ترجمة : حماد بن عيسى الجهني البصري ، ويحيى بن عبد الله المحض

- الاختصاص : حماد بن عيسى الجهني البصري ، كان أصله كوفيا ومسكنه البصرة ، وعاش نيفا وتسعين سنة ، روى عن أبي عبد الله ومات بوادي قبا بالمدينة ، وهو واد يسيل من الشجرة إلى المدينة ، ومات سنة تسع ومائتين ، حدثنا جعفر بن الحسين المؤمن ، عن ابن الوليد ، عن الصفار ، عن اليقطيني ، عن حماد ابن عيسى قال : دخلت على أبي الحسن الأول فقلت له : جعلت فداك ادع الله لي أن يرزقني دارا وزوجة وولدا وخادما والحج في كل سنة فقال : اللهم صل على محمد وآل محمد وارزقه دارا وزوجة وولدا وخادما والحج خمسين سنة .

قال حماد : فلما اشترط خمسين سنة علمت أني لا أحج أكثر من خمسين سنة قال حماد : وحججت ثمان وأربعين حجة وهذه داري قد رزقتها ، وهذه زوجتي وراء الستر تسمع كلامي ، وهذا ابني ، وهذه خادمتي قد رزقت كل ذلك ، فحج بعد هذا الكلام حجتين تمام الخمسين ، ثم خرج بعد الخمسين حاجا فزامل أبا العباس النوفلي القصير ، فلما صار في موضع الاحرام دخل يغتسل في الوادي فحمله فغرقه الماء رحمه الله وأباه قبل أن يحج زيادة على خمسين ، عاش إلى وقت الرضا وتوفي سنة تسع ومائتين ، وكان من جهينة .

- عمدة الطالب : يحيى صاحب الديلم ابن عبد الله المحض بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب قد هرب إلى بلاد الديلم وظهر هناك واجتمع عليه الناس وبايعه أهل تلك الأعمال وعظم أمره وخاف الرشيد لذلك وأهمه و انزعج منه غاية الانزعاج ، فكتب إلى الفضل بن يحيى البرمكي : أن يحيى بن عبد الله قذاة في عيني فأعطه ما شاء واكفني أمره ، فسار إليه الفضل في جيش كثيف وأرسل إليه بالرفق والتحذير والترغيب والترهيب فرغب يحيى في الأمان فكتب له الفضل أمانا مؤكدا وأخذ يحيى وجاء به إلى الرشيد ، ويقال : إنه صار إلى الديلم مستجيرا فباعه صاحب الديلم من الفضل بن يحيى بمائة ألف درهم ، ومضى يحيى إلى المدينة فأقام بها إلى أن سعى به عبد الله بن الزبير إلى الرشيد .

- كتاب المقتضب لابن عياش ، عن صالح بن الحسين النوفلي ، عن ذي النون المصري قال : خرجت في بعض سياحتي حتى كنت ببطن السماوة فأفضى لي المسير إلى تدمر فرأيت بقربها أبنية عادية قديمة ، فساورتها فإذا هي من حجارة منقورة فيها بيوت وغرف من حجارة وأبوابها كذلك ، بغير ملاط ، وأرضها كذلك حجارة صلدة ، فبينا أجول فيها إذ بصرت بكتابة غريبة على حائط منها فقرأته فإذا هو :

أنا ابن منى والمشعرين وزمزم   ومكة والبيت العتيق المعظم
وجدي النبي المصطفى وأبي الذي   ولايته فرض على كل مسلم
وأمي البتول المستضاء بنورها   إذا ما عددنا عديلة مريم
وسبطا رسول الله عمي ووالدي   وأولاده الأطهار تسعة أنجم
متى تعتلق منهم بحبل ولاية   تفز يوم يجزى الفائزون وتنعم
أئمة هذا الخلق بعد نبيهم   فان كنت لم تعلم بذلك فاعلم
أنا العلوي الفاطمي الذي ارتمى   به الخوف والأيام بالمرء ترتمي
فضاقت بي الأرض الفضاء برحبها   ولم أستطع نيل السماء بسلم
فألممت بالدار التي أنا كاتب   عليها بشعري فأقرأ إن شئت والمم
وسلم لأمر الله في كل حالة   فليس أخو الاسلام من لم يسلم

قال ذو النون : فعلمت أنه علوي قد هرب ، وذلك في خلافة هارون ووقع إلى ما هناك فسألت من ثم من سكان هذه الدار وكانوا من بقايا القبط الأول هل تعرفون من كتب هذا الكتاب ؟ قالوا : لا والله ما عرفناه إلا يوما واحدا فإنه نزل بنا فأنزلناه ، فلما كان صبيحة ليلته غدا ، فكتب هذا الكتاب ومضى ، قلت : أي رجل كان ؟ قالوا : رجل عليه أطمار رثة تعلوه هيبة وجلالة وبين عينيه نور شديد لم يزل ليلته قائما وراكعا وساجدا إلى أن انبلج له الفجر فكتب وانصرف .

