أحمد بن هلال الكرخي ، ومحمد بن علي ، والحسين بن منصور الحلاج لعنهم الله

ومنهم أحمد بن هلال الكرخي قال أبو علي بن همام : كان أحمد بن هلال من أصحاب أبي محمد فاجتمعت الشيعة على وكالة أبي جعفر محمد بن عثمان رحمه الله بنص الحسن في حياته ولما مضى الحسن قالت الشيعة الجماعة له : ألا تقبل أمر أبي جعفر محمد بن عثمان وترجع إليه وقد نص عليه الامام المفترض الطاعة فقال لهم : لم أسمعه ينص عليه بالوكالة ، وليس أنكر أباه يعني عثمان بن سعيد فأما أن أقطع أن أبا جعفر وكيل صاحب الزمان فلا أجسر عليه ، فقالوا : قد سمعه غيرك ، فقال : أنتم وما سمعتم ، ووقف على أبي جعفر فلعنوه وتبرؤا منه .

ثم ظهر التوقيع على يد أبي القاسم بن روح رحمه الله بلعنه والبراءة منه في جملة من لعن .

ومنهم أبو طاهر محمد بن علي بن بلال وقصته معروفة فيما جرى بينه وبين أبي جعفر محمد بن عثمان العمري نضر الله وجهه وتمسكه بالأموال التي كانت عنده للامام وامتناعه من تسليمها وادعاؤه أنه الوكيل حتى تبرأت الجماعة منه ولعنوه وخرج من صاحب الزمان عليه السلام ما هو معروف . وحكى أبو غالب الزراري قال : حدثني أبو الحسن محمد بن محمد بن يحيى المعاذي قال : كان رجل من أصحابنا قد انضوى إلى أبي طاهر بن بلال بعد ما وقعت الفرقة ثم إنه رجع عن ذلك وصار في جملتنا فسألناه عن السبب قال : كنت عند أبي طاهر يوما وعنده أخوه أبو الطيب وابن خزر وجماعة من أصحابه إذ دخل الغلام فقال أبو جعفر العمري على الباب ففزعت الجماعة لذلك وأنكرته للحال التي كانت جرت وقال : يدخل ، فدخل أبو جعفر رضي الله عنه فقام له أبو طاهر والجماعة وجلس في صدر المجلس وجلس أبو طاهر كالجالس بين يديه فأمهلهم إلى أن سكتوا .

ثم قال : يا أبا طاهر نشدتك الله أو نشدتك بالله ألم يأمرك صاحب الزمان عليه السلام بحمل ما عندك من المال إلي ؟ فقال : اللهم نعم فنهض أبو جعفر رضي الله عنه منصرفا و وقعت على القوم سكتة فلما تجلت عنهم قال له أخوه أبو الطيب : من أين رأيت صاحب الزمان فقال أبو طاهر أدخلني أبو جعفر رضي الله عنه إلى بعض دوره فأشرف علي من علو داره فأمرني بحمل ما عندي من المال إليه فقال له أبو الطيب : ومن أين علمت أنه صاحب الزمان قال : وقع علي من الهيبة له ، ودخلني من الرعب منه ما علمت أنه صاحب الزمان فكان هذا سبب انقطاعي عنه .

ومنهم الحسين بن منصور الحلاج .

أخبرنا الحسين بن إبراهيم ، عن أبي العباس أحمد بن علي بن نوح ، عن أبي نصر هبة الله بن محمد الكاتب ابن بنت أم كلثوم بنت أبي جعفر العمري قال : لما أراد الله تعالى أن يكشف أمر الحلاج ويظهر فضيحته ويخزيه ، وقع له أن أبا سهل ابن إسماعيل بن علي النوبختي رضي الله عنه ممن تجوز عليه مخرقته ، وتتم عليه حيلته ، فوجه إليه يستدعيه ، وظن أن أبا سهل كغيره من الضعفاء في هذا الامربفرط جهله ، وقدر أن يستجره إليه فيتمخرق ويتصوف بانقياده على غيره ، فيستتب له ما قصد إليه من الحيلة والبهرجة على الضعفة ، لقدر أبي سهل في أنفس الناس ومحله من العلم والأدب أيضا عندهم ، ويقول له في مراسلته إياه : إني وكيل صاحب الزمان وبهذا أولا كان يستجر ( الجهال ) ثم يعلو منه إلى غيره وقد أمرت بمراسلتك وإظهار ما تريده من النصرة لك ، لتقوى نفسك ، ولا ترتاب بهذا الامر .

