شراف

ثم سار من العقبة قاصدا واقصة وسار من واقصة حتى انتهى إلى القرعاء بسيره فمر بها ولم ينزلها حتى أتى مغيثة ولم ينزل بها .

 شراف

الطبري : حدثت عن هشام ، عن أبي مخنف قال : حدثني أبو جناب ، عن عدي بن حرملة ، عن عبد الله بن سليم والمذرى بن المشمعل الأسديين قالا : أقبل الحسين حتى نزل شراف فلما كان في السحر أمر فتيانه فاستقوا من الماء فأكثروا ، ثم ساروا منها ، فرسموا صدر يومهم حتى انتصف النهار .

ثم إن رجلا قال : الله أكبر ! فقال الحسين : الله أكبر ، ما كبرت ؟ قال : رأيت النخل ! فقال له الأسديان : إن هذا المكان ما رأينا به نخلة قط ! فقال لنا الحسين : فما تريانه رأى ؟ قلنا : نراه رأى هوادي الخيل ! فقال : وأنا والله ! أرى ذلك .

ثم قال : أما لنا ملجأ نلجأ إليه نجعله في ظهورنا ، ونستقبل القوم من وجه واحد ؟ .

فقلنا له : بلى ، هذا ذو حسم إلى جنبك تميل إليه عن يسارك ، فإن سبقت القوم إليه فهو كما تريد .

قالا : فأخذ إليه ذات اليسار وملنا معه ، فما كان بأسرع من أن طلعت علينا هوادي الخيل ، فتبيناها وعدلنا ، فلما رأونا وقد عدلنا عن الطريق عدلوا إلينا كأن أسنتهم اليعاسيب وكأن راياتهم أجنحة الطير ! ذو حسم .

- وعنه : فاستبقنا إلى ذي حسم فسبقناهم إليه ، فنزل الحسين فأمر بأبنيته فضربت ، وجاء القوم وهم ألف فارس مع الحر بن يزيد التميمي اليربوعي حتى وقف هو وخيله مقابل الحسين في حر الظهيرة ، والحسين وأصحابه معتمون متقلدو أسيافهم ، فقال الحسين لفتيانه : اسقوا القوم ، وأرووهم من الماء ، ورشفوا الخيل ترشيفا .

فقام فتيانه فرشفوا الخيل ترشيفا ، فقام فتيه وسقوا القوم من الماء حتى أرووهم وأقبلوا يملأون القصاع والأتوار والطساس من الماء ثم يدنونها من الفرس فإذا عب فيها ثلاثا أو أربعا أو خمسا عزلت عنه وسقوا آخر ، حتى سقوها الخيل كلها .

قال هشام : حدثني لقيط ، عن علي بن الطعان المحاربي : كنت مع الحر بن يزيد ، فجئت في آخر من جاء من أصحابه ، فلما رأى الحسين مابي وفرسي من العطش قال : أنخ الراوية ، والراوية عندي السقاء ، ثم قال : يا ابن أخ ! أنخ الجمل .

فأنخته فقال : اشرب .

فجعلت كلما شربت سال الماء من السقاء ، فقال الحسين : أخنث السقاء .

أي أعطفه ، قال : فجعلت لا أدري كيف أفعل ، فقام فخنثه ، فشربت وسقيت فرسي .

- الدينوري : لما انتصف النهار واشتدت الحر - وكان ذلك في القيظ - تراءت لهم الخيل ، فقال الحسين لزهير بن القين : أما هاهنا مكان يلجأ إليه أو شرف نجعله خلف ظهورنا ونستقبل القوم من وجه واحد ؟ قال له زهير : بلى ، هذا جبل ذي جشم ، يسرة عنك ، فمل بنا إليه ، فإن سبقت إليه فهو كما تحب . فسار حتى سبق اليه ، وجعل ذلك الجبل وراء ظهره . . .

- ابن أعثم : فلما نظر إليهم الحسين وقف في أصحابه ، ووقف الحر بن يزيد في أصحابه ، فقال الحسين : أيها القوم ! من أنتم ؟ قالوا : نحن أصحاب الأمير عبيد الله بن زياد .

فقال الحسين : ومن قائدكم ؟ قالوا : الحر بن يزيد الرياحي . قال : فناداه الحسين : ويحك يا ابن يزيد ! ألنا أم علينا ؟ فقال الحر : بل عليك أبا عبد الله ! فقال الحسين : لا حول ولا قوة إلا بالله .

