تلاوته للقرآن في الشام

- أبو جعفر الطبري : وأخبرني أبو الحسين محمد بن هارون ، عن أبيه ، عن أبي علي محمد بن همام ، قال : أخبرنا جعفر بن محمد بن مالك ، قال : حدثنا أحمد بن الحسين الهاشمي - قدم علينا من مصر - ، قال : حدثني القاسم بن منصور الهمداني بدمشق ، عن عبد الله بن محمد التميمي ، عن سعد بن أبي طيران [ خيران ] ، عن الحارث بن وكيدة ، قال : كنت فيمن حمل رأس الحسين فسمعته يقرأ سورة الكهف . فجعلت أشك في نفسي وأنا أسمع نغمة أبي عبد الله ، فقال لي : يا ابن وكيدة ! أما علمت أنا معشر الأئمة أحياء عند ربنا نرزق ؟ ! فقلت في نفسي : أسترق رأسه ، فنادى : يا ابن وكيدة ! ليس لك إلى ذلك سبيل ، سفكهم دمي أعظم عند الله تعالى من تسييرهم رأسي ، فذرهم فسوف يعلمون ( إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل يسحبون ) .

- الراوندي : وعن المنهال بن عمر قال : أنا والله ! رأيت رأس الحسين حين حمل وأنا بدمشق ، وبين يديه رجل يقرأ الكهف حتى بلغ قوله : ( أم حسبت أن أصحب الكهف والرقيم كانوا من آيتنا عجبا ) ، فأنطق الله الرأس بلسان ذرب ذلق فقال : أعجب من أصحاب الكهف قتلي وحملي ! وعن سلمة بن كهيل قال : رأيت رأس الحسين على قناة ، وهو يقرأ : ( فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم ) .

- الطريحي : روي عن سهل بن سعيد الشهرزوري ، قال : خرجت من شهرزور أريد بيت المقدس ، فصار خروجي أيام قتل الحسين فدخلت الشام فرأيت الأبواب مفتحة ، والدكاكين مغلقة ، والخيل مسرجة ، والأعلام منشورة ، والرايات مشهورة ، والناس أفواجا امتلأت منهم السكك والأسواق ، وهم في أحسن زينة يفرحون ويضحكون فقلت لبعضهم : أظن حدث لكم عيد لا نعرفه ؟ قالوا : لا .

قلت : فما بال الناس كافة فرحين مسرورين ؟ فقالوا : أغريب أنت ، أم لا عهد لك بالبلد ؟ قلت : نعم ، فما ذا ؟ قالوا : فتح لأمير [ المفسدين ] فتح عظيم ، قلت : وما هذا الفتح ؟ قالوا : خرج عليه في أرض العراق خارجي فقتله ، والمنة لله وله الحمد ! قلت : ومن هذا الخارجي ؟ قالوا : الحسين بن علي بن أبي طالب ، قلت : الحسين بن فاطمة بنت رسول الله ؟ ! قالوا : نعم ! قلت : إنا لله وإنا إليه راجعون ، وإن هذا الفرح والزينة لقتل ابن بنت نبيكم ! ؟ وما كفاكم قتله حتى سميتموه خارجيا ؟ ! فقالوا : يا هذا ! أمسك عن هذا الكلام واحفظ نفسك فإنه ما من أحد يذكر الحسين بخير إلا ضربت عنقه ، فسكت عنهم باكيا حزينا ، فرأيت بابا عظيما قد دخلت فيه الأعلام والطبول ، فقالوا : الرأس يدخل من هذا الباب فوقفت هناك وكلما تقدموا بالرأس كان أشد لفرحهم وارتفعت أصواتهم ! وإذا برأس الحسين والنور يسطع من فيه كنور رسول الله فلطمت على وجهي ، وقطعت أطماري وعلا بكائي ونحيبي ، وقلت : وا حزناه ! للأبدان السليبة النازحة عن الأوطان ، المدفونة بلا أكفان ، وا حزناه ! على الخد التريب والشيب الخضيب ، يا رسول الله ! ليت عينيك ترى رأس الحسين في دمشق يطاف به في الأسواق ، وبناتك مشهورات على النياق مشققات الذيول والأزياق ينظر إليهم شرار الفساق ، أين علي بن أبي طالب يراكم على هذا الحال ؟ ! ثم بكيت وبكى لبكائي كل من سمع منهم صوتي ، وأكثرهم لا يلتفتون بي لكثرتهم وشدة فرحهم واشتغالهم بسرورهم وارتفاع أصواتهم ، وإذا بنسوة على الأقتاب بغير وطأ ولا ستر ، وقائلة منهن تقول : وا محمداه ! وا علياه ! وا حسناه ! لو رأيتم ما حل بنا من الأعداء يا رسول الله ! بناتك أسارى كأنهن بعض أسارى اليهود والنصارى ، وهي تنوح بصوت شجى يقرح القلوب على الرضيع الصغير ، وعلى الشيخ الكبير ، المذبوح من القفا ، ومهتوك الخبا ، العريان بلا رداء ، وا حزناه ! لما نالنا أهل البيت ، فعند الله نحتسب مصيبتنا ! قال : فتعلقت بقائمة المحمل وناديت بأعلى الصوت : السلام عليكم يا آل بيت محمد ورحمة الله وبركاته .

