في فضيلة كربلا ، وأن الكعبة افتخرت على بقعة كربلا

قال المفضل : يا سيدي يقيم بمكة ؟ قال : لا يا مفضل بل يستخلف منها رجلا من أهله ، فإذا سار منها وثبوا عليه فيقتلونه ، فيرجع إليهم فيأتونه مهطعين مقنعي رؤسهم يبكون ويتضرعون ، ويقولون : يا مهدي آل محمد التوبة التوبة فيعظهم وينذرهم ، ويحذرهم ، ويستخلف عليهم منهم خليفة ويسير ، فيثبون عليه بعده فيقتلونه فيرد إليهم أنصاره من الجن والنقباء ويقول لهم : ارجعوا فلا تبقوا منهم بشرا إلا من آمن ، فلولا أن رحمة ربكم وسعت كل شئ وأنا تلك الرحمة لرجعت إليهم معكم ، فقد قطعوا الأعذار بينهم وبين الله ، وبيني وبينهم ، فيرجعون إليهم ، فوالله لا يسلم من المائة منهم واحد لا والله ولا من ألف واحد .

قال المفضل : قلت : يا سيدي فأين تكون دار المهدي ، ومجتمع المؤمنين ؟ قال : دار ملكه الكوفة ، ومجلس حكمه جامعها ، وبيت ماله ومقسم غنائم المسلمين مسجد السهلة ، وموضع خلواته الذكوات البيض من الغريين .

قال المفضل : يا مولاي كل المؤمنين يكونون بالكوفة ؟ قال : إي والله لا يبقى مؤمن إلا كان بها أو حواليها ، وليبلغن مجالة فرس منها ألفي درهم وليودن أكثر الناس أنه اشترى شبرا من أرض السبع بشبر من ذهب ، والسبع خطة من خطط همدان ، وليصيرن الكوفة أربعة وخمسين ميلا وليجاورن قصورها كربلا ، وليصيرن الله كربلاء معقلا ومقاما تختلف فيه الملائكة والمؤمنون وليكونن لها شأن من الشأن ، وليكونن فيها من البركات ما لو وقف مؤمن ودعا ربه بدعوة لأعطاه الله بدعوته الواحدة مثل ملك الدنيا ألف مرة .

ثم تنفس أبو عبد الله وقال : يا مفضل إن بقاع الأرض تفاخرت : ففخرت كعبة البيت الحرام ، على بقعة كربلا ، فأوحى الله إليها أن اسكتي كعبة البيت الحرام ، ولا تفتخري على كربلا ، فإنها البقعة المباركة التي نودي موسى منها من الشجرة ، وإنها الربوة التي أويت إليها مريم والمسيح وإنها الدالية التي غسل فيها رأس الحسين وفيها غسلت مريم عيسى واغتسلت من ولادتها وإنها خير بقعة عرج رسول الله منها وقت غيبته ، وليكونن لشيعتنا فيها خيرة إلى ظهور قائمنا .

قال المفضل : يا سيدي ثم يسير المهدي إلى أين ؟ قال : إلى مدينة جدي رسول الله ، فإذا وردها كان له فيها مقام عجيب يظهر فيه سرور المؤمنين وخزي الكافرين .

قال المفضل : يا سيدي ما هو ذاك ؟ قال : يرد إلى قبر جده فيقول : يا معاشر الخلائق ، هذا قبر جدي رسول الله ؟ فيقولون : نعم يا مهدي آل محمد فيقول : ومن معه في القبر ؟ فيقولون : صاحباه وضجيعاه أبو بكر وعمر ، فيقول وهو أعلم بهما والخلائق كلهم جميعا يسمعون :

من أبو بكر وعمر ؟ وكيف دفنا من بين الخلق مع جدي رسول الله ، وعسى المدفون غيرهما .

فيقول الناس : يا مهدي آل محمد ما ههنا غيرهما إنهما دفنا معه لأنهما خليفتا رسول الله وأبوا زوجتيه ، فيقول للخلق بعد ثلاث : أخرجوهما من قبريهما ، فيخرجان غضين طريين لم يتغير خلقهما ، ولم يشحب لونهما فيقول : هل فيكم من يعرفهما ؟ فيقولون : نعرفهما بالصفة وليس ضجيعا جدك غيرهما ، فيقول : هل فيكم أحد يقول غير هذا أو يشك فيهما ؟ فيقولون : لا فيؤخر اخراجهما ثلاثة أيام ، ثم ينتشر الخبر في الناس ويحضر المهدي ويكشف الجدران عن القبرين ، ويقول للنقباء : ابحثوا عنهما وانبشوهما . فيبحثون بأيديهم حتى يصلون إليهما .

فيخرجان غضين طريين كصورتهما فيكشف عنهما أكفانهما ويأمر برفعهما على دوحة يابسة نخرة فيصلبهما عليها ، فتحيى الشجرة وتورق ويطول فرعها .

فيقول المرتابون من أهل ولايتهما : هذا والله الشرف حقا ، ولقد فزنا بمحبتهما وولايتهما ، ويخبر من أخفى نفسه ممن في نفسه مقياس حبة من محبتهما وولايتهما ، فيحضرونهما ويرونهما ويفتنون بهما وينادي منادي المهدي : كل من أحب صاحبي رسول الله وضجيعيه ، فلينفرد جانبا ، فتتجزأ الخلق جزئين أحدهما موال والآخر متبرئ منهما .

فيعرض المهدي على أوليائهما البراءة منهما فيقولون : يا مهدي آل رسول الله نحن لم نتبرأ منهما ، ولسنا نعلم أن لهما عند الله وعندك هذه المنزلة ، وهذا الذي بدا لنا من فضلهما ، أنتبرأ الساعة منهما وقد رأينا منهما ما رأينا في هذا الوقت ؟ من نضارتهما وغضاضتهما ، وحياة الشجرة بهما ؟ بل والله نتبرأ منك وممن آمن بك ومن لا يؤمن بهما ، ومن صلبهما ، وأخرجهما ، وفعل بهما ما فعل فيأمر المهدي ريحا سوداء فتهب عليهم فتجعلهم كأعجاز نخل خاوية .

