حروب الإمام علي

ولما نهض أمير المؤمنين بالأمر نكثت طائفة ، ومرقت أخرى ، وقسط آخرون ، فقاتلهم أمير المؤمنين كما أخبره به رسول الله من قبل ، وكان معه الحسنان في جميع حروبه .

الحسين في حرب الجمل

المفيد : أخبرني أبو الحسن علي بن محمد الكاتب ، قال : أخبرني الحسن بن علي بن عبد الكريم الزعفراني قال : حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد الثقفي قال : أخبرنا إسماعيل بن أبان قال : حدثنا عمرو بن شمر قال : سمعت جابر بن يزيد يقول : سمعت أبا جعفر محمد بن علي يقول : حدثني أبي ، عن جدي ، قال : لما توجه أمير المؤمنين من المدينة إلى الناكثين بالبصرة نزل الربذة ، فلما ارتحل منها لقيه عبد الله بن خليفة الطائي ، وقد نزل بمنزل يقال له : قديد ، فقربه أمير المؤمنين فقال له عبد الله : الحمد لله الذي رد الحق إلى أهله ووضعه في موضعه ، كره ذلك قوم أو سروا به ، فقد والله ! كرهوا محمدا ونابذوه وقاتلوه ، فرد الله كيدهم في نحورهم ، وجعل دائرة السوء عليهم ، والله ! لنجاهدن معك في كل موطن حفظا لرسول الله فرحب به أمير المؤمنين وأجلسه إلى جنبه - وكان له حبيبا ووليا - وأخذ يسائله عن الناس ، إلى أن سأله عن أبي موسى الأشعري فقال : والله ! ما أنا أثق به ، وما آمن عليك خلافه إن وجد مساعدا على ذلك ! ! فقال له أمير المؤمنين : والله ! ما كان عندي مؤتمنا ولا ناصحا ، ولقد كان الذين تقدموني استولوا على مودته وولوه وسلطوه بالإمرة على الناس ، ولقد أردت عزله فسألني الأشتر فيه وأن أقره ، فأقررته على كره مني له ، وتحملت على صرفه من بعد .

قال : فهو مع عبد الله في هذا ونحوه إذ أقبل سواد كبير من قبل جبال طي ، فقال أمير المؤمنين : انظروا ما هذا السواد ؟ فذهبت الخيل تركض فلم تلبث أن رجعت فقيل : هذه طي قد جاءتك تسوق الغنم والإبل والخيل ، فمنهم من جاءك بهداياه وكرامته ، ومنهم من يريد النفور معك إلى عدوك . فقال أمير المؤمنين : جزى الله طيا خيرا ، ( وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما ) ، فلما انتهوا إليه سلموا عليه .

قال عبد الله بن خليفة : فسرني والله ! ما رأيت من جماعتهم وحسن هيئتهم ، وتكلموا فأقروا ، والله ! ما رأيت بعيني خطيبا أبلغ من خطيبهم . وقام عدي بن حاتم الطائي فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : أما بعد ، فإني كنت أسلمت على عهد رسول الله ، وأديت الزكاة على عهده ، وقاتلت أهل الردة من بعده ، أردت بذلك ما عند الله ، وعلى الله ثواب من أحسن واتقى ، وقد بلغنا أن رجالا من أهل مكة نكثوا بيعتك وخالفوا عليك ظالمين فأتيناك ، لننصرك بالحق ، فنحن بين يديك ، فمرنا بما أحببت ثم أنشأ يقول : فنحن نصرنا الله من قبل ذاكم * وأنت بحق جئتنا فستنصر سنكفيك دون الناس طرا بأسرنا * وأنت به من سائر الناس أجدر فقال أمير المؤمنين : جزاكم الله من حي عن الإسلام وأهله خيرا ، فقد أسلمتم طائعين ، وقاتلتم المرتدين ، ونويتم نصر المسلمين .

وقام سعيد بن عبيد البحتري من بني بحتر فقال : يا أمير المؤمنين ! إن من الناس من يقدر أن يعبر بلسانه عما في قلبه ، ومنهم من لا يقدر أن يبين ما يجده في نفسه بلسانه ، فإن تكلف ذلك شق عليه ، وإن سكت عما في قلبه برح به الهم والبرم ، وإني والله ! ما كل ما في نفسي أقدر أن أوديه إليك بلساني ، ولكن والله ! لأجهدن على أن أبين لك ، والله ولي التوفيق ، أما أنا فإني ناصح لك في السر والعلانية ، ومقاتل معك الأعداء في كل موطن ، وأرى لك من الحق ما لم أكن أراه لمن كان قبلك ، ولا لأحد اليوم من أهل زمانك ، لفضيلتك في الإسلام وقرابتك من الرسول ، ولن أفارقك أبدا حتى تظفر أو أموت بين يديك .