وقد عرفت أنها أم كلثوم بنت علي ، فقالت : من أنت ، أيها الرجل الذي لم يسلم علينا أحد غيرك ، منذ قتل أخي وسيدي الحسين ؟ ! فقلت : يا سيدتي ! أنا رجل من شهرزور ، اسمي سهل ، رأيت جدك محمدا المصطفى ، قالت : يا سهل ! ألا ترى ما قد صنع بنا ! ؟ أما والله ! لو عشنا في زمان لم ير محمد ما صنع بنا أهله بعض هذا ، قتل والله ! أخي وسيدي الحسين ، وسبينا كما تسبى العبيد والإماء ، وحملنا على الأقتاب بغير وطأ ولا ستر كما ترى ! فقلت يا سيدتي يعز والله ! على جدك وأبيك وأمك وأخيك سبط نبي الهدى ! فقالت : يا سهل ! اشفع لنا عند صاحب المحمل أن يتقدم بالرؤوس ، ليشتغل النظارة عنا بها ، فقد خزينا من كثرة النظر إلينا ! فقلت : حبا وكرامة ، ثم تقدمت إليه وسألته بالله وبالغت معه ، فانتهرني ولم يفعل ، قال سهل : وكان معي رفيق نصراني يريد بيت المقدس وهو متقلد سيفا تحت ثيابه ، فكشف الله عن بصره فسمع رأس الحسين ، وهو يقرأ القرآن ويقول : ( ولا تحسبن الله غفلا عما يعمل الظالمون ) ( الآية ) ، فقد أدركته السعادة ، فقال : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأن محمدا عبده ورسوله ، ثم انتضى سيفه وشد به على القوم ، وهو يبكي وجعل يضرب فيهم ، فقتل منهم جماعة كثيرة ثم تكاثروا عليه فقتلوه ؛ .

فقالت أم كلثوم : ما هذه الصيحة ؟ ! فحكيت لها الحكاية ، فقالت : واعجباه ! النصارى يحتشمون لدين الإسلام ! وأمة محمد الذين يزعمون أنهم على دين محمد يقتلون أولاده ، ويسبون حريمه ! ولكن العاقبة للمتقين ، وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ، ولقد عجبت لتلك الأطواد كيف لا تتزلزل ؟ وكذلك النادي كيف لا ينخسف ويتحول ؟ ولكن ارتفع موجود اللطف من بين أظهرهم وهم لا يعلمون ( وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون )  .

العودة إلى الصفحة الرئيسية

www.mezan.net <‎/TITLE> ‎<META HTTP-EQUIV="Content-Type" CONTENT="text/html; charset=windows-1256">‎ ‎<META NAME="keywords" CONTENT=" السيد محمد حسين فضل الله في الميزان ">‎ ‎<META NAME="description" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله في كتبه ">‎ ‎<META NAME="author" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله بصوته ">‎ ‎<META NAME="copyright" CONTENT=" رأي المراجع العظام والعلماء ">‎ <‎/HEAD>