ثم يأمر بانزالهما فينزلان إليه فيحييهما بإذن الله تعالى ويأمر الخلائق بالاجتماع ، ثم يقص عليهم قصص فعالهما في كل كور ودور حتى يقص عليهم قتل هابيل بن آدم ، وجمع النار لإبراهيم ، وطرح يوسف في الجب ، وحبس يونس في الحوت ، وقتل يحيى ، وصلب عيسى وعذاب جرجيس ودانيال ، وضرب سلمان الفارسي ، وإشعال النار على باب أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين لاحراقهم بها ، وضرب يد الصديقة الكبرى فاطمة بالسوط ، ورفس بطنها وإسقاطها محسنا ، وسم الحسن وقتل الحسين ، وذبح أطفاله وبني عمه وأنصاره ، وسبي ذراري رسول الله وإراقة دماء آل محمد ، وكل دم سفك ، وكل فرج نكح حراما ، وكل رين وخبث وفاحشة وإثم وظلم وجور وغشم منذ عهد آدم إلى وقت قيام قائمنا كل ذلك يعدده عليهما ، ويلزمهما إياه فيعترفان به ثم يأمر بهما فيقتص منهما في ذلك الوقت بمظالم من حضر ، ثم يصلبهما على الشجرة و يأمر نارا تخرج من الأرض فتحرقهما والشجرة ثم يأمر ريحا فتنسفهما في اليم نسفا .

قال المفضل : يا سيدي ذلك آخر عذابهما ؟ قال : هيهات يا مفضل والله ليردن وليحضرن السيد الأكبر محمد رسول الله والصديق الأكبر أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين والأئمة وكل من محض الإيمان محضا أو محض الكفر محضا ، وليقتصن منهما لجميعهم حتى أنهما ليقتلان في كل يوم وليلة ألف قتلة ، ويردان إلى ما شاء ربهما .

ثم يسير المهدي إلى الكوفة وينزل ما بين الكوفة والنجف ، وعنده أصحابه في ذلك اليوم ستة وأربعون ألفا من الملائكة وستة آلاف من الجن ، والنقباء ثلاثمائة وثلاثة عشر نفسا .

قال المفضل : يا سيدي كيف تكون دار الفاسقين في ذلك الوقت ؟ قال : في لعنة الله وسخطه تخربها الفتن وتتركها جماء فالويل لها ولمن بها كل الويل من الرايات الصفر ، ورايات المغرب ، ومن يجلب الجزيرة ومن الرايات التي تسير إليها من كل قريب أو بعيد .

والله لينزلن بها من صنوف العذاب ما نزل بسائر الأمم المتمردة من أول الدهر إلى آخره ، ولينزلن بها من العذاب ما لا عين رأت ولا أذن سمعت بمثله ولا يكون طوفان أهلها إلا بالسيف ، فالويل لمن اتخذ بها مسكنا فان المقيم بها يبقى لشقائه ، والخارج منها برحمة الله .

والله ليبقى من أهلها في الدنيا حتى يقال : إنها هي الدنيا ، وإن دورها وقصورها هي الجنة ، وإن بناتها هن الحور العين ، وإن ولدانها هم الولدان وليظنن أن الله لم يقسم رزق العباد إلا بها ، وليظهرن فيها من الأمراء على الله وعلى رسوله ، والحكم بغير كتابه ، ومن شهادات الزور ، وشرب الخمور و [ إتيان ] الفجور ، وأكل السحت وسفك الدماء ما لا يكون في الدنيا كلها إلا دونه ، ثم ليخربها الله بتلك الفتن وتلك الرايات ، حتى ليمر عليها المار فيقول : ههنا كانت الزوراء .

ثم يخرج الحسني الفتى الصبيح الذي نحو الديلم ! يصيح بصوت له فصيح يا آل أحمد أجيبوا الملهوف ، والمنادي من حول الضريح فتجيبه كنوز الله بالطالقان كنوز وأي كنوز ، ليست من فضة ولا ذهب ، بل هي رجال كزبر الحديد ، على البراذين الشهب ، بأيديهم الحراب ، ولم يزل يقتل الظلمة حتى يرد الكوفة وقد صفا أكثر الأرض ، فيجعلها له معقلا .

فيتصل به وبأصحابه خبر المهدي ، ويقولون : يا ابن رسول الله من هذا الذي قد نزل بساحتنا ، فيقول : اخرجوا بنا إليه حتى ننظر من هو ؟ وما يريد ؟ وهو والله يعلم أنه المهدي ، وأنه ليعرفه ، ولم يرد بذلك الأمر إلا ليعرف أصحابه من هو ؟ فيخرج الحسني فيقول : إن كنت مهدي آل محمد فأين هراوة جدك رسول الله وخاتمه ، وبردته ، ودرعه الفاضل ، وعمامته السحاب ، وفرسه اليربوع وناقته العضباء ، وبغلته الدلدل ، وحماره اليعفور ، ونجيبه البراق ، ومصحف أمير المؤمنين ؟ فيخرج له ذلك ثم يأخذ الهراوة فيغرسها في الحجر الصلد وتورق ، ولم يرد ذلك إلا أن يري أصحابه فضل المهدي حتى يبايعوه .

فيقول الحسني : الله أكبر مد يدك يا ابن رسول الله حتى نبايعك فيمد يده فيبايعه ويبايعه سائر العسكر الذي مع الحسني إلا أربعين ألفا أصحاب المصاحف المعروفون بالزيدية ، فإنهم يقولون : ما هذا إلا سحر عظيم .

فيختلط العسكران فيقبل المهدي على الطائفة المنحرفة ، فيعظهم ويدعوهم ثلاثة أيام ، فلا يزدادون إلا طغيانا وكفرا ، فيأمر بقتلهم فيقتلون جميعا ثم يقول لأصحابه : لا تأخذوا المصاحف ، ودعوها تكون عليهم حسرة كما بدلوها وغيروها وحرفوها ولم يعملوا بما فيها .

قال المفضل : يا مولاي ثم ماذا يصنع المهدي ؟ قال : يثور سرايا على السفياني إلى دمشق ، فيأخذونه ويذبحونه على الصخرة .

ثم يظهر الحسين عليه السلام في اثني عشر ألف صديق واثنين وسبعين رجلا أصحابه يوم كربلا ، فيا لك عندها من كرة زهراء بيضاء .

ثم يخرج الصديق الأكبر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وينصب له القبة بالنجف ، ويقام أركانها : ركن بالنجف ، وركن بهجر ، وركن بصنعاء ، وركن بأرض طيبة ، لكأني أنظر إلى مصابيحه تشرق في السماء والأرض ، كأضواء من الشمس والقمر ، فعندها تبلى السرائر ، وتذهل كل مرضعة عما أرضعت إلى آخر الآية .

