اعتقاد العامة في القائم

قال ابن أبي الحديد : فان قيل من هذا الرجل الموعود ؟ قيل أما الامامية فيزعمون أنه إمامهم الثاني عشر وأنه ابن أمة اسمها نرجس وأما أصحابنا فيزعمون أنه فاطمي يولد في مستقبل الزمان لام ولد وليس بموجود الآن .

فان قيل : فمن يكون من بني أمية في ذلك الوقت موجودا حتى يقول في أمرهم ما قال من انتقام هذا الرجل منهم ؟ قيل أما الامامية فيقولون بالرجعة ويزعمون أنه سيعاد قوم بأعيانهم من بني أمية وغيرهم إذا ظهر إمامهم المنتظر وأنه يقطع أيدي أقوام وأرجلهم ويسمل عيون بعضهم ويصلب قوما آخرين وينتقم من أعداء آل محمد المتقدمين والمتأخرين .

وأما أصحابنا فيزعمون أنه سيخلق الله تعالى في آخر الزمان رجلا من ولد فاطمة ليس موجودا الآن وينتقم ( به ) وأنه يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا وظلما من الظالمين وينكل بهم أشد النكال وأنه لام ولد كما قد ورد في هذا الأثر وفي غيره من الآثار وأن اسمه كاسم رسول الله وأنه يظهر بعد أن يستولي على كثير من الاسلام ملك من أعقاب بني أمية وهو السفياني الموعود به في الصحيح من ولد أبي سفيان بن حرب بن أمية وأن الامام الفاطمي يقتله وأشياعه من بني أمية وغيرهم وحينئذ ينزل المسيح من السماء وتبدو أشراط الساعة و تظهر دابة الأرض ويبطل التكليف ويتحقق قيام الأجساد عند نفخ الصور كما نطق به الكتاب العزيز .

- الكافي : أحمد بن محمد الكوفي ، عن جعفر بن عبد الله المحمدي ، عن أبي روح فرج بن قرة ، عن جعفر بن عبد الله ، عن مسعدة بن صدقة ، عن أبي عبد الله قال : خطب أمير المؤمنين فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي وآله ثم قال : أما بعد فان الله تبارك وتعالى لم يقصم جباري دهر إلا من بعد تمهيل ورخاء ولم يجبر كسر عظم ( من ) الأمم إلا بعد أزل وبلاء أيها الناس في دون ما استقبلتم من عطب واستدبرتم من خطب معتبر وما كل ذي قلب بلبيب ، ولا كل ذي سمع بسميع ولا كل ذي ناظر عين ببصير عباد الله أحسنوا فيما يعنيكم النظر فيه ثم انظروا إلى عرصات من قد أقاده الله بعلمه كانوا على سنة من آل فرعون أهل جنات و عيون ، وزروع ومقام كريم ثم انظروا بما ختم الله لهم بعد النضرة والسرور والأمر والنهي ولمن صبر منكم العاقبة في الجنان والله مخلدون ولله عاقبة الأمور .

فيا عجبا ومالي لا أعجب من خطاء هذه الفرق على اختلاف حججها في دينها لا يقتفون أثر نبي ولا يعتدون بعمل وصي ولا يؤمنون بغيب ولا يعفون عن عيب المعروف فيهم ما عرفوا ، والمنكر عندهم ما أنكروا ، وكل امرء منهم إمام نفسه آخذ منها فيما يرى بعرى وثيقات وأسباب محكمات فلا يزالون بجور ولن يزدادوا إلا خطأ لا ينالون تقربا ولن يزدادوا إلا بعدا من الله عز وجل انس بعضهم ببعض وتصديق بعضهم لبعض كل ذلك وحشة مما ورث النبي ونفورا مما أدى إليهم من أخبار فاطر السماوات والأرض .

أهل حسرات ، وكهوف شبهات ، وأهل عشوات ، وضلالة وريبة ، من وكله الله إلى نفسه ورأيه فهو مأمون عند من يجهله غير المتهم عند من لا يعرفه فما أشبه هؤلاء بأنعام قد غاب عنها رعاؤها .