وعنه : ودنت صلاة الظهر ، فقال الحسين للحجاج بن مسروق : أذن ، رحمك الله ! وأقم الصلاة حتى نصلي ! قال : فأذن الحجاج ، فلما فرغ من أذانه صاح الحسين بالحر بن يزيد .

فقال له : يا ابن يزيد ! أتريد أن تصلي بأصحابك وأصلي بأصحابي ؟ فقال له الحر : بل أنت تصلي بأصحابك ونصلي بصلاتك .

فقال الحسين للحجاج بن مسروق : أقم الصلاة ! فأقام ، وتقدم الحسين فصلى بالعسكرين جميعا ، فلما فرغ من صلاته وثب قائما فاتكأ على قائمة سيفه ، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : أيها الناس ! إنها معذرة إلى الله وإلى من حضر من المسلمين ، إني لم أقدم على هذا البلد حتى أتتني كتبكم ، وقدمت علي رسلكم أن اقدم إلينا إنه ليس علينا إمام ، فلعل الله أن يجمعنا بك على الهدى ، فإن كنتم على ذلك فقد جئتكم ، فإن تعطوني ما يثق به قلبي من عهودكم ومن مواثيقكم ، دخلت معكم إلى مصركم ، وإن لم تفعلوا وكنتم كارهين لقدومي عليكم انصرفت إلى المكان الذي أقبلت منه إليكم . قال : فسكت القوم عنه ولم يجيبوا بشيء .

- المفيد : أمر الحسين الحجاج بن مسروق أن يؤذن ، فلما حضرت الإقامة خرج الحسين في إزار ورداء ونعلين ، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : أيها الناس ! إني لم آتكم حتى أتتني كتبكم ، وقدمت على رسلكم أن اقدم علينا ، فإنه ليس لنا إمام لعل الله أن يجمعنا بك على الهدى والحق ، فإن كنتم على ذلك فقد جئتكم فاعطوني ما أطمئن إليه من عهودكم ومواثيقكم ، وإن لم تفعلوا وكنتم لقدومي كارهين انصرفت عنكم إلى المكان الذي جئت منه إليكم .

- الطبري : قال عقبة بن أبي العيزار : قام حسين بذي حسم ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : إنه قد نزل من الأمر ما قد ترون ، وإن الدنيا قد تغيرت وتنكرت وأدبر معروفها ، واستمرت جدا ولم يبق منها إلا صبابة كصبابة الإناء ، وخسيس عيش كالمرعى الوبيل ، ألا ترون أن الحق لا يعمل به ، وأن الباطل لا يتناهى عنه ، ليرغب المؤمن في لقاء الله محقا ، فإني لا أرى الموت إلا شهادة ، ولا الحياة مع الظالمين إلا برما . قال : فقام زهير بن القين البجلي ، فقال لأصحابه : تكلمون ، أم أتكلم ؟ قالوا : لا ، بل تكلم فحمد الله فأثنى عليه ، ثم قال : قد سمعنا هداك الله يا ابن رسول الله مقالتك ، والله ! لو كانت الدنيا لنا باقية ، وكنا فيها مخلدين إلا أن فراقها في نصرك ومواساتك ، لآثرنا الخروج معك على الإقامة فيها . قال : فدعا له الحسين ثم قال له خيرا .

وأضاف ابن شعبة الحراني : إن الناس عبيد الدنيا ، والدين لعق على ألسنتهم يحوطونه ما درت معائشهم ، فإذا محصوا بالبلاء قل الديانون .

وعنه : ثم إنه دخل ، واجتمع إليه أصحابه ، وانصرف الحر إلى مكانه الذي كان به ، فدخل خيمة قد ضربت له ، فاجتمع إليه جماعة من أصحابه ، وعاد أصحابه إلى صفهم الذي كانوا فيه فأعادوه ، ثم أخذ كل رجل منهم بعنان دابته وجلس في ظلها ، فلما كان وقت العصر أمر الحسين أن يتهيؤا للرحيل ، ثم إنه خرج فأمر مناديه فنادى بالعصر وأقام ، فاستقدم الحسين فصلى ثم سلم وانصرف إلى القوم بوجهه ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : أما بعد ، أيها الناس ! فإنكم إن تتقوا وتعرفوا الحق لأهله يكن أرضى لله ، ونحن أهل البيت وأولى بولاية هذا الأمر عليكم من هؤلاء المدعين ما ليس لهم ، والسائرين فيكم بالجور والعدوان ، وإن أنتم كرهتمونا وجهلتم حقنا ، وكان رأيكم غير ما أتتني كتبكم وقدمت به علي رسلكم انصرفت عنكم .