ثم يخرج السيد الأكبر محمد رسول الله في أنصاره والمهاجرين ، ومن آمن به وصدقه واستشهد معه ، ويحضر مكذبوه والشاكون فيه والرادون عليه والقائلون فيه أنه ساحر وكاهن ومجنون ، وناطق عن الهوى ، ومن حاربه وقاتله حتى يقتص منهم بالحق ، ويجازون بأفعالهم منذ وقت ظهر رسول الله إلى ظهور المهدي مع إمام إمام ، ووقت وقت ، ويحق تأويل هذه الآية " ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم في الأرض ، ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون " .

قال المفضل : يا سيدي ومن فرعون وهامان ؟ قال : أبو بكر وعمر .

قال المفضل : قلت : يا سيدي ورسول الله وأمير المؤمنين يكونان معه ؟ فقال : لابد أن يطئا الأرض إي والله حتى ما وراء الخاف ، إي والله وما في الظلمات ، وما في قعر البحار ، حتى لا يبقى موضع قدم إلا وطئا وأقاما فيه الدين الواجب لله تعالى .

ثم لكأني أنظر - يا مفضل - إلينا معاشر الأئمة بين يدي رسول الله نشكوا إليه ما نزل بنا من الأمة بعده ، وما نالنا من التكذيب والرد علينا وسبينا ولعننا وتخويفنا بالقتل ، وقصد طواغيتهم الولاة لأمورهم من دون الأمة بترحيلنا عن الحرمة إلى دار ملكهم ، وقتلهم إيانا بالسم والحبس ، فيبكي رسول الله ويقول : يا بني ما نزل بكم إلا ما نزل بجدكم قبلكم .

ثم تبتدئ فاطمة عليها السلام وتشكو ما نالها من أبي بكر وعمر ، وأخذ فدك منها ومشيها إليه في مجمع من المهاجرين والأنصار ، وخطابها له في أمر فدك ، وما رد عليها من قوله : إن الأنبياء لا تورث ، واحتجاجها بقول زكريا ويحيى وقصة داود وسليمان .

وقول عمر : هاتي صحيفتك التي ذكرت أن أباك كتبها لك وإخراجها الصحيفة وأخذه إياها منها ، ونشره لها على رؤس الأشهاد من قريش والمهاجرين والأنصار وسائر العرب وتفله فيها ، وتمزيقه إياها وبكائها ، ورجوعها إلى قبر أبيها رسول الله باكية حزينة تمشي على الرمضاء قد أقلقتها ، واستغاثتها بالله وبأبيها رسول الله وتمثلها بقول رقيقة بنت صيفي : قد كان بعدك أنباء وهنبثة * لو كنت شاهدها لم يكبر الخطب إنا فقدناك فقد الأرض وابلها * واختل أهلك فاشهدهم فقد لعبوا أبدت رجال لنا فحوى صدورهم * لما نأيت وحالت دونك الحجب لكل قوم لهم قرب ومنزلة * عند الاله على الأدنين مقترب يا ليت قبلك كان الموت حل بنا * أملوا أناس ففازوا بالذي طلبوا وتقص عليه قصة أبي بكر وإنفاذه خالد بن الوليد وقنفذا وعمر بن الخطاب وجمعه الناس لإخراج أمير المؤمنين من بيته إلى البيعة في سقيفة بني ساعدة واشتغال أمير المؤمنين بعد وفات رسول الله بضم أزواجه وقبره وتعزيتهم وجمع القرآن وقضاء دينه ، وإنجاز عداته ، وهي ثمانون ألف درهم ، باع فيها تليده وطارفه وقضاها عن رسول الله .

وقول عمر : اخرج يا علي إلى ما أجمع عليه المسلمون وإلا قتلناك ، وقول فضة جارية فاطمة : إن أمير المؤمنين مشغول والحق له إن أنصفتم من أنفسكم وأنصفتموه ، وجمعهم الجزل والحطب على الباب لاحراق بيت أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين وزينب وأم كلثوم وفضة ، وإضرامهم النار على الباب ، وخروج فاطمة إليهم وخطابها لهم من وراء الباب .

وقولها : ويحك يا عمر ما هذه الجرأة على الله وعلى رسوله ؟ تريد أن تقطع نسله من الدنيا وتفنيه وتطفئ نور الله ؟ والله متم نوره ، وانتهاره لها .

وقوله : كفي يا فاطمة فليس محمد حاضرا ولا الملائكة آتية بالأمر والنهي والزجر من عند الله ، وما علي إلا كأحد المسلمين فاختاري إن شئت خروجه لبيعة أبي بكر أو إحراقكم جميعا .

فقالت وهي باكية : اللهم إليك نشكو فقد نبيك ورسولك وصفيك ، وارتداد أمته علينا ، ومنعهم إيانا حقنا الذي جعلته لنا في كتابك المنزل على نبيك المرسل .

فقال لها عمر : دعي عنك يا فاطمة حمقات النساء ، فلم يكن الله ليجمع لكم النبوة والخلافة ، وأخذت النار في خشب الباب .

وإدخال قنفذ يده لعنه الله يروم فتح الباب ، وضرب عمر لها بالسوط على عضدها ، حتى صار كالدملج الأسود ، وركل الباب برجله ، حتى أصاب بطنها و هي حاملة بالمحسن ، لستة أشهر وإسقاطها إياه .

وهجوم عمر وقنفذ وخالد بن الوليد وصفقه خدها حتى بدا قرطاها تحت خمارها ، وهي تجهر بالبكاء ، وتقول : وا أبتاه ، وا رسول الله ، ابنتك فاطمة تكذب وتضرب ، ويقتل جنين في بطنها .

وخروج أمير المؤمنين من داخل الدار محمر العين حاسرا ، حتى ألقى ملاءته عليها ، وضمها إلى صدره وقوله لها : يا بنت رسول الله قد علمتني أن أباك بعثه الله رحمة للعالمين ، فالله الله أن تكشفي خمارك ، وترفعي ناصيتك ، فوالله يا فاطمة لئن فعلت ذلك لا أبقى الله على الأرض من يشهد أن محمدا رسول الله ولا موسى ولا عيسى ولا إبراهيم ولا نوح ولا آدم ، [ ولا ] دابة تمشي على الأرض ولا طائرا في السماء إلا أهلكه الله .

ثم قال : يا ابن الخطاب لك الويل من يومك هذا وما بعده وما يليه اخرج قبل أن أشهر سيفي فأفني غابر الأمة .

