قصة الرشيد والأعرابي

- مناقب ابن شهرآشوب : الفضل بن الربيع ورجل آخر قالا : حج هارون الرشيد وابتدأ بالطواف ، ومنعت العامة من ذلك ، لينفرد وحده ، فبينما هو في ذلك إذ ابتدر أعرابي البيت ، وجعل يطوف معه .

فقال الحاجب : تنح يا هذا عن وجه الخليفة ، فانتهرهم الأعرابي وقال : إن الله ساوى بين الناس في هذا الموضع فقال " سواءا العاكف فيه والباد " فأمر الحاجب بالكف عنه ، فكلما طاف الرشيد طاف الأعرابي أمامه ، فنهض إلى الحجر الأسود ليقبله فسبقه الأعرابي إليه والتثمه ، ثم صار الرشيد إلى المقام ليصلي فيه فصلى الأعرابي أمامه .

فلما فرغ هارون من صلاته ، استدعى الأعرابي فقال الحجاب : أجب أمير المؤمنين فقال : مالي إليه حاجة فأقوم إليه بل إن كانت الحاجة له فهو بالقيام إلي أولى قال : صدق فمشى إليه وسلم عليه فرد فقال هارون : أجلس يا أعرابي ؟ فقال : ما الموضع لي فتستأذنني فيه بالجلوس ، إنما هو بيت الله نصبه لعباده ، فان أحببت أن تجلس فاجلس ، وإن أحببت أن تنصرف فانصرف . فجلس هارون وقال : ويحك يا أعرابي مثلك من يزاحم الملوك ؟ قال : نعم وفي مستمع قال : فاني سائلك فان عجزت آذيتك قال : سؤالك هذا سؤال متعلم أو سؤال متعنت ؟ قال : بل سؤال متعلم قال : اجلس مكان السائل من المسؤول وسل وأنت مسؤول .

فقال هارون : أخبرني ما فرضك ؟ قال : إن الفرض رحمك الله واحد وخمسة وسبعة عشر ، وأربع وثلاثون ، وأربع وتسعون ، ومائة وثلاثة وخمسون ، على سبعة عشر ، ومن اثني عشر واحد ، ومن أربعين واحد ، ومن مأتين خمس ، ومن الدهر كله واحد ، وواحد بواحد .

قال : فضحك الرشيد وقال : ويحك أسألك عن فرضك ، وأنت تعد علي الحساب ! ؟ قال : أما علمت أن الدين كله حساب ، ولو لم يكن الدين حسابا لما اتخذ الله للخلائق حسابا ، ثم قرأ " وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها و كفى بنا حاسبين " قال : فبين لي ما قلت ؟ وإلا أمرت بقتلك بين الصفا والمروة .

فقال الحاجب : تهبه لله ولهذا المقام قال : فضحك الأعرابي من قوله ، فقال الرشيد : مما ضحكت يا أعرابي ؟ قال : تعجبا منكما ، إذ لا أدري من الأجهل منكما ، الذي يستوهب أجلا قد حضر ، أو الذي استعجل أجلا لم يحضر .

فقال الرشيد : فسر ما قلت ؟ قال : أما قولي الفرض واحد : فدين الاسلام كله واحد ، وعليه خمس صلوات ، وهي سبع عشر ركعة وأربع وثلاثون سجدة وأربع وتسعون تكبيرة ، ومائة وثلاث وخمسون تسبيحة ، وأما قولي من اثني عشر واحد : فصيام شهر رمضان من اثني عشر شهرا ، وأما قولي : من الأربعين واحد فمن ملك أربعين دينار أوجب الله عليه دينارا ، وأما قولي : من مائتين خمسة فمن ملك مائتي درهم أوجب الله عليه خمسة دراهم . وأما قولي فمن الدهر كله واحد فحجة الاسلام ، وأما قولي واحد من واحد فمن أهرق دما من غير حق وجب إهراق دمه قال الله تعالى : " النفس بالنفس " فقال الرشيد : لله درك ، وأعطاه بدرة فقال : فبم استوجبت منك هذه البدرة يا هارون بالكلام ؟ أو بالمسألة ؟ قال : بالكلام قال : فإني سائلك عن مسألة فان أتيت بها كانت البدرة لك تصدق بها في هذا الموضع الشريف ، وإن لم تجبني عنها أضفت إلى البدرة بدرة أخرى لأتصدق بها على فقراء الحي من قومي ، فأمر بإيراد أخرى وقال : سل عما بدا لك . فقال : أخبرني عن الخنفساء تزق ؟ أم ترضع ولدها ؟ فحرد هارون و قال : ويحك يا أعرابي مثلي من يسأل عن هذه المسألة ؟ ! فقال : سمعت ممن سمع من رسول الله يقول : من ولي أقواما وهب له من العقل كعقولهم ، وأنت إمام هذه الأمة يجب أن لا تسأل عن شئ من أمر دينك ، ومن الفرايض ، إلا أجبت عنها ، فهل عندك له الجواب ؟ .

