قصة وزير البحريني الناصبي الملعون الذي صنع قالبا للرمان ، واستبصار الوالي وصار من أهل الشيعة

بحار الأنوار العلامة المجلسي :ومنها ما أخبرني به بعض الأفاضل الكرام ، والثقات الاعلام ، قال : أخبرني بعض من أثق به يرويه عمن يثق به ، ويطريه أنه قال : لما كان بلدة البحرين تحت ولاية الإفرنج ، جعلوا واليها رجلا من المسلمين ، ليكون أدعى إلى تعميرها وأصلح بحال أهلها ، وكان هذا الوالي من النواصب وله وزير أشد نصبا منه يظهر العداوة لأهل البحرين لحبهم لأهل البيت ويحتال في إهلاكهم واضرارهم بكل حيلة .

فلما كان في بعض الأيام دخل الوزير على الوالي وبيده رمانة فأعطاها الوالي فإذا كان مكتوبا عليها " لا إله إلا الله محمد رسول الله أبو بكر وعمر وعثمان وعلي خلفاء رسول الله " فتأمل الوالي فرأى الكتابة من أصل الرمانة بحيث لا يحتمل عنده أن يكون من صناعة بشر ، فتعجب من ذلك وقال للوزير : هذه آية بينة ، وحجة قوية ، على إبطال مذهب الرافضة ، فما رأيك في أهل البحرين .

فقال له : أصلحك الله إن هؤلاء جماعة متعصبون ، ينكرون البراهين ، وينبغي لك أن تحضرهم وتريهم هذه الرمانة ، فان قبلوا ورجعوا إلى مذهبنا كان لك الثواب الجزيل بذلك ، وإن أبوا إلا المقام على ضلالتهم فخيرهم بين ثلاث : إما أن يؤدوا الجزية وهم صاغرون ، أو يأتوا بجواب عن هذه الآية البينة التي لا محيص لهم عنها أو تقتل رجالهم وتسبى نساءهم وأولادهم ، وتأخذ بالغنيمة أموالهم .

فاستحسن الوالي رأيه ، وأرسل إلى العلماء والأفاضل الأخيار ، والنجباء والسادة الأبرار ، من أهل البحرين وأحضرهم وأراهم الرمانة ، وأخبرهم بما رأى فيهم إن لم يأتوا بجواب شاف : من القتل والأسر وأخذ الأموال أو أخذ الجزية على وجه الصغار كالكفار ، فتحيروا في أمرها ، ولم يقدروا على جواب ، وتغيرت وجوههم وارتعدت فرائصهم .

فقال كبراؤهم : أمهلنا أيها الأمير ثلاثة أيام لعلنا نأتيك بجواب ترتضيه وإلا فاحكم فينا ما شئت ، فأمهلهم ، فخرجوا من عنده خائفين مرعوبين متحيرين .

فاجتمعوا في مجلس وأجالوا الرأي في ذلك ، فاتفق رأيهم على أن يختاروا من صلحاء البحرين وزهادهم عشرة ، ففعلوا ، ثم اختاروا من العشرة ثلاثة فقالوا لأحدهم : اخرج الليلة إلى الصحراء واعبد الله فيها ، واستغث بامام زماننا ، وحجة الله علينا ، لعله يبين لك ما هو المخرج من هذه الداهية الدهماء .

فخرج وبات طول ليلته متعبدا خاشعا داعيا باكيا يدعو الله ، ويستغيث بالامام ، حتى أصبح ولم ير شيئا ، فأتاهم وأخبرهم فبعثوا في الليلة الثانية الثاني منهم ، فرجع كصاحبه ولم يأتهم بخبر ، فازداد قلقهم وجزعهم .

فأحضروا الثالث وكان تقيا فاضلا اسمه محمد بن عيسى ، فخرج الليلة الثالثة حافيا حاسر الرأس إلى الصحراء وكانت ليلة مظلمة فدعا وبكى ، وتوسل إلى الله تعالى في خلاص هؤلاء المؤمنين وكشف هذه البلية عنهم واستغاث بصاحب الزمان .