- ابن أعثم : وفي رواية : ودنت صلاة العصر فأمر الحسين مؤذنه فأذن وأقام الصلاة ، وتقدم الحسين فصلى بالعسكرين .

فلما انصرف من صلاته وثب قائما على قدميه ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : أيها الناس ! أنا ابن بنت رسول الله ، ونحن أولى بولاية هذه الأمور عليكم من هؤلاء المدعين ما ليس لهم والسائرين فيكم بالظلم والعدوان ، فإن تثقوا بالله وتعرفوا الحق لأهله فيكون ذلك لله رضى ، وإن كرهتمونا وجهلتم حقنا وكان رأيكم على خلاف ما جاءت به كتبكم وقدمت به رسلكم انصرفت عنكم .

قال : فتكلم الحر بن يزيد بينه وبين أصحابه فقال : أبا عبد الله ! ما نعرف هذه الكتب ولا من هؤلاء الرسل .

قال : فالتفت الحسين إلى غلام له يقال له عقبة بن سمعان فقال : يا عقبة ! هات الخرجين اللذين فيهما الكتب ؛ فجاء عقبة بكتب أهل الشام والكوفة ، فنثرها بين أيديهم ثم تنحى ، فتقدموا ونظروا إلى عنوانها ثم تنحوا ، فقال الحر بن يزيد : أبا عبد الله ! لسنا من القوم الذين كتبوا إليك هذه الكتب ، وقد أمرنا إن لقيناك لا نفارقك حتى نأتي بك على الأمير . فتبسم الحسين ، ثم قال : يا ابن الحر ! أو تعلم أن الموت أدنى إليك من ذلك .

ثم التفت الحسين فقال : إحملوا النساء ليركبوا حتى ننظر ما الذي يصنع هذا وأصحابه ! قال : فركب أصحاب الحسين وساقوا النساء بين أيديهم ، فقدمت خيل الكوفة حتى حالت بينهم وبين المسير ، فضرب الحسين بيده إلى سيفه ، ثم صاح بالحر : ثكلتك أمك ! ما الذي تريد أن تصنع ؟ فقال الحر : أما والله ! لو قالها غيرك من العرب لرددتها عليه كائنا من كان ، ولكن لا والله ! ما لي إلى ذلك سبيل من ذكر أمك ، غير أنه لابد أن أنطلق بك إلى عبيد الله بن زياد .

فقال له الحسين : إذا والله ! لا أتبعك ، أو تذهب نفسي .

قال الحر : إذا والله ! لا أفارقك أو تذهب نفسي وأنفس أصحابي . قال الحسين : برز أصحابي وأصحابك وأبرز إلي ، فإن قتلتني خذ برأسي إلى ابن زياد ، وإن قتلتك أرحت الخلق منك .

فقال الحر : أبا عبد الله ! إني لم أومر بقتلك ، وإنما أمرت أن لا أفارقك أو أقدم بك على ابن زياد ، وأنا والله كاره إن سلبني الله بشيء من أمرك ، غير أني قد أخذت ببيعة القوم وخرجت إليك ، وأنا أعلم أنه لا يوافي القيامة أحد من هذه الأمة إلا وهو يرجو شفاعة جدك محمد ، وأنا خائف إن أنا قاتلتك أن أخسر الدنيا والآخرة ! ولكن أنا أبا عبد الله ! لست أقدر الرجوع إلى الكوفة في وقتي هذا ، ولكن خذ عني هذا الطريق وامض حيث شئت حتى أكتب إلى ابن زياد أن هذا خالفني في الطريق فلم أقدر عليه ، وأنا أنشدك الله في نفسك .

فقال الحسين : يا حر ! كأنك تخبرني أني مقتول ! ؟ فقال الحر : أبا عبد الله ! نعم ما أشك في ذلك إلا أن ترجع من حيث جئت ! فقال الحسين : ما أدري ما أقول لك ؟ ولكني أقول كما قال أخو الأوس ، حيث يقول :

سأمضي وما بالموت عار على الفتى إذا ما نوى خيرا ، وجاهد مسلما
وواسى الرجال الصالحين  بنفسه وفارق  مذموما وخالف مجرما
أقدم   نفسي  لا   أريد   بقاءها لتلقى خميسا في الوغاء عرمرما
فإن عشت لم ألم وإن مت لم أذم كفى بك  ذلا أن تعيش  مرغما

- المفيد : فلما ذهبوا لينصرفوا ، حال القوم بينهم وبين الانصراف ، فقال الحسين للحر : ثكلتك أمك ما تريد ؟ قال له الحر : أما لو غيرك من العرب يقولها لي وهو على مثل الحال التي أنت عليها ما تركت ذكر أمه بالثكل كائنا من كان ، ولكن والله ! ما لي إلى ذكر أمك من سبيل إلا بأحسن ما نقدر عليه .