فخرج عمر وخالد بن الوليد وقنفذ وعبد الرحمن بن أبي بكر فصاروا من خارج الدار ، وصاح أمير المؤمنين بفضة يا فضة مولاتك فاقبلي منها ما تقبله النساء فقد جاءها المخاض من الرفسة ورد الباب ، فأسقطت محسنا فقال أمير المؤمنين : فإنه لاحق بجده رسول الله فيشكو إليه .

وحمل أمير المؤمنين لها في سواد الليل والحسن والحسين وزينب وأم كلثوم إلى دور المهاجرين والأنصار ، يذكرهم بالله ورسوله ، وعهده الذي بايعوا الله ورسوله ، وبايعوه عليه في أربعة مواطن في حياة رسول الله وتسليمهم عليه بإمرة المؤمنين في جميعها ، فكل يعده بالنصر في يومه المقبل ، فإذا أصبح قعد جميعهم عنه ثم يشكو إليه أمير المؤمنين المحن العظيمة التي امتحن بها بعده .

وقوله لقد كانت قصتي مثل قصة هارون مع بني إسرائيل وقولي كقوله لموسى " يا بن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني فلا تشمت بي الأعداء ولا تجعلني مع القوم الظالمين " فصبرت محتسبا وسلمت راضيا وكانت الحجة عليهم في خلافي ، ونقضهم عهدي الذي عاهدتهم عليه يا رسول الله .

واحتملت يا رسول الله ما لم يحتمل وصي نبي من سائر الأوصياء من سائر الأمم حتى قتلوني بضربة عبد الرحمن بن ملجم ، وكان الله الرقيب عليهم في نقضهم بيعتي .

وخروج طلحة والزبير بعائشة إلى مكة يظهران الحج والعمرة وسيرهم بها إلى البصرة ، وخروجي إليهم وتدكيري لهم الله وإياك ، وما جئت به يا رسول الله ، فلم يرجعا حتى نصرني الله عليهما حتى أهرقت دماء عشرين ألف من المسلمين وقطعت سبعون كفا على زمام الجمل ، فما لقيت في غزواتك يا رسول الله وبعدك أصعب يوما منه أبدا ، لقد كان من أصعب الحروب التي لقيتها ، وأهولها وأعظمها فصبرت كما أدبني الله بما أدبك به يا رسول الله في قوله عز وجل " فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل " وقوله " واصبر وما صبرك إلا بالله " وحق والله يا رسول الله تأويل الآية التي أنزلها الله في الأمة من بعدك في قوله " وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين " .

يا مفضل ويقوم الحسن إلى جده فيقول : يا جداه كنت مع أمير المؤمنين في دار هجرته بالكوفة حتى استشهد بضربة عبد الرحمان ابن ملجم لعنه الله فوصاني بما وصيته يا جداه ، وبلغ اللعين معاوية قتل أبي فأنفذ الدعي اللعين زيادا إلى الكوفة في مائة ألف وخمسين ألف مقاتل فأمر بالقبض علي وعلى أخي الحسين وسائر إخواني وأهل بيتي ، وشيعتنا وموالينا وأن يأخذ علينا البيعة لمعاوية لعنه الله ، فمن يأبى منا ضرب عنقه وسير إلى معاوية رأسه .

فلما علمت ذلك من فعل معاوية ، خرجت من داري ، فدخلت جامع الكوفة للصلاة ، ورقأت المنبر واجتمع الناس ، فحمدت الله وأثنيت عليه ، وقلت : معشر الناس عفت الديار ، ومحيت الآثار ، وقل الاصطبار ، فلا قرار على همزات الشياطين وحكم الخائنين ، الساعة والله صحت البراهين ، وفصلت الآيات ، وبانت المشكلات ، ولقد كنا نتوقع تمام هذه الآية تأويلها قال الله عز وجل " وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين " فلقد مات والله جدي رسول الله وقتل أبي وصاح الوسواس الخناس في قلوب الناس ونعق ناعق الفتنة ، وخالفتم السنة ، فيالها من فتنة صماء عمياء ، لا يسمع لداعيها ولا يجاب مناديها ، ولا يخالف واليها ، ظهرت كلمة النفاق ، وسيرت رايات أهل الشقاق ، وتكالبت جيوش أهل المراق ، من الشام والعراق ، هلموا رحمكم الله إلى الافتتاح ، والنور الوضاح ، والعلم الجحجاج ، والنور الذي لا يطفئ ، والحق الذي لا يخفى .

أيها الناس تيقظوا من رقدة الغفلة ، ومن تكاثف الظلمة فوالذي فلق الحبة ، وبرء النسمة ، وتردى بالعظمة ، لئن قام إلي منكم عصبة بقلوب صافية ونيات مخلصة ، لا يكون فيها شوب نفاق ، ولا نية افتراق ، لأجاهدن بالسيف قدما قدما ، ولأضيقن من السيوف جوانبها ومن الرماح أطرافها ، ومن الخيل سنابكها ، فتكلموا رحمكم الله .

فكأنما ألجموا بلجام الصمت عن إجابة الدعوة ، إلا عشرون رجلا فإنهم قاموا إلي فقالوا : يا ابن رسول الله ما نملك إلا أنفسنا وسيوفنا ، فها نحن بين يديك لأمرك طائعون ، وعن رأيك صادرون ، فمرنا بما شئت ! فنظرت يمنة ويسرة فلم أر أحدا غيرهم .

فقلت : لي أسوة بجدي رسول الله حين عبد الله سرا ، وهو يومئذ في تسعة وثلاثين رجلا فلما أكمل الله له الأربعين صار في عدة وأظهر أمر الله ، فلو كان معي عدتهم جاهدت في الله حق جهاده .

ثم رفعت رأسي نحو السماء فقلت : اللهم إني قد دعوت وأنذرت ، وأمرت ونهيت ، وكانوا عن إجابة الداعي غافلين ، وعن نصرته قاعدين ، وعن طاعته مقصرين ولأعدائه ناصرين ، اللهم فأنزل عليهم رجزك ، وبأسك وعذابك ، الذي لا يرد عن القوم الظالمين ونزلت .

ثم خرجت من الكوفة راحلا إلى المدينة ، فجاؤوني يقولون : إن معاوية أسرى سراياه إلى الأنبار والكوفة ، وشن غاراته على المسلمين ، وقتل من لم يقاتله وقتل النساء والأطفال ، فأعلمتهم أنه لا وفاء لهم ، فأنفذت معهم رجالا وجيوشا وعرفتهم أنهم يستجيبون لمعاوية ، وينقضون عهدي وبيعتي ، فلم يكن إلا ما قلت لهم ، وأخبرتهم .