فقال أمير المؤمنين : يرحمك الله فقد أدى لسانك ما يجن ضميرك لنا ، ونسأل الله أن يرزقك العافية ويثيبك الجنة . وتكلم نفر منهم ، فما حفظت غير كلام هذين الرجلين . ثم ارتحل أمير المؤمنين فاتبعه منهم ستمائة رجل حتى نزل ذا قار ، فنزلها في ألف وثلثمائة رجل .

ابن عساكر : أخبرنا أبو القاسم الشحامي ، أنبأنا أبو بكر العمري . وأخبرنا أبو الفتح المصري ، وأبو نصر الصوفي ، وأبو علي الفضيلي ، وأبو محمد حفيد العميري ، وأبو القاسم منصور بن ثابت ، وأبو معصوم بن صاعد ، وأبو المظفر بن عبد الملك ، وأبو محمد خالد بن محمد ، قالوا : أنبأنا أبو محمد بن أبي مسعود ، قالا : أنبأنا عبد الرحمان بن أحمد بن أبي شريح ، أنبأنا عبد الله بن محمد البغوي ، أنبأنا العلاء بن موسى ، أنبأنا سوار بن مصعب ، عن عطية العوفي ، عن مالك بن الحويرث ، قال : قام علي بن أبي طالب بالربذة فقال : من أحب أن يلحقنا فليلحقنا ، ومن أحب أن يرجع فليرجع مأذون له غير حرج .

فقام الحسين إليه فقال : يا أبة [ أبت ] ! ( أو يا أمير المؤمنين ! ) لو كنت في جحر وكان للعرب فيك حاجة لأتتك حتى يستخرجوك منه . فخطب علي وقال : الحمد لله الذي يبتلي من يشاء بما يشاء ، ويعافي من يشاء مما يشاء ، أما والله ! لقد ضربت هذا الأمر ظهرا لبطن وذنبا لرأس ، فوالله ! إن وجدت له إلا القتال ، أو الكفر بالله ؟ ! يحلف بالله علي ؟ ! اجلس يا بني ! ولا تحن حنين الجارية .

الفضل بن شاذان النيسابوري : وروي عن عبد الله بن عبد القدوس ، عن علي بن حفص ، عن مقاتل بن حيان قال : كانت عمتي خادمة لعائشة ، فحدثتي قالت : بعث علي بن أبي طالب - كرم الله وجهه - ابنه الحسن - إلى عائشة فقال : ارتحلي إلى المدينة إلى البيت الذي خلفك رسول الله وأمرك أن تقري فيه .

فقالت : لا أستطيع الخروج حتى أنظر إلى ما يصير حال المسلمين إليه . فأرسل إليها الحسين فقال : قل لها : والله ! لترحلن ، أو لأبعثن إليك بالكلمات ! فلما جاء الحسين بالباب يستأذن قالت : جاء والله ! بكلام غير كلام الأول وحاكمهم تبلغ الكلام الذي أمر به ، فلما دخل رحبت به وأجلسته إلى جنبها فقال لها : إن أبي يقول لك : ارجعي إلى بيتك الذي أمرك رسول الله أن تقري فيه وخلفك فيه رسول الله وإلا بعثت إليك بالكلمات ! فقالت : يا بنى ! قل لأبيك : إني أذكرك الله أن تذكر الكلمات أو تقول شيئا ، نعم أرتحل ولكن أحتاج إلى جهاز ، وأريد أن يدخل علي وألقاه .

قال : فأصبح أمير المؤمنين وجهزها ووجه معها خمسين امرأة يؤدينها إلى بيتها .

الطبرسي : أنه لما أخذ مروان بن الحكم أسيرا يوم الجمل ، فتكلم فيه الحسن والحسين ، فخلى سبيله ، فقالا له : يبايعك يا أمير المؤمنين .

فقال : ألم يبايعني بعد قتل عثمان ؟ لا حاجة لي في بيعته ، أما إن له إمرة كلعقة الكلب أنفه ، وهو أبو الأكبش الأربعة ، وستلقى الأمة منه ومن ولده موتا أحمر .

العودة إلى الصفحة الرئيسية

www.mezan.net <‎/TITLE> ‎<META HTTP-EQUIV="Content-Type" CONTENT="text/html; charset=windows-1256">‎ ‎<META NAME="keywords" CONTENT=" السيد محمد حسين فضل الله في الميزان ">‎ ‎<META NAME="description" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله في كتبه ">‎ ‎<META NAME="author" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله بصوته ">‎ ‎<META NAME="copyright" CONTENT=" رأي المراجع العظام والعلماء ">‎ <‎/HEAD>