ما ذكره الصدوق رحمه الله في كتاب إكمال الدين

- حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب الشجري ، عن محمد بن القاسم الرقي وعلي ابن الحسن بن جنكاء اللائكي قال : لقينا بمكة رجلا من أهل المغرب فدخلنا عليه مع جماعة من أصحاب الحديث ممن كان حضر الموسم في تلك السنة وهي سنة تسع وثلاث مائة فرأينا رجلا أسود الرأس واللحية كأنه شن بال وحوله جماعة من أولاده وأولاد أولاده ومشايخ من أهل بلده ذكروا أنهم من أقصى بلاد المغرب بقرب باهرة العليا وشهدوا هؤلاء المشايخ أنهم سمعوا آباءهم حكوا عن آبائهم وأجدادهم أنهم عهدوا هذا الشيخ المعروف بأبي الدنيا معمر واسمه علي بن عثمان ابن خطاب بن مرة بن مؤيد وذكر أنه همداني وأن أصله من صعد اليمن فقلنا له : أنت رأيت علي بن أبي طالب ؟ فقال بيده ففتح عينيه وقد كان وقع حاجباه على عينيه ففتحهما كأنهما سراجان فقال : رأيته بعيني هاتين وكنت خادما له وكنت معه في وقعة صفين وهذه الشجة من دابة علي وأرانا أثرها على حاجبه الأيمن وشهد الجماعة الذين كانوا حوله من المشايخ ومن حفدته وأسباطه بطول العمر وأنهم منذ ولدوا عهده على هذه الحالة وكذا سمعنا من آبائنا وأجدادنا .

ثم إنا فاتحناه وسألناه عن قصته وحاله وسبب طول عمره فوجدناه ثابت العقل يفهم ما يقال له ، ويجيب عنه بلب وعقل ، فذكر أنه كان له والد قد نظر في كتب الأوائل وقرأها وقد كان وجد فيها ذكر نهر الحيوان وأنها تجري في الظلمات وأنه من شرب منها طال عمره ، فحمله الحرص على دخول الظلمات فتزود وحمل حسب ما قدر أنه يكتفي به في مسيره وأخرجني معه وأخرج معنا خادمين بازلين وعدة جمال لبون وروايا وزادا وأنا يومئذ ابن ثلاث عشرة سنة فسار بنا إلى أن وافينا طرف الظلمات ثم دخلنا الظلمات ، فسرنا فيها نحو ستة أيام بلياليها وكنا نميز بين الليل والنهار بأن النهار كان أضوء قليلا وأقل ظلمة من الليل .

فنزلنا بين جبال وأودية وركوات وقد كان والدي ره يطوف في تلك البقعة في طلب النهر لأنه وجد في الكتب التي قرأها أن مجرى نهر الحيوان في ذلك الموضع فأقمنا في تلك البقعة أياما حتى فني الماء الذي كان معنا وأسقيناه جمالنا ولولا أن جمالنا كانت لبونا لهلكنا وتلفنا عطشا وكان والدي يطوف في تلك البقعة في طلب النهر ويأمرنا أن نوقد نارا ليهتدي بضوئها إذا أراد الرجوع إلينا .

فمكثنا في تلك البقعة نحو خمسة أيام ووالدي يطلب النهر فلا يجده وبعد الاياس عزم على الانصراف حذرا من التلف لفناء الزاد والماء والخدم الذين كانوا معنا فأوجسوا في أنفسهم خيفة من الطلب فألحوا على والدي بالخروج من الظلمات فقمت يوما من الرحل لحاجتي فتباعدت من الرحل قدر رمية سهم ، فعثرت بنهر ماء أبيض اللون عذب لذيذ لا بالصغير من الأنهار ولا بالكبير يجري جريا لينا فدنوت منه وغرفت منه بيدي غرفتين أو ثلاثا فوجدته عذبا باردا لذيذا ، فبادرت مسرعا إلى الرحل فبشرت لخدم بأني قد وجدت الماء فحملوا ما كان معنا من القرب والأداوى لنملأها ولم أعلم أن والدي في طلب ذلك النهر وكان سروري بوجود الماء لما كنا فيه من عدم الماء وكان والدي في ذلك الوقت غائبا عن الرحل مشغولا بالطلب فجهدنا وطفنا ساعة هوية في طلب النهر فلم نهتد إليه حتى أن الخدم كذبوني وقالوا لي لم تصدق .

فلما انصرفت إلى الرحل وانصرف والدي أخبرته بالقصة فقال لي : يا بني ! الذي أخرجني إلى ذلك المكان وتحمل الخطر كان لذلك النهر ، ولم ارزق أنا وأنت رزقته وسوف يطول عمرك حتى تمل الحياة ، ورحلنا منصرفين وعدنا إلى أوطاننا وبلدنا وعاش والدي بعد ذلك سنيات ثم مات رحمه الله .

فلما بلغ سني قريبا من ثلاثين سنة وكان قد اتصل بنا وفات النبي ووفات الخليفتين بعده خرجت حاجا فلحقت آخر أيام عثمان .

فمال قلبي من بين جماعة أصحاب النبي إلى علي بن أبي طالب فأقمت معه أخدمه وشهدت معه وقائع وفي وقعة صفين أصابتني هذه الشجة من دابته فما زلت مقيما معه إلى أن مضى لسبيله فألح علي أولاده وحرمه أن أقيم عندهم فلم أقم ، وانصرفت إلى بلدي وخرجت أيام بني مروان حاجا وانصرفت مع أهل بلدي إلى هذه الغاية ، ما خرجت في سفر إلا ما كان الملوك في بلاد المغرب يبلغهم خبري وطول عمري فيشخصوني إلى حضرتهم ليروني ويسألوني عن سبب طول عمري وعما شاهدت وكنت أتمنى وأشتهي أن أحج حجة أخرى فحملني هؤلاء حفدتي وأسباطي الذين ترونهم حولي وذكر أنه قد سقطت أسنانه مرتين أو ثلاثة .

