إخبار النبي عن شهادته

المولى القزويني : حكى صاحب ذخاير الأفهام ، عن عبد الله بن داود ، عن الثقات ، عن ابن عباس ، قال : صلينا مع رسول الله ذات يوم ، صلاة الصبح في مسجده الآن ، فلما فرغنا من التعقيب التفت إلينا بوجهه الكريم ، كأنه البدر في ليلة تمامه ، واستند على محرابه وجعل يعظنا بالحديث الغريب ، ويشوقنا إلى الجنة ويحذرنا من النيران ، نحن به مسرورون مغبوطون ، وإذا به قد رفع رأسه وتهلل وجهه ، فنظرنا وإذا بالحسنين مقبلين عليه وكف يمين الحسن بيسار الحسين وهما يقولان : من مثلنا وقد جعل الله جدنا أشرف أهل السموات والأرض ، وأبانا خير أهل المشرق والمغرب ، وأمنا سيدة على جميع نساء العالمين ، وجدتنا أم المؤمنين ، ونحن سيدا شباب أهل الجنة .

وزاد سرورنا واستبشرنا بعد ذلك وكل منا يهني صاحبه على الولاية لهم ، والبراءة من أعدائهم ، فنظرنا نحو رسول الله وإذا بدموعه تجري على خديه .

فقلنا : سبحان الله ! هذا وقت فرح وسرور ، فكيف هذا البكاء من رسول الله ؟ ! فأردنا أن نسأله وإذا به قد ابتدأنا يقول : يعزيني الله على ما تلقيان من بعدي يا ولدي من الإهانة والأذى وزاد بكائه ، وإذا به قد دعاهما وحطهما في حجره وأجلس الحسن على فخذه الأيمن والحسين على فخذه الأيسر ، فقال : بأبي أبوكما وبأمي أمكما ، وقبل الحسن في فمه الشريف وأطال الشم بعدها ، وقبل الحسين في نحره بعد أن شمه طويلا ، فتساقطت دموعه وبكى وبكينا لبكائه ولا علم لنا بذلك ، فما كان إلا ساعة وإذا بالحسين قد قام ومضى إلى أمه باكيا مغموما ، فلما دخل عليها ورأته باكيا قامت إليه تمسح دمعه بكمها وأسكته وهي تبكي لبكائه ، وتقول : قرة عيني وثمرة فؤادي ! ما الذي يبكيك ، لا أبكى الله لك عينا ، ما بالك يا حشاشة قلبي ؟ ! قال : خيرا يا أماه ! قالت : بحقي عليك وبحق جدك وأبيك إلا ما أخبرتني .

فقال لها : يا أماه ! كأن جدي ملني من كثرة ترددي إليه . قالت : فداك نفسي ، لماذا ؟ .

قال : يا أماه ! جئت أنا وأخي إلى جدنا لنزوره ، فأتيناه وهو في المسجد ، وأبي وأصحابه من حوله مجتمعون ، فدعى الحسن وأجلسه على فخذه الأيمن ، وأجلسني على فخذه الأيسر ، ثم لم يرض بذلك حتى قبل الحسن في فمه بعد أن شمه طويلا ، وأما أنا فأعرض عن فمي وقبلني في نحري ، فلو أحبني ولم يبغضني لقبلني مثل أخي ، هل في فمي شيء يكرهه ؟ ! يا أماه ! شميه أنت ! ! .

قالت الزهراء : هيهات يا ولدي ! والله العظيم ! ما في قلبه مقدار حبة خردل من بغضك .

فقال : يا أماه ! كيف لا يكون ذلك وقد عمل هذا ! ؟ .

قالت : والله ! يا ولدي ! إني سمعته كثيرا يقول : حسين مني وأنا منه ، ألا ومن آذى حسينا فقد آذاني ، أما تذكر يا ولدي ! لما تصارعتما بين يديه جعل يقول : إيها يا حسن ! فقلت له : كيف يا أبتاه ! تنهض الكبير على الصغير ! ؟ فقال : يا ابنتاه ! هذا جبرئيل ينهض الحسين وأنا أنهض الحسن ، وإنه يا ولدي ! مر يوما جدك على منزلي وأنت تبكي في المهد فدخل أبي وقال لي : سكتيه يا فاطمة ! ألم تعلمي أن بكاءه يؤذيني ، وكذلك الملائكة بكاؤه يؤذيهم . وقال مرارا : أللهم إني أحبه وأحب من يحبه .

فكيف يا ولدي ! تلك ؟ لكن سر بنا إلى جدك ، فأخذت بيد الحسين هي وتجر أذيالها حتى أتت إلى باب المسجد ، فما رأت غير الإمام والنبي ، فلما رآها النبي تنفس الصعداء وبكى كمدا ، فجرت دموعه على خديه حتى بلت كميه .

فقالت : السلام عليك ، يا أبتاه ! فقال : وعليك السلام يا فاطمة ! ورحمة الله وبركاته . قالت له : يا سيدي ! كيف تكسر خاطر الحسين ، أما قلت : إنه ريحانتي التي أرتاح إليها ؟ أما قلت : هو زين السماوات والأرض ؟ قال : نعم ، يا ابنتاه ! هكذا قلت .

فقالت : أجل كيف ما قبلته كأخيه الحسن ؟ وقد أتاني باكيا ، فلم أزل أسكته فلم يتسكت وأسليه فلم يتسل ، وأعزيه فلم يتعز .

قال : يا بنتاه ! هذا سر أخاف عليك إذا سمعته ينكدر عيشك ، وينكسر قلبك .

قالت : بحقك ، يا أبتاه ! ألا تخفيه علي ، فبكى وقال : إنا لله وإنا إليه راجعون ، يا بنتاه ! يا فاطمة هذا ! أخي جبرئيل أخبرني عن الملك الجليل أن لابد للحسن أن يموت مسموما تسمه زوجته بنت الأشعث - لعنها الله - فشممته بموضع سمه ، ولابد للحسين أن يموت منحورا بسيف الشمر - لعنه الله - فشممته بموضع نحره . . . .

العودة إلى الصفحة الرئيسية

www.mezan.net <‎/TITLE> ‎<META HTTP-EQUIV="Content-Type" CONTENT="text/html; charset=windows-1256">‎ ‎<META NAME="keywords" CONTENT=" السيد محمد حسين فضل الله في الميزان ">‎ ‎<META NAME="description" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله في كتبه ">‎ ‎<META NAME="author" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله بصوته ">‎ ‎<META NAME="copyright" CONTENT=" رأي المراجع العظام والعلماء ">‎ <‎/HEAD>