ثم يقوم الحسين مخضبا بدمه هو وجميع من قتل معه ، فإذا رآه رسول الله بكى وبكى أهل السماوات والأرض لبكائه ، وتصرخ فاطمة فتزلزل الأرض ومن عليها ، ويقف أمير المؤمنين والحسن عن يمينه ، وفاطمة عن شماله ، ويقبل الحسين فيضمه رسول الله رسول الله إلى صدره ، ويقول : يا حسين ! فديتك قرت عيناك وعيناي فيك ، وعن يمين الحسين حمزة أسد الله في أرضه ، وعن شماله جعفر بن أبي طالب الطيار ، ويأتي محسن تحمله خديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت أسد أم أمير المؤمنين وهن صارخات وأمه فاطمة تقول " هذا يومكم الذي كنتم توعدون " اليوم " تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا " .

قال : فبكى الصادق حتى اخضلت لحيته بالدموع ، ثم قال : لا قرت عين لا تبكي عند هذا الذكر ، قال : وبكى المفضل بكاء طويلا ثم قال : يا مولاي ما في الدموع يا مولاي ؟ فقال : ما لا يحصى إذا كان من محق .

ثم قال المفضل : يا مولاي ما تقول في قوله تعالى " وإذا الموؤودة سئلت * بأي ذنب قتلت " قال : يا مفضل والموؤودة والله محسن ، لأنه منا لا غير ، فمن قال غير هذا فكذبوه .

قال المفضل : يا مولاي ثم ماذا ؟ قال الصادق : تقوم فاطمة بنت رسول الله فيقول : اللهم أنجز وعدك وموعدك لي فيمن ظلمني وغصبني ، وضربني وجزعني بكل أولادي ، فتبكيها ملائكة السماوات السبع وحملة العرش ، وسكان الهواء ، ومن في الدنيا ، ومن تحت أطباق الثرى ، صائحين صارخين إلى الله تعالى ، فلا يبقى أحد ممن قاتلنا وظلمنا ورضي بما جرى علينا إلا قتل في ذلك اليوم ألف قتلة دون من قتل في سبيل الله ، فإنه لا يذوق الموت وهو كما قال الله عز وجل " ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون * فرحين بما آتاهم الله من فضله ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون " .

قال المفضل : يا مولاي إن من شيعتكم من لا يقول برجعتكم ؟ فقال : إنما سمعوا قول جدنا رسول الله ونحن سائر الأئمة نقول : " ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر " قال الصادق : العذاب الأدنى عذاب الرجعة ، والعذاب الأكبر عذاب يوم القيامة " الذي تبدل الأرض غير الأرض والسماوات وبرزوا لله الواحد القهار " .

قال المفضل : يا مولاي نحن نعلم أنكم اختيار الله في قوله تعالى : " نرفع درجات من نشاء " وقوله : " الله أعلم حيث يجعل رسالاته " وقوله : " إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين * ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم " .

قال الصادق عليه السلام : يا مفضل فأين نحن في هذه الآية ؟ قال المفضل : فوالله " إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين " وقوله : " ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين " وقوله : عن إبراهيم " واجنبني وبني أن نعبد الأصنام " وقد علمنا أن رسول الله وأمير المؤمنين ما عبدا صنما ولا وثنا ولا أشركا بالله طرفة عين .

وقوله : " وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين " والعهد عهد الإمامة لا يناله ظالم .

قال : يا مفضل وما علمك بأن الظالم لا ينال عهد الإمامة ؟ قال المفضل : يا مولاي لا تمتحني بما لا طاقة لي به ، ولا تختبرني ولا تبتلني ، فمن علمكم علمت ومن فضل الله عليكم أخذت .

قال الصادق : صدقت يا مفضل ولولا اعترافك بنعمة الله عليك في ذلك لما كنت هكذا فأين يا مفضل الآيات من القرآن في أن الكافر ظالم ؟ قال : نعم يا مولاي قوله تعالى : " والكافرون هم الظالمون " والكافرون هم الفاسقون " ومن كفر وفسق وظلم لا يجعله الله للناس إماما .

قال الصادق : أحسنت يا مفضل فمن أين قلت برجعتنا ؟ ومقصرة شيعتنا تقول : معنى الرجعة أن يرد الله إلينا ملك الدنيا وأن يجعله للمهدي . ويحهم متى سلبنا الملك حتى يرد علينا .

قال المفضل : لا والله وما سلبتموه ولا تسلبونه لأنه ملك النبوة والرسالة والوصية والإمامة .

قال الصادق : يا مفضل لو تدبر القرآن شيعتنا لما شكوا في فضلنا أما سمعوا قوله عز وجل " ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين * ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون " .

والله يا مفضل إن تنزيل هذه الآية في بني إسرائيل وتأويلها فينا وإن فرعون وهامان تيم وعدي .

قال المفضل : يا مولاي فالمتعة ؟ قال : المتعة حلال طلق والشاهد بها قول الله عز وجل " ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء أو أكننتم في أنفسكم علم الله أنكم ستذكرونهن ، ولكن لا تواعدوهن سرا ، إلا أن تقولوا قولا معروفا " أي مشهودا والقول المعروف هو المشتهر بالولي والشهود ، وإنما احتيج إلى الولي والشهود في النكاح ، ليثبت النسل ويصح النسب ويستحق الميراث ، وقوله " وآتوا النساء صدقاتهن نحلة فان طبن لكم عن شئ منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا " وجعل الطلاق في النساء المزوجات غير جائز إلا بشاهدين ذوي عدل من المسلمين وقال في سائر الشهادات على الدماء والفروج والأموال والأملاك : " واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء " .

وبين الطلاق عز ذكره فقال : " يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة واتقوا الله ربكم " ولو كانت المطلقة تبين بثلاث تطليقات تجمعها كلمة واحدة أو أكثر منها أو أقل لما قال الله تعالى " وأحصوا العدة واتقوا الله ربكم " إلى قوله : " تلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا * فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف وأشهدوا ذوي عدل منكم ، وأقيموا الشهادة لله ، ذلكم يوعظ به من كان يؤمن بالله واليوم الآخر " وقوله : " لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا " هو نكر يقع بين الزوج وزوجته ، فيطلق التطليقة الأولى بشهادة ذوي عدل .

