قصة أهل نيسابور وشطيطة

- مناقب ابن شهرآشوب : أبو علي بن راشد وغيره في خبر طويل : انه اجتمعت عصابة الشيعة بنيسابور واختاروا محمد بن علي النيسابوري فدفعوا إليه ثلاثين ألف دينار وخمسين ألف درهم وشقة من الثياب ، وأتت شطيطة بدرهم صحيح وشقة خام من غزل يدها تساوي أربعة دراهم فقالت : إن الله لا يستحيي من الحق ، قال : فثنيت درهمها وجاؤا بجزء فيه مسائل ملء سبعين ورقة في كل ورقة مسألة وباقي الورق بياض ليكتب الجواب تحتها وقد حزمت كل ورقتين بثلاث حزم وختم عليها بثلاث خواتيم على كل حزام خاتم ، وقالوا : ادفع إلى الامام ليلة وخذ منه في غد ، فان وجدت الجزء صحيح الخواتيم فاكسر منها خمسة وانظر هل أجاب عن المسائل ، فإن لم تنكسر الخواتيم فهو الامام المستحق للمال فادفع إليه ، وإلا فرد إلينا أموالنا .

فدخل على الأفطح عبد الله بن جعفر وجربه وخرج عنه قائلا رب اهدني إلى سواء الصراط ، قال : فبينما أنا واقف إذا أنا بغلام يقول : أجب من تريد ، فأتى بي دار موسى بن جعفر فلما رآني قال لي لم تقنط يا أبا جعفر ؟ ولم تفزع إلى اليهود والنصارى ؟ إلي فأنا حجة الله ووليه ، ألم يعرفك أبو حمزة على باب مسجد جدي ، وقد أجبتك عما في الجزء من المسائل بجميع ما تحتاج إليه منذ أمس ، فجئني به وبدرهم شطيطة الذي وزنه درهم ودانقان الذي في الكيس الذي فيه أربعمائة درهم للوازوري ، والشقة التي في رزمة الأخوين البلخيين .

قال : فطار عقلي من مقاله ، وأتيت بما أمرني ووضعت ذلك قبله ، فأخذ درهم شطيطة وإزارها ، ثم استقبلني وقال : إن الله لا يستحيي من الحق يا أبا جعفر أبلغ شطيطة سلامي وأعطها هذه الصرة وكانت أربعين درهما ثم قال : وأهديت لها شقة من أكفاني من قطن قريتنا صيدا قرية فاطمة عليها السلام وغزل أختي حليمة ابنة أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق ، ثم قال : وقل لها ستعيشين تسعة عشر يوما من وصول أبي جعفر ووصول الشقة والدراهم ، فأنفقي على نفسك منها ستة عشر درهما ، واجعلي أربعة وعشرين صدقة عنك وما يلزم عنك ، وأنا أتولى الصلاة عليك ، فإذا رأيتني يا أبا جعفر فاكتم علي ، فإنه أبقى لنفسك ، ثم قال : واردد الأموال إلى أصحابها ، وافكك هذه الخواتيم عن الجزء وانظر هل أجبناك عن المسائل أم لا من قبل أن تجيئنا بالجزء ؟ فوجدت الخواتيم صحيحة . ففتحت منها واحدا من وسطها فوجدت فيه مكتوبا : ما يقول العالم في رجل قال : نذرت لله لأعتقن كل مملوك كان في رقي قديما وكان له جماعة من العبيد ؟ الجواب بخطه : ليعتقن من كان في ملكه من قبل ستة أشهر ، والدليل على صحة ذلك قوله تعالى " والقمر قدرناه " الآية والحديث من ليس له ستة أشهر .