أقول : لا يبعد كونه الكاظم ذهب وكتب لاتمام الحجة عليهم .

- مقاتل الطالبيين بأسانيده ، عن جماعة أنهم قالوا : إن يحيى بن عبد الله بن الحسن لما قتل أصحاب فخ كان في قبلهم فاستتر مدة يجول في البلدان ويطلب موضعا يلجأ إليه ، وعلم الفضل بن يحيى بمكانه في بعض النواحي فأمره بالانتقال عنه ، وقصد الديلم وكتب له منشورا لا يعرض له أحد ، فمضى متنكرا حتى ورد الديلم ، وبلغ الرشيد خبره وهو في بعض الطريق فولى الفضل بن يحيى نواحي المشرق وأمره بالخروج إلى يحيى ، فلما علم الفضل بمكان يحيى كتب إليه : إني أريد أن أحدث بك عهدا ، وأخشى أن تبتلي بي وابتلى بك ، فكاتب صاحب الديلم فاني قد كاتبته لك لتدخل إلى بلاده فتمتنع به .

ففعل ذلك يحيى ، وكان صحبه جماعة من أهل الكوفة ، وفيهم الحسن بن صالح بن حي ، كان يذهب مذهب الزيدية البترية في تفضيل أبي بكر ، وعمر وعثمان في ست سنين من إمارته ، وتكفيره في باقي عمره ، ويشرب النبيذ ، ويمسح على الخفين ، فكان يخالف يحيى في أمره ، ويفسد أصحابه ، فحصل بينهما بذلك تنافر ، وولى الرشيد الفضل جميع كور المشرق وخراسان ، وأمره بقصد يحيى والجد به ، وبذل الأمان والصلة له إن قبل ذلك . فمضى الفضل فيمن ندب معه ، وراسل يحيى فأجابه إلى قبوله ، لما رأى من تفرق أصحابه وسوء رأيهم فيه ، وكثرة خلافهم عليه إلا أنه لم يرض الشرائط التي شرطت له ، ولا الشهود الذين شهدوا له ، وبعث الكتاب إلى الفضل فبعث به إلى الرشيد ، فكتب له على ما أراد وشهد له من التمس .

فلما ورد كتاب الرشيد على الفضل وقد كتب الأمان على ما رسم يحيى ، و أشهد الشهود الذين التمسهم ، وجعل الأمان على نسختين إحداهما مع يحيى والأخرى معه ، شخص يحيى مع الفضل حتى وافى بغداد ، ودخلها معاد له في عمارية على بغل ، فلما قدم يحيى أجازه الرشيد بجوائز سنية ، يقال إن مبلغها مائتا ألف دينار ، وغير ذلك من الخلع والحملان ، فأقام على ذلك مدة وفي نفسه الحيلة على يحيى ، والتتبع له ، وطلب العلل عليه وعلى أصحابه .

ثم إن نفرا من أهل الحجاز تحالفوا على السعاية بيحيى ، وهم : عبد الله بن مصعب الزبيري ، وأبو البختري وهب بن وهب ، ورجل من بني زهرة ، ورجل من بني مخزوم ، فوافوا الرشيد لذلك ، واحتالوا إلى أن أمكنهم ذكره له ، وأشخصه الرشيد إليه وحبسه عند مسرور الكبير في سرداب ، فكان في أكثر الأيام يدعوه ويناظره إلى أن مات في حبسه ، واختلف كيف كانت وفاته ؟ فقيل ؟ إنه دعاه يوما وجمع بينه وبين ابن مصعب ليناظره فيما رفع إليه فجبهه ابن مصعب بحضرة الرشيد وقال : إن هذا دعاني إلى بيعته .