ووا أسفا من فعلات شيعتنا من بعد قرب مودتها اليوم كيف يستذل بعدي بعضها بعضا وكيف يقتل بعضها بعضا ؟ المتشتة غدا عن الأصل النازلة بالفرع ، المؤملة الفتح من غير جهته كل حزب منهم آخذ منه بغصن أينما مال الغصن مال معه مع أن الله وله الحمد سيجمع هؤلاء لشر يوم لبني أمية كما يجمع قزع الخريف يؤلف الله بينهم ثم يجعلهم ركاما كركام السحاب ثم يفتح لهم أبوابا يسيلون من مستثارهم كسيل الجنتين سيل العرم حيث نقب عليه فارة فلم تثبت عليه أكمة ولم يرد سننه رص طود ، يذعذهم الله في بطون أودية ثم يسلكهم ينابيع في الأرض يأخذ بهم من قوم حقوق قوم ويمكن بهم قوما في ديار قوم تشريدا لبني أمية ولكي لا يغتصبوا ما غصبوا يضعضع الله بهم ركنا وينقض بهم طي الجنادل من إرم ويملا منهم بطنان الزيتون .

فوالذي فلق الحبة وبرأ النسمة ليكونن ذلك وكأني أسمع صهيل خيلهم وطمطمة رجالهم وأيم الله ليذوبن ما في أيديهم بعد العلو والتمكين في البلاد كما تذوب الالية على النار ، من مات منهم مات ضالا وإلى الله عز وجل يفضي منهم من درج ويتوب الله عز وجل على من تاب ولعل الله يجمع شيعتي بعد التشتت لشر يوم لهؤلاء وليس لاحد على الله عز ذكره الخيرة ، بل لله الخيرة والامر جميعا .

أيها الناس إن المنتحلين للإمامة من غير أهلها كثير ولو لم تتخاذلوا عن مر الحق ، ولم تهنوا عن توهين الباطل ، لم يتشجع عليكم من ليس مثلكم ولم يقو من قوي عليكم ، وعلى هضم الطاعة وازوائها عن أهلها ، لكن تهتم كما تاهت بنو إسرائيل على عهد موسى .

ولعمري ليضاعفن عليكم التيه من بعدي أضعاف ما تاهت بنو إسرائيل ولعمري أن لو قد استكملتم من بعدي مدة سلطان بني أمية لقد اجتمعتم على سلطان الداعي إلى الضلالة وأحييتم الباطل وأخلفتم الحق وراء ظهوركم ، وقطعتم الأدنى من أهل بدر ووصلتم الأبعد من أبناء الحرب لرسول الله ولعمري أن لو قد ذاب ما في أيديهم لدنا التمحيص للجزاء وقرب الوعد وانقضت المدة وبدا لكم النجم ذو الذنب من قبل المشرق ولاح لكم القمر المنير فإذا كان ذلك فراجعوا التوبة واعلموا أنكم إن اتبعتم طالع المشرق سلك بكم منهاج رسول الله فتداويتم من العمى والصمم والبكم وكفيتم مؤنة الطلب والتعسف ، ونبذتم الثقل الفادح عن الأعناق ولا يبعد الله إلا من أبى وظلم واعتسف ، وأخذ ما ليس له " وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون " .

بيان : الأزل " الضيق " والشدة .

و " الخطب " الشأن والامر ويحتمل أن يكون المراد بما استدبروه ما وقع في زمن الرسول من استيلاء الكفرة أولا وغلبة الحق وأهله ثانيا وبما استقبلوه ما ورد عليهم بعد الرسول صلى الله عليه وآله من أشباهها ونظائرها من استيلاء المنافقين على أمير المؤمنين ثم رجوع الدولة إليه بعد ذلك فان الحالتين متطابقتان ويحتمل أن يكون المراد بهما شيئا واحدا وإنما يستقبل قبل وروده ويستدبر بعد مضيه والمقصود التفكر في انقلاب أحوال الدنيا وسرعة زوالها وكثرة الفتن فيها فتدعو إلى تركها والزهد فيها ويحتمل على بعد أن يكون المراد بما يستقبلونه ما هو أمامهم من أحوال البرزخ وأهوال القيامة و عذاب الآخرة وبما استدبروه ما مضى من أيام عمرهم وما ظهر لهم مما هو محل للعبرة فيها .

