فيما قاله الرشيد عند قبر النبي

وحج الرشيد في تلك السنة فبدأ بقبر النبي فقال : يا رسول الله إني أعتذر إليك من شئ أريد أن أفعله ، أريد أن أحبس موسى بن جعفر فإنه يريد التشتت بين أمتك وسفك دمائها ، ثم أمر به فاخذ من المسجد فادخل إليه فقيده ، وأخرج من داره بغلان عليهما قبتان مغطاتان هو في إحداهما ، ووجه مع كل واحدة منهما خيلا فأخذ بواحدة على طريق البصرة ، والأخرى على طريق الكوفة ليعمي على الناس أمره ، وكان في التي مضت إلى البصرة ، وأمر الرسول أن يسلمه إلى عيسى بن جعفر بن المنصور ، وكان على البصرة حينئذ فمضى به فحبسه عنده سنة .

ثم كتب إلى الرشيد أن خذه مني ، وسلمه إلى من شئت ، وإلا خليت سبيله ، فقد اجتهدت بأن أجد عليه حجة ، فما أقدر على ذلك ، حتى أني لا تسمع عليه إذا دعا لعله يدعو علي أو عليك فما أسمعه يدعو إلا لنفسه ، يسأل الرحمة و المغفرة فوجه من تسلمه منه ، وحبسه عند الفضل بن الربيع ببغداد ، فبقي عنده مدة طويلة ، وأراده الرشيد على شئ من أمره فأبى فكتب بتسليمه إلى الفضل بن يحيى فتسلمه منه وأراد ذلك منه فلم يفعل ، وبلغه أنه عنده في رفاهية وسعة ، وهو حينئذ بالرقة .

فأنفذ مسرور الخادم إلى بغداد على البريد ، وأمره أن يدخل من فوره إلى موسى بن جعفر فيعرف خبره ، فإن كان الامر على ما بلغه أوصل كتابا منه إلى العباس بن محمد وأمره بامتثاله ، وأوصل منه كتابا آخر إلى السندي بن شاهك يأمره بطاعة العباس .

فقدم مسرور فنزل دار الفضل بن يحيى لا يدري أحد ما يريد ثم دخل على موسى ابن جعفر فوجده على ما بلغ الرشيد ، فمضى من فوره إلى العباس بن محمد والسندي فأوصل الكتابين إليهما ، فلم يلبث الناس أن خرج الرسول يركض إلى الفضل بن يحيى فركب معه وخرج مشدوها دهشا حتى دخل على العباس فدعا بسياط وعقابين فوجه ذلك إلى السندي وأمره بالفضل فجرد ثم ضربه مائة سوط ، وخرج متغير اللون خلاف ما دخل فأذهبت نخوته فجعل يسلم على الناس يمينا وشمالا و كتب مسرور بالخبر إلى الرشيد فأمر بتسليم موسى إلى السندي بن شاهك وجلس مجلسا حافلا وقال : أيها الناس إن الفضل بن يحيى قد عصاني ، وخالف طاعتي ورأيت أن ألعنه فالعنوه فلعنه الناس من كل ناحية حتى ارتج البيت والدار بلعنه .

وبلغ يحيى بن خالد فركب إلى الرشيد ودخل من غير الباب الذي يدخل الناس منه حتى جاءه من خلفه وهو لا يشعر ثم قال : التفت إلي يا أمير المؤمنين فأصغى إليه فزعا فقال له : إن الفضل حدث وأنا أكفيك ما تريد ، فانطلق وجهه وسر وأقبل على الناس فقال : إن الفضل كان عصاني في شئ فلعنته وقد تاب وأناب إلى طاعتي فتولوه ، فقالوا له : نحن أولياء من واليت وأعداء من عاديت وقد توليناه . ثم خرج يحيى بن خالد بنفسه على البريد حتى أتى بغداد فماج الناس و أرجفوا بكل شئ ، فأظهر أنه ورد لتعديل السواد ، والنظر في أمر العمال وتشاغل ببعض ذلك ، ودعا السندي فأمره فيه بأمره ، فامتثله ، وسأل موسى السندي عند وفاته أن يحضره مولى له ينزل عند دار العباس بن محمد في أصحاب القصب ليغسله ففعل ذلك قال : وسألته أن يأذن لي أن أكفنه فأبى وقال : إنا أهل بيت مهور نسائنا وحج صرورتنا ، وأكفان موتانا من طهرة أموالنا ، وعندي كفني .