وفككت الختام الثاني فوجدت ما تحته : ما يقول العالم في رجل قال : والله لأتصدقن بمال كثير فما يتصدق ؟ الجواب تحته بخطه : إن كان الذي حلف من أرباب شياه فليتصدق بأربع وثمانين شاة وإن كان من أصحاب النعم فليتصدق بأربع وثمانين بعيرا ، وإن كان من أرباب الدراهم فليتصدق بأربع وثمانين درهما ، والدليل عليه قوله تعالى : " ولقد نصركم الله في مواطن كثيرة " فعددت مواطن رسول الله قبل نزول تلك الآية فكانت أربعة وثمانين موطنا . فكسرت الختم الثالث فوجدت تحته مكتوبا : ما يقول العالم في رجل نبش قبر ميت وقطع رأس الميت وأخذ الكفن ؟ الجواب بخطه : يقطع السارق لاخذ الكفن من وراء الحرز ، ويلزم مائة دينار لقطع رأس الميت لأنا جعلناه بمنزلة الجنين في بطن أمه قبل أن ينفخ فيه الروح فجعلنا في النطفة عشرين دينارا ، المسألة إلى آخرها .

فلما وافى خراسان وجد الذين رد عليهم أموالهم ارتدوا إلى الفطحية ، و شطيطة على الحق فبلغها سلامه وأعطاها صرته وشقته ، فعاشت كما قال عليه السلام فلما توفيت شطيطة جاء الامام على بعير له ، فلما فرغ من تجهيزها ركب بعيره وانثنى نحو البرية ، وقال : عرف أصحابك وأقرأهم مني السلام وقل لهم : إني ومن يجري مجراي من الأئمة لابد لنا من حضور جنائزكم في أي بلد كنتم ، فاتقوا الله في أنفسكم .

علي بن أبي حمزة قال : كنا بمكة سنة من السنين فأصاب الناس تلك السنة صاعقة كبيرة حتى مات من ذلك خلق كثير ، فدخلت على أبي الحسن عليه السلام فقال مبتدئا من غير أن أسأله : يا علي ينبغي للغريق والمصعوق أن يتربص به ثلاثا إلى أن يجئ منه ريح يدل على موته ، قلت له : جعلت فداك كأنك تخبرني إذ دفن ناس كثير أحياء ؟ قال : نعم يا علي قد دفن ناس كثير أحياء ، ما ماتوا إلا في قبورهم .

علي بن أبي حمزة قال : أرسلني أبو الحسن إلى رجل قدامه طبق يبيع بفلس فلس وقال : أعطه هذه الثمانية عشر درهما وقل له : يقول لك أبو الحسن : انتفع بهذه الدراهم فإنها تكفيك حتى تموت ، فلما أعطيته بكى ، فقلت : وما يبكيك ؟ قال : ولم لا أبكي وقد نعيت إلي نفسي ، فقلت : وما عند الله خير مما أنت فيه فسكت ، وقال : من أنت يا عبد الله ؟ فقلت علي بن أبي حمزة قال : والله لهكذا قال لي سيدي و مولاي إني باعث إليك مع علي بن أبي حمزة برسالتي ، قال علي : فلبثت نحوا من عشرين ليلة ثم أتيت إليه وهو مريض فقلت : أوصني بما أحببت أنفذه من مالي قال : إذا أنا مت فزوج ابنتي من رجل دين ، ثم بع داري وادفع ثمنها إلى أبي الحسن ، واشهد لي بالغسل والدفن والصلاة ، قال : فلما دفنته زوجت ابنته من رجل مؤمن وبعت داره وأتيت بثمنها إلى أبي الحسن فزكاه وترحم عليه وقال : رد هذه الدراهم فادفعها إلى ابنته .

علي بن أبي حمزة قال : أرسلني أبو الحسن إلى رجل من بني حنيفة و قال : إنك تجده في ميمنة المسجد ، ورفعت إليه كتابه فقرأه ثم قال : آتني يوم كذا وكذا حتى أعطيك جوابه فأتيته في اليوم الذي كان وعدني ، فأعطاني جواب الكتاب ، ثم لبثت شهرا فأتيته لأسلم عليه فقيل : إن الرجل قد مات ، فلما رجعت من قابل إلى مكة فلقيت أبا الحسن وأعطيته جواب كتابه فقال : رحمه الله ، فقال : يا علي لم لم تشهد جنازته ؟ قلت : قد فاتت مني .