" بلبيب " أي عاقل " بسميع " أي يفهم الحق ويؤثر فيه " ببصير " أي يبصر الحق ويعتبر بما يرى وينتفع بما يشاهد " فيما يعنيكم " أي يهمكم وينفعكم وفي بعض النسخ يغنيكم ( والنظر فيه ) الظاهر أنه بدل اشتمال لقوله فيما يعنيكم ويحتمل أن يكون فاعلا لقوله يعنيكم بتقدير النظر قبل الظرف أيضا .

" من قد أقاده الله " يقال : أقاده خيلا أي أعطاه ليقودها ولعل المعنى من مكنه الله من الملك بأن خلى بينه وبين اختياره ولم يمسك يده عما أراده " بعلمه " أي بما يقتضيه علمه وحكمته من عدم إجبارهم على الطاعات ويحتمل أن يكون من القود والقصاص ويؤيده أن في بعض النسخ بعمله فالضمير راجع إلى الموصول " على سنة " أي طريقة وحالة مشبهة ومأخوذة " من آل فرعون " من الظلم والكفر والطغيان أو من الرفاهية والنعمة كما قال " أهل جنات " فعلى الأول حال وعلى الثاني بدل من قوله على سنة أو عطف بيان له " بما ختم الله " الباء بمعنى في أو إلى أو زائدة و " النضرة " الحسن والرونق .

وقوله : " مخلدون " خبر لمبتدأ محذوف والجملة مبينة ومؤكدة للسابقة أي هم والله مخلدون في الجنان " ولله عاقبة الأمور " أي مرجعها إلى حكمه كما قيل أو عاقبة الملك والدولة والعز لله ولمن طلب رضاه كما هو الأنسب بالمقام " فيا عجبا " بغير تنوين وأصله يا عجبي ثم قلبوا الياء ألفا فان وقفت قلت : يا عجباه أي يا عجبي أقبل هذا أوانك أو بالتنوين أي يا قوم أعجبوا عجبا أو أعجب عجبا والأول أشهر وأظهر " في دينها " الظرف متعلق بالاختلاف أو بالخطأ أو بهما على التنازع " بغيب " أي بأمر غائب عن الحس مما أخبر به النبي من الجنة والنار وغيرهما " ولا يعفون " بكسر العين وتشديد الفاء من العفة والكف أو بسكون العين وتخفيف الفاء من العفو أي عن عيوب الناس .

" المعروف الخ " أي المعروف والخير عندهم ما يعدونه معروفا ويستحسنونه بعقولهم الناقصة وإن كان منكرا في نفس الامر أو المعنى أن المعروف والمنكر تابعان لإرادتهم وميول طبائعهم وشهواتهم فما اشتهته أنفسهم وإن أنكرته الشريعة فهو المعروف عندهم " بعرى وثيقات " أي يظنون أنهم تمسكوا بدلائل وبراهين فيما يدعون من الأمور الباطلة .

" وأسباب محكمات " أي يزعمون أنهم تعلقوا بوسائل محكمة فيمن يتوسلون بهم من أئمة الجور " انس بعضهم " على الفعل أو المصدر والثاني أظهر " وحشة " أي يفعلون كل ذلك لوحشتهم ونفورهم عن العلوم التي ورثها النبي آهل بيته " أهل حسرات " بعد الموت وفي القيامة وفي النار " وكهوف شبهات " أي تأوي إليهم الشبهات لأنهم يقبلون إليها ويفتتنون بها وفي بعض النسخ " وكفر وشبهات " فيكونان معطوفين على حسرات .