فأرسل إليه أبو سهل رضي الله عنه يقول لك : إني أسألك أمرا يسيرا يخف مثله عليك في جنب ما ظهر على يديك من الدلائل والبراهين ، وهو أني رجل أحب الجواري وأصبو إليهن ولي منهن عدة أتخطاهن والشيب يبعدني عنهن وأحتاج أن أخضبه في كل جمعة وأتحمل منه مشقة شديدة لأستر عنهن ذلك وإلا انكشف أمري عندهن ، فصار القرب بعدا والوصال هجرا ، وأريد أن تغنيني عن الخضاب وتكفيني مؤنته ، وتجعل لحيتي سوداء ، فإنني طوع يديك وصائر إليك ، وقائل بقولك ، وداع إلى مذهبك ، مع مالي في ذلك من البصيرة ، ولك من المعونة . فلما سمع ذلك الحلاج من قوله وجوابه علم أنه قد أخطأ في مراسلته و جهل في الخروج إليه بمذهبه وأمسك عنه ولم يرد إليه جوابا ولم يرسل إليه رسولا وصيره أبو سهل رضي الله عنه أحدوثة وضحكة ويطنز به عند كل أحد ، وشهر أمره عند الصغير والكبير ، وكان هذا الفعل سببا لكشف أمره وتنفير الجماعة عنه . وأخبرني جماعة عن أبي عبد الله الحسين بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه أن ابن الحلاج صار إلى قم وكاتب قرابة أبي الحسن ( والد الصدوق ) يستدعيه ويستدعي أبا الحسن أيضا ويقول : أنا رسول الامام ووكيله ، قال : فلما وقعت المكاتبة في يد أبي رضي الله عنه خرقها وقال لموصلها إليه : ما أفرغك للجهالات ؟ فقال له الرجل وأظن أنه قال : إنه ابن عمته أو ابن عمه فان الرجل قد استدعانا فلم خرقت مكاتبته وضحكوا منه وهزؤوا به ، ثم نهض إلى دكانه ومعه جماعة من أصحابه وغلمانه .

قال : فلما دخل إلى الدار التي كان فيها دكانه نهض له من كان هناك جالسا غير رجل رآه جالسا في الموضع فلم ينهض له ولم يعرفه أبي فلما جلس و أخرج حسابه ودواته كما تكون التجار أقبل على بعض من كان حاضرا فسأله عنه فأخبره فسمعه الرجل يسأل عنه فأقبل عليه وقال له : تسأل عني وأنا حاضر فقال له أبي : أكبرتك أيها الرجل وأعظمت قدرك أن أسألك فقال له : تخرق رقعتي وأنا أشاهدك تخرقها فقال له أبي : فأنت الرجل إذا . ثم قال : يا غلام برجله وبقفاه فخرج من الدار العدو لله ولرسوله ثم قال له : أتدعي المعجزات ؟ عليك لعنة الله ، أو كما قال ، فاخرج بقفاه فما رأيناه بعدها بقم .

ومنهم ابن أبي العزاقر أخبرني الحسين بن إبراهيم ، عن أحمد بن علي بن نوح عن أبي نصر هبة الله بن محمد بن أحمد الكاتب ابن بنت أم كلثوم بنت أبي جعفر العمري رضي الله عنه قال : حدثتني الكبيرة أم كلثوم بنت أبي جعفر العمري رضي الله عنها قالت : كان أبو جعفر ابن أبي العزاقر وجيها عند بني بسطام ، وذاك أن الشيخ أبا القاسم رضي الله عنه وأرضاه كان قد جعل له عند الناس منزلة وجاها فكان عند ارتداده يحكي كل كذب وبلاء وكفر لبني بسطام ويسنده عن الشيخ أبي القاسم فيقبلونه منه ويأخذونه عنه ، حتى انكشف ذلك لأبي القاسم فأنكره وأعظمه ونهى بني بسطام عن كلامه وأمرهم بلعنه والبراءة منه فلم ينتهوا وأقاموا على توليه .