وحد وقت التطليق هو آخر القروء ، والقرء هو الحيض ، والطلاق يجب عند آخر نقطة بيضاء تنزل بعد الصفرة والحمرة ، وإلى التطليقة الثانية والثالثة ما يحدث الله بينهما ، عطفا أو زوال ما كرهاه ، وهو قوله : " والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ، ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر وبعولتهن أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحا ، ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة والله عزيز حكيم " هذا لقوله في أن للبعولة مراجعة النساء من تطليقة إلى تطليقة ، إن أرادوا إصلاحا وللنساء مراجعة الرجال في مثل ذلك .

ثم بين تبارك وتعالى فقال : " الطلاق مرتان : فإمساك بمعروف أو تسريح باحسان " .

وفي الثالثة ، فان طلق الثالثة بانت فهو قوله : " فان طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره " ثم يكون كسائر الخطاب لها . والمتعة التي أحلها الله في كتابه وأطلقها الرسول عن الله لسائر المسلمين فهي قوله عز وجل : " والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم كتاب الله عليكم وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين ، فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة إن الله كان عليما حكيما " والفرق بين المزوجة والمتعة أن للزوجة صداقا وللمتعة أجرة .

فتمتع سائر المسلمين على عهد رسول الله في الحج وغيره ، وأيام أبي بكر ، وأربع سنين في أيام عمر ، حتى دخل على أخته عفرا فوجد في حجرها طفلا يرضع من ثديها فنظر إلى درة اللبن في فم الطفل فأغضب وأرعد واربد وأخذ الطفل على يده ، وخرج حتى أتى المسجد ، ورقا المنبر وقال : نادوا في الناس إن الصلاة جامعة ، وكان غير وقت صلاة يعلم الناس أنه لأمر يريده عمر فحضروا فقال : معاشر الناس من المهاجرين والأنصار وأولاد قحطان من منكم يحب أن يرى المحرمات عليه من النساء ، ولها مثل هذا الطفل ؟ قد خرج من أحشائها وهو يرضع على ثديها وهي غير متبعلة ؟ فقال بعض القوم : ما نحب هذا ؟ فقال : ألستم تعلمون أن أختي عفرا بنت خيثمة أمي وأبي الخطاب غير متبعلة ؟ قالوا : بلى قال : فاني دخلت عليها في هذه الساعة ، فوجدت هذا الطفل في حجرها فناشدتها أنى لك هذا ؟ فقالت : تمتعت .

فأعلموا سائر الناس ! أن هذه المتعة التي كانت حلالا للمسلمين في عهد رسول الله قد رأيت تحريمها ، فمن أبي ضربت جنبيه بالسوط فلم يكن في القوم منكر قوله ، ولا راد عليه ، ولا قائل لا يأتي رسول بعد رسول الله أو كتاب بعد كتاب الله ، لا نقبل خلافك على الله وعلى رسوله وكتابه . بل سلموا ورضوا .

قال المفضل : يا مولاي فما شرائط المتعة ؟ قال : يا مفضل لها سبعون شرطا من خالف فيها شرطا واحدا ظلم نفسه ، قال : قلت : يا سيدي قد أمرتمونا أن لا نتمتع ببغية ولا مشهورة بفساد ولا مجنونة وأن ندعو المتعة إلى الفاحشة ، فان أجابت فقد حرم الاستمتاع بها ، وأن نسأل أفارغة أم مشغولة ببعل أو حمل أو بعدة ؟ فان شغلت بواحدة من الثلاث فلا تحل ، وإن خلت فيقول لها : متعيني نفسك على كتاب الله عز وجل وسنة نبيه نكاحا غير سفاح أجلا معلوما بأجرة معلومة وهي ساعة أو يوم أو يومان أو شهر أو سنة أو ما دون ذلك أو أكثر ، والأجرة ما تراضيا عليه من حلقة خاتم أو شسع نعل أو شق تمرة إلى فوق ذلك من الدراهم والدنانير أو عرض ترضى به ، فان وهبت له حل له كالصداق الموهوب من النساء المزوجات الذين قال الله تعالى فيهن : " فإن طبن لكم عن شئ منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا " .

ثم يقول لها : على ألا ترثيني ولا أرثك ، وعلى أن الماء لي أضعه منك حيث أشاء ، وعليك الاستبراء خمسة وأربعين يوما أو محيضا واحدا ، فإذا قالت : نعم أعدت القول ثانية وعقدت النكاح ، فان أحببت وأحبت هي الاستزادة في الأجل زدتما ، وفيه ما رويناه فان كانت تفعل فعليها ما تولت من الإخبار عن نفسها ولا جناح عليك .

وقول أمير المؤمنين : " لعن الله ابن الخطاب فلولاه ما زنى إلا شقي أو شقية لأنه كان يكون للمسلمين غناء في المتعة عن الزنا ثم تلا " ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام * وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد " .

ثم قال : إن من عزل بنطفته عن زوجته فدية النطفة عشرة دنانير كفارة وإن من شرط المتعة أن ماء الرجل يضعه حيث يشاء من المتمتع بها ، فإذا وضعه في الرحم فخلق منه ولد كان لاحقا بأبيه .

ثم يقوم جدي علي بن الحسين وأبي الباقر فيشكوان إلى جدهما رسول الله ما فعل بهما ثم أقوم أنا فأشكو إلى جدي رسول الله ما فعل المنصور بي ، ثم يقوم ابني موسى فيشكو إلى جده رسول الله ما فعل به الرشيد ، ثم يقوم علي بن موسى فيشكو إلى جده رسول الله ما فعل به المأمون ، ثم يقوم محمد بن علي فيشكو إلى جده رسول الله ما فعل به المأمون ثم يقوم علي بن محمد فيشكو إلى جده رسول الله ما فعل به المتوكل ، ثم يقوم الحسن بن علي فيشكو إلى جده رسول الله ما فعل به المعتز .

ثم يقوم المهدي سمى جدي رسول الله ، وعليه قميص رسول الله مضرجا بدم رسول الله يوم شج جبينه ، وكسرت رباعيته ، والملائكة تحفه حتى يقف بين يدي جده رسول الله فيقول : يا جداه وصفتني ودللت علي ، ونسبتني وسميتني وكنيتني ، فجحدتني الأمة وتمردت وقالت ما ولد ولا كان ، وأين هو ؟ ومتى كان وأين يكون ؟ وقد مات ولم يعقب ، ولو كان صحيحا ما أخره الله تعالى إلى هذا الوقت المعلوم ، فصبرت محتسبا وقد أذن الله لي فيها باذنه يا جداه .