وقال الجوهري : العشوة أن يركب أمرا على غير بيان ويقال أخذت عليهم بالعشوة أي بالسواد من الليل " فهو مأمون " خبر للموصول والمعنى أن حسن ظن الناس والعوام بهم إنما هو لجهلهم بضلالتهم وجهالتهم ويحتمل أن يكون المراد بالموصول أئمة من قد ذمهم سابقا لا أنفسهم " من فعلات شيعتي " أي من يتبعني اليوم ظاهرا و " اليوم " ظرف للقرب " المتشتة " أي هم الذين يتفرقون عن أئمة الحق ولا ينصرونهم ويتعلقون بالفروع التي لا ينفع التعلق بها بدون التشبث بالأصل كاتباعهم المختار وأبا مسلم وزيدا وأضرابهم بعد تفرقهم عن الأئمة " من غير جهته " أي من غير الجهة التي يرجى منها الفتح أو من غير الجهة التي أمروا بالاستفتاح منها فان خروجهم بغير إذن الإمام كان معصية .

" لشر يوم " إشارة إلى اجتماعهم على أبي مسلم لدفع بني أمية وقد فعلوا لكن سلطوا على أئمة الحق من هو شر منهم وقال الجزري وفي حديث علي : فيجتمعون إليه كما يجتمع قزع الخريف أي قطع السحاب المتفرقة وإنما خص الخريف لأنه أول الشتاء والسحاب يكون فيه متفرقا غير متراكم ولا مطبق ثم يجتمع بعضه إلى بعض بعد ذلك وقال : الركام ، السحاب المتراكم بعضه فوق بعض .

نسبة الجمع إليه تعالى مجاز لعدم منعهم عنه وتمكينهم من أسبابه وتركهم واختيارهم " ثم يفتح لهم " فتح الأبواب كناية عما هيئ لهم من أسبابهم وإصابة تدبيراتهم واجتماعهم وعدم تخاذلهم .

و " المستشار " موضع ثورانهم وهيجانهم ثم شبه تسليط هذا الجيش عليهم بسوء أعمالهم بما سلط الله على أهل سبأ بعد إتمام النعمة عليهم لكفرانهم وإنما سمي ذلك بسيل العرم لصعوبته أي سيل الامر العرم أي الصعب أو المراد بالعرم المطر الشديد أو الجرذ أضاف إليه لأنه نقب عليهم سدا ضربت لهم بلقيس وقيل اسم لذلك السد وقد مرت القصة في كتاب النبوة .

والضمير في " عليه " إما راجع إلى السيل فعلى تعليلية أو إلى العرم إذا فسر بالسد . وفي بعض النسخ " بعث " وفي بعضها " نقب " بالنون والقاف والباء الموحدة فقوله " فارة " مرفوع بالفاعلية وفي النهج " كسيل الجنتين حيث لم تسلم عليه قارة ولم تثبت له أكمة " والقارة الجبل الصغير والأكمة هي الموضع الذي يكون أشد ارتفاعا مما حوله وهو غليظ لا يبلغ أن يكون حجرا والحاصل بيان شدة السيل المشبه به بأنه أحاط بالجبال وذهب بالتلال ولم يمنعه شئ .

والسنن الطريق و " الرص " التصاق الاجزاء بعضها ببعض " والطود " الجبل أي لم يرد طريقه طود مرصوص .

ولما بين شدة المشبه به أخذ في بيان شدة المشبه فقال : " يذعذعهم الله " أي يفرقهم في السبل متوجهين إلى البلاد " ثم يسلكهم ينابيع في الأرض " من ألفاظ القرآن أي كما أن الله تعالى ينزل الماء من السماء فيسكن في أعماق الأرض ثم يظهره ينابيع إلى ظاهرها كذلك هؤلاء يفرقهم الله في بطون الأودية وغوامض الأغوار ثم يظهرهم بعد الاختفاء كذا ذكره ابن أبي الحديد ، والأظهر عندي أنه بيان لاستيلائهم على البلاد ، وتفرقهم فيها ، وتيسر أعوانهم من سائر الفرق ، فكما أن مياه الأنهار ووفورها توجب وفور مياه العيون والآبار ، فكذلك يظهر أثر هؤلاء في كل البلاد ، وتكثر أعوانهم في جميع الأقطار ، وكل ذلك ترشيح لما سبق من التشبيه " يأخذهم من قوم " أي بني أمية " حقوق قوم " أي أهل بيت للانتقام من أعدائهم وإن لم يصل الحق إليهم " ويمكن من قوم " أي بني العباس " لديار قوم " أي بني أمية وفي بعض النسخ " ويمكن بهم قوما في ديار قوم " وفي النهج " ويمكن لقوم في ديار قوم " والمال في الكل واحد " تشريدا لبني أمية " التشريد التفريق والطرد ، و " الاغتصاب " الغصب ولعل المعنى أن الغرض من استيلاء هؤلاء ليس إلا تفريق بني أمية ودفع ظلمهم .