فقال يحيى : يا أمير المؤمنين أتصدق هذا علي وتستنصحه ؟ وهو ابن عبد الله ابن الزبير الذي أدخل أباك وولده الشعب ، وأضرم عليهم النار حتى تخلصهم أبو عبد الله الجدلي صاحب علي ، وهو الذي بقي أربعين يوما لا يصلي على النبي في خطبته حتى التاث عليه الناس فقال : إن له أهل بيت سوء إذا ذكرته اشرأبت نفوسهم إليه ، وفرحوا بذلك ، فلا أحب أن أقر أعينهم بذلك وهو الذي فعل بعبد الله بن العباس ما لا خفاء به عليك ، وطال الكلام بينهما حتى قال يحيى : ومع ذلك هو الخارج مع أخي على أبيك وقال في ذلك أبياتا منها : قوموا ببيعتكم ننهض بطاعتنا * إن الخلافة فيكم يا بني حسن قال : فتغير وجه الرشيد عند سماع الأبيات ، فابتدأ ابن مصعب يحلف بالله الذي لا إله إلا هو ، وبأيمان البيعة أن هذا الشعر ليس له .

فقال يحيى : والله يا أمير المؤمنين ما قاله غيره ، وما حلفت بالله كاذبا ولا صادقا قبل هذا وإن الله إذا مجده العبد في يمينه استحيا أن يعاقبه ، فدعني أحلفه بيمين ما حلف بها أحد قط كاذبا إلا عوجل قال : حلفه قال : قل : برئت من حول الله وقوته ، واعتصمت بحولي وقوتي ، وتقلدت الحول والقوة من دون الله استكبارا على الله واستغناءا عنه ، واستعلاءا عليه إن كنت قلت هذا الشعر .

فامتنع عبد الله منه فغضب الرشيد وقال للفضل بن الربيع : هنا شئ ماله لا يحلف إن كان صادقا ؟ فرفس الفضل عبد الله برجله وصاح به احلف ويحك ، وكان له فيه هوى فحلف باليمين ووجهه متغير وهو يرعد ، فضرب يحيى بين كتفيه ثم قال : يا ابن مصعب قطعت والله عمرك ، والله لا تفلح بعدها ، فما برح من موضعه حتى أصابه الجذام فتقطع ومات في اليوم الثالث ، فحضر الفضل جنازته ومشى معها ومشى الناس معه ، فلما وضعوه في لحده ، وجعلوا اللبن فوقه ، انخسف القبر به و خرجت منه غبرة عظيمة .

فصاح الفضل : التراب التراب ، فجعل يطرح وهو يهوي ، فدعا بأحمال شوك وطرحها فهوت ، فأمر حينئذ بالقبر ، فسقف بخشب وأصلحه ، وانصرف منكسرا .

فكان الرشيد بعد ذلك يقول للفضل : رأيت يا عباسي ما أسرع ما أديل يحيى من ابن مصعب . ثم جمع له الرشيد الفقهاء وفيهم محمد بن الحسن صاحب أبي يوسف ، و الحسن بن زياد اللؤلؤي وأبو البختري  فجمعوا في مجلس فخرج إليهم مسرور الكبير بالأمان فبدأ بمحمد بن الحسن فنظر فيه فقال : هذا أمان مؤكد لا حيلة فيه ، فصاح عليه مسرور : هاته ، فدفعه إلى الحسن بن زياد فقال بصوت ضعيف : هو أمان ، فاستلبه أبو البختري وقال : هذا باطل منتقض ، قد شق العصا ، و سفك الدم ، فاقتله ودمه في عنقي .

فدخل مسرور إلى الرشيد وأخبره فقال : اذهب وقل له : خرفه إن كان باطلا بيدك ، فجاء مسرور فقال له ذلك فقال : شقه أبا هاشم ، قال له مسرور : بل شقه أنت إن كان منتقضا فأخذ سكينا وجعل يشقه ويده ترتعد حتى صيره سيورا فأدخله مسرور على الرشيد فوثب فأخذه من يده وهو فرح ، ووهب لأبي البختري ألف ألف وستمائة ألف ، وولاه قضاء القضاة ، وصرف الآخرين ، ومنع محمد بن الحسن من الفتيا مدة طويلة ، وأجمع على إنفاذ ما أراد في يحيى .

فروي عن رجل كان مع يحيى في المطبق قال : كنت منه قريبا فكان في أضيق البيوت وأظلمها ، فبينا نحن ذات ليلة كذلك إذ سمعنا صوت الأقفال ، وقد مضى من الليل هجعة ، فإذا هارون قد أقبل على برذون له فوقف ثم قال : أين هذا ؟ يعني يحيى قالوا : في هذا البيت قال : علي به فادني إليه فجعل هارون يكلمه بشئ لم أفهمه فقال : خذوه ، فاخذ فضربه مائة عصا ، ويحيى يناشده الله والرحم والقرابة من رسول الله ويقول : بقرابتي منك فيقول : ما بيني وبينك قرابة .