شعيب العقرقوفي قال : بعثت مباركا مولاي إلى أبي الحسن ومعه مائتا دينار وكتبت معه كتابا فذكر لي مبارك أنه سأل عن أبي الحسن فقيل : قد خرج إلى مكة فقلت : لأسير بين مكة والمدينة بالليل ، إذا هاتف يهتف بي يا مبارك مولى شعيب العقرقوفي ، فقلت : من أنت يا عبد الله ؟ فقال : أنا معتب يقول لك أبو الحسن : هات الكتاب الذي معك وواف بالذي معك إلى منى ، فنزلت من محملي ودفعت إليه الكتاب ، وصرت إلى منى فأدخلت عليه وصببت الدنانير التي معي قدامه فجر بعضها إليه ودفع بعضها بيده ، ثم قال لي : يا مبارك ادفع هذه الدنانير ؟ إلى شعيب وقل له : يقول لك أبو الحسن : ردها إلى موضعها الذي أخذتها منه فان صاحبها يحتاج إليها ، فخرجت من عنده وقدمت على سيدي وقلت ما قصة هذه الدنانير قال : إني طلبت من فاطمة خمسين دينارا لأتم بها هذه الدنانير فامتنعت علي و قالت : أريد أن أشتري بها قراح فلان بن فلان فأخذتها منها سرا ولم ألتفت إلى كلامها ثم دعا شعيب بالميزان فوزنها فإذا هي خمسون دينارا .

أبو خالد الزبالي قال : نزل أبو الحسن منزلنا في يوم شديد البرد في سنة مجدبة ، ونحن لا نقدر على عود نستوقد به ، فقال : يا أبا خالد ائتنا بحطب نستوقد به ، قلت : والله ما أعرف في هذا الموضع عودا واحدا ، فقال : كلا يا أبا خالد ترى هذا الفج خذ فيه فإنك تلقى أعرابيا معه حملان حطبا فاشترهما منه ولا تماكسه ، فركبت حماري وانطلقت نحو الفج الذي وصف لي فإذا أعرابي معه حملان حطبا فاشتريتهما منه وأتيته بهما ، فاستوقدوا منه يومهم ذلك ، وأتيته بطرف ما عندنا فطعم منه ، ثم قال : يا أبا خالد انظر خفاف الغلمان ونعالهم فأصلحها حتى نقدم عليك في شهر كذا وكذا .

قال أبو خالد : فكتبت تاريخ ذلك اليوم ، فركبت حماري اليوم الموعود حتى جئت إلى لزق ميل ونزلت فيه فإذا أنا براكب يقبل نحو القطار فقصدت إليه فإذا يهتف بي ويقول : يا أبا خالد ، قلت : لبيك جعلت فداك قال : أتراك وفيناك بما وعدناك .

ثم قال : يا أبا خالد ما فعلت بالقبتين اللتين كنا نزلنا فيهما ؟ فقلت : جعلت فداك قد هيأتهما لك ، وانطلقت معه حتى نزل في القبتين اللتين كان نزل فيهما ، ثم قال : ما حال خفاف الغلمان ونعالهم ؟ قلت : قد أصلحناها فأتيته بهما فقال : يا أبا خالد سلني حاجتك فقلت جعلت : فداك أخبرك بما كنت فيه كنت زيدي المذهب حتى قدمت علي وسألتني الحطب وذكرت مجيئك في يوم كذا ، فعلمت أنك الامام الذي فرض الله طاعته ، فقال : يا أبا خالد من مات لا يعرف إمامه مات ميتة جاهلية ، وحوسب بما عمل في الاسلام .