وقال الفيروزآبادي : ضعضعه هدمه حتى الأرض و " الجنادل " جمع جندل وهو ما يقله الرجل من الحجارة أي يهدم الله بهم ركنا وثيقا هو أساس دولة بني أمية و ينقض بهم الأبنية التي طويت وبنيت بالجنادل والأحجار من بلاد إرم وهي دمشق والشام إذ كان مستقر ملكهم في أكثر زمانهم تلك البلاد لا سيما في زمانه .

وقال الجزري : فيه ينادي مناد من بطنان العرش أي من وسطه وقيل من أصله وقيل البطنان جمع بطن وهو الغامض من الأرض يريد من دواخل العرش . وقال الفيروزآبادي : الزيتون مسجد دمشق أو جبال الشام وبلد بالصين والمعنى أن الله يملا منهم وسط مسجد دمشق أو دواخل جبال الشام والغرض بيان استيلاء هؤلاء القوم على بني أمية في وسط ديارهم والظفر عليهم في محل استقرارهم وأنه لا ينفعهم بناء ولا حصن في التحرز عنهم . و " طمطمة رجالهم " الطمطمة اللغة العجمية ورجل طمطمي في لسانه عجمة وأشار بذلك إلى أن أكثر عسكرهم من العجم لان عسكر أبي مسلم كان من خراسان " وأيم الله ليذوبن " الظاهر أن هذا أيضا من تتمة بيان انقراض ملك بني أمية وسرعة زواله ويحتمل أن يكون إشارة إلى انقراض هؤلاء الغالبين من بني العباس " وإلى الله عز وجل يقضى " من القضاء بمعنى المحاكمة أو الانهاء والايصال كما في قوله تعالى " وقضينا إليه ذلك الامر " وفي بعض النسخ " يفضي " بالفاء أي يوصل " ودرج الرجل " أي مشى ودرج أيضا بمعنى مات ويقال درج القوم أي انقرضوا و الظاهر أن المراد به هنا الموت أي من مات مات ضالا وأمره إلى الله يعذبه كيف يشاء ويحتمل أن يكون بمعنى المشي أي من بقي منهم فعاقبته الفناء والله يقضي فيه بعلمه " ولعل الله يجمع " إشارة إلى زمن القائم .

" وليس لاحد على الله عز ذكره الخيرة " أي ليس لأحد من الخلق أن يشير بأمر على الله أن هذا خير ينبغي أن تفعله بل له أن يختار من الأمور ما يشاء بعلمه وله الامر بما يشاء في جميع الأشياء " عن مر الحق " أي الحق الذي هو مر أو خالص الحق فإنه مر واتباعه صعب وفي النهج عن نصر الحق " والهضم " الكسر وزوي الشئ ء عنه أي صرفه ونحاه ولم أطلع على الازواء فيما عندي من كتب اللغة وكفى بالخطبة شاهدا على أنه ورد بهذا المعنى .

" كما تاهت بنو إسرائيل " أي خارج المصر أربعين سنة ليس لهم مخرج بسبب عصيانهم وتركهم الجهاد فكذا أصحابه صلوات الله عليه تحيروا في أديانهم وأعمالهم لما لم ينصروه ولم يعينوه على عدوه كما روي عن النبي أنه قال : لتركبن سنن من كان قبلكم حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه .

" أضعاف ما تاهت " يحتمل أن يكون المراد بالمشبه به هنا تحير قوم موسى بعده في دينهم ويحتمل أن يكون المراد التحير السابق وعلى التقديرين إما المراد المضاعفة بحسب الشدة وكثرة الحيرة أو بحسب الزمان فان حيرتهم كان إلى أربعين سنة وهذه الأمة إلى الآن متحيرون تائهون في أديانهم وأحكامهم " الداعي إلى الضلالة " أي الداعي إلى بني العباس " وقطعتم الأدنى من أهل بدر " أي الأدنين إلى النبي نسبا الناصرين له في غزوة بدر وهي أعز غزوات الاسلام يعني نفسه وأولاده " ووصلتم الأبعد " أي أولاد العباس فإنهم كانوا أبعد نسبا من أهل البيت وكان جدهم عباس ممن حارب الرسول في غزوة بدر حتى أسر " ما في أيديهم " أي ملك بني العباس " لدنا التمحيص للجزاء " أي قرب قيام القائم والتمحيص الابتلاء والاختبار أي يبتلي الناس ويمتحنون بقيامه ليخزي الكافرين ويعذبهم في الدنيا قبل نزول عذاب الآخرة بهم ويمكن أن يكون المراد تمحيص جميع الخلق لجزائهم في الآخرة إن خيرا فخيرا وإن شرا فشرا " وقرب الوعد " أي وعد الفرج " وانقضت المدة " أي قرب انقضاء دولة أهل الباطل .

" وبدا لكم النجم " هذا من علامات ظهور القائم عليه السلام كما سيأتي وقيل إنه إشارة إلى ما ظهر في سنة تسع وثلاثين وثمانمائة هجرية والشمس في أوائل الميزان بقرب الإكليل الشمالي كانت تطلع وتغيب معه لا تفارقه ثم بعد مدة ظهر أن لها حركة خاصة بطيئة فيما بين المغرب والشمال وكان يصغر جرمها ويضعف ضوؤها بالتدريج حتى انمحت بعد ثمانية أشهر تقريبا وقد بعدت عن الإكليل في الجهة المذكورة قدر رمح لكن قوله " من قبل المشرق " يأبى عنه إلا بتكلف وقد ظهر في زماننا في سنة خمس وسبعين وألف ذو ذؤابة ما بين القبلة والمشرق وكان له طلوع وغروب وكانت له حركة خاصة سريعة عجيبة على التوالي لكن لا على نسق ونظام معلوم ثم غاب بعد شهرين تقريبا كان يظهر أول الليل من جانب المشرق وقد ضعف حتى انمحى بعد شهر تقريبا وتطبيقه على هذا يحتاج إلى تكلفين كما لا يخفى " ولاح لكم القمر المنير " الظاهر أنه استعارة للقائم ويؤيده ما مر بسند آخر " وأشرق لكم قمركم " ويحتمل أن يكون من علامات قيامه عليه السلام ظهور قمر آخر أو شئ شبيه بالقمر .

" إن اتبعتم طالع المشرق " أي القائم وذكر المشرق إما لترشيح الاستعارة السابقة أو لان ظهوره من مكة وهي شرقية بالنسبة ( إلى المدينة ) أو لان اجتماع العساكر عليه وتوجهه عليه السلام إلى فتح البلاد إنما يكون من الكوفة وهي شرقية بالنسبة إلى الحرمين وكونه إشارة إلى السلطان إسماعيل أنار الله برهانه بعيد " والتعسف " أي لا تحتاجون في زمانه إلى طلب الرزق والظلم على الناس لاخذ أموالهم " ونبذتهم الثقل الفادح " أي الديون المثقلة ومظالم العباد أو إطاعة أهل الجور وظلمهم " ولا يبعد الله " أي في ذلك الزمان أو مطلقا " إلا من أبى " ( أي ) عن طاعته أو طاعة الله و " ظلم " أي نفسه أو الناس " واعتسف " أي مال عن طريق الحق أو ظلم غيره .

- نهج البلاغة : من خطبة له ( في ذكر الملاحم : يعطف الهوى على الهدى إذا عطفوا الهدى على الهوى ويعطف الرأي على القرآن إذا عطفوا القرآن على الرأي . منها : حتى تقوم الحرب بكم على ساق باديا نواجذها مملوءة أخلافها حلوا رضاعها علقما عاقبتها ) .

ألا وفي غد وسيأتي غد بما لا تعرفون يأخذ الوالي من غيرها عمالها على مساوي أعمالها وتخرج له الأرض أفاليذ كبدها ، وتلقي إليه سلما مقاليدها ، فيريكم كيف عدل السيرة ويحيي ميت الكتاب والسنة .