فلما مات أدخل عليه الفقهاء ووجوه أهل بغداد وفيهم الهيثم بن عدي وغيره فنظروا إليه لا أثر به ، وشهدوا على ذلك واخرج فوضع على الجسر ببغداد ، ونودي : هذا موسى بن جعفر قد مات فانظروا إليه ، فجعل الناس يتفرسون في وجهه وهو عليه السلام ميت .

قال : وحدثني رجل من بعض الطالبيين أنه نودي عليه : هذا موسى بن جعفر الذي تزعم الرافضة أنه لا يموت ، فانظروا إليه ، فنظروا إليه . قالوا : وحمل فدفن في مقابر قريش ، فوقع قبره إلى جانب رجل من النوفليين يقال له عيسى بن عبد الله .

- الإرشاد : أحمد بن عبيد الله بن عمار ، عن علي بن محمد النوفلي ، عن أبيه ، وأبو محمد الحسن بن محمد بن يحيى ، عن مشايخهم مثله مع تغيير ما .

بيان : الاملاق الافتقار قوله يسبب له أي يكتب له فان الكتاب سبب لتحصيل المال ، وشده الرجل شدها فهو مشدوه أي دهش قوله : حافلا أي ممتلئا قوله فماج الناس أي اضطربوا .

- بصائر الدرجات : عباد بن سليمان ، عن سعد بن سعد ، عن أحمد بن عمر قال : سمعته يقول يعني أبا الحسن الرضا : إني طلقت أم فروة بنت إسحاق في رجب بعد موت أبي بيوم قلت له : جعلت فداك طلقتها وقد علمت موت أبي الحسن ؟ قال : نعم .

بيان : قيل : الطلاق بعد الموت مبني على أن العلم الذي هو مناط الأحكام الشرعية هو العلم الظاهر على الوجه المتعارف . أقول : يمكن أن يكون هذا من خصائصهم لإزالة الشرف الذي حصل لهن بسبب الزواج ، كما طلق أمير المؤمنين عائشة يوم الجمل ، أو أراد تطليقها لتخرج من عداد أمهات المؤمنين ولعله إنما طلقها لعلمه بأنها ستريد التزويج ولا يمكنه منعها عن ذلك تقية فطلقها ليجوز لها ذلك ، ويحتمل وجهين آخرين : الأول أن يكون التطليق بالمعنى اللغوي أي جعلت أمرها إليها تذهب حيث شاءت الثاني أن يكون علم صلاحها في تزويجها قريبا فأخبرها بالموت لتعتد عدة الوفاة ، وطلقها ظاهرا لعدم تشنيع العامة في ذلك .

- بصائر الدرجات : عباد بن سليمان ، عن سعد بن سعد ، عن صفوان قال : : قلت لأبي الحسن الرضا : رووا عنك في موت أبي الحسن أن رجلا قال لك : علمت ذلك بقول سعيد ؟ فقال : جاءني سعيد بما قد كنت علمته قبل مجيئه .

العودة إلى الصفحة الرئيسية

www.mezan.net <‎/TITLE> ‎<META HTTP-EQUIV="Content-Type" CONTENT="text/html; charset=windows-1256">‎ ‎<META NAME="keywords" CONTENT=" السيد محمد حسين فضل الله في الميزان ">‎ ‎<META NAME="description" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله في كتبه ">‎ ‎<META NAME="author" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله بصوته ">‎ ‎<META NAME="copyright" CONTENT=" رأي المراجع العظام والعلماء ">‎ <‎/HEAD>