فسألناه أن يحدثنا بما سمع من أمير المؤمنين علي بن أبي طالب فذكر أنه لم يكن له حرص ولا همة في طلب العلم وقت صحبته لعلي بن أبي طالب والصحابة أيضا كانوا متوافرين فمن فرط ميلي إلى علي ومحبتي له لم أشتغل بشئ سوى خدمته وصحبته والذي كنت أتذكره مما كنت سمعته منه قد سمعه مني عالم كثير من الناس ببلاد المغرب ومصر والحجاز وقد انقرضوا وتفانوا وهؤلاء أهل بلدي وحفدتي قد دونوه فأخرجوا إلينا النسخة وأخذ يملئ علينا من خطه : حدثنا أبو الحسن علي بن عثمان بن خطاب بن مرة بن مؤيد الهمداني المعروف بأبي الدنيا معمر المغربي رضي الله عنه حيا وميتا قال : حدثنا علي بن أبي طالب قال : قال رسول الله : من أحب أهل اليمن فقد أحبني ومن أبغض أهل اليمن فقد أبغضني .

وحدثنا أبو الدنيا معمر قال : حدثني علي بن أبي طالب قال : قال رسول الله : من أعان ملهوفا كتب الله له عشر حسنات ومحى عنه عشر سيئات ورفع له عشر درجات ثم قال : قال رسول الله : من سعى في حاجة أخيه المسلم لله فيها رضى الله فيها صلاح فكأنما خدم الله ألف سنة ولم يقع في معصيته طرفة عين .

حدثنا أبو الدنيا معمر المغربي قال : سمعت علي بن أبي طالب يقول : أصاب النبي جوع شديد وهو في منزل فاطمة قال علي فقال لي النبي : يا علي هات المائدة فقدمت المائدة فإذا عليها خبز ولحم مشوي .

حدثنا أبو الدنيا معمر قال : سمعت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب يقول : جرحت في وقعة خيبر خمسا وعشرين جراحة فجئت إلى النبي فلما رأى ما بي بكى وأخذ من دموع عينيه فجعلها على الجراحات فاسترحت من ساعتي .

وحدثنا أبو الدنيا قال : حدثني علي بن أبي طالب قال : قال رسول الله : من قرأ قل هو الله أحد مرة فكأنما قرأ ثلث القرآن ومن قرأها مرتين فكأنما قرأ ثلثي القرآن ومن قرأها ثلاث مرات فكأنما قرأ القرآن كله . وحدثنا أبو الدنيا قال : سمعت علي بن أبي طالب يقول : قال رسول الله : كنت أرعى الغنم فإذا أنا بذئب على قارعة الطريق فقلت له : ما تصنع ههنا ؟ فقال لي : وأنت ما تصنع ههنا ؟ قلت أرعى الغنم قال مر أو قال ذا الطريق قال : فسقت الغنم فلما توسط الذئب الغنم إذا أنا به قد شد على شاة فقتلها قال : فجئت حتى أخذت بقفاه فذبحته وجعلته على يدي وجعلت أسوق الغنم .

فلما سرت غير بعيد وإذا أنا بثلاثة أملاك جبرئيل وميكائيل وملك الموت ، فلما رأوني قالوا هذا محمد بارك الله فيه فاحتملوني وأضجعوني وشقوا جوفي بسكين كان معهم وأخرجوا قلبي من موضعه وغسلوا جوفي بماء بارد كان معهم في قارورة حتى نقي من الدم ثم ردوا قلبي إلى موضعه وأمروا أيديهم على جوفي فالتحم الشق بإذن الله تعالى فما أحسست بسكين ولا وجع ، قال : وخرجت أغدو إلى أمي يعني حليمة داية النبي فقال لي : أين الغنم فخبرتها بالخبر فقالت : سوف تكون لك في الجنة منزلة عظيمة .

وحدثنا أبو سعيد عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب قال : ذكر أبو بكر محمد بن الفتح المركني وأبو الحسن علي بن الحسن اللائكي أن السلطان بمكة لما بلغه خبر أبي الدنيا تعرض له ، وقال : لابد أن أخرجك إلى بغداد إلى حضرة أمير المؤمنين المقتدر فاني أخشى أن يعتب علي إن لم أخرجك معي فسأله الحاج من أهل المغرب وأهل مصر والشام أن يعفيه من ذلك ولا يشخصه فإنه شيخ ضعيف ولا يؤمن ما يحدث عليه ، فأعفاه .

قال أبو سعيد : ولو أني أحضر الموسم تلك السنة لشاهدته وخبره كان شائعا مستفيضا في الأمصار وكتب عنه هذه الأحاديث المصريون والشاميون والبغداديون ، ومن سائر الأمصار من حضر الموسم وبلغه خبر هذا الشيخ وأحب أن يلقاه ويكتب عنه نفعهم الله وإيانا بها .

العودة إلى الصفحة الرئيسية

www.mezan.net <‎/TITLE> ‎<META HTTP-EQUIV="Content-Type" CONTENT="text/html; charset=windows-1256">‎ ‎<META NAME="keywords" CONTENT=" السيد محمد حسين فضل الله في الميزان ">‎ ‎<META NAME="description" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله في كتبه ">‎ ‎<META NAME="author" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله بصوته ">‎ ‎<META NAME="copyright" CONTENT=" رأي المراجع العظام والعلماء ">‎ <‎/HEAD>