فقال له الحسين : فما تريد ؟ قال : أريد أن أنطلق بك إلى الأمير عبيد الله .

قال : إذا والله لا أتبعك .

قال : إذا والله لا أدعك ! فترادا القول ثلاث مرات ، فلما كثر الكلام بينهما قال له الحر : إني لم أومر بقتالك إنما أمرت أن لا أفارقك حتى أقدمك الكوفة ، فإذا أبيت فخذ طريقا لا تدخلك الكوفة ولا تردك إلى المدينة تكون بيني وبينك نصفا حتى أكتب إلى الأمير عبيد الله ، فلعل الله أن يأتي بأمر يرزقني فيه العافية من أن أبتلى بشيء من أمرك ، فخذ هيهنا فتياسر عن طريق العذيب والقادسية .

فسار الحسين وسار الحر في أصحابه يسايره وهو يقول : يا حسين ! إني أذكرك الله في نفسك فإني أشهد لئن قاتلت لتقتلن ! فقال له الحسين : أفي الموت تخوفني ؟ وهل يعدوا بكم الخطب أن تقتلوني ؟ وسأقول كما قال أخو الأوس لابن عمه وهو يريد نصرة رسول الله فخوفه ابن عمه ، وقال : أين تذهب فإنك مقتول ؟ فقال : سأمضي . . . .

- التستري : وفي رواية أنه قال : ليس شأني شأن من يخاف الموت ، ما أهون الموت على سبيل نيل العز وإحياء الحق ، ليس الموت في سبيل العز إلا حياة خالدة وليست الحياة مع الذل إلا الموت الذي لا حياة معه ، أفبالموت تخوفني ، هيهات طاش سهمك وخاب ظنك لست أخاف الموت ، إن نفسي لأكبر من ذلك وهمتي لأعلى من أن أحمل الضيم خوفا من الموت ، وهل تقدرون على أكثر من قتلي ؟ ! مرحبا بالقتل في سبيل الله ، ولكنكم لا تقدرون على هدم مجدي ، ومحو عزي وشرفي ، فإذا لا أبالي بالقتل .

- ابن أعثم : ثم أقبل الحسين إلى أصحابه ، وقال : هل فيكم أحد يخبر الطريق على غير الجادة ؟ فقال الطرماح بن عدي الطائي : يا ابن بنت رسول الله ! أنا أخبر الطريق . فقال الحسين : إذا سر بين أيدينا ! قال : فسار الطرماح ، وأتبعه الحسين هو وأصحابه .

- الدينوري : أنه أمر بأثقاله فحملت ، وأمر أصحابه فركبوا ، ثم ولى وجهه منصرفا نحو الحجاز ، فحال القوم بينه وبين ذلك ، فقال الحسين للحر : ما الذي تريد ؟ قال : أريد والله ! أن أنطلق بك إلى الأمير عبيد الله بن زياد . قال الحسين : إذن والله ! أنابذك الحرب .

فلما كثر الجدال بينهما قال الحر : إني لم أومر بقتالك ، وإنما أمرت ألا أفارقك ، وقد رأيت رأيا فيه السلامة من حربك ، وهو أن تجعل بيني وبينك طريقا ، لا تدخلك الكوفة ، ولا تردك إلى الحجاز ، تكون نصفا بيني وبينك حتى يأتينا رأي الأمير .

قال الحسين : فخذ هاهنا ، فآخذ متياسرا من طريق العذيب ، ومن ذلك المكان العذيب ثمانية وثلاثون ميلا .

فسارا جميعا حتى انتهوا إلى عذيب الحمامات ، فنزلوا جميعا ، وكل فريق منهما على غلوة من الآخر .

العودة إلى الصفحة الرئيسية

www.mezan.net <‎/TITLE> ‎<META HTTP-EQUIV="Content-Type" CONTENT="text/html; charset=windows-1256">‎ ‎<META NAME="keywords" CONTENT=" السيد محمد حسين فضل الله في الميزان ">‎ ‎<META NAME="description" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله في كتبه ">‎ ‎<META NAME="author" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله بصوته ">‎ ‎<META NAME="copyright" CONTENT=" رأي المراجع العظام والعلماء ">‎ <‎/HEAD>