( بيان : الساق الشدة أو بالمعنى المشهور كناية عن استوائها .

وبدو النواجذ كناية عن بلوغ الحرب غايتها كما أن غاية الضحك أن تبدو النواجذ ويمكن أن يكون كناية عن الضحك على التهكم ) .

ايضاح : قال ابن أبي الحديد : " ألا وفي غد " تمامه قوله " يأخذ الوالي " وبين الكلام جملة اعتراضية وهي قوله " وسيأتي غد بما لا تعرفون " والمراد تعظيم شأن الغد الموعود ومثله كثير في القرآن ثم قال : قد كان تقدم ذكر طائفة من الناس ذات ملك وإمرة فذكر أن الوالي يعني القائم يأخذ عمال هذه الطائفة على سوء أعمالهم و " على " ههنا متعلقة بيأخذ وهي بمعنى يؤاخذ وقال : الأفاليذ جمع أفلاذ والأفلاذ جمع فلذة وهي القطعة من الكبد كناية عن الكنوز التي تظهر للقائم وقد فسر قوله تعالى " وأخرجت الأرض أثقالها " بذلك في بعض التفاسير .

وقال ابن أبي الحديد في شرح بعض خطبه : قال شيخنا أبو عثمان وقال أبو عبيدة : وزاد فيها في رواية جعفر بن محمد عن آبائه ألا إن أبرار عترتي وأطائب أرومتي أحلم الناس صغارا وأعلم الناس كبارا ألا وإنا أهل بيت من علم الله علمنا وبحكم الله حكمنا ومن قول صادق سمعنا فان تتبعوا آثارنا تهتدوا ببصائرنا وإن لم تفعلوا يهلككم الله بأيدينا معنا راية الحق من تبعها لحق ومن تأخر عنها غرق ألا وبنا يدرك ترة كل مؤمن ، وبنا تخلع ربقة الذل عن أعناقكم ، وبنا فتح لا بكم ، وبنا يختم لا بكم .

ثم قال ابن أبي الحديد : " وبنا يختم لا بكم " إشارة إلى المهدي الذي يظهر في آخر الزمان وأكثر المحدثين على أنه من ولد فاطمة عليها السلام وأصحابنا المعتزلة لا ينكرونه وقد صرحوا بذكره في كتبهم وأعترف به شيوخهم إلا أنه عندنا لم يخلق بعد وسيخلق وإلى هذا المذهب يذهب أصحاب الحديث أيضا .

روى قاضي القضاة عن كافي الكفاة إسماعيل بن عباد ره باسناد متصل بعلي عليه السلام أنه ذكر المهدي وقال إنه من ولد الحسين وذكر حليته فقال : رجل أجلى الجبين أقنى الانف ضخم البطن أزيل الفخذين أبلج الثنايا بفخذه اليمنى شامة وذكر هذا الحديث بعينه عبد الله بن قتيبة في كتاب غريب الحديث انتهى .

في ديوان أمير المؤمنين المنسوب إليه :

بني إذا ما جاشت الترك فانتظر   ولاية مهدي يقوم فيعدل
وذل ملوك الأرض من آل هاشم  

 وبويع منهم من يلذ ويهزل

 صبي من الصبيان لا رأي عنده    ولا عنده جد ولا هو يعقل
 فثم يقوم القائم الحق منكم   وبالحق يأتيكم وبالحق يعمل
 سمي نبي الله نفسي فداؤه   فلا تخذلوه يا بني وعجلوا

العودة إلى الصفحة الرئيسية

www.mezan.net <‎/TITLE> ‎<META HTTP-EQUIV="Content-Type" CONTENT="text/html; charset=windows-1256">‎ ‎<META NAME="keywords" CONTENT=" السيد محمد حسين فضل الله في الميزان ">‎ ‎<META NAME="description" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله في كتبه ">‎ ‎<META NAME="author" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله بصوته ">‎ ‎<META NAME="copyright" CONTENT=" رأي المراجع العظام والعلماء ">‎ <‎/HEAD>