وذاك أنه كان يقول لهم : إنني أذعت السر وقد اخذ علي الكتمان فعوقبت بالابعاد بعد الاختصاص لان الامر عظيم لا يحتمله إلا ملك مقرب أو نبي مرسل أو مؤمن ممتحن ، فيؤكد في نفوسهم عظم الامر وجلالته .

فبلغ ذلك أبا القاسم رضي الله عنه فكتب إلى بني بسطام بلعنه والبراءة منه و ممن تابعه على قوله ، وأقام على توليه ، فلما وصل إليهم أظهروه على فبكى بكاء عظيما ثم قال : إن لهذا القول باطنا عظيما وهو أن اللعنة الابعاد ، فمعنى قوله : لعنه الله أي باعده الله عن العذاب والنار ، والآن قد عرفت منزلتي ومرغ خديه على التراب وقال : عليكم بالكتمان لهذا الامر .

قالت الكبيرة رضي الله عنها : وقد كنت أخبرت الشيخ أبا القاسم أن أم أبي جعفر بن بسطام قالت لي يوما وقد دخلنا إليها فاستقبلتني وأعظمتني وزادت في إعظامي حتى انكبت على رجلي تقبلها فأنكرت ذلك وقلت لها : مهلا يا ستي فان هذا أمر عظيم ، وانكببت على يدها فبكت .

ثم قالت : كيف لا أفعل بك هذا وأنت مولاتي فاطمة ؟ فقلت لها : وكيف ذاك يا ستي فقالت لي : إن الشيخ يعني أبا جعفر محمد بن علي خرج إلينا بالستر قالت : فقلت لها : وما الستر ؟ قالت : قد اخذ علينا كتمانه وأفزع إن أنا أذعته عوقبت ، قالت : وأعطيتها موثقا أني لا أكشفه لاحد واعتقدت في نفسي الاستثناء بالشيخ رضي الله عنه يعني أبا القاسم الحسين بن روح .

قالت : إن الشيخ أبا جعفر قال لنا : إن روح رسول الله صلى الله عليه وآله انتقلت إلى أبيك يعني أبا جعفر محمد بن عثمان رضي الله عنه ، وروح أمير المؤمنين علي انتقلت إلى بدن الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح ، وروح مولاتنا فاطمة عليها السلام انتقلت إليك فكيف لا أعظمك يا ستنا . فقلت لها : مهلا لا تفعلي فان هذا كذب يا ستنا .

فقالت لي : سر عظيم وقد اخذ علينا أن لا نكشف هذا لاحد فالله الله في لا يحل بي العذاب ويا ستي لو ( لا ) حملتني على كشفه ما كشفته لك ولا لاحد غيرك . قالت الكبيرة أم كلثوم رضي الله عنها : فلما انصرفت من عندها دخلت إلى الشيخ أبي القاسم بن روح رضي الله عنه فأخبرته بالقصة وكان يثق بي ويركن إلى قولي فقال لي : يا بنية إياك أن تمضي إلى هذه المرأة بعد ما جرى منها ، ولا تقبلي لها رقعة إن كاتبتك ، ولا رسولا إن أنفذته إليك ، ولا تلقاها بعد قولها فهذا كفر بالله تعالى وإلحاد قد أحكمه هذا الرجل الملعون في قلوب هؤلاء القوم ليجعله طريقا إلى أن يقول لهم : بأن الله تعالى اتحد به ، وحل فيه ، كما تقول النصارى في المسيح ويعدو إلى قول الحلاج لعنه الله .

قالت : فهجرت بني بسطام ، وتركت المضي إليهم ولم أقبل لهم عذرا ولا لقيت أمهم بعدها ، وشاع في بني نوبخت الحديث فلم يبق أحد إلا وتقدم إليه الشيخ أبو القاسم وكاتبه بلعن أبي جعفر الشلمغاني والبراءة منه ومن يتولاه ورضي بقوله أو كلمه فضلا عن موالاته .

ثم ظهر التوقيع من صاحب الزمان عليه السلام بلعن أبي جعفر محمد بن علي والبراءة منه وممن تابعه وشايعه ورضي بقوله ، وأقام على توليه بعد المعرفة بهذا التوقيع .