قال هارون : رحمك الله لا فبين لي ما قلته ، وخذ البدرتين فقال : إن الله تعالى لما خلق الأرض خلق دبابات الأرض الذي من غير فرث ، ولا دم ، خلقها من التراب ، وجعل رزقها وعيشها منه ، فإذا فارق الجنين أمه لم تزقه ولم ترضعه وكان عيشها من التراب .

فقال هارون : والله ما ابتلى أحد بمثل هذه المسألة ، وأخذ الأعرابي البدرتين وخرج ، فتبعه بعض الناس ، وسأله عن اسمه فإذا هو موسى بن جعفر بن محمد فأخبر هارون بذلك فقال : والله لقد كان ينبغي أن تكون هذه الورقة من تلك الشجرة .

قوله : وفي مستمع أي علم يجب أن يستمع إليه .

- الشريف المرتضى في الغرر والديلمي في أعلام الدين عن أبي عبد الله بإسناده عن أيوب الهاشمي أنه حضر باب الرشيد رجل يقال له : نفيع الأنصاري وحضر موسى بن جعفر على حمار له ، فتلقاه الحاجب بالإكرام ، وعجل له بالاذن فسأل نفيع عبد العزيز بن عمر من هذا الشيخ ؟ قال : شيخ آل أبي طالب شيخ آل محمد ، هذا موسى بن جعفر قال : ما رأيت أعجز من هؤلاء القوم يفعلون هذا برجل يقدر أن يزيلهم عن السرير أما إن خرج لأسوءنه .

فقال له عبد العزيز : لا تفعل ، فإن هؤلاء أهل بيت قل ما تعرض لهم أحد في الخطاب إلا وسموه في الجواب سمة يبقي عارها عليه مدى الدهر قال : وخرج موسى وأخذ نفيع بلجام حماره وقال : من أنت يا هذا ؟ .

قال : يا هذا إن كنت تريد النسب أنا ابن محمد حبيب الله ابن إسماعيل ذبيح الله ابن إبراهيم خليل الله ، وإن كنت تريد البلد فهو الذي فرض الله على المسلمين ، و عليك إن كنت منهم الحج إليه ، وإن كنت تريد المفاخرة فوالله ما رضوا مشركوا قومي مسلمي قومك أكفاءا لهم حتى قالوا : يا محمد أخرج إلينا أكفاءنا من قريش ، و إن كنت تريد الصيت والاسم فنحن الذين أمر الله بالصلاة علينا في الصلوات المفروضة تقول : اللهم صل على محمد وآل محمد ، فنحن آل محمد ، خل عن الحمار فخلى عنه ويده ترعد ، وانصرف مخزيا فقال له عبد العزيز : ألم أقل لك ؟ ! .

العودة إلى الصفحة الرئيسية

www.mezan.net <‎/TITLE> ‎<META HTTP-EQUIV="Content-Type" CONTENT="text/html; charset=windows-1256">‎ ‎<META NAME="keywords" CONTENT=" السيد محمد حسين فضل الله في الميزان ">‎ ‎<META NAME="description" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله في كتبه ">‎ ‎<META NAME="author" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله بصوته ">‎ ‎<META NAME="copyright" CONTENT=" رأي المراجع العظام والعلماء ">‎ <‎/HEAD>