في كتاب أمثال الصالحين قال شقيق البلخي :

وجدت رجلا عند فيد يملا * الاناء من الرمل ويشربه , فتعجبت من ذلك واستسقيته فسقاني فوجدته سويقا وسكرا القصة وقد نظموها :

سل شقيق البلخي عنه بما شاهد        منه وما الذي كان أبصر   

قال :

لما حججت عاينت شخصا   ناحل الجسم شاحب اللون أسمر
سائرا وحده وليس له زاد   فما زلت دائبا أتفكر
وتوهمت أنه يسأل الناس   ولم أدر أنه الحج الأكبر
ثم عاينته ونحن نزول   دون فيد على الكثيب الأحمر
يضع الرمل في الاناء ويشربه   فناديته وعقلي محير
اسقني شربة فلما سقاني   منه عاينته سويقا وسكر
فسألت الحجيج من يك هذا ؟   قيل هذا الإمام موسى بن جعفر

علي بن أبي حمزة قال : كنت معتكفا في مسجد الكوفة إذ جاءني أبو جعفر الأحول بكتاب مختوم من أبي الحسن فقرأت كتابه ، فإذا فيه : إذا قرأت كتابي الصغير الذي في جوف كتابي المختوم فاحرزه حتى أطلبه منك ، فأخذ علي الكتاب فأدخله بيت بزه في صندوق مقفل في جوف قمطر في جوف حق مقفل وباب البيت مقفل ، ومفاتيح هذه الأقفال في حجرته ، فإذا كان الليل فهي تحت رأسه وليس يدخل بيت البز غيره ، فلما حضر الموسم خرج إلى مكة وافدا بجميع ما كتب إليه من حوائجه .

فلما دخل عليه قال له العبد الصالح : يا علي ما فعل الكتاب الصغير الذي كتبت إليك فيه أن احتفظ به ؟ فحكيته قال : إذا نظرت إلى الكتاب أليس تعرفه ؟ قلت : بلى قال : فرفع مصلى تحته فإذا هو أخرجه إلي فقال : احتفظ به فلو تعلم ما فيه لضاق صدرك قال : فرجعت إلى الكوفة والكتاب معي فأخرجته في دروز جيبي عند إبطي ، فكان الكتاب حياة علي في حبيبه ، فلما مات علي قال محمد وحسن ابناه : فلم يكن لنا هم إلا الكتاب ففقدناه ، فعلمنا أن الكتاب قد صار إليه .

بيان : القمطر : بكسر القاف وفتح الميم وسكون الطاء : ما يصان فيه الكتب .

- مناقب ابن شهرآشوب :

ومن معجزاته ما نظم قصيدة ابن الغار البغدادي :

وله معجز القليب فسل عنه   رواة الحديث بالنقل تخبر
ولدى السجن حين أبدى إلى السجان   قولا في السجن والامر مشهر
ثم يوم الفصاد حتى أتى الآسي   إليه فرده وهو يذعر
ثم نادى آمنت بالله لا غير   وأن الإمام موسى بن جعفر
واذكر الطائر الذي جاء بالصك   إليه من الامام وبشر
ولقد قدموا إليه طعاما   فيه مستلمح أباه وأنكر
وتجافى عنه وقال حرام      أكل هذا فكيف يعرف منكر    
واذكر الفتيان أيضا ففيها   فضله أذهل العقول وأبهر
عند ذاك استقال من مذهب كان   يوالي أصحابه وتغير

العودة إلى الصفحة الرئيسية

www.mezan.net <‎/TITLE> ‎<META HTTP-EQUIV="Content-Type" CONTENT="text/html; charset=windows-1256">‎ ‎<META NAME="keywords" CONTENT=" السيد محمد حسين فضل الله في الميزان ">‎ ‎<META NAME="description" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله في كتبه ">‎ ‎<META NAME="author" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله بصوته ">‎ ‎<META NAME="copyright" CONTENT=" رأي المراجع العظام والعلماء ">‎ <‎/HEAD>