ثم حمل فرد إلى موضعه فقال : كم أجريتم عليه ؟ قالوا : أربعة أرغفة وثمانية أرطال ماء قال : اجعلوه على النصف ، ثم خرج ومكث ليالي ثم سمعنا وقعا فإذا نحن به حتى دخل ، فوقف موقفه فقال : علي به فاخرج ففعل به مثل فعله ذلك ، وضربه مائة عصا أخرى ، ويحيى يناشده فقال : كم أجريتم عليه ؟ قالوا : رغيفين وأربعة أرطال ماء قال : اجعلوه على النصف ، ثم خرج وعاود الثالثة ، وقد مرض يحيى وثقل .

فلما دخل قال : علي به قالوا : هو عليل مدنف لما به ، قال : كم أجريتم عليه ؟ قالوا : رغيفا ورطلين ماء قال : اجعلوه على النصف ثم خرج ، فلم يلبث يحيى أن مات فاخرج إلى الناس فدفن .

وعن إبراهيم بن رياح أنه بنى عليه أسطوانة بالرافقة وهو حي . وعن علي بن محمد بن سليمان أنه دس إليه في الليل من خنقه حتى تلف قال : وبلغني أنه سقاه سما .

وعن محمد بن أبي الحسناء أنه أجاع السباع ثم ألقاه إليها فأكلته . وعن عبد الله بن عمر العمري قال : دعينا لمناظرة يحيى بن عبد الله بحضرة الرشيد فجعل يقول له : يا يحيى اتق الله وعرفني أصحابك السبعين لئلا ينتقض أمانك ؟ ، وأقبل علينا فقال : إن هذا لم يسم أصحابه ، فكلما أردت أخذ انسان يبلغني عنه شئ أكرهه ، ذكر أنه ممن أمنت .

فقال يحيى : يا أمير المؤمنين أنا رجل من السبعين فما الذي نفعني من الأمان أفتريد أن أدفع إليك قوما تقتلهم معي لا يحل لي هذا قال : ثم خرجنا ذلك اليوم ودعانا له يوما آخر فرأيته أصفر اللوم متغيرا فجعل الرشيد يكلمه فلا يجيبه فقال : ألا ترون إليه لا يجيبني ! ؟ فأخرج إلينا لسانه قد صار أسود مثل الحممة يرينا أنه لا يقدر على الكلام فاستشاط الرشيد وقال : إنه يريكم أني سقيته السم ووالله لو رأيت عليه القتل لضربت عنقه صبرا ، ثم خرجنا من عنده ، فما صرنا في وسط الدار حتى سقط على وجهه لآخر ما به . وعن إدريس بن محمد بن يحيى كان يقول : قتل جدي بالجوع والعطش في الحبس .

وعن الزبير بن بكار عن عمه أن يحيى لما أخذ من الرشيد المأتي الألف الدينار قضى بها دين الحسين صاحب فخ ، وكان الحسين خلف مأتي ألف دينار دينا وقال : خرج مع يحيى عامر بن كثير السراج وسهل بن عامر البجلي ، ويحيى [ بن عبد الله بن يحيى ] بن مساور ، وكان من أصحابه علي بن هاشم بن البريد ، وعبد الله بن علقمة ، ومخول بن إبراهيم النهدي ، فحبسهم جميعا هارون في المطبق فمكثوا فيه اثنتي عشرة سنة . أقول : أوردت أحوال كثير من عشائره وأصحابه في باب معجزاته ، وباب مكارم أخلاقه ، وباب مناظراته ، وما جرى بينه وبين خلفاء زمانه ، وباب شهادته عليه السلام وباب إبطال مذهب الواقفة .

العودة إلى الصفحة الرئيسية

www.mezan.net <‎/TITLE> ‎<META HTTP-EQUIV="Content-Type" CONTENT="text/html; charset=windows-1256">‎ ‎<META NAME="keywords" CONTENT=" السيد محمد حسين فضل الله في الميزان ">‎ ‎<META NAME="description" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله في كتبه ">‎ ‎<META NAME="author" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله بصوته ">‎ ‎<META NAME="copyright" CONTENT=" رأي المراجع العظام والعلماء ">‎ <‎/HEAD>