فيقول رسول الله : الحمد لله الذي صدقنا وعده ، وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء فنعم أجر العاملين " ويقول " جاء نصر الله والفتح " وحق قول الله سبحانه وتعالى " هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون ويقرأ " إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ، ويهديك صراطا مستقيما وينصرك الله نصرا عزيزا " .

فقال المفضل يا مولاي أي ذنب كان لرسول الله ؟ فقال الصادق : يا مفضل إن رسول الله قال : اللهم حملني ذنوب شيعة أخي وأولادي الأوصياء ما تقدم منها وما تأخر إلى يوم القيامة ، ولا تفضحني بين النبيين والمرسلين من شيعتنا فحمله الله إياها وغفر جميعها قال المفضل : فبكيت بكاء طويلا وقلت : يا سيدي هذا بفضل الله علينا فيكم قال الصادق : يا مفضل ما هو إلا أنت وأمثالك بلى يا مفضل لا تحدث بهذا الحديث أصحاب الرخص من شيعتنا فيتكلون على هذا الفضل ، ويتركون العمل فلا يغني عنهم من الله شيئا لأنا كما قال الله تبارك وتعالى فينا " لا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون " .

قال المفضل : يا مولاي فقوله " ليظهره على الدين كله " ما كان رسول الله ظهر على الدين كله ؟ قال : يا مفضل لو كان رسول الله ظهر على الدين كله ما كانت مجوسية ولا يهودية ولا صابئية ولا نصرانية ، ولا فرقة ولا خلاف ولا شك ولا شرك ، ولا عبدة أصنام ، ولا أوثان ، ولا اللات والعزى ، ولا عبدة الشمس والقمر ، ولا النجوم ، ولا النار ولا الحجارة ، وإنما قوله " ليظهره على الدين كله " في هذا اليوم وهذا المهدي وهذه الرجعة ، وهو قوله " وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله " .

فقال المفضل : أشهد أنكم من علم الله علمتم ، وبسلطانه وبقدرته قدرتم وبحكمه نطقتم ، وبأمره تعملون .

ثم قال الصادق : ثم يعود المهدي إلى الكوفة ، وتمطر السماء بها جرادا من ذهب ، كما أمطره الله في بني إسرائيل على أيوب ، ويقسم على أصحابه كنوز الأرض من تبرها ولجينها وجوهرها .

قال المفضل : يا مولاي من مات من شيعتكم وعليه دين لإخوانه ولأضداده كيف يكون ؟ قال الصادق : أول ما يبتدئ المهدي أن ينادي في جميع العالم : ألا من له عند أحد من شيعتنا دين فليذكره حتى يرد الثومة والخردلة فضلا عن القناطير المقنطرة من الذهب والفضة والأملاك فيوفيه إياه .

قال المفضل : يا مولاي ثم ماذا يكون ؟ قال : يأتي القائم بعد أن يطأ شرق الأرض وغربها ، الكوفة ومسجدها ، ويهدم المسجد الذي بناه يزيد بن معاوية لعنه الله لما قتل الحسين بن علي ، و [ هو ] مسجد ليس لله ملعون ملعون من بناه .

قال المفضل : يا مولاي فكم تكون مدة ملكه ؟ فقال : قال الله عز وجل " فمنهم شقي وسعيد فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك إن ربك فعال لما يريد وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك عطاء غير مجذوذ " والمجذوذ المقطوع أي عطاء غير مقطوع عنهم ، بل هو دائم أبدا ، وملك لا ينفد ، وحكم لا ينقطع ، وأمر لا يبطل إلا باختيار الله ومشيته وإرادته ، التي لا يعلمها إلا هو ، ثم القيامة وما وصفه الله عز وجل في كتابه .

والحمد لله رب العالمين وصلى الله على خير خلقه محمد النبي وآله الطيبين الطاهرين وسلم تسليما كثيرا كثيرا .

أقول : روى الشيخ حسن بن سليمان في كتاب منتخب البصائر هذا الخبر هكذا : حدثني الأخ الرشيد محمد بن إبراهيم بن محسن الطار آبادي أنه وجد بخط أبيه الرجل الصالح إبراهيم بن محسن هذا الحديث الآتي ذكره ، وأراني خطه وكتبته منه ، وصورته : الحسين بن حمدان ، وساق الحديث كما مر إلى قوله لكأني أنظر إليهم على البراذين الشهب بأيديهم الحراب ، يتعاوون شوقا إلى الحرب كما تتعاوى الذئاب أميرهم رجل من بني تميم يقال له : شعيب بن صالح ، فيقبل الحسين فيهم وجهه كدائرة القمر ، يروع الناس جمالا فيبقى على أثر الظلمة فيأخذ سيفه الصغير والكبير ، والعظيم والوضيع .

ثم يسير بتلك الرايات كلها حتى يرد الكوفة ، وقد جمع بها أكثر أهل الأرض يجعلها له معقلا ، ثم يتصل به وبأصحابه خبر المهدي فيقولون له : يا ابن رسول الله من هذا الذي نزل بساحتنا ؟ فيقول الحسين : اخرجوا بنا إليه حتى تنظروا من هو وما يريد ؟ وهو يعلم والله أنه المهدي وإنه ليعرفه ، وإنه لم يرد بذلك الأمر إلا الله ، فيخرج الحسين وبين يديه أربعة آلاف رجل في أعناقهم المصاحف ، وعليهم المسوح ، مقلدين بسيوفهم ، فيقبل الحسين حتى ينزل بقرب المهدي فيقول : سائلوا عن هذا الرجل من هو وماذا يريد ؟ فيخرج بعض أصحاب الحسين إلى عسكر المهدي فيقول : أيها العسكر الجائل من أنتم حياكم الله ؟ ومن صاحبكم هذا ؟ وماذا يريد ؟ فيقول أصحاب المهدي : هذا مهدي آل محمد ، ونحن أنصاره من الجن والإنس والملائكة .

ثم يقول الحسين : خلوا بيني وبين هذا فيخرج إليه المهدي فيقفان بين العسكرين ، فيقول الحسين : إن كنت مهدي آل محمد فأين هراوة جدي رسول الله ، وخاتمه ، وبردته ، ودرعه الفاضل ، وعمامته السحاب وفرسه ، وناقته العضباء ، وبغلته دلدل ، وحماره يعفور ، ونجيبه البراق ، وتاجه والمصحف الذي جمعه أمير المؤمنين بغير تغيير ولا تبديل ؟ فيحضر له السفط الذي فيه جميع ما طلبه .

