفتجعون وبكم لاحقون ، فإنا لله وإنا إليه راجعون .

ثم أنشأ يقول :

قوم  إذا  نودوا  لدفع  ملمة

والقوم بين مدعس ومكردس

لبسوا القلوب على الدروع وأقبلوا

يتهافتون على ذهاب الأنفس

نصروا الحسين  فيالها من فتية

عافوا الحياة والبسوا من سندس

- المجلسي : عن ابن عقدة ، عن جعفر بن عبد الله المحمدي ، عن التفليسي ، عن السمندي ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه أنه قال : المؤمنون يبتلون ثم يميزهم الله عنده ، إن الله لم يؤمن المؤمنين من بلاء الدنيا ومرائرها ، ولكن آمنهم من العمى والشقاء في الآخرة .

ثم قال : كان الحسين بن علي يضع قتلاه بعضهم على بعض ، ثم يقول : قتلانا قتلى النبيين وآل النبيين .

البهبهاني : وفي رواية أخرى : لما ضاق الأمر بالحسين وقد بقي وحيدا فريدا ، التفت إلى خيم بني أبيه فرآها خالية منهم ، ثم التفت إلى خيم بنى عقيل فوجدها خالية منهم ، ثم التفت إلى خيم أصحابه فلم ير منهم أحدا ، فجعل يكثر من قول : لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .

ثم ذهب إلى خيم النساء ، فجاء إلى خيمة ولده زين العابدين فرآه ملقى على نطع من الأديم ، فدخل عليه وعنده زينب تمرضه ، فلما نظر إليه علي بن الحسين أراد النهوض فلم يتمكن من شدة المرض ، فقال لعمته : أسنديني إلى صدرك فهذا ابن رسول الله قد أقبل ، فجلست زينب خلفه وأسندته إلى صدرها ، فجعل الحسين يسأل ولده عن مرضه ، وهو يحمد الله تعالى ، ثم قال : يا أبتاه ! ما صنعت اليوم مع هؤلاء المنافقين ؟ فقال له الحسين : يا ولدي ! قد استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله ، وقد شب الحرب بيننا وبينهم لعنهم الله حتى فاضت الأرض بالدم منا ومنهم .

فقال علي : يا أبتاه ! أين عمي العباس ؟ فلما سأل عن عمه اختنقت زينب بعبرتها ، وجعلت تنظر إلى أخيها كيف يجيبه ، لأنه لم يخبره بشهادة عمه العباس ، خوفا من أن يشتد مرضه .

فقال : يا بني ! إن عمك قد قتل ، قطعوا يديه على شاطئ الفرات ! فبكى علي بن الحسين بكاء شديدا حتى غشي عليه ، فلما أفاق من غشوته جعل يسأل عن كل واحد من عمومته ، والحسين يقول له : قتل .

فقال : وأين أخي علي ، وحبيب بن مظاهر ، ومسلم بن عوسجة ، وزهير بن القين ؟ فقال له : يا بني ! اعلم أنه ليس في الخيام رجل حي إلا أنا وأنت ، وأما هؤلاء الذين تسأل عنهم فكلهم صرعى على وجه الثرى ! فبكى علي بن الحسين بكاء شديدا ، ثم قال لعمته زينب : يا عمتاه ! علي بالسيف والعصا .

فقال له أبوه : وما تصنع بهما ؟ فقال : أما العصا فأتوكأ عليها ، وأما السيف فأذب به بين يدي ابن رسول الله فإنه لا خير في الحياة بعده .

فمنعه الحسين من ذلك ، وضمه إلى صدره وقال له : يا ولدي ! أنت أطيب ذريتي ، وأفضل عترتي ، وأنت خليفتي على هؤلاء العيال والأطفال ، فإنهم غرباء مخذولون ، قد شملتهم الذلة واليتم وشماتة الأعداء ونوائب الزمان ، سكتهم إذا صرخوا ، وآنسهم إذا استوحشوا ، وسل خواطرهم بلين الكلام ، فإنهم ما بقي من رجالهم من يستأنسون به غيرك ، ولا أحد عندهم يشكون إليه حزنهم سواك ، دعهم يشموك وتشمهم ، ويبكوا عليك وتبكي عليهم .

ثم لزمه بيده وصاح بأعلى صوته : يا زينب ! ويا أم كلثوم ! ويا سكينة ! ويا رقية ! ويا فاطمة ! إسمعن كلامي واعلمن أن ابني هذا خليفتي عليكم ، وهو إمام مفترض الطاعة .

ثم قال له : يا ولدي ! بلغ شيعتي عني السلام ، فقل لهم : إن أبي مات غريبا فاندبوه ، ومضى شهيدا فابكوه !

العودة إلى الصفحة الرئيسية

www.mezan.net <‎/TITLE> ‎<META HTTP-EQUIV="Content-Type" CONTENT="text/html; charset=windows-1256">‎ ‎<META NAME="keywords" CONTENT=" السيد محمد حسين فضل الله في الميزان ">‎ ‎<META NAME="description" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله في كتبه ">‎ ‎<META NAME="author" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله بصوته ">‎ ‎<META NAME="copyright" CONTENT=" رأي المراجع العظام والعلماء ">‎ <‎/HEAD>