وصية فاطمة

وكان من أفجع ما كان في هذه الأيام ، ومن أمض المصائب على أهل بيت رسول الله استشهاد حبيبته سيدة نساء العالمين .
فاجعة إن أردت أكتبها مجملة ذكرها لمدكر
فكان ما كان ممالست أذكره فظن شرا ولا تسأل عن الخبر

المفيد : الصدوق ، عن أبيه ، عن أحمد بن إدريس ، عن محمد بن عبد الجبار ، عن القاسم بن محمد الرازي ، عن علي بن محمد الهرمزاني ، عن علي بن الحسين ، عن أبيه الحسين قال : لما مرضت فاطمة بنت النبي وصت إلى علي أن يكتم أمرها ، ويخفي خبرها ، ولا يؤذن أحدا بمرضها ، ففعل ذلك ، وكان يمرضها بنفسه وتعينه على ذلك أسماء بنت عميس رحمها الله ، على استسرار بذلك كما وصت به ، فلما حضرتها الوفاة وصت أمير المؤمنين أن يتولى أمرها ، ويدفنها ليلا ويعفي قبرها .

فتولى ذلك أمير المؤمنين ودفنها ، وعفى موضع قبرها . فلما نفض يده من تراب القبر ، هاج به الحزن ، فأرسل دموعه على خديه ، وحول وجهه إلى قبر رسول الله فقال : السلام عليك يا رسول الله مني والسلام عليك من ابنتك وحبيبتك ، وقرة عينك وزائرتك ، والبائتة في الثرى ببقعتك ، المختار لها الله سرعة اللحاق بك ، قل يا رسول الله عن صفيتك صبري ! وضعف عن سيدة النساء تجلدي ، إلا أن في التأسي لي بسنتك ، والحزن الذي حل بي بفراقك ، موضع التعزي ، فلقد وسدتك في ملحود قبرك ، بعد أن فاضت نفسك على صدري ، وغمضتك بيدي ، وتوليت أمرك بنفسي . نعم ، وفي كتاب الله أنعم القبول ، ( إنا لله وإنا إليه راجعون ) لقد استرجعت الوديعة ، وأخذت الرهينة ، واختلست الزهراء ، فما أقبح الخضراء والغبراء يا رسول الله ! أما حزني فسرمد ، وأما ليلي فمسهد ، لا يبرح الحزن من قلبي ، أو يختار الله لي دارك التي أنت فيها مقيم ، كمد مقيح ، وهم مهيج ، سرعان ما فرق الله بيننا ، وإلى الله أشكو ، وستنبئك ابنتك بتظافر أمتك علي ، وعلى هضمها حقها ، فاستخبرها الحال ، فكم من غليل معتلج بصدرها لم تجد إلى بثه سبيلا ، وستقول : ويحكم الله وهو خير الحاكمين .

سلام عليك يا رسول الله ! سلام مودع لا سئم ، ولا قال ، فإن انصرف فلا عن ملالة ، وإن أقم فلا عن سوء ظن بما وعد الله الصابرين ، والصبر أيمن وأجمل ، ولولا غلبة المستولين علينا لجعلت المقام عند قبرك لزاما ، وللبثت عنده معكوفا ، ولأعولت إعوال الثكلى على جليل الرزية . فبعين الله تدفن ابنتك سرا ! ! ويهتضم حقها قهرا ، وتمنع إرثها جهرا ، ولم يطل العهد ، ولم يخل منك الذكر ، فإلى الله يا رسول الله المشتكى ، وفيك أجمل العزاء ، وصلوات الله عليك وعليها ورحمة الله وبركاته .

العودة إلى الصفحة الرئيسية

www.mezan.net <‎/TITLE> ‎<META HTTP-EQUIV="Content-Type" CONTENT="text/html; charset=windows-1256">‎ ‎<META NAME="keywords" CONTENT=" السيد محمد حسين فضل الله في الميزان ">‎ ‎<META NAME="description" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله في كتبه ">‎ ‎<META NAME="author" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله بصوته ">‎ ‎<META NAME="copyright" CONTENT=" رأي المراجع العظام والعلماء ">‎ <‎/HEAD>