وقال أبو عبد الله : إنه كان كله في السفط ، وتركات جميع النبيين حتى عصا آدم ونوح ، وتركة هود وصالح ، ومجموع إبراهيم وصاع يوسف ، ومكيال شعيب وميزانه ، وعصى موسى وتابوته الذي فيه بقية ما ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة ، ودرع داود وخاتمه ، وخاتم سليمان وتاجه ، ورحل عيسى ، وميراث النبيين والمرسلين في ذلك السفط .

وعند ذلك يقول الحسين : يا ابن رسول الله ! أسألك أن تغرس هراوة رسول الله في هذا الحجر الصلد وتسأل الله أن ينبتها فيه ، ولا يريد بذلك إلا أن يرى أصحابه فضل المهدي حتى يطيعوه ويبايعوه ، ويأخذ المهدي الهراوة فيغرسها فتنبت فتعلو وتفرع وتورق ، حتى تظل عسكر الحسين .

فيقول الحسين : الله أكبر يا ابن رسول الله ، مد يدك حتى أبايعك فيبايعه الحسين وسائر عسكره إلا الأربعة آلاف من أصحاب المصاحف والمسوح الشعر المعروفون بالزيدية فإنهم يقولون : ما هذا إلا سحر عظيم .

أقول : ثم ساق الحديث إلى قوله : إن أنصفتم من أنفسكم وأنصفتموه نحوا مما مر ولم يذكر بعده شيئا .

بيان : " الهود " التوبة والرجوع إلى الحق ، وصبا يصبو : اي مال وصبأ بالهمز أي خرج من دين إلى دين .

واعلم أن تاريخ الولادة مخالف لما مر والمشهور أن سر من رأى بناها المعتصم ولعل المتوكل أتم بناءها وتعميرها فلذا نسبت إليه ، وقال الفيروزآبادي : سر من من رأى بضم السين والراء أي سرور وبفتحهما وبفتح الأول وضم الثاني وسامرا ومده البحتري في الشعر أو كلاهما لحن وساء من رأى بلد ، لما شرع في بنائه المعتصم ثقل ذلك على عسكره فلما انتقل بهم إليها سر كل منهم برؤيتها فلزمها هذا الاسم .

قوله : " فبغير سنة القائم " لعل المعنى أن الحسين كيف يظهر قبل القائم بغير سنته فأجاب عليه السلام بأن ظهوره بعد القائم إذ كل بيعة قبله ضلالة .

قوله " فها أنا ذا آدم " يعني في علمه وفضله وأخلاقه التي بها تتبعونه وتفضلونه ، وشحب لونه كجمع ونصر وكرم وعني تغير ، قوله " ويلزمهما إياه " أقول : العلة والسبب في إلزام ما تأخر عنهما من الآثام عليهما ظاهر ، لأنهما بمنع أمير المؤمنين عن حقه ، ودفعه عن مقامه ، صارا سببين لاختفاء سائر الأئمة ومغلوبيتهم ، وتسلط أئمة الجور وغلبتهم إلى زمان القائم وصار ذلك سببا لكفر من كفر ، وضلال من ضل ، وفسق من فسق ، لأن الامام مع اقتداره واستيلائه وبسط يده يمنع من جميع ذلك ، وعدم تمكن أمير المؤمنين من بعض تلك الأمور في أيام خلافته إنما كان لما أسساه من الظلم والجور .

وأما ما تقدم عليهما ، فلأنهما كانا راضيين بفعل من فعل مثل فعلهما من دفع خلفاء الحق عن مقامهم ، وما يترتب على ذلك من الفساد ، ولو كانا منكرين لذلك لم يفعلا مثل فعلهم ، وكل من رضي بفعل فهو كمن أتاه ، كما دلت عليه الآيات الكثيرة ، حيث نسب الله تعالى فعال آباء اليهود إليهم ، وذمهم عليها لرضاهم بها وغير ذلك ، واستفاضت به أخبار الخاصة والعامة .

على أنه لا يبعد أن يكون لأرواحهم الخبيثة مدخلا في صدور تلك الأمور عن الأشقياء كما أن أرواح الطيبين من أهل بيت الرسالة ، كانت مؤيدة للأنبياء والرسل ، معينة لهم في الخيرات ، شفيعة لهم في رفع الكربات ، كما مر في كتاب الإمامة .

ومع صرف النظر عن جميع ذلك يمكن أن يأول بأن المراد إلزام مثل فعال هؤلاء الأشقياء عليهما ، وأنهما في الشقاوة مثل جميعهم لصدور مثل أفعال الجميع عنهما .

قوله : والمنادي من حول الضريح .

أي أجيبوا وانصروا أولاد الرسول الملهوفين المنادين حول ضريح جدهم .

قوله " والخاف " أي الجبل المطيف بالدنيا ، ولا يبعد أن يكون تصحيف القاف ، والجزل بالفتح ما عظم من الحطب ويبس ، والركل الضرب بالرجل وكذا الرفس .

قوله : " لداعيها " أي للداعي فيها إلى الحق " ولا يجاب مناديها " أي المستغيث فيها ، و " لا يخالف واليها " أي يطاع والي تلك الفتنة في كل ما يريد والجحجاح السيد قوله : " جوانبها " لعله بدل بعض ، وكذا نظائره .

قوله : قال الله عز وجل " فمنهم شقي وسعيد " لعله فسر قوله تعالى " إلا ما شاء ربك " بزمان الرجعة بأن يكون المراد بالجنة والنار ، ما يكون في عالم البرزخ ، كما ورد في خبر آخر واستدل بها على أن هذا الزمان منوط بمشية الله كما قال تعالى ، غير معلوم للخلق على التعيين ، وهذا أظهر الوجوه التي ذكروها في تفسير هذه الآية .

العودة إلى الصفحة الرئيسية

www.mezan.net <‎/TITLE> ‎<META HTTP-EQUIV="Content-Type" CONTENT="text/html; charset=windows-1256">‎ ‎<META NAME="keywords" CONTENT=" السيد محمد حسين فضل الله في الميزان ">‎ ‎<META NAME="description" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله في كتبه ">‎ ‎<META NAME="author" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله بصوته ">‎ ‎<META NAME="copyright" CONTENT=" رأي المراجع العظام والعلماء ">‎ <‎/HEAD>