فلما كان آخر الليل ، إذا هو برجل يخاطبه ويقول : يا محمد بن عيسى ما لي أراك على هذه الحالة ، ولماذا خرجت إلى هذه البرية ؟ فقال له : أيها الرجل دعني فإني خرجت لامر عظيم وخطب جسيم ، لا أذكره إلا لإمامي ولا أشكوه إلا إلى من يقدر على كشفه عني .

فقال : يا محمد بن عيسى ! أنا صاحب الامر فاذكر حاجتك ، فقال : إن كنت هو فأنت تعلم قصتي ولا تحتاج إلى أن أشرحها لك ، فقال له : نعم ، خرجت لما دهمكم من أمر الرمانة ، وما كتب عليها وما أوعدكم الأمير به ، قال : فلما سمعت ذلك توجهت إليه وقلت له : نعم يا مولاي ، قد تعلم ما أصابنا ، وأنت إمامنا وملاذنا والقادر على كشفه عنا .

فقال : يا محمد بن عيسى إن الوزير لعنه الله في داره شجرة رمان فلما حملت تلك الشجرة صنع شيئا من الطين على هيئة الرمانة ، وجعلها نصفين وكتب في داخل كل نصف بعض تلك الكتابة ثم وضعهما على الرمانة ، وشدهما عليها وهي صغيرة فأثر فيها ، وصارت هكذا .

فإذا مضيتم غدا إلى الوالي ، فقل له : جئتك بالجواب ولكني لا أبديه إلا في دار الوزير فإذا مضيتم إلى داره فانظر عن يمينك ، ترى فيها غرفة ، فقل للوالي : لا أجيبك إلا في تلك الغرفة ، وسيأبى الوزير عن ذلك ، وأنت بالغ في ذلك ولا ترض إلا بصعودها فإذا صعد فاصعد معه ، ولا تتركه وحده يتقدم عليك ، فإذا دخلت الغرفة رأيت كوة فيها كيس أبيض ، فانهض إليه وخذه فترى فيه تلك الطينة التي عملها لهذه الحيلة ، ثم ضعها أمام الوالي وضع الرمانة فيها لينكشف له جلية الحال .

وأيضا يا محمد بن عيسى قل للوالي : إن لنا معجزة أخرى وهي أن هذه الرمانة ليس فيها إلا الرماد والدخان وإن أردت صحة ذلك فأمر الوزير بكسرها ، فإذا كسرها طار الرماد والدخان على وجهه ولحيته .

فلما سمع محمد بن عيسى ذلك من الامام ، فرح فرحا شديدا وقبل بين يدي الامام ، وانصرف إلى أهله بالبشارة والسرور . فلما أصبحوا مضوا إلى الوالي ففعل محمد بن عيسى كل ما أمره الامام وظهر كل ما أخبره ، فالتفت الوالي إلى محمد بن عيسى وقال له : من أخبرك بهذا ؟ فقال : إمام زماننا ، وحجة الله علينا ، فقال : ومن إمامكم ؟ فأخبره بالأئمة واحدا بعد واحد إلى أن انتهى إلى صاحب الامر .

فقال الوالي : مد يدك فأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله وأن الخليفة بعده بلا فصل أمير المؤمنين علي ثم أقر بالأئمة إلى آخرهم وحسن إيمانه ، وأمر بقتل الوزير واعتذر إلى أهل البحرين وأحسن إليهم وأكرمهم .

قال : وهذه القصة مشهورة عند أهل البحرين وقبر محمد بن عيسى عندهم معروف يزوره الناس .

العودة إلى الصفحة الرئيسية

www.mezan.net <‎/TITLE> ‎<META HTTP-EQUIV="Content-Type" CONTENT="text/html; charset=windows-1256">‎ ‎<META NAME="keywords" CONTENT=" السيد محمد حسين فضل الله في الميزان ">‎ ‎<META NAME="description" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله في كتبه ">‎ ‎<META NAME="author" CONTENT=" مقولات السيد فضل الله بصوته ">‎ ‎<META NAME="copyright" CONTENT=" رأي المراجع العظام والعلماء ">‎ <‎/HEAD>