وله حكايات قبيحة وأمور فظيعة تنزه كتابنا عن ذكرها ، ذكرها ابن نوح وغيره ، وكان سبب قتله أنه لما أظهر لعنه أبو القاسم بن روح واشتهر أمره وتبرأ منه وأمر جميع الشيعة بذلك ، لم يمكنه التلبيس ، فقال في مجلس حافل فيه رؤساء الشيعة وكل يحكي عن الشيخ أبي القاسم لعنه والبراءة منه : أجمعوا بيني وبينه حتى آخذ يده ويأخذ بيدي فإن لم تنزل عليه نار من السماء تحرقه وإلا فجميع ما قاله في حق ورقي ذلك  إلى الراضي لأنه كان ذلك في دار ابن مقلة فأمر بالقبض عليه وقتله فقتل واستراحت الشيعة منه .

وقال أبو الحسن محمد بن أحمد بن داود : كان محمد بن الشلمغاني المعروف بابن أبي العزاقر لعنه الله يعتقد القول بحمل الضد ، ومعناه أنه لا يتهيأ إظهار فضيلة للولي إلا بطعن الضد فيه ، لأنه يحمل السامع طعنه على طلب فضيلته فاذن هو أفضل من الولي إذ لا يتهيأ إظهار الفضل إلا به ، وساقوا المذهب من وقت آدم الأول إلى آدم السابع لأنهم قالوا : سبع عوالم وسبع أوادم ، ونزلوا إلى موسى وفرعون ومحمد وعلي مع أبي بكر ومعاوية .

وأما في الضد فقال بعضهم : الولي ينصب الضد ويحمله على ذلك كما قال قوم من أصحاب الظاهر : إن علي بن أبي طالب نصب أبا بكر في ذلك المقام وقال بعضهم : لا ولكن هو قديم معه لم يزل قالوا : والقائم الذي ذكروا أصحاب الظاهر أنه من ولد الحادي عشر فإنه يقوم ، معناه إبليس لأنه قال : فسجد الملائكة كلهم أجمعون إلا إبليس ولم يسجد ثم قال : " لأقعدن لهم صراطك المستقيم " فدل على أنه كان قائما في وقت ما امر بالسجود ثم قعد بعد ذلك ، وقوله : يقوم القائم إنما هو ذلك القائم الذي امر بالسجود فأبى وهو إبليس لعنه الله . وقال شاعرهم لعنهم الله :

يا لاعنا بالضد من عدى      ما الضد إلا ظاهر الولي

والحمد للمهيمن الوفي      لست على حال كهمامي

ولا حجامي ولا جغدي      قد فقت من قول على الفهدي

نعم وجاوزت مدى العبد      فوق عظيم ليس بالمجوسي

لأنه الفرد بلا كيف      متحد بكل أوحدي

مخالط للنوري والظلمي      يا طالبا من بيت هاشمي

وجاحدا من بيت كسروي      قد غاب في نسبة أعجمي

في الفارسي الحسب الرضي      كما التوى في العرب من لوي

وقال الصفواني : سمعت أبا علي بن همام يقول : سمعت محمد بن علي العزاقري الشلمغاني يقول : الحق واحد وإنما تختلف قمصه فيوم يكن في أبيض ويوم يكون في أحمر ، ويوم يكون في أزرق .

قال ابن همام : فهذا أول ما أنكرته من قوله لأنه قول أصحاب الحلول . وأخبرنا جماعة ، عن أبي محمد هارون بن موسى ، عن أبي علي محمد بن همام أن محمد بن علي الشلمغاني لم يكن قط بابا إلى أبي القاسم ، ولا طريقا له ولا نصبه أبو القاسم بشئ من ذلك على وجه ولا سبب ومن قال بذلك فقد أبطل وإنما كان فقيها من فقهائنا فخلط وظهر عنه ما ظهر ، وانتشر الكفر والالحاد عنه .

فخرج فيه التوقيع على يد أبي القاسم بلعنه والبراءة منه وممن تابعه وشايعه وقال بقوله .

العودة إلى الصفحة الرئيسية

www.mezan.net <‎/TITLE> ‎<META HTTP-EQUIV="Content-Type" CONTENT="text/html; charset=windows-1256">‎ ‎<META NAME="keywords" CONTENT=" السيد محمد حسين فضل الله في الميزان ">‎ ‎<META NAME="description" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله في كتبه ">‎ ‎<META NAME="author" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله بصوته ">‎ ‎<META NAME="copyright" CONTENT=" رأي المراجع العظام والعلماء ">‎ <‎/HEAD>